منتخبات
من الشعر الأسباني المعاصر
(ما بعد الحرب الأهلية إلى اليوم)

انتخبها و ترجمها: عبدالهادي سعدون
(العراق/أسبانيا)
ahsadoun@hotmail.com

****

فتيات يضحكن من لحية حمورابي نادراً ما نجد ترجمات عربية متكاملة عن الشعر الأسباني المعاصر، باستثناء الترجمات المتعددة لشعراء معروفين مثل لوركا وألبرتي وماتشادو، ولكن نقل جديد مختلف لأسماء شعرية معاصرة وبمنتخبات شاملة ولأكثر من صوت شعري تكاد المكتبة العربية تفتقر لها. أذكر هنا واحدة من أوائل المنتخبات من الشعر الأسباني المعاصر المنقولة إلى العربية عن وسيط لغوي آخر (الفرنسية)، حيث كانت مفاجئة للأوساط الثقافية أن تجد ثراء آخر وأصوات متميزة غير التي تحفظ لها وتستشهد بأسمائها.وكذلك الترجمات المتفرقة(التي لم يضمها العربية، اعتقادنا) لمترجمين مختصين بالآداب الأسبانية.بينما نشط في الآونة الأخيرة النقل إلى العربية، كتب بأكملها لأسماء معاصرة، ولأسماء و مترجمين جدد.
من المعروف إن الشعر الأسباني المعاصر لم ينتشر ويخرج عالمياً سوى في ظرف العشرين سنة الماضية، وبالأخص بعد انتهاء حكم فرانكو، وأسبابه عديدة لا مجال لذكرها، غير إنني ملزم بالتأكيد على المناخ الثقافي الجديد وفرص الإطلاع على نموذج الآداب العالمية الأخرى، وهي الفرص التي ساعدت على شيوع التجديد والتجريب في الأدب الأسباني، وإن جاء متأخراً عن الآداب الأوربية، والمتوسطية على وجه الخصوص.
المتتبع لحركة الشعر الأسباني المعاصر، يلمس تنوعاً تجريبياً وتداخلاً ضمنياً بين الأساليب والرؤى الشعرية وطرق نقلها وتفصيلها، حتى إن الجيل الأدبي الواحد(أو ما يصنف على هذا الأساس) يرتبط تنوع الأصوات و اختلافها بالتجربة الشخصية والإطلاع والتأثر سواء الداخلي أو الخارجي.
نلاحظ كذلك بأن أغلب الشعراء الأسبان كانت تحدوهم رغبة للحاق والمواصلة على الأقل مع النموذج القريب، ونعني به الشعر الأميركي لاتيني (لغويا على الأقل، الأسبانية كمحدد مشترك)، وكذلك محاولة التفرد والتميز عن النموذج الأوربي الآخر(تواجداً جغرافيا)، الذي شكل بتنوعه ونماذجه الرئيسية بؤرة جذب تقليدي أحياناً، ومتابعة وتداخل تام في أحيان أخرى.
من هنا نرى إن الشعر الأسباني المعاصر (ما بعد الحرب الأهلية الأسبانية) قد تمثل بقدر وآخر التجربة الأسبانية العريقة ابتداء بنماذج شعراء القرن الوسيط حتى موجات الحداثة في القرن التاسع عشر، دون أن يلغوا كثيراً مسألة التداخل والتجريب والمعاينة مع النموذج الشعري العالمي.وهكذا في انتقاء نماذج تامة منذ الأربعينات إلى اليوم، ستجعلنا نقرأ مختلف المدارس والأساليب من الرومانتيكى حتى السوريالي إلى آخر موجات التجريب، رجوعاً إلى شعر الحياة أو اليومي كما يطلق على آخر نماذجه الشعرية، بشهادة أوكتافيو باث نفسه.
جاءت تجربتنا هذه بنقل نماذج شعرية معينة لشعراء آخرين رأينا بترجمتها أن يكتمل على الأقل عينة عن المشهد الشعري الأسباني المتكون مع أواخر الأربعينات حتى نهاية الثمانينات، مع تصرفنا بانتخاب الأصوات المناسبة والمهمة داخل المشهد دون غيرها.

*****

كارلوس بوُسونيو

Carlos Bousoño

كارلوس بوُسونيوكارلوس بوُسونيو:ولد عام 1923 أصدر طوال حياته أكثر من سبعة دواوين شعرية وأكثر من كتاب نقدي، أول كتبه صعود إلى الحب 1943 وآخرها المطرقة في السندان 1996، وقد جمع أعماله الشعرية في مجلد واحد بعنوان ربيع الموت أصدره عام 1999.

النظرة الجديدة

إمنحني يدك، أيها الوجع،
إمنحني يدك، أيها الألم، صديقي القديم،
إمنحني اليد من جديد، وكن رفيقي مرة أخرى،
مثلما كنت لمرات عديدة في الظلمة الساحمة.
مضت النوارس في السماء
لطخن البحر بسواد العاصفة المقبلة.
ابسط يدك أكثر، لأنني أعلم الآن
ما جهلته حينذاك. أستطيع أن أستقبلك دون ضغينة
و دون تأنيب. أتقبل زيارتك الغامضة.

لأنك في عيني، أيها الألم، الوجع،
تمارس انشغالاتك الدقيقة.
و حيث تصوغ مهارتك،
براعة الصائغ الذي لا مثيل له.
هناك
تخزن خلاصك حتى الختام،
تبصم فوق المذبح رقتك المفرطة،
تفاصيلك اللذيذة،
ومنتصف ليل المعجزة
تطلق ببط ء جوهرتك الدقيقة
إلى السماء،
استعراضك الذهبي
المصاغ بلا عجالة،
الحقيقة المتراكمة التي ترتبها بعد حين
في نظرتي الجديدة.

مثل الآن تماماً، بعد انهماكك في الكهف الغائر،
في الستر المخفي إذ أقاسي حمى صنيعك.

مثل الآن تماماً
أستطيع أن أنظر
خلف العالم المألوف، عالمُ يغلي،
و يستشيط لهب الألوان خلف رمادي مألوف،
خلف الظلمة يتشكل الضوء،
تتدور
الزهرة، يشعً القرمزي المنتعش
بل هناك الكثير،
خلف الظهور الشذي، إذ يرى بشكل آخر،
يشف نحو أزليته،
مثل بلدٍ جديد.

بلدٌ جديد، ساكنٌ في الضوء،
خلف ظلام ليلي المهتز.

***

كنتَ هناك

كنتَ في الوضوح،
حيث تعلمتَ
نصف حقيقتك.
والنصف الآخر
تعرفت به
في الظلمة.
هناك،
في القاع الأشد عتمة،
كنتَ
هناك.

