منظر في السديم

أمين صالح
(البحرين)

ثم كان هناك ضوء

صالح أمينفيلم آخر للمخرج اليوناني العظيم ثيو أنجيلوبولوس أتيحت لي فرصة مشاهدته و هو "منظر في السديم" Landscape in the Mist ، أنتجه و كتب له السيناريو (مع الإيطالي تونينو جويرا) في العام 1988 و حاز عنه العديد من الجوائز العالمية مثل: جائزة مهرجان فينيسيا كأفضل مخرج (إضافة إلى جائزة النقاد العالميين في نفس المهرجان) و جائزة مهرجان شيكاغو كأفضل فبلم و أفضل تصوير، و جائزة أفضل فيلم أوروبي للعام 1988.

هذا الفيلم –الذي يشكل الجزء الثالث من ثلاثية سماها أنجيلوبولوس " ثلاثية الصمت" و تشمل: رحلة إلى كيثيرا، و مربي النحل- يبدأ بالظلمة و ينتهي بالضوء.. و إن كان ضوءا مرئيا عبر السديم.
صبية في الحادية عشرة من عمرها تدعى( فاولا ) و طفل في الخامسة يدعى (الكسندر) يعلمان من أمهما بأن أبيهما الغائب، الذي لم يرياه قط و لا يعرفانه أبدا، يعمل في ألمانيا، فيقرران السفر إليه دون علم أمهما.

هذا الأب حاضر في أحلامهما فقط، فالابن يراه في الحلم، و بهيئة مختلفة في كل مرة.. " مرة أخرى حلمت به البارحة.. بدا أكبر من الأوقات السابقة". أما الصبية فإننا نسمع صوتها –أثناء نومها- و هي تقرأ رسالة، لم تكتبها بل حلمت بها، موجهة إلى أبيها (بالأحرى هي ثلاث رسائل صوتية مقروءة في ثلاثة مواضع من الفيلم). و هذه الرسائل مفعمة بالحنين و الخيبة، الأمل و اليأس، الوجع و التفاؤل. إنها – أي الرسالة- وسيلة بسيطة و فعالة يوظفها المخرج ليؤسس صلة مباشرة مع الجمهور متيحا للمتفرج إمكانية الوصول إلى أفكار و مشاعر الصبية التي لا تجد من تعبّر له عن نفسها غير أخيها الصغير الذي لا يستوعب الأمور.

عن ثيمة البحث عن الأب يقول مخرج الفيلم أنجيلوبولوس :" في كل أفلامي هناك شخصية تبحث عن أبيها.. لا أعني فقط الأب الحقيقي إنما مفهوم الأب كعلامة أو معنى أو رمز لما نحلم به. إن الأب يمثل ما نريده أو ما نؤمن به. هذا يعني أن البحث عن الأب هو في الواقع محاولة يقوم بها المرء للعثور على هويته في الحياة".

و نحن لا نعرف حقا ما إذا كان هناك بالفعل أب يقيم و يعمل في الخارج أم أنه محض اختلاق. في أحد المشاهد، نسمع خالهما يقول لآخر:" ليس هناك أب. ليس هناك ألمانيا. كل هذا محض أكذوبة اخترعتها أمهما. هي لم ترد أن تخبرهما بأنهما غير شرعيين".

في بداية الفيلم – بعد الافتتاحية في محطة القطار- نرى الشاشة مظلمة تماما بينما نسمع صوت الصبية و هي تروي لأخيها أسطورة الخلق، و هي القصة التي روتها له مرارا بناء على طلبه، و تقول القصة أو الأسطورة:" في البدء كان الظلام ثم كان هناك ضوء. و الضوء انفصل عن الظلام، و الأرض انفصلت عن البحر، و خُلقت الأنهار و المحيطات و الجبال. بعد ذلك خُلقت الزهور و الأشجار، الحيوانات و الطيور.. و هذه القصة سوف لن تنتهي أبدا".

