"رؤى ونصوص"

في الأوقات الحرجة
أغبطكم أيها الشعراء، وفي السرّ أحسدكم
كيف تأتيكم الأفكار ناضجة كالتين المفلوع؟
أية حوصلة تمضغ لكم الشعر وتزقّه بأفواهكم؟
لماذا تبقى الورقة بيضاء بين يدي،
رغم كثرة القاموس والنغص؟
من علّمكم الخصب في الجفاف، والنار في الثلج؟
كيف ترون في أرجل النمل عضلات جبل؟

صلاح نيازي

انه لأمر مدهش وصادم بالتأكيد أن تكون بمواجهة هذا الحشد الضخم من الشعراء، والذين انبثقوا من شقوق السماء في زهاء عقدين من الزمان. لكن الدهشة ستزول حين نعلم أن السرّ وراء ذلك هو الحلم العراقي.. ذلك الحلم الذي يتناهى في قدمه حتى يتصل بالـ الجدّ الأعلى لكل الشعراء العراقيين جلجامش.. لقد بذر الجدّ جلجامش بذور السؤال، وبحث هو عن الإجابة بطريقته الخاصة، وحقّق حكمته العالية من خلال فشله الرائع. لكنه لم يغلق أبواب أوروك وسماءها، بل ترك الاحتمالات مفتوحة ومتاحة للجميع.

فضل خلف جبر

***

رؤية عامة

السومريون
شاربو حجارة الزمن وسمومها
الذين تحدروا من نهاية الضفاف
والذين حملوا عدة الاضطراب
الذين نسوا أصابعهم
وأرخبيلاتهم في الطيش
والذين كانوا
نيران ثمارنا الناضجة ووسنها
مراراً جعلتهم
يقفزون على الدمع
ومراراً
تركت لهم صرختي.

جان دمو

نحن حفر الأبدية دائماً
وعقولنا لا تستطيع الوصول بنا إلى المنتهى.
.. نحن الذين لا مدافن لنا
أبداً سنبقى على قيد الحياة.

سليمان جوني


ماذا سنفعل بالخيول؟..
أحلامنا
تجرّها العصافير.

فرج الحطاب


أنا بحاجة إلى أمور كثيرة.. أولها أنا.

حسن النصار


تحت جلد كل عراقي، سومري يصيح:
نوح، نوح، نوح.

صلاح نيازي- وهم الأسماء

أظنّ لو أننا راجعنا المدوّنة العراقية في السنوات العشرين الأخيرة، لما عثرنا ربما فيها على كلمات: سعادة، فرح، سرور، حبور، ضحك، وغيرها من المعبرة عن مشاعر ايجابية إلا في حالات نفي.
برهان الخطيب

***

الشاعر والعالم

راهنية الشعر العراقي
[1980-2000]

