القسم الأول . الفصل الخامس 4

الصورة الرومانسية
للانهيار بين الفرد والمجتمع

* أحمد كمال
* فهد الدويري
* محمود يوسف

المجتمع بنظمه وتقاليده .. هو المتهم الأول في القصة الرومانسية بل إنه يتحول إلى سلطة قدرية غاشمة يقف الفرد أمامها عاجزاً فاقداً القدرة على مواجهتها أو صدها ... ومن هنا نجد البطل في القصة القصيرة يرتكب الجريمة .. أو يقع في الرذيلة .. أو يزهد الحياة ويتمنى التخلص منها بالموت والانتحار ... ولكنه يظل دائماً يحمل في داخله قلباً أبيض، وتظل نظرة الكاتب إليه بوصفه ضحية من ضحايا المجتمع الفاسد ... لأنه لا يقترف الخطيئة بإرادته واختياره وإنما يندفع إليها من خلال ما يكبله به المجتمع من قيود وأحكام وتقاليد فتمتلئ صورة البطل في القصة بالمشاعر والمواقف المثيرة، التي يريد الكاتب فيها أن يهز المجتمع بأسره هزة عنيفة ليصحو ويفيق .. وهذا ما كان يهدف إليه الرومانسيون دائماً.

والبطل بهذه الصورة يخوض الصراع بين عواطفه ومواقفه الفردية المحدودة وبين الوجود الاجتماعي من حوله . وهو الواقع بكل ما يفرضه من سلطات وتراكمات بعيدة .. ومثل هذا الصراع يفجر لدى الكاتب ينابيع متعددة للعواطف والمواقف المؤثرة، والأحداث التي تثير القسوة والفظاظة، وتنبئ عن مدى الشقاء الاجتماعي الذي يواجهه البطل بمفرده .

وربما كان أكثر من عنى بإبراز الدافع الاجتماعي والإنساني في سقوط بطل القصة القصيرة هو ( أحمد سلمان كمال) الذي نشر مجموعة من القصص ... بمجلة ( صوت البحرين) في الخمسينات أي في سنوات المعاناة الاجتماعية والسياسية .

ونجده في معظم ما كتب من قصص يدير الصراع بين الفرد والمجتمع . وجميع شخصياته تحتضر من مرارة هذا الصراع، وتستسلم لنوع من العجز والضعف الإنساني، إذ أنها لا تستطيع الخروج من محنتها أو مشكلتها الاجتماعية، ولا تهتدي إلى طريق أو خلاص . إنها تظل هائمة، ضائعة طريدة، تخرج من محنة أو مصيبة لتقع في أخرى، وتنفرج عليها إحدى الطرق لترتطم بأخرى، فلا تكاد تصل إلى النهاية إلا وقد فقدت قواها وسيطرتها وقدرتها على مواجهة الحياة، لذلك تلقى دائماً المصائر المؤسية التي تفقد فيها كل شيء .

ففي قصة ( جناية أب) نجد البطل يضطر إلى السرقة والدخول في السجن بعد أن عاش سلسلة من العذاب وأطواراً من الشقاء التي فتحت له أبواب المصير المؤسي في النهاية .. وجعلت السجن أفضل له من الحياة في المجتمع، وهذه بعض سمات الغضب الرومانسي التي تدور في سياقه شخصية القصة.

وندرك في أحداث القصة المليئة بالمواقف، والتي تستوعب رقعة كبيرة من الزمن أسباب المصير الذي يقع فيه البطل، فهي أسباب لا تخرج عن دائرة تفكك الأسرة وتمزقها نتيجة شيوع الطلاق، لقد رأى أمه وأخته الصغيرة عندما كان صغيراً يتنقلان إلى بيت من السعف، بعد أن طلق أبوه أمه، ولكنه لم يعرف معنى الطلاق، فيظل مع أخته وأمه حتى يكبرا . وينتزعهما الأب من أمهما ليجعلهما يعيشان الذل والعذاب في خدمة زوجته الجديدة التي تؤذيهما كثيراً . بل إنهما يتحملان المرض والجهل من أجل مواصلة العيش .. وحين تتوفى أمهما بعيدة عنهما يحرمان من الذهاب إلى جنازتها، وحينئذ يهرب الابن من بيت والده ليتلقفه الشارع، فيعمل عملاً شاقاً لا يلبث أن يصاب بعاهة تلزمه الفراش فيضطر للاستجداء لكنه يواجه سخرية الناس . وتدفعه كل هذه الظروف الاجتماعية أخيراً إلى السرقة، أما أخته فقد اندفعت نحو الرذيلة كي تتمكن من مجابهة قسوة الحياة بمفردها .