***

لن أغني

لن أغني، كلا أيها الحزن
لا أستطيع،
لن أغنيها
لأن السعادة تصعدني
في موجة وحيدة
و تسلبني.
تحملني من الأرض
فأمضي كحلمٍ بلا ضفاف.
أعيشُ في هواء شفاف
وأحتك بالريح و الجبال.
مَنْ يراني عندما أهذي
و كيف يعلنُ ضوء الفجر،
طارقاً نقطة السماء الضيقة
صفائها الضيق الرقيق.
أتراني أشجعُ الغابات النقية
و أهمسُ بين القصب ؟
صوتٌ وحيدٌ، أنا
أقول للنباتات الخضر:
، يا لأغصانها الطرية.

*******

خوسيه إييرو
José Hierro

خوسيه إييروخوسيه إييرو: مدريد 1922، له تأثير كبير في الشعرية المعاصرة.حصل على أغلب جوائز الأدب في أسبانيا، آخرها جائزة ثربانتس عام 1998. له أكثر من 15 كتاباً شعرياً، من بينها:أرض دوننا 1947، تماثيل ميتة 1955، كم أعرف عني 1974 وآخرها دفاتر نيويورك 1998.

أرض دوننا

تركونا منتصف الطريق
بين خيوط الضوء، مضينا كالعميان.
نحنُ طيور مارقة، غيوم صيف مرتفعة
متشردون أزليون.

ناسٌ سيئون يمضون منشدين في الحقول
و مع أن الطريق وعرة
و قاسية هي الأزمنة،
فقد غنينا بأرواحنا
إذ لا يوجد رجل وحيد
يدرك منطق غنائنا الحي.

نحيا و نموت،
ميتة و حياة الآخرين
وعلى ظهورنا يضطجعُ العديد من الموتى.
صوت عميق يأمرنا أن نثرثر قليلاً
مثلما ماتوا جميعهم،
فقد عاش طرفة عين،
مُحرقين بجنون
الحياة التي لم يحيوها أبداً.

أنهار غاضبة،
أنهار راكدة،
أنهار وامضة.
(ولكن لا أحد يقيسنا من الأعماق، بل بأفقية)
نعضُ الضفاف، ندمر السدود
يقولون أننا نمضي كالعميان.

ولكننا نعيش
مياهنا تحتضن عطر الميتة،
و حيوات الأحياء و الميتين.

و الآن لتروا إذا ما كان مفرحاً
أن تعلموا بيقينٍ مؤكد
أننا ولدنا من أجل هذا.

***

خريف

خريفٌ بيدين ذهبيتين.
رماد ذهبي، يداك، تركتا الطريق ليسقط.
تعود الآن للمشي في دروب عتيقة
و جسدك مزنر برياح كل العصور.

خريف، بيدين من ذهب:
بغناء بحرٍ مضطجع في صدرك اللانهائي،
دون سنابل أو أشواك تجرح الصباح،
بفجرٍ يبلل سماءه بأزهار من خمر
كي يمنح سعادة للذي يعرف أن يعيش.

جئتُ من جديد،
بالدخان والريح والغناء والموجة المرتجفة،
في قلبك الكبير، المحترق.

*********

آنخل غونثاليث

Ángel González

خوسيه إييروآنخل غونثالث: ولد في مدينة أوفييدو 1925، درس القانون، وأقام في الولايات المتحدة مدرساً في جامعاتها. يعتبر أهم شاعر شكل حلقة وصل ما بين شعراء الخمسينات والستينات. أول ديوان له يحمل عنوان عالم خشن ظهر عام 1956، ثم تليها: بلا أمل 1961، درجة أولية 1962، وعود أو أقل 1985.حاز على أهم جوائز أسبانيا الشعرية، آخرها جائزة أمير أستورياس للآداب 1985.

زمن آخر يجيء

زمن آخر يجيء مختلف عن هذا.
وأحدهم سيقول:
" قلت سوءاً،
كان عليك أن تقص حكايات أخرى:
آلات كمان تتوتر باسترخاء
في ليلة متضمخة بالعطر،
كلمات مدهشة، مصنفة
للتعبير عن حب غير مشروط،
حب يعبر عن الأشياء كلها."
ولكن اليوم،
عندما يصبح ضوء الفجر
مثل زَبد قذر
ليوم بلا فائدة مقدماً،
أنا هنا،
النعاس، الضجر والقلق
أناشيدي المهزومة
ولكني أغني،
كل ما فقدته،
من أجله أموت.

***

قصيدة أو أقل من قصيدة

التوافقي
عندما كنت شاباً
أردت أن أعيش في مدينة كبيرة.
عندما أضعتُ شبابي
أردت أن أعيش في مدينة صغيرة.
الآن،
أريد أن أعيش.

شفق
لم يكن حلماً
ذاك الذي رأيت:
هو الثلج
و يشتعل.

*******

خايمه خل بيّدما
Jaime Gil de Biedma

خايمه خل بيّدماخايمه خل بيّدما:برشلونة(1929 1990)، أصدر أصدر ثلاثة دواوين هي:تبعاً لحكم الوقت1953، رفاق الرحلة1959، فضائل1966، وتقف بعدها عن النشر، ليعيد نشرها في كتاب واحد هو أشخاص الفعل عام 1975، ترجم وكتب في النقد والسينما أيضاً.

السقف

/الواحد منا يعيش بين ناس وجهاء.
بينهم مَنْ يتحدث/
عن السقف، ومعضلاته
الشيء نفسه وكأنه إبن عمه
و قريب جداً، أيضاً.

حسن يبدو أن السقف
بخطر حقيقي. لا أحد يعلم تماماً
لماذا يحصل له هذا، ولكنهم يتحدثون فيه.
أحدهم يحكي عنه منذ عشرين عاماً.

وهناك من يتحدث أيضاً، عن العدو:
كائنات مفرطة بخوفها،
تتجول في كل الأمكنة، ويُلمِحونَ
لغبار الحجرات، بالشيء ذاته.
وهناك من يقيم دعائم
كي لا يسقط: هم ناس حذرون.
(شيء غريب، ففي الإنكليزية كلمة scffold تعني
في الوقت عينه، دعامة و عمود مشنقة.)

أحدهم يخرج إلى الشارع
و يقبل فتاةً أو يشتري كتاباً،
يتجول، سعيداً. ولكنهم يصعقونه:
كيف تجرؤ ؟
و السقف … !

***

موعظة العائلة

كم أنت ممتن لي يا أبي،
ترافقني بكل هذه الثقة
التي صنعها موتك بيننا نحن الإثنين؟

أنت لا تستطيع أن تمنحني شيئاً
وأنا لا أستطيع أن أمنحك شيئاً
ولهذا تفهمني تماماً.

***

إنشغالاتي

ليس لي، هذا الوقت.
و إن كان لي نبض العصافير
خارجاً، في الحديقة،
فيضهُ في الأوراق الصغيرة،يحركني
مثل الألفة.
ولا يقول الشيء نفسه الآن.
أستيقظُ
كمن يسمع شهيقاً فاحشاً. و لأنها قد أشرقت.