أسفرت الأحداث الاستثنائية التي حاصرت بلاد الرافدين خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين عن جملة من النتائج والآثار الشمولية والدقيقة على مختلف الأصعدة التحتية والثقافية. من ذلك ما شهده الأدب العراقي من نقلات فكرية وجمالية، ارتفعت بالإنسان والقضية إلى مديات كانت محجورة ومساحات بقيت مظلمة على مستوى الخطاب المعرفي الحضاري. وكانت الشعرية العراقية، كالعادة، هي السباقة في عمليات الحفر العمودي وإعادة صياغات الذات الشعرية لتجاوز الطارئ والزمني إلى التأريخي والفلسفي والإنساني.
لقد بقيت الشعرية العربية رهينة الخطاب الإعلامي الراهني السطحي للقبيلة والمؤسسة، حتى ظهور النقلة الشعرية الحداثوبة منتصف القرن الماضي، التي ثارت على النمطية السلفية. وتميزت قصيدة الخمسينات بالحفر في الأسطورة ممثلة في قصيدة السياب واستحضار الصوفية لدى البياتي وعبد الصبور ، بينما توزع الستينيون بين التاريخ الإسلامي والتراث الشعبي البدوي. وجاءت التجربة السبعينية وقفة مراجعة وتمحيص للبحث عن انطلاقة جديدة تحرر القصيدة من براثن الخطاب المباشر وغير المباشر إلى لغة تغور في التاريخ، وتبرز حفريات خزعل الماجدي التاريخية ورقمه المطلسمة على صعيد الشعر وتوظيف الميثولوجيا على سعيد السرد وتجربة "دابادا" لحسن مطلك على صعيد الرواية محطات مضيئة ساهمت في بلورة المنجز الثماتسعيني في استيلاد خطاب شعري حضاري فلسفي يتجاوز الحاضر ويسنحضر التاريخ ويتجاوب مع المستقبل.
ثمة أكثر من جانب لدراسة الشعرية الراهنة وانفجاراتها المتواصلة بهدوء وعمق. يلخص الشاعر التسعيني جمال الحلاق بعض مظاهرها قائلاً: هناك إضافة في قصيدة النثر التي نكتبها، وقد شخصناها منذ الشهر الخامس 1995 . ومن مميزات هذه القصيدة أذكر الاختزال، فقد كانت القصيدة الثمانينيية مترهلة والشعر الآن مختزل ومكثف ويلتصق بوجود الإنسان، ذلك أن وجود الإنسان في العالم شعري./ألواح ع5-998. بينما يقيم الثمانيني فضل خلف تجربة جيله بالقول: رافقت الكتابة الشعرية الثمانينية الكثير من المهيمنات الأسلوبية والفكرية مثل: التكرار، المفردات البيئية والشعبية، التوظيف المغاير للميثولوجيا والموروث الشعبي والتاريخي، السرد وملصقات السرد، البياض كمعادل دلالي، استثمار فانتازيا الواقع، توظيف القاموس الدلالي الشعبي وترحيل اللهجة العامية إلى أفق الشعر، الانفتاح ألأجناسي على حقول الإبداع المختلفة، استثمار جميع مظاهر التقدم التكنولوجي، الاستفادة القصوى من الكشوفات المعرفية واللسانية، إلى غير ذلك من المهيمنات التي دفعت المشروع الحداثي العربي نحو مديات وآفاق مغايرة، وأشاعت حساسية جديدة على جميع مستويات ومراحل إنتاج الكتابة الشعرية/الزمان ع1480في16/4/03. بيد أن الأمانة التاريخية تقتضي عدم غبن أي جيل أو شاعر منجزه، حسب تقاليد النظام السياسي العربي والتداول عبر قتل الأب. وسوف تتغير حدة الخطاب ونوعيته مع تقادم الجيل، كما نرى في تأشير السبعيني حميد قاسم لقصيدة جيله معتبراً أنها: أخذت منحى جديداً يتمثل في محاولة المغايرة والاختلاف، أو ما تسمى بمحاولة "الخروج على أبوّة الجيل الستيني" الذي تحكمت في تجاربه مؤثرات متشابهة إلى حدّ بعيد، وستتطلع أغلب نماذجها وأبرزها إلى أفق آخر./ مجلة الرافد- ملف الشعر العراقي بين حربين. إن هذا التوصيف السريع لا يعني مطلقاً وجود نمطية جيلية أو قوالب متفق عليها لدى كل جيل. إن التجربة الشعرية تبقى تجربة نفسية وشعورية ورؤيوية مفتوحة غير محددة حتى لدى الشاعر نفسه. واستخدم الشاعر فضل خلف {تسمية التجمعات المرجانية.. الأقرب إلى توصيف الظواهر الأسلوبية التي تسود المشهد}/م.ن. أن الشاعر الذي يقسر نفسه على نمطية معينة مهما كانت المبررات إنما يحكم على نفسه وتجربته بالجمود والموت، وثمة كثير من الشواهد في كل مكان. العملية الشعرية عملية نحت وبحث وتجديد وأسئلة متوالدة، ولا يجوز النظر إليها مثل لوحة معلّقة في متحف، أو بناء في ركن من المدينة. وكل منجز، لا يتعرض للنقض والتجاوز في الزمن الشعري إنما يمثل شهادة عجز عن الإبداع والتواصل، أما الحقيقة الشعرية، فهي الحقيقة الوجودية وإدراك حدود الزمن التي يسخر العلم الحديث والشاعر المعاصر كل أدواته لرؤية مشارفها. ويبقى كل منجز، منجزاً عالمياً مشتركاً أسهم فيه كل الشعراء، طالما أن من لا يقرأ لا يستطيع أن يكتب، ومن يتأمل، لا يحتاج فقط للمشهد المتامَّل، وإنما لما يحثّه أو يحثّ فيه حاسة التأمل وذلك هو النص.