وهذه الأحداث الكبيرة تسوق لنا الفكرة الأساسية التي يريدها الكاتب وهي أن ما يقع فيه البطل مع أخته من سقوط وانتهاء، لم يكن إلا بسبب قوانين المجتمع الجائرة التي أقرت للأب في البداية الحق في أن يمزق أواصر الأسرة بإعلانه الطلاق وتشريده للأم المسكينة .. بل أقرت أن ينفصلا عن الأم ويذهبا إلى ( الأب ) الذي وضع البذرة الأولى للضياع والسقوط، ثم أقرت بعد ذلك سخرية الناس منه بدلاً من العطف عليه .

وحينئذ ينبثق المصير لا ليدين البطل بل ليدين المجتمع بأسره. فهو يقول على لسانه:
( إن المجتمع يأخذ منك ولا يعطيك .. إنه يريد ابتسامتك دائماً مهما حملت من علل وآلام، ويشمئز من رؤية الدموع على وجنتيك، لا لأنه يعطف عليك، وإنما لأنه لا يريدك أن تعكر صفو ابتسامته ) (3(.

فالمجتمع إذن هو الذي استلب من البطل كل شيء وجرده في النهاية من الأب والأم والأخت ومن العمل ومن الصحة ومن العطف . ولكن البطل لم يستطع أن يفعل شيئاً لأنه ظل عاجزاً تجره قوى المجتمع إلى نهايته دون أن يكتشف سبيلاً إلى التغيير، أو يهتدي إلى خلاص . فيكون عجزه وعدم إدراكه باباً موصداً، وتكون نهايته صورة سلبية من صور الاحتجاج على قوانين المجتمع فهو يصرخ :
( سرقت .. سرقت لآكل فقط.. سرقت لأنني كنت جائعاً وأمامي كروش منتفخة .. الجوع والحرمان، وقسوة أناس دفعت بي إلى ذلك (.

هذا الموقف يحمل لبوساً من البراءة لإثارة العطف والشفقة، ولكنه ينطوي على فردية سلبية ينكفئ عليها البطل لمجرد الصراخ والجلجلة باختلال النظام الاجتماعي . ولعل في مجيء السرد القصصي على لسان البطل وبروايته ومن موقعه ما يضفي تضافراً فنياً بين المادة والأسلوب من أجل الإعلاء من شأن الموقف الصارخ الذي تثور به الشخصية في القصة .

وفي قصة ( المجنونة ) نجد صورة أكثر صرامة وقسوة وإثارة للمشاعر فيما تقود إليه تقاليد المجتمع المتخلف . إذ أن البطل فيها ( امرأة ) يطرح الكاتب قضيتها الكبرى في الزواج عندما يرغمها أهلها على العيش مع رجل لا تحبه لأنهم أرادوا استغلال الرجل . ويجعل الكاتب من ذلك مظهراً من مظاهر العصر الذي تسيطر عليه النظرة المادية المجردة من العاطفة الإنسانية النبيلة. فكأن الكاتب يبحث من خلال هذه المشكلة عن الإحساس الإنساني والعطف والصدق، فقد كانت بطلة القصة فتاة جميلة، رباها والداها أحسن تربية وأنفقا عليها الكثير حتى تعلمت وأنهت تعليمها، ثم جاء رجل كبير السن وخطبها من والدها فوافق حيث رأى فيه منقذاً للأسرة من وضعها المعيشي البسيط، فتكون البطلة ضحية لمثالية برجوازية مؤقتة أو طارئة في مجتمع تقليدي لا تعني بالنسبة إلى الكاتب إلا أنها معنى من معاني الفردية اليائسة، المحبطة والمجردة من العواطف :
( لم تكن تعلم أنها تعيش في عصر سيطرت عليه المادة، وتغلغلت في جميع شئونه، في عصر خال من القلوب اللينة الوادعة، التي تنعم بالإحساس النبيل، وتتمتع بالشعور الكريم، إنه عصر مادي بحت، فكل شيء فيه يباع .. يباع كأي سلعة، لا بل كل شيء فيه سلعة فالزواج والصداقة والصلات الإنسانية، كلها سلع لها أسعارها، وسوقها، ولها ثقافتها الواسعة لم تفطن إلى هذه الحقيقة المرة البغيضة ) (4).

وتستسلم بطلة القصة لهذه الحقيقة، ويكون زواجها من الكهل . ولا تمض بضع سنوات حتى تكتشف أنها قد فقدت جمالها الرائع، وذهبت عنها نضارة الشباب، فتصاب بالندم والشعور بالامتهان واليأس فتسأم الحياة وتشكو لأمها كثيراً ولكن دون فائدة، وتمضي سنوات وتنجب طفلاً وطفلة، وتشيخ مبكرة وبصورة مريعة، وتتوفى عنها أمها ثم والدها ويمرض زوجها، فتزداد حياتها مرارة وتصاب بالجنون عندما تتوالى عليها المصائب، وتندفع إلى قتل زوجها في نوبة جنونية، وتظل هائمة يرعاها أحد أقربائها حتى تقتل نفسها.