تشرقُ يوماً آخر لا أكون فيه مدعواً
ولا للحظة سعيدة.ولا أيضاً للحظة ندم،
و حتى لا أكون عتيقاً
" إيه يا ربي، إمنحني
قوة و شجاعة "
تدعوني في الحقيقة لأندم
بما تبقى من الصراحة.
الآن لا شيء أخشاه أكثر من إنشغالاتي.

شيء ما أتذكره عن الحياة،
ولكن أين تكون.

***

عن الحياة الرائعة

في بلدٍ عتيق لا يوصف
شيء مثل أسبانيا بين حربين
أهليتين، في بلدة قرب البحر،
تملك بيتاً، ما يكفي من المال
و ذاكرة معدمة. لا تقرأ
لا تعاني، لا تكتب، لا تدفع الفواتير
و تعيش كنبيل محطم
بين خرائب فطنته.

***

أغنية ختامية

الأزهار الورقية ليست حقيقية
و تحرق
مثل جبهة متأملة
أو لمس طبقة جليد.

الأزهار الورقية، في الحقيقة
تشتعل أكثر قرب الصدر.

**********

خ. آغوستين غويتسولو
J. Agustín Goytisolo

خ. آغوستين غويتسولوخ. أغوستين غويتسولو:( برشلونة 1928 مدريد 1999) يشكل مع بيدما و كارلوس بارال ما يعرف بمدرسة برشلونة الشعرية.من عائلة امتهنت الأدب، فهو الشقيق الأكبر للروائيين المعروفين خوان و لويس غويتسولو. أصدر طوال حياته أكثر من 15 أولها عودة 1955، وآخرها ديوانه الغنائي كلمات إلى خوليا وقصائد أخرى 1998. أنهى حياته منتحراً عام 1999.

فقط الأسود

في مملكة الألوان
كل شيء لون وكل شيء تسرع.
أصابع لازوردية يُفَلِينَ البحر
الأحمر يستغيث مثل سكين
في الغابة خوفٌ أخضر
الأصفر يغطي القمح،
البحيرة تستنسخ الزرقة
البرتقالي مضى متدحرجاً
و الثلج يطلب دوره.

فقط الأسود،
ليس بعجلة من أمره.

***

لا تنفع لشيء

عندما كنت صغيراً
كنت حزيناً على الدوام
وأبي يتحدث
وهو ينظر لي ويهز رأسه:
بُني، أنت لا تنفع لشيء.

بعد حين مضيت إلى المدرسة
بقطعة خبز و وداعات
ولكن الحزن كان رفيقي.
صرخ المعلم:أيها الصغير
أنت لا تنفع لشيء.

أتت بعد ذلك الحرب
الموت وقد رأيته
وعندما ولى ماضياً
و الجميع نسوه
حزيناً كنت وأنا أسمعهم يتابعون:
أنت لا تنفع لشيء.

وعندما ألبسوني بنطلوناً طويلاً
غير الحزن حالاً بنطلونه،
وأصدقائي قالوا:
أنت لا تنفع لشيء.

في الشارع وفي القاعات
مكرهاً كنت
لأتعلم الظلم وأنظمته،
فتتبعني باستمرار
الترنيمة الحزينة:
أنت لا تنفع لشيء.

من حزن إلى آخر
تعثرتُ في سلم الحياة.
يوماً ما، الفتاة التي أحببت
قالت لي وهي سعيدة:
أنت لا تنفع لشيء.

اليوم أعيش معها
أمضي نظيفاً و بشعرٍ ممشط
لدينا طفلة
أقول لها أحياناً و بسعادة:
أنت لا تنفعين لشيء.

***

كلمات إلى خوليا

لا يمكنك أن تعودي إلى الوراء
لأن الحياة تدفع بك
و كأنها عواء لا ينتهي.

من الأفضل يا بنيتي
أن تعيشي بسعادة كالآخرين،
من أن تبكي أمام جدار أعمى.

تشعرين بنفسك محاصرة
كما لو أنك ضائعة أو وحيدة
وربما تمنيت لو لم تولدي بعد.

أعلم تماماً ما سيقولون لك
أن الحياة لا معنى لها
وأنها شأن ميؤوس منه.

لذا تذكري دائماً
ما كتبته ذات يوم
مفكراً بك كما أفكر بك الآن.

رجل وحسب، امرأة وحسب
أحدهما للآخر
كالتراب،
لا شيء كلاهما.

ولكنني عندما أتحدث إليك
عندما أكتب لك هذه الكلمات
أفكر أيضاً بناس آخرين.

قدرك مرتبط بهم
ومستقبلك قد يكون حياتك الخاصة،
كرامتك لا تنفصل عن الجميع.

آخرون ينتظرون أن تصمدي
سعادتك تشجعهم،
وأغنيتك بين أغانيهم.

لذا تذكري دائماً
ما كتبته ذات يوم
مفكراً بك كما أفكر الآن.

لا تستسلمي أبداً، ولا تبتعدي
لا تقولي في سيرك
لا أستطيع أكثر وهنا أبقى.
الحياة رائعة كما ترين
على الرغم من الحزن
فسيكون لك حب وأصدقاء كذلك.

لكن ما يبقى لا خيار فيه
وهذا العالم كما هو
سيكون كله ملكك.

معذرة أنني لا أعرف أن أقول أكثر
ولكنك تفهمين
أنني ما أزال في طريقي حتى الآن.

وتذكري ذلك دائماً
أنني كتبت ذات يوم
مفكراً بك كما أفكر الآن.

***********

خوسيه آنخل بالينته
José Ángel Valente

خوسيه آنخل بالينتهخوسيه آنخل بالينته:مدينة غاليثيا عام 1926، توفي في جنيف عام 2000.حائز على أغلب جوائز الأدب الأسبانية مثل: جائزة النقد، الجائزة الوطنية للشعر وغيرها.يقول فيه ليثاما ليما:" لا أعتقد أنه يوجد في أسبانيا خلال العشرين عاماً الأخيرة شاعراً بمكانته". أصدر كتباً عديدة منها: قصائد لاثارو 1960، الذاكرة والإشارات1966، البريء 1970، ختام العمر الفضي 1973، إلى آلهة المكان 1989، المغني الذي لا يُشرق 1992.جمعت أشعاره في ثلاثة أجزاء كاملة عام 1999.

عبر النافذة

قطرات المطر يتكلفن النحيب
في بارومتر الهيئة الباردة لهذا الخريف.
هناك أيام
في الفصل يسقط المطر
مرافقاً أول الضباب
حتى أيكة الحديقة الحميمة
التي ما تزال للآن خضراء،
أيام مُقنّعة مثل أردية رقيقة،
أيام منسوجة في الثقب المعتم،
و منسية على حافة
الأيام المتشابهة،
هي كالأمس، كالأبد هي.

***

الجريمة

اليومُ أصبحت كعادتي،
ولكن بسكين في الصدر.
أجهل منْ كان،
و كذلك تحركات الجريمة المحتملة.

أرقد هنا متمدداً،
البردُ يساقطُ عمودياً.