الخصوصيات
" لقد كان تأثير تلك الحرب عميقاً في تجربة شعراء ما بعد الستينات الذين التحقوا بالخدمة العسكرية طيلة سنوات الحرب وشارك أغلبهم مشاركة فعلية فيها، وعايش أهوالها من خلال المواجهة اليومية الساخنة مع الموت وتفاصيله وأدواته المدمرة في الخنادق الأمامية، فضلاً عن انعكاساتها في العمق.. في الحياة اليومية للمجتمع العراقي وآثارها على الوجدان الفردي أو الجمعي، وهذا ما لم يتح للشعراء من الأجيال السابقة ممن كتبوا عن الحرب بوصفها فعلاً خارجياً"/ حميد قاسم- م.ن. ويقول عدنان الصائغ:جيلنا الذي ولد مع دوي المدافع وأصوات القذائف، كان ظهوره أيضاً مدوياً وصاخباً ولا يزال من خلال نتاجاته وطروحاته الشعرية والفكرية والتنظيرية المتنوعة وصخب معاركه.. جلينا الذي ولد في الحرب وانتهى إلى المنفى والحصار والأقبية، تلاطمت أمواجه بشكل متسارع: تداخلت وتفرّقت وتكسّرت تبعاً للعواصف والبراكين التي كانت تمور في أحشائه.أنني أراه الآن من نافذة منفاي: غيمة هائلة ضيّعت نصف شآبيبها في الزمن اليباب.. مستذكراً مقولة برخت من جهة: أنتم يا من ستظهرون بعد الطوفان الذي غرقنا فيه..الخ. ومصطلح الناقد حاتم الصكر الذي أطلقه علينا في الثمانينييات: شعراء الظل. ثمة أشياء كثيرة تفرقنا عمن سبقنا وعمن تلانا، بعدد الأشياء التي تجمعنا أيضاً، تبعاً لمستويات الحساسية الشعرية والتجربة والألم والكتب وشراسة الواقع وطريقة التعامل معه والتأمل فيه./ضفاف9-02 فيما تخطت تجربة المنفى بعدها الترفي الارستقراطي لدى الأجيال السابقة إلى البعد القسري الاضطراري لدى الثماتسعينيين بكل ما تضيفه هذه التجربة من معاناة وإرهاصات جديدة وفي ظل انعدام أية ضمانات لا يقل المنفى التسعيني عن الحرب في الشراسة والمواجهة المستمرة مع الموت، الفيزياوي أو المعنوي. المنفى بمعنى مواصلة سياسة التهميش الفكري في الداخل إلى التهميش الجغرافي حدّ القطيعة مع المصدر، وما يترتب عليه من آثار نفسية تنعكس في ذات الشاعر، "بإدراكه وقدرته على اتخاذ قرار الانزواء والهرب ومحاولة عدم الظهور والاصطدام من جديد مع الآخر ..أو عدم القناعة بمسار العملية ذاتها والتي تترتب عليها جملة أمور أقلّها الصمت والاكتفاء بما حققه سابقاً، العزوف عن محاولات التعريف به أو الدراسات الخاصة عنه، وقد تصل إلى الحال الأسوأ في اغتراب المبدع داخل العملية الإبداعية -إذا جاز التعبير- مما تتكون لديه قناعات بعبثية الحياة وعدمية الحال ونقص في أصالته وجدواه"/عبد الهادي سعدون- ألواح1 . المنفى بمعنى العزل المزدوج، العزل عن الوطن والأهل والأصدقاء ومصادره الثقافية، وعزل عن المجتمع الجديد وثقافته بهويتها الشوفينية المنغلقة على نفسها؛ وبما يرسخ تشظية الذات وترويج حالة الاغتراب والانفصام ما بين الوطن الأول والثاني واللغة الأم واللغة الجديدة والثقافة الأصلية والمكتسبة، وانعدام أو صعوبة التواصل النفسي والثقافي مع حياة الوطن وثقافته. من هذا المنطلق تأتي ضرورة هذا الكتاب في تجميع شظايا الكيان العراقي عبر الجغرافيا الزمكانية والدعوة إلى تأصيل قيم جديدة بين الذات والآخر ، للإختلاف لا الخلاف، والاعتراف لا التهميش والإلغاء سواء من قبل المؤسسة الاجتماعية أو الثقافية أو بين الأدباء أنفسهم، إيمانا بوحدة التجربة ووحدة المعاناة ووحدة القضية. لقد أثبتت الثقافة العراقية أصالتها ونقاءها وانتصارها على محاولات المسخ والتفريغ، ولابدّ أن تستمر في أصالتها ونقاءها وتتقدم بما يرسّخ دورها الفاعل في الصيرورة الاجتماعية واستجلاء الهوية والجوانب الإبداعية في ذات الإنسان العراقي.
