بقلم: عبيدلي العبيدلي

بثينة فخرو لأكثر من سبب أحرص على حضور أي معرض تقيمه الفنانة بثينة عبدالله فخرو. أهم تلك الأسباب ا أنها تبحث عن التميز سواء على مستوى الموضوع او المعالجة. فهي في مملكة دلمون القديمة، وهو أول معرض منفرد أقامته بثينة في فبراير 1999، حينها اختارت بثينة الأختام الدلمونية لكي تقول لنا حاولوا ان تقرأوا تاريخ دلمون الفني من خلال أختامها. لكنها لا تتركنا تيها، وربما ضجرين بين أختام دلمون الممعنة في الصغر والغاية في التسطيح، بل تحول تلك المنمنات الختمية التي لا تلتقط جمالياتها سوى عيون مبدعة كعيون بثينة إلى لوحات مائية وأخرى زجاجية معشقة لنكتشف بالأبعاد الثلاثية البثينية - نسبة إلى بثينة - أننا أمام متحفا حديثا بدون تاريخ محدد يكاد يقترب من التجريد وينجح في تدوين تاريخ مملكة دلمون القديمة دون ان يمس تالق الفن البسيط الذي اكتنفته أختامها الموغلة في القدم.
جاء المعرض حينها تأصيلا غير مفتعل لتاريخ فني غير مدون ليبني جسر التواصل المطلوب بين حضارة راسخة وإبداع حداثي بحاجة إلى من يحتضنه ليعيد لهذه الأمة مكانتها التي تستحقها.

وقبل أن نستفيق من نشوة الأختام تفاجؤنا بثينة وفي حركة فنية جريئة تتألق في داخلها طفولة متمردة في غاية الرقة بلوحات - وأستخدم تعبير لوحة وليس صورة - التقطتها عدستها الماهرة - الباحثة دوما عن تحد - في ربوع الأندلس. لم تذهب تلك العدسة لتبحث عن الأمجاد العربية والإسلامية في الأندلس " الضائعة أو المسروقة" كما يصر الكثير منا على اللجؤ إليها لتعويض تخلفه الحضاري المعاصر، ولا كي تقيما عزاء سرمديا لما فقده العرب هناك. وضعت بثينة، كما يخيل إلي، غصتها العربية والإسلامية جانبا، وكتمت آلام جراحها كما فعلت الخنساء عندما فقدت أعزائها- بين أضلعها وعلت على أحزانها دون ان تتناساها، وراحت تبحث عن الإنساني المشترك المعاصر بين العالمين: العربي والغربي.

ذهبت عدسة بثينة إلى الأندلس وعادت لتفاجؤنا مرة أخرى بهديل حمام الأندلس ورحيق أزهارها وانسياب نوافيرها. في معرضها الفوتغرافي المشترك مع فنانين آخرين شاركاها رحلة الأندلس، قالت بثينة كلمتها مرة أخرى: أنا اتميز باختيار الموضوع وأصر على التجديد في المعالجة وفي الوسط (media) الفني الذي استخدمه.

ماذا قالت بثينة في بيت أستاذنا الكبير يرحمه الله عبدالله الزايد؟
بثينة فخرو قبل أن أنقلكم إلى هناك ذلك لابد من القول أن بثينة دأبت على إحاطتي علما، ولا أدعي أنها تستشيرني لكي لا أكسب مجدا لا أستحقه، ببعض ما يدور في خاطرها من أفكار ومن مشروعات، نتجاذب أطراف الحديث بشأنها لنقتل آلام التغرب التي كانت تكتنف حياتنا حينها. هذه المرة ودون سابق إنذار فاجأتني حين سلمتني نموذج دعوة ( كانت الدعوة للنساء فقط ) لمعرضها الجديد في بيت عبدالله الزايد والذي حمل عنوان نوافذه ..... نوافذنا. غاب عن بالي ضرورة التوقف عند تلك العبارة، فقد أعجبني تصميم الدعوة وشدني عن الإلتفات إلى أي مما ورد فيها من نصوص. هكذا هي دعوات معارض بثينة ... عبارة عن لوحات تختلف في رسالتها الفنية عن تلك الأصلية المعروضة في المعرض.

لا أكتم القارئ سرا لقد ساورني الخوف على بثينة ... مالذي ستقوله لنا هذه المرة ... خشيت عليها ان تحاول قراءة أفكار الزايد التي وردت في كتاباته وقصائده وتحولها إلى لوحات مرسومة أو لقطات مصورة. لقد سبقها إلى مثل هذه المدرسة مبدعون آخرون، نفر قليل منهم نجح وعدد لا يستهان به وقع ضحية التقليد غير المبتكر. للمرة الأولى التي أتردد فيها لتلبية دعوة تأتي من بثينة. كنت أحاول البحث عن سبب يبرر تقاعسي والذي هو في حقيقة الأمر خشية من صدمة كنت أشفق فيها على نفسي وأتحاشى - ربما بدون وعي مسبق - أن لا أجد ما اتوخاه.. لكن لم يكن من الأمر بد.