إن الكاتب في هذه القصة، يستمر في التعبير عن عجز البطل وضعفه وعدم قدرته على إدراك أسباب الشقاء والمعاناة إدراكاً يقوده إلى عمل عقلاني في سبيل التغيير، وهو يصف بطلة القصة بذلك، فهي رغم ثقافتها وتعلمها لم تدرك أنها قد نظر إليها بوصفها سلعة تماماً كما كان البطل في القصة السابقة . الذي طوته مأساة الطلاق وهو لا يدرك ما يعنيه بالنسبة لشقاء حياته .

ولكن عدم إدراك البطل للواقع من حوله، رغم نكوصه لا يثير اهتمام الكاتب لأنه لا يريد أن يدين الفرد في المجتمع حين يكون فريسة لنظمه الجائرة، إنه يريد إدانة المجتمع نفسه، والمجتمع هنا يتمثل في الأسرة التي أخضعت المرأة لمواضعاتها فقادتها إلى الضياع . إن هذا المجتمع في نظر الكاتب هو الذي تجرد من (الإحساس والنبل والشعور الكريم) وهو الذي ضيع المرأة وأفقدها جمالها ثم أفقدها عقلها إلى أن انتهى بحياتها . فهي .. ) كان لها مثل ذلك الجمال الرائع فسلبته إياها الأنظمة الاجتماعية الفاسدة قبل أن تتمتع به ).

وحين تفقد عقلها يقول الكاتب :
(فقدت عقلها .. عقلها الغض الذي تحمَّل الويلات والمصائب فوق طاقته، فعصره الألم وأضناه الحرمان، وأمضه الشوق، وقضى عليه الكبت الشعوري) (5) .

إن المشكلة الاجتماعية هنا تقود البطل الرومانسي إلى الإمعان في قطع علاقاته بالوعي الحقيقي لمصدر الشقاء والعذاب الذي يتلقاه من المجتمع . وهذا الإمعان هو الذي يفتح مجرى الأحداث الهائلة المثيرة للمشاعر والعواطف أمامه، بل إنها هي الوسيلة الحقيقية للكاتب في تشكيل مواقفه الفكرية من النظم الاجتماعية، وهذا ما يجعل منها مصدراً حقيقياً في قيام الشكل القصصي الذي ينهج إلى صياغة المواقف المؤسية والممتدة زمنياً . فالزمن لا يشكل الحدث الفني ولا يسترعي انتباه الكاتب أو عنايته ولكن الحدث وما ينطوي عليه من دلالات الشقاء هو الذي يجسد الفكرة النهائية . وكأن التصور الذي يخضع له الكاتب أنه كلما تعددت خطوط الحدث، وازدادت حدتها وتأثيرها، تمكن من الوصول إلى شكل قصصي ينفصل فيه البطل عن المجتمع وتنقطع علاقته بالحياة ويكون ضحية لحدث اجتماعي مرتبط بالقوانين العامة .

ولعل هذا ما يخرج لنا ملامح رؤية الكاتب حول الانهيار الكبير الذي يعانيه الفرد ولا يستطيع له ردا، إذ أن المجتمع في القصة الرومانسية هو الذي يطوح دوماً بالفرد كيفما شاء .

بل إن البطل في قصة (الكأس الأخيرة ) (6) يجسد لنا فكرة غاية في التشاؤم والإحباط إذ أنه لا يكتفي بالنقمة على نظم المجتمع، وإنما يصل إلى نهاية لا يرى فيها مجالاً لخلاص الفرد وإنقاذه سوى الموت والاندحار .

ويبرز اختيار الموت في هذه القصة ذروة الهزيمة والانهيار التي يقع فيها الفرد في خضم صراعه مع المجتمع، لقد أراد أن يعيش بصدق وشرف، وطمح إلى العطف والشفقة ولكنه وجد أن كل ما يحيط به يخلو منها . وتبدأ خيوط الحرمان والفقد من الأب كما بدأت في قصة ( جناية أب ( وقصة ) المجنونة ) لأن الأب يمثل دوماً في نظر الكاتب سلطة، أورث فيها المجتمع التقليدي كثيراً من تراكماته التي جعلت منه رمزاً قهرياً للفرد . فهو في القصة الأولى يمزق الأسرة بالطلاق، وفي الثانية يقضي على مستقبل الفتاة بإرغامها على الزواج من رجل لا يناسبها . وفي هذه القصة يكون سبباً في شقاء الأبناء حين يسيء تربيتهم ولا يلتفت إلى ما يحتاجونه إليه من عطف أبوي صادق، وحنان يربط الابن برباط وثيق يملأ عليه حياته . إن بطل هذه القصة على العكس من ذلك يشعر بفراغ هائل يخلفه عدم وجود العطف والحنان من أبويه اللذين يتركانه دون رعاية . فهو يعيش معهما في منزل واحد مع أخته وأخيه، ولكنه لا يشعر بهما، لأنهما غارقان في خلافاتهما الحادة، وتتوفى عنه أمه، فيزداد وضع العائلة شذوذاً . إذ أن بطل القصة بدأ يلجأ إلى السرقة والسلوك الشاذ، وحين يتوفى الأب يبدأ هو في إعالة البيت، فيشتغل ويتعلم، ويشجع أخته على الدراسة كي تعوض ما فاتها من حرمان، ويبدأ في العمل والكفاح، ولكنه يفاجأ ذات يوم بغريب في غرفة أخته، فتنهار كل الآمال، ويندفع ليقتل الغريب ويقتل أخته أيضاً، ثم يسلم نفسه للشرطة ويسجن خمس سنوات، وعندما يخرج من السجن يظل يبحث عن أخيه الذي تركه، ويبحث عن عمل، فلا يجد أخاه ولا يعثر على عمل . فيضطر إلى التسول ولكن الناس سخروا منه . وحينئذ وجد أنه لا يستحق الحياة فاختار الموت .