كنتُ مقتولاً
(أطردُ احتمالات الانتحار)
شاع النبأ بكتمان سري.
كان الطيب مُشرقاً، لكن
الاستجواب كان مربكاً.
الواقعة تكتسب شهوداً
(مكالمة البوابة،
التي تذكر
بأن الميت
لا سوابق سياسية لديه.
وهمٌ يتبعها
منذ موت الزوج).
من جهتي
لا شيء أصرحُ به.
البحث مستمر عن القاتل،
و ربما،
لا وجود لقاتل
رغم أنها تتشابك بهذه الهيئة
حتى نهاية الحبكة.

ملقي هنا ببساطة،
و بسكيني
بينما يهتز البرد
بوقار كبندول.
لا إثباتات ضد أحد.
لا أحد قد أنجز ميتتي.

***

مثل نور الصيف

ماتت العجوز.
ماتت هذا الصباح. ماتت في الفجر، الذي هو وقت الموت.ماتت العجوز. ماتت من العجز.ماتت من الموت.ماتت لأنها سقطت على الأرض، السقطةا العمر، السقطة، قالوا لنا). ماتت لأنها لم تعثر على نور أمام عينيها عندما نظرت بغتة.ماتت برداء صورة قديمة.
كانتا اثنتين والآن واحدة.
بقيت شقيقتها وحسب،إذ كانت حتى الآن أكثر شيخوخة، أكثر عجزاً مما كانتا عليه سوية وهما دائماً بهيئة طفلتين بعيدتين. ماتت العجوز. شقيقتها الأكثر عجزاً، لم تستطع أن تبكيها، فعينها تؤلمها.
العين عجوز الآن، وتشتغل قليلاً.
لم تستطع أن تبكيها، يقال بكتها بالعين الأخرى.
ماتت العجوز.
أخبرتني الجارة متألمة، فنزلنا السلم على أصابعنا. ماتت هذا الصيف.لم تستطع أن تبكيها، تقول الشقيقة، فالعين يؤلمها النشيج المنحبس. مَنْ سيذكر هذا مع نور الصيف؟ لم تستطع أن تبكيها.
الصيف يمتلئ تقريباً بميتات غير محددة و حجرات فارغة.

****************

كارلوس بارّال
Carlos Barral

كارلوس بارّالكارلوس بارال:(برشلونة 1928-1989) كان ناشر أول كتب جيله، ومن ثم أول من شرع بنقل الآداب الفرنسية والأميركية لاتينية ونشرها في أسبانيا.مترجم لأشعار ريلكه و باسترناك. من أعماله : تسعة عشر شخصية من حياتي المدنية 1961، تقرير شخصي عن الفجر 1971، دروس الأشياء 1987. نشر مذكراته تحت عنوان: عندما تسرع الساعات عام1988.

طفل يراقب زمن للذكرى

صوت غرقى ينأى، متحطماً
في طيف المياه الضاجة،
في القمم الصافرة و في كهوف
الضغينة المطوية
و في الضجة الهائلة عن قرب.

الضربات
تزحف، تتعثر، تستند
و البحر يتنهد بعمق
وهو ينسحب عن الأرض المخدرة
لأن الإيقاع، تحديداً، يُذكِره.

تحضر لامعة
على وجه الإبر و حرشفة
الريح و البخار الذي يغمره.
يمطرن كما لو من الداخل، من العمق،
أمزجة تائهة، هيجانات متجهمة،
سر هاوية متفرقعة.

بينما هو، بداخل متألم، يتساءل،
متفحصاً البرك،
مهزوماً و مذعوراً في الآخر،
برفشه و جردله البلاستيكي.

***

أشاركها إنشغالاتي

الآن،
أفضل أن أتخيل
أنني حلمتُ بك كإنسانٍ آلي
أو كشيء عتيق يتحرك
قُدَ من البشر أو الجرأة.
لكن الفتوة الأولى
تضمُ كل تلك الوداعة و الرقة
دون تحفظ.

فيما بعد..
سيكون تقليداً على أية حال.

لقد تفاعلت معك تبعاً للنشيد الطويل
متعذباً بتصورات خيالك
أمسكتُ بالأشياء،
بحثت عنك
مستعيداً الذاكرة
وبعد حين، بيدين متشابكتين كصليب
فوق سريرك،
مضت أزمان و أزمان.

أتعلمين
أنني مضيتُ بخدرٍ لذيذ
حينذاك جرفني عن النظر إليك،
علمتُ أنك قريبة
و كنت أقص رغباتي عليك.

إصنعي بإرادتك
كي تمر السنة،
كي يمر يوماً آخر…
إعملي كالفتاة التي التقيتها ذات أحد
(أو إذا كنت تفضلين امرأة أخرى)
إعملي لأستطيع أن …
أو على كل …

آه لحضورك الذي يجعل الأشياء تحس
بياضك الذي هناك
مملكتك اللامحدودة، تُبرزُ الحلم من بعيد:
الطرقات لينة
عندما يشق القارب المويجات
أو أغصان التنوب المضاءة،
طافية كأي نجمٍ أزرق
و بلا حراك.

**********

خ. كاباييرو بونالد
Caballero Bonald

خ. كاباييرو بونالدكاباييرو بونالد : (قادش 1926)،إبن لأب كوبي وأم فرنسية. له أكثر من عمل شعري وروائي، أهم رواية له هي عين القط الحائزة على جائزة أهم رواية أسبانية عام 1962. أصدر منذ عام 1952 أكثر من كتاب شعري من بينها: التخمينات، ذاكرة لزمن قصير، الساعات الميتة، وكذلك مذكراته التي حملت عنوان:زمن الحروب الضائعة 1995. من الأصوات الأندلسية النادرة في الشعر الأسباني ذات التأثير والأهمية الكبيرتين.

نبؤتي الشخصية

أعود إلى الغرفة وحيداً
كل ليلة، مخزنُ أيام
تتساقط في مرآة غريقة.
هناك، بين شهادات مهووسة،
ترقدُ حياتي بلا حركة: أوراقها، رهينة متقلبة.
الخشبُ،
إرتعاشة المصباح، الكريستال الشفاف،
أثاث الغرفة الرقيق،
كلها
تحفظ في مظهرها،
العودة المستمرة لأعوامي،
دغلُ ذاكرتي العنيد،
كل ذاك الاقتران الحميم
للأحلام المتدفقة وهي تغمرني.
عالمٌ مستعاد، هو الذي عشت
يحتشد مضمخاً الجدران
حيث أولدُ مجدداً في كل ما انتهى.

ومضات تاريخ
تبنى و تجتمعُ عند منشأي. (آه أيتها الغرفة المظلمة،
تشفين فجأة تحت فنار الزمن المكرر ).

تتهيأ لي وجوهُ الضوء هناك،
في الليل،
أنا وحيد بيدين مرفوضتين
أو معروضتين
تمسان الورق (هذا العشق، وذاك الحلم)،
أطياف منسية، و تخمينات ضائعة.

هناك حياتي،
بينما الذاكرة تخترقني دفعة واحدة،
وكل يوم.