هذا المشهد يدور في الظلام، ثم يتسلل الضوء مع انفتاح الباب و شعورنا بحضور الأم التي لا نراها. الصغيران يتظاهران بالنوم. ينغلق الباب و تبتعد الأم. هذا المشهد يقترح البعدين: الأسطوري أو الخرافي (ما يتصل بالحكاية الخرافية) و الواقعي. نحن لا نعلم شيئا عن الأم التي تعيش مع الصغيرين، إذ لا نراها و لا نسمعها على الإطلاق. هي غائبة مثل الأب تماما.. بل ربما أكثر غيابا. فإذا كان الأب حاضرا على الدوام في ذهن و مخيلة و حلم الصغيرين، فإن الأم بعيدة جدا عنهما جسمانيا و عاطفيا، وهي مجهولة الهوية.

إن الصغيرين يخرجان من الظلمة، من الجهالة، و ينطلقان في رحلة نحو المعرفة، نحو إيجاد الأب. إنها رحلة بحث عن الجذور.
هما يتحركان في عالم غامض و مجهول.. و كما تقول الصبية في رسالتها الصوتية:" يا له من عالم غريب. كلمات و إيماءات لا نفهمها. و الليل الذي يخيفنا. مع ذلك فنحن سعيدان لأننا نتحرك إلى الأمام".
إنهما يتنقلان من مكان إلى آخر بالقطارات، بالسيارات، بالشاحنات. لا يعرفان كنه ما يحدث أمامهما، لا يستطيعان قراءة أو تأويل " قصص" الذين يتصادف وجودهم في الأمكنة التي يرتادانها: ثلج يتساقط فجأة كظاهرة إعجازية خارقة، حالة انتحار في مخفر،عروس تبكي ليلة زفافها، حصان ميت متروك في الساحة، فرقة من الممثلين الجوالين الذين يبحثون عن مسرح و عن جمهور، يد ضخمة من الرخام تُنتشل من البحر..إلى آخره.
أثناء الرحلة، يعانيان من الجوع و الحرمان و الاستغلال. و الصبية تتعرض للاغتصاب فلا تعود كما كانت.. إنها تفقد براءتها و ثقتها بالعالم، و يستبد بها يأس خانق.
في النهاية، لا يعثران على الأب، لا يخرجان من حدود بلادهما، بل يصلان إلى الشجرة المضاءة في منظر مغلـّف بالسديم، حيث يعانقان الشجرة في لقطة بعيدة.
إن أنجيلوبولوس في معظم مشاهد الفيلم يحافظ على مسافة بين الكاميرا و الصغيرين كما لو يريد أن يحول دون تماهي الجمهور، على نحو مباشر أو فوري، مع الصغيرين.
ثيو أنجيلوبولوس يقدم هنا فيلما بالغ الجمال و القوة، فاتحا أمامنا عالما واقعيا و سورياليا معا، يتمازج فيه الواقع و الأسطورة، الأزمنة و الأمكنة، الذاكرة و الخيال.