هذه بلا شك صورة أكثر حدة وميلودرامية، لما تقود إليه النظم والتقاليد الاجتماعية من مساوئ ومصائر مظلمة . ولا تختلف أسباب المصير في كل قصص أحمد كمال التي عرضنا لها حتى الآن . فالبطل دوماً يواجه بداية الاضطهاد من ( الأب ) . وهو السلطة القهرية العليا في الأسرة . وهو يخضع ويستسلم في عجز تام لكل ما تقرره التقاليد والنظم من سبل يسلكها في الحياة مهما كانت بشاعتها وفداحة ظلمها . وهو يتلقى الضربة الأولى لتنهال عليه الضربات المتوالية التي تشعره بأنه طريد المجتمع، وأن الناس جميعهم يريدون قتله والتخلص منه، فيصل إلى الإحساس بالصدمة الشديدة من كل ما يحيط به. ثم الإحساس بالضعف . حيث يتصور أنه يخوض الصراع مع المجتمع . ويكون إحساسه بالضعف والغربة سبباً في تضاؤله وانهياره . ثم قطع صلته بالحياة.

إن كل ما يحيط بالبطل في القصة الرومانسية مجرد من العواطف والقيم الفاضلة، والسبب في شعوره بذلك أنه يعاين فراغاً وشرخاً عميقاً . وكأن هذه الشخصيات تبحث عن العطف، والرحمة، والاتصال الحميم بين القلوب، والمودة والشرف، والنبل والخير . و ... و ... تبحث عن هذه القيم في مجتمع مجرد منها . ولهذا فهي ترجع سبب شقائها وتعاستها إلى ذات المجتمع . فالبطل في ( جناية أب ) يضطر إلى الاستجداء فيسخر منه الناس، وفي ( المجنونة ) تجن المرأة فيسخر منها الناس . وفي ( الكأس الأخيرة) يستجدي أيضاً فيجد الناس تضحك عليه وتهزأ منه .

كل ذلك يحمل في ثناياه إحساساً متضخماً بالمشكلة الاجتماعية وتوجساتها، لكن مع ذلك فإن البطل في قصص أحمد كمال غير مهيأ لصياغة وعي جديد، إنه ضائع، هائم في عالم غير محدد السمات . لا يدرك طريقه إلى الخلاص . ولا يدرك كيف يكون الانتهاء مما هو عليه . ولا يتمثل وعياً لمصدر العناء والشقاء. فهو تارة يوجه اللوم والجناية إلى (الأب) مصدر السلطة في الأسرة، وتارة يوجهه إلى التقاليد وأحكامها، وتارة إلى بعض المعايير السائدة، وتارة إلى الناس جميعهم وتارة إلى التجرد من العطف والرحمة والقيم، وتارة أخيرة إلى القدر بوصفه قوة كبيرة تعمق ضعفه وعجزه .

والنظر إلى ( القدر ) قوة غاشمة، مسيطرة على حياة الفرد يوصله إلى ذروة الإحساس بالضعف . كما يكون نقطة الغموض الحقيقية في وعي البطل . فهو كلما رجع إليها مع انهيار الحياة، أو إحباطها أو غل بنفسه في مجاهل غير محددة.

على أن كل هذه التهويمات اللامحدودة التي يتردى البطل في غياهبها يفتح للكاتب قنوات متدفقة بإثارة المشاعر والعواطف، وتضج بضخامة الإحساس والتوقد بما تؤول إليه الشخصيات وهي تعترك بمفردها في رحى هائلة، تدور بها إلى أن يستنفد كل قوى الاحتمال الممكنة لديها . ولكنها مع كل حركة تثير سؤالاً حول الانهيار والخيبة التي تسيج المجتمع، إنها تسرق وتفجر وتجن وتنتحر وتتشرد وترتكب الآثام .

ولكن الكاتب يشدنا إليها بعاطفة من الرثاء والإشفاق . ويؤكد لنا غالباً على أنه يبحث لأبطاله عن مجتمع فاضل تزدهر فيه العواطف الصادقة والقيم الشريفة، ويتحرر فيه الفرد من القيود والأصفاد .