صورة عن هلاكي
ستنجزُ من جديد حين أودع.

نبؤتي الشخصية، ذاكرتي:
أملي أن أكون مثلما أردت.

***********

أنطونيو غامونيدا
Antonio Gamoneda

أنطونيو غامونيداأنطونيو غامونيدا:مدينة أوفييدو1931، من الأسماء التي بقيت محافظة على صلة جيله بشعرية الأسماء السابقة لها، وهذا ما يتضح بقصائده المنتخبة. نشر العديد من الكتب، من بينها: الأرض و الشفاه 1953، تمرد ساكن 1960، موسيقى قشتالية 1982، ألواح حجرية 1987، كتاب السموم 1992، وغيرها.

أرض و شفاه

سأشربُ شعْرَكِ
وأغلق
عيني.

تستمرين
بالتدفق،
بينما شعْرُك،
متكدر من القُبل.

***

نافذة مبللة

مدينة مجهولة،
هذه
وسمائها تمطر بلا أمل
لا ذاكرة لها
أو نسيان
الوجود، خطأها الوحيد؛

أتساءلُ،
مَنْ سيحبني في هذه المدينة المجهولة ؟

***

موسيقى بيتية

في بيتي،
الجدران عارية
وأنا الذي أعاني مراقباً الجص البارد.
بيتي بأبواب و نوافذ:
لا أحتمل هذه الثقوب الكثيرة.

هنا تعيش أمي ببطئها،
هنا تعيش زوجتي بجدائلها
هنا يعيش أبنائي بعيونهم
لماذا أعاني، مراقباً جدرانه؟
العالم شاسع. وداخل البيت
لا فراغ. العالم شاسع
وداخل البيت بينما العالم شاسع
ليس حسناً أن تعيش وأنت تعاني.

************

مارتينث ساريون
Martínez Sarrion

مارتينث ساريونمارتينث ساريّون : ( مدينة الباثيته 1939) ،شاعر ينتمي عملياً لجيل نهاية الستينات. له كتب متعددة منها: مسرح العمليات 1967، أفق الخليج 1983، حموضة 1986.

كابوس

تَحمَلْ الظلمة المباغتة
لمهرة الليل. و دون فضيحة،
بيدين مربوطتين بحزام الحُلم،
مسحوقاً بضيقك و بفمٍ إلى الأعلى
عليك الخضوع لمتابعة هيئات معشوقة.
لا تتجرأ أن تصنع شيئاً:
لا حبال، لا عصي و لا مخاطيف
لا جزمات طوارئ لختام توقفك.
لو لم تعتقل هذا البطء
الذي يبعدك عن الجُرف.

***

سينما يوم السبت

روائع السينما، معارض
من ضوء رامش بين صفير
الأطفال مع أمهاتهم اللواتي يمضين إلى الأسفل
رفقة نمور رقطاء،
وهندي يجهد نفسه لالتقاط فاكهة متوهجة
إيفون كارلو ترقص في شهرزاد
لا أعلم إن كانت رقصة عربية أم تانغو،
يا حب أعوامي الخمسة عشر يا مارلين
أنهار مُرة من الذكريات،
وبعد حين عشاء فاسد و مجمد
بينما العيون
تتقد كالفنارات.

*************

خ. ميغيل أوليان
Miguel Ullan
(ullan@cnm.es)

خ. ميغيل أوليان: (مدينة سلمنكا 1944 )، له أكثر من 12 ديوان شعر من بينها:حب ساحلي 1965، جُمل 1975، لطخات معدودة 1985.

اليوم

لو كان لهم يوم سبت
و إبن؛
ولكن ليس لهم يوم سبت
والإبن،
يقولون
إنه في ألمانيا؛

هكذا يقولون.

***

شهادة

الصوتُ هو صوت
يصنعُ شظايا الكلمات المُخلِصة
…. فكٌ مُشهر،
تكشيرة شقيقتك،
اللعاب السري،
احتضار قادر على أن يمنحك موقعاً أول،
الأخير الآن ( يا للجسد المدمى )
إرث هذا المزمور، أرض بعيدة،
هروب إلى الأبد،
حرية أسيرة.
الصوت هو صوت،
لا أثر له
ولا عطر جديد،
فلتغلقوا لي جفني.

************

بيير جمفرير
Gim ferrer

بيير جمفريربيير جمفرير: برشلونة 1945، يعد من أهم الشعراء الكتالانيين الأسبان المعاصرين. قاص وناقد سينمائي.حائز على جائزة الشعر 1968، الجائزة الوطنية للأدب 1998.من أعماله: يحرق البحر، الموت في بيفرلي هيلز، ظهورات وأشعار أخرى.

غُروب

الشاي مليء بالميكانيزم
و الحاكي في الشرفة
عنبر سائلٍ ما
يرسمُ آثاراً
قرب النهايات.
عيون معتمة ترابط
تترصد، حينذاك، صيد صارم
و قناة الريح تحجبها
عن الليل والشاي و التعازي.

***

نوطة موسيقية لهولدرين

لو فقدتُ ذاكرتي، يا للصفاء.
في الزرقة الكرستالية يتأجل المساء،
يحبسُ ذهبه في شباك نائية،
يترشحُ الضوء من فرجةٍ أخيرة،
ينتشرُ و يصلني
كقوس يرتجف في هواء مشتعل.
ماذا ينتظرُ الصمت؟ أمراء المساء،
أية قصور تطأها قدماي،
أية غيوم أو أرصفة، أي بلدٍ متلألئ؟
تلك الزهرة الميتة دامت أكثر منا.
يا لحلاوة أن تستمع للصخب
الذي تدور فيه كواكب المياه.

**********

ليوبولدو بانيرو
Leopoldo Panero

ليوبولدو بانيروليوبالدو بانيرو: مدريد 1948، له دواوين عديدة أهمها: هكذا تأسس شارع كارنابي 1970، نرسيس 1979، الرجل الأخير 1984، حارس البهيمة الذي لا وجود له 1998، حتى كتابه الأخير الصادر عام1999 والمعنون: نظرية الرعب.اكتشف شعريته في السجن بعد أن قبض عليه بتهمة بيع المخدرات في شوارع مدريد، وظل مخلصاً طوال حياته لهذين الإثنين، مدمناً أزلياً للمخدرات و وفياً للشعر الذي تعلمه من مالارميه.

في عين العاصفة

سأنتظر من أجلك في عين العاصفة
سأنتظر الشيطان، إله الرعد و المطر،
سيتركه حقده يسقط.
يموت الغراب في الغياب
و تظل نظرته تائهة،
متآكلة بأسنان الصفحة.
الغابة، واقعة بشرك عين النمر
مستندة على تناسق القصيدة التام
في نمر عيني
في شفة الصفحة
إلى حيث أصل متأخراً جداً.