* * * *

في حديث للمخرج أنجيلوبولوس عن هذا الفيلم يقول:
* يحدث غالبا عندما تشاهد فيلما أن تشعر بأنك تعرف كل ما يوجد هناك و كل ما ينبغي معرفته بشأن المظهر الفيزيائي للأشخاص على الشاشة و ليس هناك ما يمكن اكتشافه أكثر بشأنهم. فيلمي " منظر في السديم" هو ضرب من الحكاية الخرافية التي فيها كنت أحاول أن أحافظ على بهجة و دهشة الاكتشاف البدئي.
* النهاية في المعالجة الأولى للسيناريو كانت تشاؤمية و تظهر الصغيرين و هما تائهان في الضباب، غير أني لم أستطع مقاومة الحزن الذي ترقرق في عينيّ ابنتي عندما قرأت السيناريو. و قد تحدثت عن هذا مع أمها التي أكدت بأن الصغيرة على صواب، إذ ليس لأي شخص الحق في اختراع حكاية خرافية فيها تنتحل الوحوش هيئة رافعات و مطاحن أحجار، و تسلب من الجمهور حتى الراحة البسيطة التي توفرها النهاية المفتوحة.
كانت ابنتي تسألني:" أين هو البيت؟ أين هو الأب؟" دون أن يكون باستطاعتي تقديم إجابة مناسبة و لائقة، بل حاولت أن أجيب بطريقتي الخاصة، و ذلك بأن صورت تلك الشجرة في النهاية ( إذ ينقشع الضباب و يبدو الأفق للعيان، و الصغيران يطوقان جذع الشجرة) .. لقد خلقت نهاية أكثر تفاؤلية.
* الشجرة في نهاية الفيلم هي تلك التي ظهرت في فيلمي السابق " رحلة إلى كيثيرا". إنها إحالة إلى المنظر السينمائي الخاص بي. إن الصغيرين يجتازان المنظر السينمائي من أجل الوصول، في النهاية، إلى منظر سينمائي مختلف و الذي، في اعتقادي، ينبغي أن يقترح لهما أملا متجددا.
* الفيلم ليس فقط عن صغيرين يبحثان عن أبيهما. إنها رحلة، و التي خلالها يكتسبان معرفة عميقة بالحياة، و يتعلمان أن يؤمنا بعالمهما الخاص. و في الطريق يتعلمان أيضا أن يريا الأشياء التي هي ليست مرئية من النظرة الأولى. يتعلمان الحب و الموت، الأكاذيب و الحقائق، الجمال و التدمير.

حيل التاريخ

( فيما يلي متابعة لحديث المخرج اليوناني ثيو أنجيلوبولوس عن فيلمه " منظر في السديم" و عن عالمه السينمائي)..
*لم أحاول أن أستثمر لا الجاذبية الفطرية، و لا العنصر المثير للشفقة و المحتوم، الذي يستدعيه عادة حضور الأطفال. لو صورنا الفيلم على نحو مختلف، و وظفنا هذه الخاصيات بجلاء، لحقق الفيلم نجاحا تجاريا كبيرا. لقد كنت واعيا جدا لهذه المجازفة لكن، من جهة أخرى، لم أرغب في تفريغ أدوارهم من كل عاطفة. كان عليّ أن أجد التوازن الملائم بين الاثنين.
* العناصر الرمزية، بالنسبة لي، هي وسيلة للإفلات من تخوم السرد البسيط، استكشافات العالم السوريالي. إنها مقحمة في نسيج السيناريو، مع إنني في أحوال كثيرة لا أكون على يقين مما تعنيه هذه العناصر. على سبيل المثال، لا أستطيع حقا أن أتحدث عن مغزى اليد الحجرية التي تُنقل من مرفأ ثيسالونيك. البنية الأساسية لهذا الفيلم، كما أشرت، مماثلة للحكاية الخرافية، و التي تعطيك حرية أكبر في إيلاج عناصر هي خارج منطق الحبكة. لكن لا ينبغي للمرء أن يحاول كشف معانيها على نحو نظامي، ذلك لأنها تجازف بفقد تدفق السرد.
* مشهد الاغتصاب، في الفيلم، عبارة عن لقطة ثابتة حيث للصوت معنى أكثر من الصورة التي نراها. في اللقطة الثابتة، يؤدي الصوت وظيفته بطريقة تمنح إيقاعا للمكان، بينما على نحو متزامن، يخلق مستوى ثانيا من المعنى خارج الفيلم. ذلك أشبه باللوحة التي لا تنتهي داخل الإطار بل تستمر خارجها. بطريقة مماثلة، فإن قوة الإيحاء تمارس على نحو فعال من أجل إطلاق مخيلة الجمهور، بحيث يكون بوسعهم خلق صورة خاصة بهم من الصور المعروضة أمامهم. الجمهور يوجد على نحو فعال، و ليس على نحو سلبي، عندما يضيفون خيالاتهم إلى خيال المخرج.
* ( عندما يعود الممثلون- الذين كانوا ضمن الفرقة الجوالة- لفترة وجيزة في هذا الفيلم، فإنهم ينطقون الكلمات ذاتها كما في الفيلم السابق " الممثلون الجوالون"..عن أحداث من تاريخ اليونان العاصرة لكن بوصفها فتات من اللغة، كما لو أن تاريخ اليونان كله قد أصبح...)
لا شيء.. مجرد نص، تراجيديا، فتات من الذاكرة. أعضاء الفرقة يبيعون ملابسهم، و كل شيء قد انتهى بالنسبة لهم. رحلتهم كانت رحلة عبر التاريخ، بمعنى تحويل التاريخ أو تغيير العالم، كل أحلام الشباب في الأوقات التي كان فيها كل شيء ممكنا. لكن مع تحولات التاريخ، أصبح كل ذلك مستحيلا. بالطبع لا تستطيع القول بأن المطلب القديم بشأن الحاجة إلى عالم أفضل لم يعد يوجد أو لن يوجد غدا، بل سوف يوجد على الدوام..لكن التاريخ يمارس علينا حيلا غريبة: ثمة فترات من الصعود و الهبوط، من السعد و النحس، من الصمت و الآلام.