وليس هناك بديل - في نظر الكاتب - عن هذا المجتمع الذي يقود إلى الموت والجنون والانتحار غير التمسك بالعواطف النبيلة، والقيم الشريفة كما يأتي ذلك على لسان أبطال بعض القصص . إن انسجام الشخصية وتوازنها يكمن في إدراك القيم الفاضلة بحيث لا تنشغل بهدف آخر، كالتغلب على المشكلة، أو التمرد على نتائجها، أو نحو ذلك مما يوحي بالفعل الإيجابي، فبناؤها الفني لا يجري في سياق البحث عن الخلاص للمجتمع بأسره، بل إنه يجري في سياق البحث عن بعض المثاليات الفردية كالتمسك بالشرف، والنبل، والصدق، والتعاطف . ونحو ذلك مما ينضوي في ذوات الأفراد، ويرتهن بطبيعة ظروفهم ومكوناتهم الرومانسية .

إن المجتمع يظل منفياً مقطوعاً عن البطل من خلال تلك المصائر (الميلودرامية) التي يركض إليها اختياراً . فالموت، والقتل، والجنون، ونحو ذلك، لا تعني سوى نفي المجتمع وقطع الصلة به، وإلا ماذا يعني أن ينقاد البطل بكل طهره وبراءته نحو الظلم والشقاء وبالتالي إلى الموت . إنه يعني أن انتهاء البطل اختياراً إنما هو احتجاج على سيرورة النظم الجائرة في المجتمع .

ولعل ذلك يؤكد لنا أحد جوانب الغربة التي وقعت فيها البرجوازية في الخمسينات من هذا القرن . إذ أن الكتاب الذين يشكلون تلك النظرة إلى المجتمع، إنما يحملون فظاعة الخيبة والانهيار التي أفاقوا عليها بعد سبات الأجيال الماضية . لقد قادت البرجوازية التي ينتمي إليها معظم كتاب القصة القصيرة الحركة الوطنية والإصلاحية، مدفوعة بهول ما كشفته واجتلته من خلل في السياسة والمجتمع . غير أن ذلك عمق من الإفاقة المفاجئة لدى طائفة من المثقفين الذين آثروا التأمل، وخلق لديهم ردة فعل عنيفة، لم يتمكنوا معها من تلمس الطريق الصحيح . فجاء ذلك نوعاً من التماثل في نمو البرجوازية . فبينما هي أرادت - من خلال العمل السياسي إصلاح بعض مفاهيم الإدارة، والسياسة. وجدناها أيضاً في الإبداع والفكر تبحث عن القيم العليا وتهدف إلى تصحيح بعض المثل في الخير والفضيلة ونحوها .

وهذا يعني من جانب آخر أن أحمد كمال - وغيره من كتاب القصة أيضاً - خضعوا لسمات عديدة من الانفعال الشديد بتخلف المجتمع . حتى أنهم عندما وقفوا على مشاكله، إنما وقفوا على تركات القرون السابقة، في الجهل، والتخلف والكبت والتنكر لحرية الفرد ومكانته . وربما كان هذا ما أفاقت عليه القصة الرومانسية في الأدب العربي الحديث بشكل عام أيضاً .

وأكثر ما أدت إليه تلك السمات هو أنها جردت البطل من جميع أسلحة النضال والمثابرة في الحياة، وجعلت كل شيء أمامه يقود إلى الموت لأنه لا يحتمل ازدراء الواقع ومشاكله . وترينا قصة ( الطفل الرابع ) لأحمد كمال نموذجاً من ذلك . فالبطل فيها رب لأسرة فقيرة لديه مجموعة من الأولاد، وتأتيه البشرى أن زوجته حامل، فينزل عليه الخبر كالصاعقة، فالأعباء ستتضاعف عليه كثيراً ولن يستطيع مجابهتها، وحين يفكر في التخلص من الجنين يقع في صراع عنيف بين ضميره وعاطفته، وبين واقعه المر ووضعه البائس الذي يدفعه إلى التخلص منه، بأن يعطي زوجته بعض الأقراص فيسقط الجنين، ولكنه لا ينتهي من تأنيب الضمير والشعور بالذنب . ثم تمضي بعض السنوات فيفقد ابنته في حادث اصطدام، ولا يلبث أن يهجم على البلاد وباء الجدري فيصيب أولاده فيموت أحدهم ويتشوه الآخر . ونكتشف أخيراً، أن الرجل كان في حلم، إذ تأتيه زوجته وتوقظه فيجلس مذعوراً، يسألها عن الأولاد، وعن الأقراص التي أعطاها إياها، ويأمرها بالا تبلع منها شيئاً .

وندرك في هذه القصة الجاذبية المضطربة التي يقع فيها كثير من الرومانسيين، ففي الوقت الذي يدرك فيه البطل أنه في صراع حقيقيي مع الواقع بكل أثقاله وأعبائه، وأنه يندفع إلى الجريمة اندفاعاً، يكاد يكون مشروعاً بما يكون وراءها من دوافع اجتماعية تقوده إليها، في هذا الوقت نفسه يرثي ويبكي على فقدان المجتمع الإنساني من العواطف وامتلائه بالحقد واعتماده على النظرة المادية، وحينئذ نرى فيه فرداً ضائعاً لا يتلمس مشكلته الحقيقية في صراعها مع الواقع الاجتماعي وإنما يلجأ إلى استثارة العواطف حولها . فهو لابد من أن يبحث عن الخلاص مما هو فيه، يستدر العطف والشفقة ليس غير .

إن انفعال الكاتب بالمشكلة ونمطها البشري يعمل على تضليل الواقع وتضليل الرؤية، فهو في البداية يصوغ الواقع الذي يعيشه البطل في كثير من التشاؤم:
( إنني أنظر إلى الماضي فلا أجد إلا الظلم، وأتطلع إلى الحاضر فلا أجد إلا الظلام . فأرسل بصري في خضم المستقبل فلا أرى هناك سوى الظلام . والظلام هو قوتي وكسائي . إنني موظف بسيط . وراتبي لا يكفي لعيش رجل واحد عيشة محترمة فكيف يستطيع أن يقوت ستة أشخاص ) (7).

هذه النظرة المتشائمة تجرد البطل من قدرته على المجابهة، وتجعله يتطلع إلى أوهى الخيوط التي تعقد له قضيته، كأن يتكئ على مناجاة ربه في نوع من الاتكالية السلبية فلا يقف على مشكلته الحقيقية بل ينظر إليها من خلال عواطفه الذاتية . وهذا ما يجعل من هزيمته وسقوطه شيئاً محققاً في النهاية.

وينعكس ذلك التضليل بين الواقع والعاطفة لدى البطل على الصياغة الفنية للقصة حيث لا يتمكن الكاتب من المزاوجة بين الواقع والحلم . فهو يوهمنا أن سياق الأحداث قد جرت في العقل الباطن للشخصية عبر الحلم ولكن القارئ العادي لا يشعر أن هناك ارتباطاً محدداً، فالواقع الذي أنبأ عنه الحلم يختلف عن الواقع الذي أنبأت عنه اليقظة في نهاية القصة، لأن هذه اليقظة جاءت لتنسينا أن البطل كان يعيش واقعاً مراً، أو كان يفتقد العطف والحنان، ولم نكد نعثر في النهاية إلا على أصداء ضعيفة لخوف البطل وقلقه من القدر الذي أخذ منه أولاده في الحلم، وهذا ما جعل الحلم بعيداً كل البعد عن الواقع .

إن البطل في القصة الرومانسية القصيرة لا يعدو أن يكون أحد الأفراد، وهو لا يمثل شريحة، ولا يجسد نمطاً اجتماعياً، إنه نموذج لنفسه . ولهذا يكون صراعه مع الواقع الاجتماعي المتخلف مسوغاً بقوى نابعة من ذاته . أو من ذات واقعه الخاص . وهو مع انهياره يتصور هذه القوى قدراً غامض الأسرار كما نرى ذلك في قصتي ( الكأس الأخيرة ) و ( الطفل الرابع ) ويتكالب عليه هذا التصور مع نقمته على المجتمع ونظمه وتقاليده فيكون مندفعاً بشيء يشبه الوهم .

وهذا التعبير يأتي مشرباً بالإصلاح والنعي على تقاليد المجتمع ونظمه التي تقود الفرد إلى حياة البؤس والشقاء . فتحيلها إلى الموت والانتهاء . وكل ذلك من أجل أن يعبر عن نقمته وغضبه على المجتمع المتخلف . ولا يكون هذا التحول - الذي يأتي عبر الانتحار أو الهروب أو السقوط سوى عملية انتقام تحمل كل مظاهر الانفعال والتكلف والميلودرامية . ونجد في قصة ( ظلام ) (8) صورة لمثل ذلك فهي تقدم لنا شخصيتين ( رجل وامرأة) هاربتين من المجتمع تجمع بهما القصة في مغارة مظلمة كظلمة أعماقهما المنهارة . وندرك أن المرأة قد مزقت طفلها الوحيد أشلاء ورمتها انتقاماً من أهلها الذين أرغموها على الزواج من رجل كبير السن كي يرثوا منه أمواله عن طريق ذلك الطفل . أما الرجل فهو - أيضاً - يهرب من أهله بعد أن أرادوا تزويجه من امرأة تحقق لهم طموحهم في النسب والمال . وتلتقي هاتان الشخصيتان لتسفرا عن ما أحدثه نظام المجتمع الزائف في حياتهما :
( كلانا يا سيدتي ضحية من ضحايا المجتمع، ونتيجة من نتائج أخطائه، أنا وأنت عشنا في عالم ساده التزمت، ولقد سرنا في طريق مرسوم قضى علينا أن نسير فيه ) .