***

هدية رجل

هذا المساء، الساعة السابعة،
ستلمعُ جثتي
بضوء أكثر صفاء: و يدٌ،
ستلمسها من ابتداء القصيدة.
طقوس الموت ستسميها حياة،
بينما الصانعُ يختبئ بين عضلاتي
و والداي يطلبان المغفرة لأنني سلمت نفسي
عارياً أمام الناس في السهل المظلم.

***

جحيم

لا تبحثوا أكثر، فلم تعد لي عينان
طالما إن العين رمز يسوع و كذلك الرب
وأنا الذي من كريستال الجحيم
كريستال للموت وحيداً
للموت على صفحة رقيقة مثل المعاناة
مثل أن تعاني بفظاعة أكبر
من أن تعاني من أن لا توجد
أن تعاني على سطح ورقة
لا توجد بعد.

***********

أنطونيو كوليناس
Antonio Colinas

أنطونيو كوليناسأنطونيو كوليناس: مدينة ليون 1946، الجائزة الوطنية للأدب 1982، من أعماله قصائد الأرض و الدم 1969، رعد و مزامير في معبد 1972، ليل أبعد من هذا الليل 1983، حديقة أورفيو 1988، موت هارموني 1993.

بلدٌ غريب

في البلد الغريب،
الجنون.
قلبٌ متناس، ثمالة أحلام
تحرقُ ساعات مروجٍ حمراء.
قبل أن تمضي الشمس ستنتحر العجائب
في ربيع صدغيّ،
في ربيع الأزهار والعقارب.

في محلات الصين الميتة،
أسماك حية
أكثر عمقاً من البنفسجات.
حمامات ترفرفُ بين البنفسجات.
غراب يتفصد دمه بين البنفسجات.
كثافة اختناق ريحٍ، في البنفسجات.

في كل شيء،
الجنون
برد المغارات الرنان،
تنين طفولتي اللطيف،
بلدان الشرق.
حسناء جميلة لم تستيقظ بعد
تستريح بين البنفسجات،
مع بنفسجتي عينيها.
لن يأتي الأمير،
بقي في غابته
مستمعاً لعجوز تحكي قصصاً زرقاء.

ليلٌ أكثر صفاء من هذا الحلم،
من السم المخضر
لكأس القصيدة.
الكل يتشابك في الذاكرة حالاً
الكل يتشبثُ بالقلب.

لهذا أستغيث وأشرب في كل حلم،
منذ زمن أعيشُ في بلد الحلم،
كل بنفسجة معذبة بالمطر
وريح الفصول الغضبى.

للبنفسج،
جنون
الصمت،
الانفعال النقي،
و هذا القلب المتناسي.

***********

جييرمو كارنيرو
Guillermo Carnero

جييرمو كارنيروجييرمو كارنيرو: مدينة فالنسية 1947، من أعماله الشعرية، رسم الموت 1967، تنويعات و شخوص 1974، مقال عن نظرية الرؤية 1979.

تطابق

يا لبؤس الأصوات. تنادي،
تتضرع، تزمجر
و تنطلق في النحيب.
من الأجمة تتدفق حشرجة ناي شبق،
رجفة خجلة،
رنين يرتقي
و ارتباك شديد في ممالك الظل.

رعشة موسيقى
تجتاح الزجاجات العالية.

يا للرغبة،
في أن تزهر القيثارة،
أن تنهمر أوتارها باستمرار،
وأن تعاكس مصيدة الكمان.

في ليالي الصيف،
يا لبؤس الأصوات.

***

بحث واقعي

تعود النظرة إلى الوراء
كي تبحث عن هذا الوضوح
الذي يجلب الشيء إلى كلمته،
ينكشف أحدهما للآخر،
في وصلهما الثنائي
الخبرة و الحياة تقبضان على الحياة،
لا أحد يخطف من الآخر، بل أحدهما في الآخر؛

تحضرُ، القصيدة التي لم تكن حتى اللحظة،
تحلقُ لتلتصق بشدة في نقطة زمنها المحدد؛
حيث مضينا لتشكيلها آنذاك،
هذه الكلمة تماماً، نحتفظ بها بين أيدينا،
أيدينا الطويلة.

ليس بهذه الهيئة تتجاذب الكلمات
فالافتراضات الحاسمة تخطط لهندستها؛
أبعد من هنا
تجثمُ الصحراء
إذ تهذي الكلمة لخلق شبيهها:
ونحن نعتقد بأننا عشنا
لأن القصيدة قد أنوجدت؛

ما يبدو كأصل
لا شيء هو،
صدى وحسب.

**********

ماريا فكتوريا أتنثيا
Maria Victoria Atencia

ماريا فكتوريا أتنثياماريا فكتوريا أتنثيا: مدينة مالقا 1931، درست وتخصصت بالرس، الدخيلةرجمت أعمال شعرية عديدة إلى الأسبانية.من أهم كتبها: الأحلام 1976، جامع التحف 1989، الإشارة 199، الدخيلةة و الجسر 1992.

رباط

أخيراً مضى الصيف
جاف لدرجة أننا لم نعرف البكاء
ولم نتجسد بإثاراته
ولا حتى أن نتحطم بمائه.
والرباط الذي جمعنا إلى وعاءه
كما لو كان بهيئة مديدة،
كما في مسافةٍ ملحقة جاهزة للنظر
بعينين رأتا أشياء عديدة
ثم عليها أن تنسى إلى الأبد.

***

الوحش

هي نشطٌ وعلى أرضه،
بعينين متوحشتين
وحش نبيل و يتفهمنا لم ترمشا،
حراشفها متوحشة ومثابرة.
يستطيع أن يصل إلى القمة، ميدانه
المسموح أو المتفق عليه،
لكنه هو الذي لا يجتازه.
أحد ما وبلا فائدة ترجى
تنبه للخطر،
من مكمنٍ أرعبني.

بينما هو الذي يستمر بأشيائه.

***********

ل. ألبرتو دَ كوينكا
Luis Alberto de Cuenca

ل. ألبرتو دَ كوينكالويس البرتو دي كوينكا:من الشعراء المهمين في الحقبة الأخيرة، وحاز على أغلب جوائز الشعر في بلده. ولد عام 1950، من بين دواوينه: الصور 1971، الصندوق الفضي 1985، حيوانات أليفة 1995 و للأقوياء و الحدود. جمع شعره كله في كتاب بعنوان (عوالم و أيام )عام 1999.

الجرح

لا شيء
لا الرعب المخيف، ولا الحقيقة الصاخبة
لا الهيئة المُرّة للشك
ولا هذا الجحيم في غابة جسدي
الذي يهدد بالغموض دوماً.

لا رعب الخيال الذي يضرب عيني
و يعذب فكري
لا اللعب القاسي،
ولا النار التي تقضم خيال القوة و العطر الآخر.

لا كلماتك ولا تحركاتك
ولا هذا الجانب الموحش من شارعك
يمنع أن يتقد في ضلعك
الضوء
الذي يمنح الحياة كما الموت:
آجلاً أم مبكراً سينفتح جرحك،
ولن يمنحك لحظة تشكيل كلماتك.

***

نداء

خصر الريح،
و زهرة ياسمين تَميل
لنحيب الماء.

***

حمورابي

الفتيات مثلك يضحكن
من لحية حمورابي ذاته.
" العين بالعين
والسن بالسن "
( ما دونه في بابل
قبل أربعة آلاف سنة )

الفتيات مثلك يجبن
عن الحب بالازدراء
و بالازدراء عن الحب،
ذلك ليزعجوا حمورابي.

***

رسالة في قنينة محطمة

أنا هنا، ضجرٌ مثل فِطرْ
في الجزيرة الدائمة
(التي لها
نخلة في المنتصف)،
و محاطة بالكواسج،
أنا هنا،
مثل أي غريق يظهر
في واحدة من تلك المزح.

إفعل شيئاً، صديقي:
أكتب لي رسالة طويلة و رائعة،
إتصل بي بالهاتف
أو لترسل لي شريطاً بصوتك.

*************

خايمه سيلس
Jaime Siles

Jaime Silesخايمه سيلس: فالنسية 1951، حائز على عدة جوائز وطنية. من أعماله: إستعارة 1977، إشارات إشارات 1990، نشيد متأخر 1999.

قلبُ الماء

تجديف، دوار و موج.
همس مرتبك يؤبد
الوجه المخفي لشهيق غير ممكن.

ذرة ملح ذائب تنادي
فوق صدر مضى
و تبحث عنك.

كجفن من ضوء، تتضاءل
فتلمس أصابعك الزئبق.

نبضٌ صدئ
يخترق،
يبردُ، ينسجُ و يقص الوضوح.

الوجود وحده هو الضائع،
فالماء يضاعف وجهه
في موجات أخرى.

***

كريستال

الضوءُ يقطع رموشك
و بينما يدور حولها
تتعرف على نفسك،
كما لو كنت صوتاً وحيداً.

حدقة مكررة تتفتح
من قطرتها الزرقاء
حتى داخلها.

أسفل الكريستال
الضوء
ليس سوى نقطة.

***********

ل. أنطونيو بيينا
( ......؟......)

ل. أنطونيو بييناأنطونيو بيينا:مدريد1951، جائزة النقد للشعر 1981، من أعماله: الهروب من الشتاء 1981، الموت وحسب 1984، مثل مكان غريب 1990.

أكثرُ حزناً من الموت الكريه

عاشقٌ للموت، محب سعيد
في الاستراحة الوحيدة التي تؤثث العالم:
أخرجْ، أمضْ بعيداً،
أهرب إلى الأبد !
" كيف تحتفظ بعام آخر "
يا له من طريقٍ قاس، ولا رغبة لي به.
لماذا أحب، واليد ترتعش في الهواء.
أرغب، والاشتياق لا يتوافق والأجساد الشقر.

تسقط رموشي لأنني لستُ سعيداً
حزين جداً،
والحنين له وزن غريب.
سأهربُ من هنا، لن تروني أبداً،
سأصرخُ: النيران، النيران وسأغلق الستار
سأرتدي ثوباً أخضر
مثل حراشف من عالم آخر.
لأنني أردت أن أصبح ملكاً
يتعشى قبل المقصلة؛
كبطلٍ طائش في رقصة عناكب،
فتى رائع لا هم له سوى العشق و الترف.
لكن لا أحد من هؤلاء كنت.
ما أعسر أن تعيش.
ولا أي غدٍ ( أبداً..)،
سيكون وقوراً و لائقاً بمهنته.

***********

ل.غارثيا مارتين
Luis García Martín

ل.غارثيا مارتينل. غارثيا مارتين: شاعر و ناقد (كاثاريس 1950) أصدر أول دواوينه بحارة ضائعون في الموانئ 1972، جمع نتاجه الشعري عام 1998 في مجلد واحد بعنوان: مادة فانية.

هو و أنا

بعض الليالي عندما يتأخر الحلم
أجبر نفسي على تفريغ الكلمات:
لكلمة ليل أخطفُ منها الظلمة،
من العزلة بعض أسمائها الخاصة،
النجيمات؛

كلمة ليل سأتركها دون موسيقى
هذه القشرة الخاوية
التي تحيط ولا تُحدث سوءاً لأحد
أستخرجُ أمعائها أمام كلمة حب
أمعائها الملتوية
وبعد أن أستحم، أعودُ إلى مضجعي.
لي كل أوقات العالم
ليل دون أحلام
تتيح لي أن ألمس رقبة كلمة حياة
أتركها دون شهيق
هذه الكلمة التي من مقطعين
إذ لا أحد يستطيعُ أن يؤذيها.

سأقتطع الشوارع من كلمة مدينة
مثلما يستلُ أحدهم الأشواك
ومن ثم سأشغل مساءات رمادية
للذي لا يستطيع أن يصل.

سأقطع أوراقاً أكثر من كلمة كتاب
وعلى ورقة بيضاء
سأكتب اسمك
مرة بعد أخرى
إسماً لا يعني شيئاً.
لكلمة أنا سأدخل إصبعاً في العين
ولكلمة إصبع سأقتلع إظفراً
وأستخرجُ لساناً لكلمة لغة
وبلسان في اليد
سأقترب من النافذة.

ولكنني لن أرى نافذة،
هناك مقاطع حزينة
تجمعني أنا و الرب
في هذه الليلة التي لا تنتهي
حيث نلعب بالنرد.

************

برناردو آتشاغا
Bernardo Atxaga

Bernardo Atxagaبرناردو إتشاغا:شاعر و روائي أسباني معروف، من إقليم الباسك، ولد في مدينة غوبوثكوا عام 1951.صدر له في الرواية:عن المدينة 1976، الرجل لوحده 1994، هذه السموات 1996، وعمله الأكثر شهرة أوباباكوك 1988. وفي الشعر:قصائد المدينة 1976، إثيوبيا 1978، قصائد و لقطاء 1990.حاز على أهم الجوائز الأسبانية، منها:الجائزة الوطنية للأدب، جائزة النقد، وجائزة بريكس ميلباغس.

عذراً كرافان

عندما تبارى فرانسيس بيكابيا ببرشلونة
في بطولة العالم للملاكمة،
كانت كل الأشياء قد قيلت بالتأكيد،
مثلاً: في الرِحلاتِ الطويلة يتصدع قلبُ
قطارات الشحن،
جميع مشغلي الماكنات بكوا لمرورهم في عقرا.

نعرف على الأقل بأنه عادي، أنه عادي *،
و بأن من المستحيل الحديث بضمير الشخص الأول،
و نقرأ كل يوم اسم إسمنت
السعادة البيتية: تهنئات Congratulations

تهنئات بهذا اللبن المدهش،
تهنئات بهذا الرداء دون تجعدات،
تهنئات بآلاف الأوعية من الحساء بمتناول أيدينا.
بصراحة تهنئات، تهنئة لي،
تهنئة لك، تهنئة للجميع.