وإذا كان بعض الثمانينيين مثل إبراهيم البهرزي وسلمان داود محمد استخدموا تسمية "جيل المهمّشين" تعبيراً عن وضعهم داخل الوطن فأن أقرانهم الذين غادروا إلى المنفى يبقون أكثر تهميشاً أو هامشية، حتى الموت، على حافة مجتمع غريب يفرض عليهم شروطه وثقافة لا تفسح لهم أقل مما يستحقونه. ومن الإفرازات غير المنتظرة التي فرضت تبعاتها النفسية والفكرية على الأدباء تسييس مصطلحي "أدباء الداخل" و "أدباء الخارج" وإحلاله محلّ أدباء السلطة والمؤسسة والأدباء خارج السلطة والمؤسسة الرسمية. وظهرت لعبة قوائم المرتدين الدورية لزيادة الشقة والإساءة إلى سفراء الثقافة الحقيقيين، بيد أن الأدباء العراقيين كانوا أكثر فطنة وأكثر أصالة في التصدي لتلك الممارسات الصبيانية التي زادت تلاحم الأدباء وتواصلهم بكل الطرق الممكنة، وجاءت بعض المشاريع والمجلات الثقافية لتولي عناية خاصة لاختراق الحصار الدولي والداخلي ونجحت في إيصال نسخ منها إلى أيدي رفاقهم الذين يعملون على تثويرها واستنساخها وإيصالها إلى أبعد نقطة في القارة العراقية رغم الأعباء الثقيلة التي يلقيها الحصار على كواهلهم، في عملية بطولية وتلاحم رائع يبقى مشرقاً في الذاكرة العراقية وحافزاً لمواصلة المنجز الحضاري النبيل، بينما كان المغادرون وسائقو سيارات الأجرة محمّلين بنصوص ومسوّدات أدباء "الظل" و"المهمشين" ليحملها البريد من عمان إلى عواصم الشتات وصحافة الشتات، وانتشرت ملفات عديدة في أكثر من عاصمة وبلاد عربية وأجنبية ولغات مختلفة. فاقترن الوعي الحضاري المتقدم بالمنجز الإبداعي المتواصل لصياغة هوية معرفية وطنية أصيلة.
وأخيراً.. لا بدّ من الإشارة إلى أن فكرة هذا الملف/ الكتاب مدينة للصديق الشاعر فرج الحطاب الذي كتب إلى في 13/5/2000 قائلاً.. لكوني أنتمي زماناً وروحاً إلى {جيل التسعينات} في العراق ولتراكم نصوص شعراء كثيرة لديَّ.. أقترح أن تقدّم "ضفاف" ملفاً خاصاً بالشعر العراقي الآن، وأعتقد بأنه سيكون ملفاً جميلاً لما يقدّمه من فرصة مهمة للآخر في الاطلاع على هذه التجربة الشعرية الجديدة إضافة إلى أن العدد سيكون وثيقة مهمة بهذا الخصوص.. أنتظر جوابكم.
وقد رأينا فتح إطار الملف على الثمانيين تحت عنوان المحنة المشتركة التي قصمت كاهل الجيلين وسرقت أجمل مشاريعهم الإنسانية، وتم توجيه نداءات ورسائل كثيرة إلى الأصدقاء داخل العراق وخارجه للمساهمة ودعم المشروع وقمنا بتثبيت أسماء المساهمين وملفاتهم الشعرية في الصفحات التالية، ومنهم الأصدقاء عدنان الصائغ وماجد الشرع ورحاب الصائغ وسلمان دواد وإبراهيم البهرزي وحسن النصار وآخرين، إشادة بجهودهم وشكراً وبياناً، أن هذا الكتاب إنما هو ثمرة جهد جماعي أصيل، يتوج واجهة مجلة ضفاف وتقدمه لعراقنا وثقافته الزاهرة.
وربما كان يحدونا الأمل في تقديم انطولوجيا شعرية متكاملة أو معجم شامل بشعراء العقدين الأخيرين من القرن المنصرم في بلاد الرافدين؛ ولكن الظروف غير الطبيعية وصعوبة التواصل مع أبناء الوطن في ظل الاحتلال الغاشم، تدعونا إل إضافة ذلك إلى جملة المشاريع والأحلام المؤجلة لهذا الجيل. أن الأسماء والنصوص الواردة في هذا الكتاب وعدم ورود غيرها خضع لما وصلنا مباشرة من الشعراء أو من خلال الملفات المرسلة، وثمة من وعد بالمساهمة أو من لم يصله نداء المجلة، مع شكرنا واعتذارنا من كل فئة. ولا ندّعي أن الأسماء الواردة في هذا الكتاب هي الأفضل أو أكثر رجحاناً في سلم المنافسات العقيمة التي استوطنت واقعنا الثقافي والاجتماعي؛ كما لا نسعى إلى فرضية اعتماد رؤية معينة أو تسييد خطاب شعري على غيره. إن الشعر، مسعى معرفي لا متناه لاستكناه سرّ الوجود، وما عمل الشعراء إلا حفر عمودي في صخور الزمن من أجل استكشاف الغد الحقيقي للإنسان، الغد الزاهي النقي من أية أشنات أو درنات ألحقتها به زوايا الزيغ والانحراف الحادة في مسيرة البشرية. القصيدة الحقة هي ما لم يكتب. والشاعر الحقيقي هو الذي لم يولد بعد.. هذا ما يزيدنا إصرارا على الكفاح والعمل المضني لاستكمال أدوات وشروط العملية الشعرية الصحيحة.

وديع العبيدي
مجلة ضفاف/ النمسا

إشارة مهمة:
يمثل هذا الكتاب حصيلة ما وصلنا من الشعراء مباشرة أو عن طريق أصدقائهم، بعيداً عن التمذهب الفني أو السياسي، ليكون جامعة لهم بعد توزعهم أطراف الأرضين، ومفتاحاً للتناول النقدي المنهجي في حركة الشعرية العراقية والعربية المعاصرة التي انغلقت دونهم.
ويبقى مشروع الكتاب مفتوحاً لكل من يرى نفسه ونصوصه ضمن سياق العقدين الأخيرين من القرن الماضي، ولكل الملاحظات والآراء التي تخدم حركة الفكر وتطور البلاد.

المحرر

*****

إشارات ووثائق

الشعر العراقي الآن

فرج الحطاب

تشاء الصدف السعيدة أن تكون آخر من أراسله من الأصدقاء قبل نزوحنا الجديد وهذه المرة من عمان.
وهكذا يكون الختام بالشعر، عن الشعر العراقي الآن وبالتحديد شعراء التسعينيات.
بخصوص الملف.. أمامك الآن نماذج شعرية لأهمّ وأبرز شعراء التسعينيات {الداخل والخارج} والخارج منهم كتبت تحت اسمه مكان إقامته والباقي جميعهم في العراق. وبناء على رغبتك.. أمامك أيضاً مقالات ودراسات وأشياء أخرى تتحدث عن التجربة الجديدة.. وسترى أن الأشياء المرسلة هي بعض مما توفر لديّ {أرشيفي الشخصي} وعليه حاولت أن أضع خطوطاً تحت الكلام الذي يشمل الشعر التسعيني بشكل عام..
كتبنا الكثير عن الشعر العراقي الآن، خصوصاً وأن حال نقاد الشعر في العراق، لهم همومهم المختلفة نتيجة الظروف التي تعرفونها كونهم أما في الخارج أو.. أو.. الخ. وفي مناسبات عديدة مارسنا نحن الشعراء دور النقاد أحياناً وفي أحيان أخرى دور مؤسسة ثقافية كما في إصدار كتاب ّ{الشعر العراقي الآن}.
وعليه إن توفرت لكم المادة الكافية لتقديم هذا الملف {إبداعيا} والكتابة عنه فهذا غاية المراد.. وان تعذر ذلك لأي سبب فلا بأس في اقتطاع ما ترونه عاماً ومناسباً من الكتابات النقدية المرفقة أو الاستعانة بأي من الدراسات منفردة وحسب ما ترونه فعالاً وملائماً. غايتنا القصوى هي تقديم صورة جميلة أخرى من صور الإبداع العراقي ولتكن قافلة الشعر العراقي الآن تأخذ حضورها على {ضفاف} الإبداع والمحبة.

الولايات المتحدة/ أريزونا

ملف الحطاب ضم مساهمات كل من الشعراء: جمال علي الحلاق/ حسن السلمان/ حسين علي يونس/ خالد عبد الزهرة/ خالد كاكي/ داليا رياض/ رعد زامل/ سلمان داود محمد/ سليمان جوني/ عباس اليوسفي/ عبد الخالق كيطان/ فرج الحطاب/ كولاله نوري/ محمد الحمراني/ نجاة عبدالله.

***

المشهد الشعري العراقي الحديث

عدنان الصائغ

قصائد مبدعة تنبت كشقائق النعمان من بين ركام الخراب والحرب والحصار والموت، تؤكد أن الإبداع العراقي الأصيل- في كل مكان- لا يمكن أن يموت، أنها كطائر العنقاء ينبعث من رماده في كل مرة ويحلق في فضاءات الحرية، متحدياً أقداره وموته وعيون رقبائه المبثوثة وراء كل سطر.
ذات أمسية أقيمت لي في صالون ثقافة 11 قدمها الناقد ياسين النصير في هولندا عام 1997، وقبل أن أقرأ مجموعة من قصائدي قرأت مختارات من ديوان (تأريخ الأسى) للشاعر البصري طالب عبد العزيز والذي كان يحتفظ به النصير في مكتبته، عندما انتهيت من قراءة قصيدة "المعلم أنكيدو" اندهش الحاضرون وقد فوجئوا بما فيها من قوة وجرأة ومغايرة.
وفي أمسية أخرى للناقد د. مقداد رحيم عن شعر الحرب العراقي 1980-1990، أثير الحاضرون حين استمعوا لقصائد من الداخل تنحى باتجاهات إنسانية، مختلفة عن المنحى الإعلامي العام وعن تصوراته، وتشكل شهادة حقيقية جريئة وصادقة عما مرّ في تلك السنوات المرة المطعمة بالموت والشظايا، آخذين بنظر الاعتبار المساحة المتاحة للتنفس هناك على خلاف الفضاءات المفتوحة إلى أقصاها هنا.
ثمة قطيعة معرفية مهولة بين الداخل والخارج، وإذا كنا في الداخل- ورغم الحصارين- نعرف الكثير من الأسماء الإبداعية في المنفى ونتابع أخبارها وانجازاتها عن طريق ما يقع بين أيدينا صدفة من قصاصات الصحف التي نتداولها بلهفة، إلا أنني شهدت ضبابية في رؤية المشهد عنا، فالبعض لا يعرفون عن انجاز الداخل شيئاً سوى ما تكدس في أذهانهم على مرّ السنوات والقطيعة، ناسين مئات الأصوات المبدعة الحقيقية التي تنزف بصمت وتعاني من التهميش على مستويات عدة.
هذه النصوص التي وقعت بين يدي صدفة أو عن طريق الأصدقاء أضعها بين أيديكم وأيدي النقاد لعلّها تأخذ حيزاً من الضوء.. ولا يمثل هذا الملف المشهد الشعري كاملاً فهناك الكثير من الأصوات المبدعة التي لم يسعفني الحظ بالاطلاع عليها.
معتذراً للشعراء لأنني سمحت لنفسي أن أقدم نصوصهم دون أخذ موافقتهم لكن عذري أنني حاولت إيصال أصواتهم لمن يهمه أن يسمع.

السويد/ مالمو

ملف الصائغ ضمّ: إبراهيم البهرزي / أحمد الشيخ علي / أحمد سعداوي / أمل الجبوري/ باسم المرعبي / باسم محمد مرهون/ جمال الهاشمي/ جمال جاسم أمين /جمال علي الحلاق/ حسن النصار/ حسن النواب/ حسين علي يونس/ خالد البابلي/ خالد جابر يوسف/ خالد الخزرجى/ خالد شويش/ خيري عباس دوايه/ داليا رياض/ دنيا ميخائيل/ رعد زامل/ رياض إبراهيم/ سلام دواي/ سلمان داود محمد/ سليمان جوني/ سهام جبار/طالب عبد العزيز/ عباس اليوسفي/ عبد الأمير جرص/ عبد الخالق كيطان/ عبد الرزاق الربيعي/عبد السادة البصري/عصام كاظم جري/ علاوي كاظم كشيش/ علي الشلاه/ علي عبدالأمير/عماد جبار/ فارس أبو اللول/فرج الحطاب/ فضل خلف جبر/ فليحة حسن/كاظم النصار/كريم جخيور/كريم شغيدل/ ماجد الشرع/ ماجد عدام/ محمد الأمين/محمد الحمراني/ محمد تركي النصار/محمد حسين الفرطوسي/محمد مظلوم/مقداد العلاق/مهدي القريشي/ناظم عودة// نجاة عبدالله/نصيف الناصري / وسام هاشم.

تشكيل هيولى الضوء - الشعر الثمانيني والتسعيني في العراق

ماجد الشرع


أصوات عراقية تبتهل للإبداع عبر سيرها المتواصل في ملكوت الشعر.. أصوات تمتشق الحلم والإصرار على إضاءة غابات الكون! على الرغم من صخب الحصار الجائر الوحشيّ الذي تطبق مخالبه الآثمة على عنق الهواء !..
ووسط تراجيديا الجوع والموت اليوميّ الذي يحصد سنابل الطفولة، ويصادر عذوبة العشق والفرح …!!
ينبثق صوت الشعر من العراق هادراً.. كقدر، كعنقاء، كفيض إلهي- وهو كذلك فعلاً- للأصابع التي تحاول بصدق أن تتخطى جدران المسافات لتشكل هيولى الضوء والحضور… أصوات تأتلف تختلف، تأتلف في جوهرها الإنساني، وتختلف في نطر الرؤيا.. حيث تنساب بين جيلين شعريين- الثمانينات والتسعينات- بناء على صحة القول بالتجييل-، ثمة منحى آخر للاختلاف فيما بين هذه الأصوات، هو حلم كل شاعر في أن يصهر كينونته برياح الأسئلة الكبيرة، أسئلة الوجود…. لاستشراف أفق الذات ومضامين المغايرة التي تتبلور انعكاساً في مرايا الآخر، عبر كسر المألوف والنمطيّ في سائر الكتابة الشعرية، السائد والمألوف الذي طالما ظلّ نائماً في شراشف القصيدة !!
مسيرة الشعر في العراق عميقة كمياه دجلة والفرات… مسيرة حافلة بالتجارب الشعرية المتفردة التي أغنت المشهد الإبداعي عربياً وعالمياً برؤى وروافد وفضاءات لا تنضب أبداً…
ولم تكن هذه المسيرة الإبداعية، وليدة اليوم والأمس القريب بل هي تمتدّ في أرض العراق إلى ستّة آلاف سنة، منذ ملحمة كلكامش وقصيدة الخليقة وصولاً إلى المتنبي.. وحتى آخر السلسلة..
لكننا آثرنا تقديم ملف للشعر الثمانيني والتسعيني لأن الساحة العربية والعالمية- لا سيما في العقدين الأخيرين من القرن العشرين- قد شهدت تحولات كبيرة ألقت بظلالها على مصير الإنسان المعاصر.. وغيّرت الكثير من المسارات الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية…
وإنساننا، إنسان هذا الكوكب مرتهن بكلّ هذا الطوفان الجارف!!
لكن ما يبقى يؤسسه الشعراء - كما يقول هولدرلن-..
إذا فنحن ندعو أنفسنا لرصد وردة عصرنا الراهن بكل زخمه وكثافته وفوضاه وانكساراته وتناقضاته..
والقصيدة بوصلة الشاعر ورؤياه الداخلية العميقة تنبض في حناياها
                               حيوات..
                                         وأرخبيلات..
                                                   وأسرار….!

عراق- النجف الأشرف 10/9/2001

ملف الشرع ضم مساهمات كل من الشعراء: أحمد آدم/برهان البرزنجي/ بهنام عطاالله/ جمال جاسم أمين/ حسين ناصر/ طالب عبد العزيز/ علي الأمارة/ عماد كاظم العبيدي/ فوزي أكرم ترزي/ ماجد الشرع/ وعدالله ايليا/ ولاء الصواف.

***

رحاب حسين الصائغ

ملف الأدباء الشباب في الموصل يحمل سمات الإبداع ويرسم بأكف عذبة وعقول متفتحة خطوط ساطعة في سماء فضائها المشع. الحدباء نينوى تعانق أبدية هذا العالم..