هكذا يقول أحدهما في نهاية القصة، مشيراً إلى أنهما يجولان في عالم اهتزت قيمه، وارتج به الخلل، وهما يسلكان فيها طريقاً يقرره الخطأ أو الخلل . لذا يكون الاختيار أو المصير (كالانتحار، أو الهروب أو القتل، أو الجريمة) قائماً من أجل الرثاء والتعاطف والإحاطة والتشفع لمثل تلك النماذج البشرية المنهارة.

إن القصة الرومانسية القصيرة في الخليج العربي تنهج على يد جيلها الأول نحو الإعلاء من شأن الفرد، فهي عندما تقف مع النماذج البشرية الساقطة لا تتركها من غير أن تردد أحزانها وتبحث عن الدوافع الإنسانية والاجتماعية في سقوطها، والمرأة حين تسقط لا تكون مثاراً للاشمئزاز كما هو معهود . لأنها تفعل ذلك من أجل مجابهة أثقال الحياة وقسوتها تماماً كما تفعل بعض ساقطات نجيب محفوظ، ومحمود تيمور . وهي أيضاً في سقوطها تكون ضحية للرجل . أو التقاليد، وتعبر قصة ( طواها النسيان ) (9) (لموزة الزائد ) عن مثل هذا السقوط، الذي تكون فيه المرأة البسيطة ضحية لثري من الأثرياء، يعتدي عليها، فتنجب منه ولداً ويطردها من البيت لتعيش مع جدتها، وعندما يكبر ولدها تلازمه عقدة نفسية حول كونه لقيطاً . فلا يستطيع الزواج وينتحر . فتكتب أمه رسالة إلى الثري الذي اعتدى عليها منذ سنوات . وحين تصل إليه يجهد نفسه كثيراً حتى يتذكر صاحبتها التي طواها النسيان، ويقهقه ساخراً .

إن البطل في القصة الرومانسية ليست له علاقة بالرذيلة، ولا يكون وجوده إلا من أجل إدانة الانحطاط، كما لا تكون نهايته وسقوطه إلا من أجل الإشادة بإنسانيته . فالكاتب الرومانسي يتجه إلى ( أعذار الفرد فيما يرتكب من آثام، لأنه ضحية القدر، أو ضحية نظم المجتمع القاسية ) (10) ولكنه رغم ذلك يبدي تعطشاً شديداً لنوازع الخير والفضيلة، بل إن ذلك - حقيقة - هو ما يتبقى من حلم البطل الرومانسي وسط العالم المرتج الذي يجول فيه .

وفي القصص السابقة نرى أن حلم النماذج البشرية بمجتمع تسوده الفضيلة يواكب فرارها من المجتمع بالانتحار أو الموت . أما في قصة ( الشاعر) لمحمود يوسف فإننا نجد البطل تحت سيطرة حلم اليقظة، الذي يأتي محملاً بمثالية مجنحة، حالمة بمجتمع أكثر صفاء وإشعاعاً بالمعاني الإنسانية .

فالكاتب في هذه القصة يختار مكاناً معزولاً يوحي بالانفصال عن صخب المجتمع البشري وضجيجه، وهو طريق مهجور من مئات السنين تأوي إليه الطيور والجوارح، بعيداً عن المدينة. وليست هناك رغبة واضحة تدفع شخصية القصة إلى هذا المكان. وإنما - كما يقول الكاتب على لسانها - ( خوالج النفس الكامنة ولواعج الحب المقبورة هي التي حملتني على كل هذا ) (11)، وحين يجلس على صخرة من صخور هذا المكان المقفر يستسلم للخيال البعيد فيحلم بعالم مختلف، يرى فيه شيخين، ويحدثهما ثم يحدثانه عن الطبيعة والمشاعر الإنسانية والعواطف الصادقة النقية، وصفاء المطامح ونحو ذلك، مما يحيل صورة الشيخين إلى قيمة حقيقية تجول في أعماق شخصية القصة، وهي قيمة الحب التي تفتقد الشخصية وجودها في مجتمعها المليء بالرذائل وأشكال النفاق والتدهور الأخلاقي .

والكاتب يصوغ أسلوبه في لغة شعرية توائم شكل الحلم، فتلجأ إلى الصور التي تشتق شاعريتها من أجواء الطبيعة وعناصرها . وهو ما يذكرنا بأسلوب المنفلوطي الذي يتأثر به كتاب القصة الرومانسية تأثراً شديداً .

ويكشف لنا نهج القصة الرومانسية القصيرة في الخليج العربي في تصويره للمجتمع عن أسلوب ميلودرامي فيه كثير من سمات التكلف والاصطناع للحدث، ولكنه يظل رغم ذلك يحتفظ بإيقاعات حزينة صادقة تتشبع أنغامها بواقع النماذج التي تفتقد علاقتها من أقرب الناس إليها، كما تستشف - الإيقاعات - جانباً من حزن المرأة التي يتعاطف الكتاب معها من خلال موقف رومانسي، يغضب تارة ويتباكى تارة أخرى .

