الذين يفضلون قيادة القطيع

عبد الرحيم الخصار
(المغرب)

(الكتابة هي دائما فعل حب
وفي الحب هناك دائما شريك
وإلا فليس هناك حب)
أمبرتو إيكو

عبد الرحيم الخصارربما كان أمبرتو إيكو علي حق، لكن دعونا نتأمل الأمر بأكبر قدر من الصدق: الحقيقة أن الكاتب يكتب لنفسه ويكتب أيضا للآخر، الاختلاف فقط يبدو في مسألة التراتبية، هناك من يكتب لنفسه أولا ثم للآخر ثانيا، وهناك من يكتب للآخر أولا وأخيرا، وهذا النوع من الكتُاب تجد أعماله في الغالب مفتقرة للعمق ولحرارة الرؤية الفردية. ربما هذا ما دفع الشاعر قاسم حداد إلي قول هاته الجملة: الشرط الأول هو ان تكون ذاتيا، وليس موضوعيا، فليس ثمة ما يمكن تسميته بالموضوعية في الفن والادب ، ربما يبدو الأمر واضحا حين نسمع هاته الفكرة عند ادوارد الخراط: لماذا أكتب؟ أكتب لأنني لا أطيق أن أتحمل في صمت، جمال العالم وأهواله، فلا بد من ان أقول.

إذن فالذات هنا هي المحور، هي التي تحس وتتحمل وتقول، ويأتي الآخر ليتقاسم معها هذا الاهتمام.

القارئ إذن شريك وليس محورا، وهذا هو الفرق، أنا أقف علي هاته الرابية حيث الرغبة في الظهور واردة، لكن أيضا حيث الرغبة في سماع الصدي الذي تردده الجبال، أريد ان أسمع كلماتي، لكن من مصادر أخري، لهذا يوجد القارئ المفترض الذي يصغي، ثم يصدر ردة فعل، ردة الفعل هاته هي الأمر المهم في العملية التواصلية بين الكاتب والمتلقي.

إنني كقارئ اعترف ان نصوصا كثيرة تغير مزاجي، النصوص العظيمة تخلق، في برهة وجيزة، تحولا كبيرا علي مستوي المشاعر، وأحيانا علي مستوي الأفكار. لنعد الآن إلي أمبرتو إيكو، إنه من عالم آخر، من أوروبا حيث القارئ مسألة بالغة الأهمية، حيث التداول الهائل للكتاب والتفاعل الكبير مع النصوص علي مستوي التلقي والمتابعة، أما في عالمنا العربي فيحلو لي ان أصغي إلي هذه الشهادة لواحد من كتابنا، ربما تقف كلماته علي المسألة بشكل أكثر وضوحا، وأكثر إيلاما أيضا، يقول جمال شحيذ: عندما ننظر إلي 285 مليون عربي في العالم الآن نتصور ان الكتاب يصيب معظمهم، هذا خطأ، إذ يجب أن نشطب من أصل هذا الرقم أكثر من نصفه بسبب الأمية الفعلية، كما يجب أن نشطب من الباقي أكثر من ثلثيه بسبب الأمية الثقافية التي تزداد علتها عقدا بعد عقد، وهذا ما يفسر الظروف البائسة التي تحيط بالكتاب الرصين الذي لا يتجاوز عدد نسخه ثلاثة آلاف تنتشر سلحفاتيا بين المحيط والخليج، أفي هذا النزر اليسير من القراء فكر الطهطاوي وطه حسين؟ أفي هذه المحطة البائسة فكر المصلحون والنهضويون والتنويريون ومؤسسو الجامعات والمدارس والمهاجرون الشوام الذين أرادوا مضاهاة العالم العربي بأوروبا؟ ألا تفرح هذه الأرقام الرثة عددا من الحكام الذين يفضلون ان يقودوا قطيعا علي أن يقودوا شعبا ناضجا؟

القدس العربي
02/08/2007


إقرأ أيضاً: