(سيمفونية تتحاور فيها الوجوه والأشكال و الصور)
أمين صالح
في تجربتي الحياتية هو القلب اذا غابت عني نبضات القلب
وهو الحب اذا توقف في أيامي نهر الحب
وهو العطاء اذا جف او نضب الآخرين، و انا واحدٌ منهم،عن مواصلة العطاء .
هل أتكلم عن أمين صالح ابن نفس الحي ( فريج الفاضل ) و الذي طالما تواصلنا في الطفولة ولعبنا معا بين داخل الفاضل و الأطراف،
أمين صالح احد الأشخاص الين رفعوا اسم الفاضل الى مناطق ما كان له ان يحلم به من عاش في فترة الخمسينات، حيث الفاضل، الحي، الناس، المعلمون، الأصدقاء، الأهل، كلهم يشكلون ذاكرة تشتعل بالكثير من الجمرات التي لا تتوقف عن الحضور في اغلب مناسبات هذه الحياة، في العمل السياسي السري و العلني، في لعب كرة القدم، في التحولات الاجتماعية و الاقتصادية، في التمازج بين الديانات و المذاهب و الأعراق و القوميات، و كانت رواية (رهائن الغيب)
بطاقة حب من عاشق هذا الحي الذي يتنفس البحر و يتنفس حلم البحارة القادمين الى ارض الخلود و الراحلين في المجهول .
هل أتكلم عن أمين صالح زميل الدراسة في المرحلة الإعدادية، حيث المظاهرات التي نشارك فيها حالمين بغد أفضل و مساحة اكبر للتعبير عن الحلم الوطني.؟
هل أتكلم عن أمين صالح رفيق الكلمة الذي مازال يهب الحركة الأدبية و الفنية في البحرين و خارج البحرين، الكثير من طاقة الحياة و طاقة الحب و طاقة العطاء.
اعرف أمين صالح جيدا ربما، أكثر مما اعرف نفسي.
منذ كتاباته الاولى و التي يقول عنها انه لم يقصد ان يكون أديبا او كاتبا قصصيا،
اكتشفت، كما اكتشف غيري من المتابعين، اننا أمام تجربة جديدة طرية طازجة، تكشف عن نفسها و عن حضورها بشكلٍ طاغٍ و جميل , و أتذكر ان التجربة الاولى كانت قصة او روح انطباعية مستمدة من عالم المعرض الصناعي و التجاري و الذي كان يقام في حديقة الأندلس، و تقدم فيه الكثير من العروض الترفيهية، منها لعبة الهوزي هوزي،
كان عالم المعرض هذا عالما، مختلفا عن اليومي المكرر، فان تذهب للمعرض معناه انك تذهب لمشاهدة ما لا تشاهده في الأيام العادية.
كيان أخر في كيان الأسرة
كانت أسرة الأدباء و الكتاب الوليدة من رحم الحلم بوجود كيان أدبي قادر على تجميع الطاقات الشابة، لإطلاقها في سموات التجربة الإنسانية التي كانت تتكوّن بشكلها الجنيني، كانت الأسرة هي البيت التي الذي تحاول ان تستظل به الكتابات المغايرة و المختلفة، في الشعر و القصة و المسرح و النقد الأدبي و الانثربولوجيا .
في الأسرة / بيت الكتّاب، كنا معنيين بمتابعة الكتابات الشابة المغايرة و المختلفة عن السائد و الخارجة عن المألوف و العادي و المكرر، و لذلك بعد عدة تجارب قصصية قام أمين بنشرها في الصحف المحلية، اتصل بعضنا به، من اجل
ان يساهم بتجربته الوليدة، إعطاء الحركة الأدبية الشابة شيئا من اختلافه و مغايرته و مغامراته في الإبحار الدائم الى الواقعية التي كنا نسميها بلا ضفاف
مستمدين الروح التي اطلقعها روجيه جارودي، على الأعمال المختلفة لبيكاسو و رامبو و غيره من المبدعين في العالم، و من خلال أمين صالح تعرفنا على مجموعة من التجارب العالمية المهمة و التي ساهمت في صياغة تجاربنا كتجربة سان جون بيرست و لوتريامون .
تجربة مغايرة صادمة حتى النخاع
اذا كان من الممكن القول ان الكاتب هو من يتفرد في أسلوبه و صياغة أفكاره و أحلامه بشكل يختلف عن الآخرين، فان أمين صالح في تجربتنا الأدبية هو نسيج وحده، إي انه استطاع ان يؤثر بكتاباته على مجموعة كبيرة من الكتاب البحرينيين و الخليجيين، ان لم اقل و العرب ايضا .
الطريقة التي يكتب بها أمين صالح تجاربه القصصية مختلفة عن الكتابات التقليدية، فلغته تصدم المتلقي، و تبعده عن الاعتماد على ثقافته التي تعوّد عليها، او على التجارب العربية و العالمية التي قام بقرائتها . من هنا، و لطبيعة الكثافة اللغوية التي يعتمدها أمين صالح في أعماله المختلفة، جعل الأنصاري يقول :
ان أمين صالح شاعر فقد الطريق و توجه الى النثر
فيما الآخرون اخذوا يتصورون، بسبب ثراء التجارب و ثراء الروح التي يكتب بها أمين صالح قصصه و نصوصه الإبداعية، ان هذا الكاتب لا بد و انه يستخدم
طرقا أخرى تعطيه مثل هذه الطزاجة و هذه التمايز،و شخصيا سمعت هذا الكلام أكثر من كاتب يحسد أمين صالح على التدفق اللغوي الذي يملكه و على الأماكن التي يذهب اليها وحيدا لا يملك فيها غير سلاح المخيلة، واذا جاز التعبير فان أمين صالح هو سيد المخيّلة، يقودها في كل أعماله و نتاجه الإبداعي .
بالاضافة الى طراوة اللغة و طزاجة الجملة الشعرية التي تتخلل نصوصه، واهتمامه المبكر بقراءة السينما، و التي كنا نحن نهتم بها من الخارج، فيما أمين صالح يهتم بها من الداخل . نراه يواصل العمل كما يردد دائما ( \ببطء و لكن بثقة)
الشاعر / كاتب القصة تداخلات الزمان /المكان
منذ ( هنا الوردة. . . هنا نرقص ) ثم بعدها ( الفراشات ) كان أمين صالح مختلفا في التعامل مع القصة القصيرة، حيث الومضة هي الأساس الذي تنطلق منه بقية العناصر من حبكة و شخصيات و رموز، كانت الومضة و التي تملك الكثير من روح الشعر هي السهم الذي يطلقه أمين صالح لاصطياد المغاير من الجمل و الرموز، و في اغلب أعماله المنشورة على سبيل المثال ( ندماء المرفأ - ندماء الريح - والطرائد ) نلاحظ الامتداد الانساني الذي يسكن معظم النصوص التي يطلقها أمين صالح في فضاء المكان / الزمان الإنسانيان . بعض ارى ما يكتبه يدخل في الزمكان، كما يراه الخارجون عن سطوة الأرض او الكوكب الذي نسكن .
أمين صالح شاعر الصور الغرائبية
قلت ان أمين صالح كان يكتب القصة بلغة الشعر المكثف، و لكن تحوّل بعد ذلك الى كتابة النصوص التي يمتزج فيها الشعر بالنثر، و في الأخير عاد الى فضاء الشعر بعد ان تاه عنه بعض الوقت، فجاءت تجارب مدائح و موت طفيف لتدخلنا مباشرة مع الشعرية الجامحة التي دخل بها أمين صالح فضاء الشعر في البحرين و في الوطن العربي، مشكلا بهذا الدخول القوي و المفاجئ موجة صاخبة فنيا لم تتوقف الى هذه اللحظة عن ترطيب اليباس اللغوي في واقع الحركة الأدبية في الساحة العربية .