لقد قالها العجوز عزرا منذ زمن، كليشات،
كليشات بصورة دائمة، أو علكة
من أي طعم،
برتقال، ليمون، التنينُ هو بطلنا.

أو كما تقول أنت، هي الأجمل، و أحبها جداً،
أوه كلا،O- nou ،أجابنا مالوني
أو لقول شيء ما، ويمد خطمه
حتى الأعمق مما هو أكثر عمقاً؛
و أنا أيضاً أستطيع أن أكرر بعض الكلمات:
حالُ الرجل الذي ما أن يخرج من البيت
حتى يُضِّيعُ عجيزتهُ
بحثاً عن طرقْ صائبة و سرية،
موضوعٌ كبير لفيلم بالألوان؛
للفنطازيا الأزلية لسيجار الفم الذهبي
في نيويورك، في كل أمكنة نيويورك،

أوه كلا،
O-nou ، كيف الحال،Comantalevu،
إلى آخره إلى آخره …

*************

خسوس موناريث
Jesús Munárriz

خسوس موناريثخسوس موناريث:سان سباستيان 1940، من بين كتبه أسفار وإقامات 1975، أربعينية 1977، طريق الصوت 1988.

كلمات

بعض من كلمات. المحددة وحسب.
حشوة إلى الداخل، قلب إلى الأعلى
الروح إلى الأمام.
الحبيبات و حسب.
بعض من كلمات.مشتعلة كلها.

***

أغنية قصيرة

ضباب صباحي
يعمي الحقل
يعدو من الغموض
حصان أبيض.

يعدو من الغموض
في عاصفة ورق؛
يصهلُ في الصباح
الضباب الأبيض.

***

نغم

الشفافية
تسقط
من أعلى
لحظات الفرح.

تنفتحُ الفضاءات قليلاً
و نضحٌ
ينعشُ ببهجة
يبللُ الصمت
في نغمه.

***

بلا كلمات

الليل ينبشُ معبد البشر
و يفرض، بمساوات، سره المبجل.
تفيضُ الأحداث، تفيضُ الكلمات.
نعيدُ بائسين سلطته إلى الصمت.

*********

لويس غارثيا مونتيرو
Luis García Montero

لويس غارثيا مونتيرولويس غارثيا مونتيرو: من أبرز الأصوات الشعرية الثمانينية، ولد في غرناطة 1958، ويعد كتابه يوم جمعة تماماً 1998 من أفضل الكتب في العقد التسعيني، من أعماله الأخرى: الحديقة الأجنبية 1983، أزهار البرد1990 و حجرات منفصلة 1995.حاصل على أهم جوائز الشعر الأسبانية.

يناير

لقد اعتدت على اسمي،
وعلى غفلة، تتلاشى المدينة التي صنعتني
إذ تطردُ خبرتي من زمنها.

ليست الشوارع الجديدة جديرة بتسمية طرقات
هي خيالات محطمة، قلاعٌ
بنايات تُحفظُ في عينيه.

أوامر من الصمت. أين أكون؟
أهي ذكريات جريحة؟
ولكن أين تمضي العربة التي اقتنيت؟

***

هيئة بلا منظر

لقد بعتُ روحي للشيطان مرتين
مقابل عملات ضبابية و غير شرعية
في بلدان لم يجرأ أحد على تأسيسها.

واقعي يحيا في عالم أحلام
و حالم ينوي العيش في الواقع.

ما أسوأ قدرك،
هكذا يمضي بك.

**********

فليبه بنيتث ريّس
Benítez Reyes

لويس غارثيا مونتيروبنتيث رييس: قادش 1960، شاعر وروائي حاز على جوائز مختلفة، من أعماله الشعرية: جنة مخطوطة 1982، العوالم المتلاشية1985، حيوات غير محتملة 1995 و مخزن السموم 1999.

السؤال

إذا كانت ظلالي لا تشبه
إلى حد ما لعبة صينية
إذا كنت منذ شهور لا أعرف أين تعيش تريسا
ولا مع مَنْ
وإذا كانوا في القلاع العالية
قد سرقوا لي أجراسي،
فماذا أفعل في هذا المكان إذن
خبرني لو كنت لطيفاً ؟

***

الفارس

هارباً بكل خفة.

محطة الوقود في المنعطف
لم تتعاقد مع مراقبٍ بعد.

حسنٌ، فهذه العربات المسروقة لا تنفع
سوى لشحن الكلاب السائبة.
مازال يقرصك الوشم؟

نظري يتضبب،
لكنني انتظرت دون أن أمضي لاستلامك
وها أنا هنا،
أمضي يومي بطلقة ولا حتى من فضة
محشورة بين أضلاعي.

************

آنا روسيتي
Ana Rosseti

آنا روسيتيآنا روسيتي: قادش 1950، نشرت أعمال نثرية وشعرية، من أهم دواوينها: هذيانات أيراتو 1980، آلهة مظلمة 1982، فهارس حامية 1985، وغيرها.

غرباء في الليل

عندما تشرعُ نافذتك ليلاً
والذهب، يثقبُ ستارتها
يقتحم حضورك حجرتي
أنهض وأريد أن أفاجئك
أن ألمح قامتك تعبرُ
الكريستال، وقميصك الباهت
مرمياً على الكرسي.
حدقتي تتحجر على الدانتيلا
و قدماي، فوق البلاط، لا يتحسسان البرد.

***

إحساس

المساء بزرقة خزف صيني
بينما أصمتُ أمام تمايل النسيم،
والإطار الثابت لنافذة مرصدي.
وراء النافذة، نظرة، عقد لتفادي
نفحةً تجلدُ الخيوط الغليظة
لشراشفكَ المبللة وهي تتشابك و شراشفي
برباط من لونين.
أو ربما في البطن، متقوساً في بطن أخرى
كأشرعة مترعة أو كالأعلام.
ولكن كل شيء هادئ،
فخلف النافذة قلبي يرتجف سراً
قلبي وحسب،
كما لو ينوي أن يخطفك.

************

آندريس روباينا
Andrés Robayna

آندريس روبايناآندريس روباينا: جزر الكناري 1952، من بين أعماله؛ الطقس 1978، حبر1981، الصخرة 1984، وغيرها.

معرفة

بخفةٍ أقطع الجبال والأوراق،
قامات مهجورة، ثم أختبئ بين اللهب.

قلاعُ شموس عند حافة الأوراق
أزهار تتساقط ببطء في النار.

عطشُ سيقانٍ في الأخاديد الرقيقة،
أحجارٌ تضطرم، فتحتمل قدماي.

خشية من قوة البشر المنفلتة،
ضد انحدارات شاسعة، مستشعرة ولا أعلم بها.

هدوء أقواسٍ حول ضوء الحلم:
هناك، يجترحُ الضوء جزراً و سيقان.

ضد نور المساء المفرغ،
شمس بطيئة تثبُ ما بين حياةٍ و موت.

***

عودة

يدور غبار
لا يُمسكْ،
منظرُ شمسٍ مكشوفة
أسفل الكثبان،
لا أثر للبحر الآن.

***********