موصل في 8- 10- 2001

* ملف رحاب الصائغ: إحسان الراوي/ أحمد محسوب أحمد/ جمال جاسم أمين/حاتم حسام الدين/حميد عبد الوهاب/رحاب الصائغ/ عبد المنعم علي الأمير/عمر العناز/فيصل قصيري/ كرم الأعرجي/ماجد الحسن/ نبيل الشاوي/ هشام محمد علي.

***

إبراهيم البهرزي

أتمنى لضفاف التي أزعم لنفسي حق الانتساب لأسرتها أن تصدر عدداً عن الشعراء المهمشين "داخل" البلد.. هناك شعراء خارج "الفيتو".. شعراء غير مسلّعين.. أتمنى أن تكون ضفاف سباقة إلى التذكير بهم ولو بشكل توثيقي.

بعقوبة/ 2001

***

سلمان داود محمد

أسعدني الإجراء الكبير الذي قمت به أو ستقوم به، بما يتعلق بعدد شباط المقبل والمكرس لصديقنا الشاعر الماهر والعذب عدنان الصائغ، وأنت بهذا تؤكد "وباسترخاء فذ" عن مدى وعيك وحرصك على تشخيص العلامات الإبداعية في خارطة الأدب العراقي العظيم.. مرحى لك ولعدنان الصائغ الجميل الذي يستحق بجدارة هذه الاحتفائية المبدعة عبر {ضفاف} ضفافك الباهرة والنبيلة.. تحياتي له ومبارك له وهو الشاعر الذي يكتب بالأظافر على عالم حجري..
أما موضوع تخصيص عدد {..} للشعر العراقي الجديد [ثمانينييات وتسعينييات] وتقديمه بصورة {شاملة} فهذه استحالة، وتبلغ من الصعوبة ما يجعل الدقة والتوثيق الأشمل للمشهد الشعري الذي ذكرته، في دائرة الإشكالية والدخول في مضمار - أنا شخصياً لي أكثر من رأي فيه- وكالتالي:
1- هناك أكثر من مستوى فني ومبدئي للمنجز الشعري العراقي الآن، لذلك لا يمكن خلط الحابل بالنابل، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى الحصول على وليد هجين بلا ملامح وبلا هوية إبداعية خالصة؛ فهناك من {يموت} ليكتب نصاً شعرياً خالصاً، وهناك من يرتزق وباستسهال {استجدائي} على حساب الشعر وتحت يافطته..
2- حتى موضوعة الانطولوجيا الشعرية لأي بلد مثلاً، ينبغي أن تستند على ما يبررها على المستويين الفني والحياتي وبشروط ابتكاريه وتجديدية تأخذ بيد الشعر إلى مراتب تجعل من الحلم الشعري أداة لمزاولة الإجهاز على السوء والقبح والمساومة، فما هي هذه الشروط أو الحيثيات التي يمكن اعتمادها في إعطاء بانوراما خالصة ومخلصة للمشهد الشعري العراقي الآن.. أتمنى أن أعرف..
3-لم يستطع معجم البابطين للشعراء العرب أن يعطي الصورة الأجمل والأمثل للمنجز الشعري العربي، حتى تراه كـ "دليل التلفونات" تختار منه ما تراه مناسباً لمؤازرة الشعرية وإسعافها بما يغني ويحقق الحلم على جادة الإبداع والمستقبل.. فهناك خلطة عجيبة ترمى خارج الشعرية تماماً، مما جعل الأمر توثيقاً، مفهرساً ليس إلا..
4- يمكن أن يصار إلى تحديد المبدأ العام لهذا المشروع وفق المواصفات التالية.. وهي بالتالي مجرد اقتراحات أدونها هنا ويبقى الأمر لك فيما تراه وتهواه:
أ- ضع عنوانا رئيسياً - مثلا- مثلاً- مشهد من بانوراما المحنة في النص العراقي الجديد.. أو.. {الشعر والكارثة- شعراء ونصوص} أو، أي عنوان ينحو هذا المنحى، أي ربط الفن الشعري بما يجري الآن من خراب ومواكبة شعرية له..
ب- هناك خطاب شعري يتأسس الآن "هنا أو هناك" خارج الأنماط التي ذكرتها {عمودي- تفعيلة- نثر} هنالك جنس رابع يقع خارج التجنيس تماماً، وهو ما أسماه الناقد حاتم الصكر بالقصيدة الحرة التي تجاوزت في أدائها ما لم يتمكن الرواد من تحقيقه وفق الحقبة الزمنية والشعرية التي ظهروا خلالها، أي هناك {الآن} نصوص شعرية استطاعت أن تحقق بشعريتها المحكمة، فضاء جديداً في براري الشعرية العراقية الراهنة، من خلال الاجتهاد الشخصي إزاء اللغة، خلق علائق جديدة {غير مطروحة} بين الأشياء إضافة إلى أنها ترعرعت في حاضنة وعرة وجحيمية مما يجعلها لا تشبه سواها.. وهكذا..
أخي وديع لا أطيل عليك وأتعبك بالتفاصيل التي أنت تعرفها جيداً وبدقة، وأنا هنا فقط بصدد التذكير والمذاكرة، ولا أريد أن أحبط من عزيمتك بهذا الصدد.. ولك أن تختار ما تراه واجباً ومناسباً على أساس الاستحقاق الشعري والتوثيقي لجماليات النص العراقي المدهش، ويمكن أن نناقش ربما في رسائل قادمة ما يمكن فعله وفق العطاءات التي ذكرتها أنا وحتماً العطاءات الأخرى التي ستذكرها أنت بعد أن تحاورنا بشأن الموضوع..