أمين صالح الكاتب السينمائي
منذ أوائل 1971 كان أمين صالح هو المحرّض الرئيس لتوجهنا نحو العمل السينمائي و من ثم التلفزيوني، فقد كنا أمين صالح و يعقوب المحرقي و عبدالله يوسف و قاسم حداد و انا، نستعد لتعلم لغة السينما و التصوير السينمائي من خلال التواصل مع التجارب او أصحاب مؤسسات التصوير السينمائي، و اذكر منهم عبد الرحمن الرويعي و خليفة شاهين، هذه الرغبة العارمة التي يحملها أمين صالح و عشقه للسينما، قادته للتخلي عن العمل و السفر الى فرنسا لدراسة السينما، و لكن الظروف المالية حالت دون تحقيق هذه الرغبة، و فيما بقى كل من يعقوب المحرقي و كلثوم أمين في فرنسا لمواصلة دراسة الإخراج السينمائي عاد أمين صالح و عبدالله يوسف الى البحرين .
عدم تحقق الرغبة في دراسة الإخراج لم تبعد أمين صالح عن عشقه للسينما، فقد مده هذا العشق، لان يتواصل مع آخر انجازات السينما العالمية من خلال متابعة الأفلام و قراءة كل ما يكتب عن السينما من لقاءات مع الممثلين و المخرجين و قراءة السيناريوهات و التحليلات الفنية .
و اذا لم نستطع ان نتواصل مع جديد السنما من خلال انشغالنا بقضايا إبداعية أخرى، فان أمين صالح واصل تجاربه في كتابة السيناريو السينمائي، و كانت باكورة هذه الأعمال هو فيلم ( العربة ) الذي اعتمد على ثيمة قصة محمد عبد الملك في قصة ( موت صاحب العربة ) الا ان بسبب عدم وجود الاهتمام الحقيقي في البحرين بصناعة و إنتاج السينما، تحوّل فيلم العربة الى سهرة تلفزيونية أنتجها تلفزيون البحرين في بداية الثمانينات
علاقتي بأمين صالح ساهمت في ان يشركني في كتابة سيناريو سهرة (العطش) و من ثم المشاركة في حوار فيلم الحاجز .
في الواقع ان أمين صالح علمني من خلال المشاركة في بعض أعماله الاولى
كيفية كتابة السيناريو او بمعنى اصح معنى السيناريو، فكتبت بعدها سهرتي التلفزيونية الاولى ( أيام الرماد ) مستفيدا من تعاملي مع أمين صالح في هذا المجال .
و في تصوري ان أمين صالح هو المحرّك الأول الذي كان وراء إنتاج أول فيلم روائي بحريني هو( الحاجز ) من إخراج و إنتاج بسام الوادي و الذي في تصوري كان الخطوة الاولى لصناعة سينما بحرينية، لكن هذه الخطوة تجمدت بسبب وقوف المخرج و المنتج أمام الرعب من الميزانية
أمين صالح و الكتابة للتلفزيون
بعد ان تعثرت الكثير من المشاريع التي كان أمين صالح يحلم بتنفيذها سينمائيا،
دخل مرحلة الكتابة للتلفزيون، بعد تردد عدة سنوات، فقدم مجموعة من الأعمال المهمة في حركة الدراما التلفزيونية، و كلنا يذكر كيف كان مسلسل ( ملح و ذهب ) من إخراج عبدالله يوسف و بعدها مجموعة من الأعمال التلفزيونية للأطفال منها ( صانعو التاريخ و بحر الحكايات ) و رائعة التجارب الدرامية البحرينية ( نيران ) من إخراج احمد يعقوب المقلة و بعدها السديم .