تحاملت على نفسي وذهبت مبكرا بعض الوقت. تجولت سريعا بين اللوحات .... شريطا بانوراميا امتد أمامي في تلك الجولة وعند كل لوحة تبرز أمامي إحدى نوافذ الزايد. تساءلت ما السر وراء كل هذه النوافذ؟ بعضها حقيقي وبعضها الأخر أعادت تركيبها بثينة بطريقة متميزة وحولته إلى لوحة. انتحيت جانبا إذ لم يكن بيت الزايد مكتضا بالزوار وحاولت إعادة ترتيب أفكاري محاولا لم اللوحات في لوحة واحدة. حينها وصلت إلى ما ذهبت إليه بثينة ... وكانت مفاجأة أو بالأحرى صدمة لكنها صدمة في غاية الإبتكار والإبداع. تركت بثينة تراث الزايد رغم أهميته وتقديرها له إذ لا تكف هي نفسها عن الإشادة به في لقاءاتنا، وأنزوت في ناحية واحدة من زواياه واختارته نافذته لتطل من خلالها على آفاقه ولتدعونا نحن أيضا كي نطل معها من تلك النافذة.

لوحات بثينة الزيتية والمائية وصور عدستها تقول ... نافذة الزايد المشرعة هي الرمز لرؤيته المتقدمة التي سبق بها عصره ومعاصريه .... وإن كان لنا أن نقرأ الزايد - تقول لنا بثينة - فعلينا أن نقرأه من تلك النافذة المتقدمة ... تحولت نوافذ يثينة إلى ما يشبه الأوتار التي تعزف لحنا واحدا هو لحن النافذة .... من النافذة علينا ان نقرأ الزايد في إطارها الزمني والتاريخي نطالع أفكاره وعبرها نعكس تألقه ... وبين أطرها ننشد إلى واقعه ونلامس أحداثه.

بثينة فخرو عند كل لوحة أو لقطة تتراجع مخاوفي وتحل مكانها نشوة وارتياح .... نشوة لأني أمام كل نافذة أجد مقطعا من مقاطع قصيدة قالها الزايد ... ليس هناك ربط قسري بين اللوحة أو اللقطة والنص، العكس تماما ما يشاهده من يتمعن في لوحات بثينة ... يتزاوج النص والرسم او اللقطة في نسيج متكامل يقول للزائر هذه إحدى نوافذ الزايد كما تريد بثينة منك ان تراها يستسلم المشاهذ بإرادته ويحلق عبر نافذة بثينة ليتعانق مع نص الزايد ونظرنه المتقدمه.

حافظت بثينة على عذرية نصوص الزايد فلم تخدشها او تشوهها وبدلا من ذلك تركت لعدستها او لريشتها الحرية في معانقة نوافذ الزايد فولد ذلك العناق نشوة صوفية شبيهة بحمامات الأندلس ونوافيرها التي كانت موضوع معرض بثينة السابق.

هناك الكثير مما يمكن ان يقال عن اللوحات أو اللقطات لكني أترك ذلك لمن لهم باع أطول مني في مجال الفن والإبداع. فما أنا إلا زائر غير محترف لفنانة لا يملك إلا أن يعشق لوحاتها.

بقيت مسألة تنبغي الإشارة لها هنا وهي جهود الشيخة مي فهي الأخرى تحدت الظروف ونجحت في أن تفتح أبواب بيت عبدالله الزايد أمام المبدعين من أمثال بثينة. بإمكانات ذاتية متواضعة وبإصرار لايعرف اليأس ولايستسلم أمام الصعاب تمنكنت مي آلخليفة من أن تشرع العديد من النوافذ الثقافية، التي كانت مغلقة، أمام رياح التغيير الإيجابية التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر.

نشوة صوفية ولدها عناق لوحات بثينة مع نصوص الزايد

 

بثينة فخرو بثينة فخرو

بثينة فخرو
معلقة على انتقال معرضها الى الكويت:

ربما حدث شيء مشابه
قبل أربعة آلاف وخمسمائة سنة

ستشهد مدينة الكويت، والتي ستكون عاصمة للثقافة العربية عام 2001، معرضاً للفنانة البحرينية بثينة فخرو وذلك في رحلة ثالثة للوحاتها بعد انتقالها من العاصمة البريطانية الى البحرين.

وترى بثينة أنها في رحلتها هذه ربما تستعيد حدثاً من يوميات دلمون القديمة وهي الدولة التي كانت قائمة شرق الجزيرة العربية وامتدت من جزر البحرين وحتى الكويت الحالية. وتحتل جزيرة فيلكا، بالتحديد مكانة مميزة، إذ كانت موقعاً فاعلاً قبل أربعة آلاف وخمسمائة عام وسط نشاط تجاري وثقافي زاخرين امتد من شمال الخليج العربي وحتى وادي السند. ومن بين الأختام التي أنتجت في تلك الجزيرة ومثيلتها في جزر البحرين تشكلت روح معرض هذه الفنانة.