وقد دفع هذا الموقف إلى اشتقاق كثير من الصور الميلودرامية البالغة كما في قصة ( المجنونة ) لأحمد كمال، حيث شهدنا موت أربع شخصيات . الأم، والأب، والزوج، ثم البطلة التي تقتل نفسها، فضلاً عن حالة الجنون التي تقع فيها مع تتابع الصدمات، وحالة الرثاء والإشفاق التي يسبغها الكاتب على الطفل عندما ندرك في النهاية أنه ابن المجنونة .

وفي جميع قصص أحمد كمال نجد اضطهاد البطل لنفسه أبلغ ما ينتهي إليه بعد أن يتداعى المجتمع من حوله . وتعتبر قصة ( الكأس الأخيرة ) ذروة لهذا الاضطهاد حيث ينتشر فيها الموت والغربة والتشريد وتطول الأحداث بصورة تفجر أكبر قدر ممكن من التأثير المأساوي لمشكلة الفرد، وتعتبر هذه مشكلة كل كتاب القصة الرومانسية في هذه الفترة، إذ أنهم لم يدركوا حقيقة أن الوسائل الفنية المكثفة كفيلة بإحداث التأثير الفني، بل إنهم خضعوا لتصور ساذج يقوم على صياغة الأحداث الهائلة المريعة، وتسلسل أسباب الشقاء والفقر، وتتابع صور الموت والقتل، فلا يكون التأثير نابعاً من طبيعة الخلق ولكن من تمثل الأحداث والاصطدام بها أو الإفاقة على الصور اللفظية لمظاهر الشقاء . ومثل هذا الفهم يعتبر من سمات الانفعال الجامح كما يذهب إلى ذلك توماس مونرو الذي يرى أن هذه السمات : ( استمرت في عصور الرومانسية والانطباعية وما بعد الانطباعية ) (12).

ولقد جاء الأسلوب ( الميلودرامي ) عبر صياغة الحدث ليشكل تواؤماً مع الموقف الرومانسي الذي وقفوا به حيال مشاكل المجتمع . إذاً إنهم مشدودون لجوانب الانهيار والخيبة فيه، وهم متعاطفون مع الفرد الذي يقف بمفرده في مجابهة ضخامة الانهيار، وهذا يعني أن الأحداث ( الميلودرامية ) تستمد وجودها من الواقع الذي يعايشه كتاب القصة القصيرة، بل إنهم يؤكدون لنا ذلك من خلال أسلوب العرض والوصف الذي يسيطر على سياق القصة القصيرة . فهذا الأسلوب غالباً ما يأتي على لسان البطل الذي يحكي أو يروي مأساته وشقاءه من موقعه هو لمستمع مجهول ربما كان هو نفسه كاتب القصة . ففي قصة ( جناية أب ( وقصة ) المجنونة ( وقصة ) الكأس الأخيرة ) نشعر أن الكاتب (أحمد كمال) هو الذي يفتح لنا ذاكرة الشخصية في القصة، ليوحي ذلك أن الكاتب قد عايش بعض نماذجه في الواقع والتقى بها واستمع إليها ومن ثم نقل عنها .

وربما كانت المصائر المؤسية التي وجدناها في القصص السابقة الموت - الجنون - الانتحار - تشكل جانباً من التواؤم بين ميلودرامية الحدث، واللغة العاطفية المؤثرة التي أراد فيها كل الكتاب أن يطلقوا كامل تعاطفهم مع ضحايا المجتمع . فالرومانسيون غالباً ما ينظرون ( بعين العطف أو بالإعجاب إلى المرضى والشذوذ الجسمي أو العقلي، لا بوصف نقط الضعف هذه انحرافاً عن الحالة السوية المملة فحسب، ولكن بوصفها أيضاً ملائمة لإطلاق الدوافع والأحلام اللاشعورية . وقد تناول الرومانتيكيون موضوعات المرض والجنون والسادية والانتحار على أنها نوبة انفعال بافتتان عاطفي .. ) (13).

وأيا كان الأمر فإن النماذج التي عرضنا لها من القصة القصيرة تؤكد لنا أن تلك الرومانسية بكل ما جاء فيها من إدانة، ونقمة وميلودرامية لم تكن غريبة عن مجتمع الخليج العربي خلال الأربعينات والخمسينات، كما تؤكد من ناحية ثانية أن الشكل الفني للقصة القصيرة لا يزال يركن إلى مدركات فنية ساذجة . فمعظم القصص السابقة تشتق لها أحداثاً كبيرة بحيث تستوعب القصة الواحدة العمر الزمني للشخصية، فتكاد تكون بذلك تلخيصاً لرواية طويلة، تفتقد معها الكثير من الضرورات الفنية لإقامة الشكل القصصي إقامة جيدة ورشيقة ومركزة .