أمين صالح الكاتب المسرحي
لامين صالح مجموعة من الأعمال المسرحية التجربية الجميلة، و لكن اغلبها لم ينتج بالصورة التي يحلم بها الكاتب، و ما قدم من أعمال هي أعمال كوميدية
سوداء، و اذكر منهما مسرحية ( اختطاف ) التي قدمها مسرح الصواري من إخراج مصطفى رشيد و مسرحية ( روميو و جوليت ) التي قدمها مسرح أوال من إخراج عبدالله ملك .
أمين صالح مترجم السينما
شخصيا اعتبر أمين صالح من أهم المترجمين العرب في مجال السينما، خاصة و ان ترجماته، بالاضافة الى اللغة الرشيقة التي يعتمدها، تطرح الكثير من القضايا المهمة التي يعيشها الفيلم السينمائي على مستوى العالم، و حينما قرأت نصوص السينما التدميرية (تأليف أموس فوغل ) شعرت ان مثل هذا الكتاب لا بد و ان يكون قاموسا لكل المهتمين بالسينما، و رغبت في ان يصل الى جميع عشاق السينما في الدول العربية .
بعد السينما االتدميرية جاءت ترجمة كتاب ( الوجه والظل في التمثيل ) كان هو الآخر جميلا و قويا و جريئا، يطرح اشاكالية التمثيل السينمائي، وهو في تصوري مهم لكل من يتعامل مع كاميرا السينما . خاصة و ان هناك من الممثلين الذين درسوا المسرح فاخزوا يخلطون بين المسرح و التلفزيون و السينما، مما ساهم في ضعف الأداء الفني للممثل البحريني الذي يتعامل مع التلفزيون .
واذا ان اطرح حقيقة، ربما يعرفها بعض الأصدقاء، ان أمين صالح هو من دفعني للاهتمام بترجمة بعض الأعمال المسرحية و اذكر منها مسرحية (المرأة ) لادوارد بوند، و قد كان يراجع معي الأخطاء التي أقع فيها في الترجمة، و اذا كانت هذه المسرحية مازالت حبيسة الأدراج بسبب عدم اهتمام المسرح في البحرين بطباعة النصوص المسرحية، فإنها من التجارب الغنية و الثرية التي دفعتني الى المزيد من الاهتمام بالمسرحية الشعرية . و الفضل كما قلت يعود لأستاذي في الترجمة.
العزف المنفرد و السباحة ضد التيار
في المساحة الزمنية التي ساهم فيها أمين صالح بتجربته الإبداعية، كان واضحا لدينا نحن الذين عايشنا تجاربه، بشكلها الجنيني، و بشكلها الذي عرف عند الآخرين . في كل هذه التجارب ظل أمين صالح،و حيدا في مغامراته، ساهم قاسم حداد في الدخول معها و التحاور معها في الكتاب المشترك ( الجواشن )
الفريد في طرحه و رؤياه، لذلك نراه لا يذهب نحو المطروق و المعروف و المكرر، دائما ما تساهم كتاباته الشعرية و النثرية و المسرحية و السينمائية، في طرح الكثير من الأسئلة حول الإبداع و العملية الإبداعية. أمين صالح من الكتاب الذين لا يبحثون عن الإجابات الجاهزة و لا يريدها.
من هنا، فإنني اعتبر فربي من تجربة أمين صالح الحياتية و الإبداعية، تجعلني أقرر و أقول ان أمين علمني شخصيا، ضرورة السباحة الدائمة ضد السائد من الأفكار و الروئ، ضد المتكلس و الجامد و النهائي و من المهم ان يظل المبدع،كما يكرر في بعض أحاديث، عازفا منفردا في مجاله و الا انتهت صلاحيته الإبداعية .
أمين صالح واحد من المبدعين الذين يتجدد إبداعم بعد كل قراءة لنتاجهم المتميز و المتفرد والمختلف و المثير للجدل.
إقرأ أيضاً: