الجمال الأمريكي.. في الأماكن غير المتوقعة

أمين صالح
(البحرين)

الجمال الأمريكيعائلة أمريكية مؤلفة من رجل في الأربعين وزوجته التي لا يجد عندها الدفء والحب بل الفتور والخيانة فيما تحاول على نحو عقيم ان تجعل الأشياء تبدو مثالية أو مرضية وهناك الابنة المراهقة، المتجهمة والعنيدة، والتي تكره نفسها.. انها مثال العائلة المفككة التي لا يوحدها انسجام أو تفاهم أو حب.
من بداية فيلم "الجمال الأمريكي American Beauty" نعرف أن الرجل "كيفن سبيسي" - وهو الذي يروي القصة - سوف يموت: "في أقل من عام سأكون ميتاً"، بالتالي فالفيلم عبارة عن رحلة يقوم بها رجل نحو الإخلاص والانعتاق، نحو تذكر الكائن الذي كأنه، نحو اكتساب الوعي واكتشاف الجمال في الحياة.

هو كاتب في مجلة وذو مركز مرموق اجتماعياً، لكنه يعاني من الخمول وفقدان الرغبة، وينظر إلى الأشياء من حوله في حياد ولا مبالاة، ويعيش حياة عائلية واجتماعية رتيبة ويمكن بسهولة التنبؤ بمجرياتها، لكن كل هذا يتغير عندما يرى صديقة ابنته، وهي مراهقة جميلة تستفز رغباته المكبوتة، فيسعى - لكي يثير إعجابها - إلى محاولة استرداد شبابه والاهتمام بمظهره، يشتري سيارة شبابية جديدة، يستمع إلى موسيقى البوب، ويستقيل من عمله الإداري ليعمل في مطعم للوجبات السريعة.. وعبر هذا الانجذاب الجنسي والعاطفي، تنبجس تخيلاته الشاعرية، وعبر الحفر في الذات، تتكشف طبقات من العمق العاطفي والإنساني المخبوءة والمتوارية في الداخل.

الفيلم يريد ان يقول بأن ثمة الكثير من الجمال في العالم، والذي يمكن العثور عليه في الأماكن غير المتوقعة والتي لا نفترض وجود هذا الجمال فيها، في اللحظات التي تلي موته العنيف، نسمع البطل يقول: من الصعب ان تظل مجنوناً في حين ان هناك الكثير من الجمال في العالم. وأنا اشعر بالعرفان والامتنان لكل لحظة غبية في حياتي القصيرة".

"الجمال الأمريكي" هو الفيلم الأول للمخرج المسرحي سام ميندس "حقق بعده Road To Predation"، وهو يتسم بالجدة والثراء والشاعرية، كما ان إحداثه المقدمة في إطار تراجيدي - كوميدي، يتعذر التنبؤ بها.

في حديث للمخرج سام ميندس عن "الجمال الأمريكي"، يقول:

  • الفيلم الذي تشاهده ليس هو الفيلم الذي كنت أظن أنني أصوره، حسبت إنني أحقق قصة هزلية، غريبة ومتعددة الألوان، وتقريباً مثل فيلم الأخوين كوين The Big Lebowski، هذا لا يعني ان ذلك ما كنت أحاول تحقيقه، لكنني ظننت أن الطابع كان أقرب إلى ذلك، وما وجدته في غرفة المونتاج، ما انجذبت إليه على نحو غريزي، كان القصة الأكثر عاطفية، القتامة كانت دائماً موجودة هناك لكنني جلبتها إلى الفيلم مبكراً، موظفاً موسيقى توم نيومان ولقطات معينة ما كنت اعتقد أنني سوف استخدمها أو لم تكن بالطول والامتداد الذي استخدمته، الكثير من آرائي بشأن الطريقة التي أردت بها أن أحقق الفيلم لم تصبح واضحة بالنسبة لي إلا حين شرعت في انجاز الفيلم.
  • كل شخصية تبدأ وتنطلق كما لو أنها ستكون شيئاً ما لكنها تصبح شيئاً آخر.. وهذا ينطبق على الفيلم ككل. انه تدريجياً يتخذ سبيلاً لولبياً إلى مكان هو أكثر إعتاما أكثر شاعرية وغرابة، وأكثر وجدانية أيضاً مما قد نتخيله.
  • ان الاتجاه الخفي العميق للعزلة هو في تعارض تام مع السطح الهزلي.
  • ما يفعله الفيلم هو انه يعود إلى تلك الصورة الملحوظة والمدركة للضواحي، ويعيد سبرها. ولأنه يمر عبر الظلمة فإنه ينتهي بصورة أكثر ايجابية لهؤلاء الأفراد وهم يحاولون ان يدركوا من حيواتهم في منتصف اللامكان. انهم ليسوا مجرد بيادق ضعيفة أو قليلة الشأن لكي يتم نقلها هنا وهناك، والسخرية منهم. لهذا السبب لا أظن ان الفيلم هجاء بل قصة خرافية ذات مغزى.
  • بطل الفيلم يرتكب بعض الأفعال الرهيبة والبغيضة في حق الأفراد الذين هم أقرب وأعز الناس إليه، ان يفعل أموراً هي لا عقلانية، غير منطقية، غبية، غاضبة وصبيانية، لكنه بطريقة أو بأخرى لا يفقد تعاطفنا، الكثير من الأمور السخيفة والحمقاء التي يمارسها تدور في بنية قصة مركبة، دقيقة جداً، والتي تخلق رابطة مع الجمهور. ألان بول "كاتب السيناريو" فعل ذلك على نحو غريزي، وأنا حققت الفيلم على نحو غريزي، وفي النهاية تستطيع أن تبين الكثير، عليك فقط أن تفعل ذلك وترى.
  • كنت حريصاً جداً على ان الفيلم، حتى لو ان ما نتوقعه هو الموت في النهاية، ينبغي ان يتحرك نحو موضع يتحقق فيه الخلاص والانعتاق، والكثير من ذلك قد أنجز في غرفة المونتاج، لقد كان من المفترض ان يدور مونولوج البطل الختامي فيما نشاهد سلسلة من الصور التي تدور بعد موت البطل سواء في المحكمة أو غيرها. لكن ذلك سوف يجعل الشخصيات تبدو ضئيلة، ويقلل مما يحاول متن الفيلم أن يبينه ويوضحه بشأن الخلاص وشعائر الانتقال. ألان بول كتب سيناريو متعدد الطبقات ذا بعد روحي لكنني حذفت حوالي دقيقة من الفيلم. أردت ان ادع الأطراف السائبة تتدلى، أردت من النهاية ان تكون مزيجاً شعرياً من الحلم والذاكرة، ينطلق على نحو متزامن مع صوت الراوي.
  • لقد أردت للفيلم ذلك المظهر الساطع، الواضح، الحاد.. وان يعطي إحساسا سوريالياً قريباً من لوحات ماجريت..
  • لجأت إلى الاسلوب الهادئ في تحريك الكاميرا. لم أرد ان استخدم كاميرا ستيديكام Steadicam، لم أرد الكثير من اللقطات القريبة. كاميرات ساكنة، ذات حضور مختلس وسري أكثر. أما في مشاهد التخيل فإن حركات الكاميرا تكون أكثر سلاسة ورشاقة، بينما المشاهد التي من المفترض ان يصورها الجار الشاب بكاميرا فيديو فهي أكثر حركية وذات طاقة غريبة.. نوع مختلف من الشعرية في الصور.

العمل السينمائي يأخذ منك مقداراً وافراً، أكثر مما يأخذه العمل المسرحي. الفيلم يمتص عصارة خلاقة فيك، لكن لقاء ذلك، ثمة أوقات مدهشة عندما تكون في غرفة المونتاج تقطع وتركب مشهداً ما، ربما يكون التصوير بائساً، والممثلون غير منسجمين معك أو مع بعضهم البعض، لكن فجأة يظهر أمامك كل ما هو خفي وغير مرئي، شخصان في غرفة والضوء ينسل عبر النافذة.. هذا مشهد جميل وأنت تشاهده مثلما يشاهد المتفرج قصة للمرة الأولى.