* لقد سبق أن حاولت، في فيلمي "مربي النحل"، أن أصل إلى حدود التمثيل اللا تعبيري مع مارشيلو ماستروياني، الذي شخصيته الذاتية معروفة أكثر مما ينبغي لتوليد نوع من المفاجأة. إنها طريقتي في اكتشاف شيء مختلف بداخله، و أبدا لم استخدم أي لقطة قريبة له في مشاهده العاطفية. إني أخشى دائما تلك الكادرات التي تزعق ملفتة النظر إلى نفسها. لهذا السبب أحب أنتونيوني و أفلام فيم فيندرز الأولى مثل " أليس في المدن" أكثر من فيلمه " أجنحة الرغبة"، مع إنني أعتقد بأن أعماله الأخيرة مثيرة للاهتمام.

ثمة انجذاب حسي بين الشاب و الدراجة النارية. لم استطع أن أدفع للممثل الشاب أجره، و عندما اقترحت أن يأخذ الدراجة مقابل ذلك، كانت فرحته عارمة، بينما كان الأمر محرجا بالنسبة لي.
* الطفل، ميكاليس زيكي، كان في السادسة من عمره تقريبا عندما صورنا الفيلم. و قد شعرت بأن أفضل طريقة لتحقيق الاتصال معه هو إقناعه
بأنه يشارك في لعبة ما. و عندما كنا نجري البروفات على المشهد الذي يرى فيه الحصان يموت فينفجر في البكاء، جاء إليّ و قال:" أنا متضايق جدا لكنني لا أستطيع أن أبكي. أنا حزين جدا لكنني لا أستطيع أن أبكي". فقلت له:" يجب أن تبكي في هذا المشهد. الإحساس بالحزن في داخلك ليس كافيا، عليك أن تظهر ذلك للجمهور". و قد فكر لدقيقة ثم اقترح:" إسمع.. حاول أن توبخني..هذا سوف يجعلني أبكي و سوف نصور المشهد". حاولنا لكن دون جدوى، لذا عدنا إلى الفندق و هناك عملت معه من جديد لكن بطريقة أكثر قسوة و خشونة. كان الفنيون يحيطون بنا، و هو شعر بالإذلال، فأدار ظهره لي و شرع في البكاء. أخذته من يده و خرجنا إلى الموقع حيث نفذنا المشهد في لقطة واحدة.
أما الصبية، تانيا، التي كانت تكبره بسنوات، فقد احتاجت نوعا مختلفا من التفاعل. لقد كانت تجتاز تلك المرحلة الصعبة جدا بين الطفولة و البلوغ. و قد اكتشفت بأنها واقعة في غرام الممثل الذي أدى دور الشاب أوريست، و لأن ذلك كان يصب في روح الفيلم فقد امتنعت عن التدخل. لكن مشكلتها الحقيقية كانت مع مشهد الاغتصاب الذي رفضت أن تنفذه على الرغم من كل توسلاتي بسبب حاجتي الشديدة إلى ذلك المشهد.
كانت تحبس نفسها في غرفتها و ترفض أن تناقش الأمر. و أخيرا وافقت أن تؤدي المشهد لكن رفضت أن تصرخ عندما يسحبها سائق الشاحنة معه، كما هو مكتوب في السيناريو. كانت فكرتها أن تؤدي المشهد كما ظهر في الفيلم، و قد وجدت ذلك ملائما جدا للفيلم. مع هذه الممثلة لجأت إلى الاتصال الوجداني لا المواجهة الصدامية.
عندما بدأت لأول مرة في تحقيق الأفلام، لم أكن أميل إلى الممثلين المحترفين كثيرا. أداؤهم كان يبدو لي زائفا. كنت أفضّل العمل مع الهواة، و لكنني اكتشفت أنهم ليسوا دائما حساسين تجاه إيقاع المشهد، و يميلون إلى المبالغة في تأدية اللحظات الدرامية.
لغتي السينمائية الخاصة مبنية على تمديد بُعد الزمن. قبل الدخول في لبّ أي لقطة، لابد أن يكون لديك الوقت لاكتشاف العلاقات بين الممثل و المنظر الطبيعي. لهذا السبب من بين أفلام تاركوفسكي أحببت " المتسلل"، و بدرجة أقل " نوستالجيا". و لم أحب أبدا فيلمه " القربان". إن الثالوث المقدس، أي الممثل و المنظر و الكاميرا، كان مثاليا في " المتسلل".
سيناريوهاتي ليست فعلية. غالبا ما تبدو أشبه بالرواية، لكن بخلاف الرواية الأدبية العادية، فإنك لن تجد أي نعت. مثلا، إذا كان هناك فتى وسيم في القصة فإنني أشطب عبارة " وسيم" للحيلولة دون إعطاء صورة محددة للشخصية سلفا.
إن اختيار الموقع المناسب ذو أهمية كبيرة بالنسبة لي. أنا دائما أصور في الموقع الخارجي، لكنني دائما أجري التعديلات عليه ليتلاءم مع احتياجاتي. الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو الإحساس بالمشهد..لكنني أستطيع معالجته بطرق متعددة.
أود أن أصدق بأن السينما سوف تنقذ العالم. السينما هي عالمي، وهي المدى لكل أسفاري.إني أبحث على الدوام عن المدينة الفاضلة، الصغيرة و السرية، التي سوف تسحرني. إني أبذل أفضل ما بوسعي للإيمان بالصلة الوثيقة لهذه الرحلات التي أقوم بها على نحو متواصل من خلال أفلامي.
أزمة السينما لا تتصل فقط بتناقص عدد رواد السينما. في السبعينيات كان المخرجون لا يزالون يبحثون عن آفاق جديدة. الآن، هذا البحث قد انتهى.
على الرغم من الأفلام القليلة الجيدة فإن الانطباع العام هو أن الأفلام صارت تلهث مقطوعة الأنفاس. الأفلام، بالنسبة لنا، كانت إلى حد ما تشبه المحاربين الذين يذهبون لإنقاذ العالم. اليوم، صار المخرجون الشبان يعملون مع نفس الطاقم الفني الذي كنت أعمل معه. هذا يتطلب الكثير من المال، و كلما ارتفعت التكاليف، تقلص هامش التحريات و الاستكشافات الجسورة. يوما ما تحدثت مع ناجيزا أوشيما (المخرج الياباني) عن حاضر السينما، و كلانا تقاسم الشعور بأن جيلنا كان أكثر التزاما على الصعيد السياسي، و أننا في شبابنا كنا نؤمن، بصدق و إخلاص، بأن الأمور سوف تتغير حقا. الآن، كل هذا قد انتهى.
* ليس هناك نهاية في أفلامي. لدي إحساس بأن كل ما حولي يبقى ساكنا و جامدا. أحاول أن أفلت من هذا الثبات، أن اقتحم أرضا جديدة، لكن لا شيء يحرضني، لا شيء يحدث من حولي و الذي يمكن أن يحثني على الاقتحام. قال لي أوشيما الشيء نفسه عندما سألته: لماذا لم يعد يصور في اليابان؟.. قال لي: لا شيء هناك يستفزني و يحرضني.