وسيقام المعرض بإعداد من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وذلك في قاعة أحمد العدواني في ضاحية عبدالله السالم.

جزيرة فيلكا
تعتبر جزيرة فيلكا من أجمل وأشهر الجزر الكويتية، فهي تحتوي على التاريخ القديم للكويت والذي يرجع الى بدايات العصر الحجري مروراً بالتاريخ الحديث عندما استقرت فيها قبائل العتوب بعد رحلتها الطويلة قبل استقرارها النهائي في مدينة الكويت في نهاية القرن السابع عشر الميلادي.

تقع جزيرة فيلكا على بعد 20 كيلومتراً شمال شرق مدينة الكويت. طولها حوالي 12 كيلومتراً وعرضها حوالي 6 كيلومتراً، وأرضها منبسطة، فيما عدا مرتفع صغير يبلغ ارتفاعه 30 قدماً ويقع في أقصى الجانب الغربي والذي يحتوي على مزار الخضر.

ويربط الجزيرة بمدينة الكويت خط أنابيب يمر تحت سطح البحر وهو يزود 6000 آلاف نسمة من سكانها سنوياً بـ 100 مليون جالون من الماء الصالح للشرب. وبموازات هذا الخط هناك ثلاثة خطوط قوة تزود الجزيرة بالكهرباء من مدينة الكويت.

وتحتل جزيرة فيلكا اهتماماً كبيراً من حكومة الكويت، وهذا راجع لكونها ذات أهمية تاريخية وأرض مقدسة لحضارة قديمة، إضافة الى أنها أصبحت الآن تجتذب السياحة الحديثة جنباً الى جنب مع كونها واجهة للتطور الحديث. وقد اعتاد الكويتيون على الذهاب لفيلكا باستخدام السفن البحرية الصغيرة لقضاء أوقات للراحة والاستجمام.

وجرت أغلب المكتشفات الأثرية في جزيرة فيلكا التي تقع على بعد 20 كيلومتراً من مدخل خور الكويت. وكانت الجزيرة مركزاً لحركة تجارية ناشطة بين وادي السند وعمان من جهة وبين وادي الرافدين من جهة أخرى، لذا تحوي على العديد من المكتشفات الأثرية التي تعود الى مختلف العصور مثل العصر البرونزي والحضارة الدلمونية.

متحف الكويت الوطني
تأسس متحف الكويت الوطني في بداية الخمسينات بهدف إظهار جوانب الحياة الثقافية والتراثية في الكويت إضافة الى كونه مؤسسة مهمة تعكس تاريخ البلد وحضارته. وقد افتتح في 31 ديسمبر سنة 1957 في قصر دسمان الذي بني قبل حوالي الـ 140 سنة، كقسم من دائرة التعليم حينذاك.

وفي 27 ابريل عام 1966 صدر مرسوم أميري بالحاق إدارة الآثار والمتاحف بوازرة الإعلام. وفي العام 1977 بدأ في تشييد مبنى المتحف الجديد المصمم على أحدث مبادئ فن العمارة والتكنولوجيا، والذي يأخذ بعين الاعتبار الفن العربي والاسلامي في التصميم والذي يتناسب مع البيئة في الكويت. وقد تم الانتهاء منه في خلال خمس سنوات أي في 22 فبراير عام 1983.

المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب
وهو مؤسسة أنشئت بالكويت عام 1973، وألحق حين تأسيسه بمجلس الوزراء، ثم ألحق عام 1991 بوزارة الإعلام، وقد أنيطت به تنفيذ أمور من بينها مسح الواقع الثقافي وجمع البيانات عن مجهودات الهيئات المختلفة فيما يتعلق بأوجه نشاطه، وإصدار المؤلفات والمعاجم والإهتمام بالتبادل الثقافي والمشاركة في المعارض والمؤتمرات والمهرجانات والندوات الثقافية والفنية، وتحديد مقاييس الجودة في مختلف نواحي الانتاج الفكري والفني المحلي، ووضع المكافآت المتعلقة بهذا الانتاج. وعني بانشاء جوائز خاصة تمنح لأحسن انتاج محلي وعربي وعالمي في الثقافة والفنون والآداب ويكون متصلا بالكويت أو بالوطن العربي. وأنيطت بالمجلس مهمة التخطيط الثقافي وتشجيع الانتاج الفكري وتطويره وإغنائه، وتوفير الأجواء الملائمة للإنتاج الأدبي والفني. ويهتم المجلس بنشر الثقافة والفنون التشكيلية ودراسة التراث الوطني والحفاظ عليه، وتنمية الروابط الانسانية من خلال التبادل الثقافي على المستوى العربي والعالمي.

ويمثل معرض الفنانة بثينة فخرو أحد أوجه هذه الفعاليات، ويعكس في جانب آخر تزايد الاهتمام الرسمي والشعبي الملحوظين في أقطار الخليج الستة بالفنون التشكيلية. وستضم الأعمال المعروضة لوحات زجاجية ومائية وطبعات جرافيك.