بغداد في 19- آب- 2001

***

عبد الرزاق الربيعي

مصيبة جيل الثمانينات هي الشللية. وكل مجموعة عندنا تؤرخ الجيل تمحو المجاميع الأخرى. جيل الثمانينيات ممزق، قابل لانشطارات. لذلك فالتناحرات فيه على أشدّها. أتفق معك - مع احترامي الكبير لرأيك- في قولك أن لعبة الأجيال سحقته بين السبعينيين الذين سادوا قبل الحرب {في المؤسسة الثقافية وبين التسعينيين الذين ظهروا بعد الحرب} فالذي يسحق جيل الثمانينيات هو جيل الثمانينيات نفسه، وكل يدّعي وصلاً بليلى..
الحق يقال أن أول إعلان عن ولادة الجيل ظهرت في مجلة حراس الوطن من خلال ملف أعدّه الشاعر عدنان الصائغ في عام 1985 كما أتذكر.. بعد ذلك كثرت الانقسامات.

مسقط- 1/4/01

***

عدنان الصائغ

بالنسبة لعدد أسماء الجيل فليست هناك قائمة وإنما هو كلام شفاهي ذكره الصديق نصيف الناصري في عمان مرة، وهو رقم قد يقلّ أو يزيد قليلاً [104]. فقد ظهر -كما تعرف- العديد من الأسماء مطلع الثمانينيات. بعضهم اختفى وبعضهم تراجع وبعضهم واصل الرحلة الشاقة الجميلة. بالنسبة لي عندما أتكلم عن الجيل الثمانيني أذكر معه الجيل التسعيني لأنه ملاصق ومتداخل معه والكثير من أسماء الجيل التسعيني شاركتنا الرحلة والقراءات والألم والإبداع.
مالمو في 5/4/01

***

داليا رياض

جعلنا الحصار مجموعة أفراد تسكن في غرفة واحدة. تقع أعينهم على المناظر ذاتها، يسمعون الشيء ذاته، ويقرأون الأشياء ذاتها، وتراهم، ربما نتيجة لذلك، يكتبون الأشياء ذاتها وبالأسلوب ذاته.

***

عبدالهادي سعدون

أبعث لك بهذه القصائد، قصيدتان من ديواني (ليس سوى ريح)، والأخرى جديدة لم أنشرها سابقاً، لك أن تتصرف بها بما تشاء وفق رؤيتك وما تحتاج له. دعني أشد على يديك، وثق أنني معك في أي مشروع أو رؤية جديدة.
مع محبتي خالصة..!

مدريد/ اسبانيا

***

فائز يعقوب الحمداني
لون القصيدة "شهادة شعرية"

لكل حيز في اللوحة لونه الخاص. هذا ما أعلنه هنري ماتيس- سيّد اللون- كما هي الحياة تتدرج ألوانها من أبهى زوايا الطفولة إلى أقسى زوايا النسيان ومن أوسع خلفيّة بيضاء إلى أضأل بقعة قاتمة، ولكن تبقى الطفولة أياً كان الزمن الذي طواها خلف مسافاته.
الرؤية الأكثر عمقاً وفرحاً. إنها العين التي نعيد بها جمال الحياة ولذا سأبقى ألوّن القصائد والكلمات متشبثاً بطفولتي بكل ألوانها، بأكواخها الصفراء ورقصاتها، بأنهارها التي تسقي أوراق الرسم، بكل خضرة الباستيل، يروي حكاياتها أبطال مجلتي والمزمار.
إنها الطفولة هي التي لوّنت أزهار مونيه ورقّصت حسناوات رينوار وخضّبت شوارع بيسارو بطلّها المترقرق، هي التي اختارت عالم غوغان وتفجّرت على فرشاة فان كوخ بغضبها الطفولي لتعيد رسم الحقول والنجوم وللمرة الأخيرة.
قصيدتي فرشاة نضرة بطفولة ألوانها وإن اتشحت بالحزن.!

بغداد في 3-3-2002

***

خالد مطلك

في ملتقى الشعر الثمانيني الذي أقيم في بغداد العام 1992 ودعي إليه خمسة وسبعون شاعراً وعشرون ناقداً.. تميز في هذا الملتقى الشاعر وسام هاشم في قصيدته "سهول في قفص"، نصيف الناصري في قصيدته " قصيدة عن عبقرية حسن النواب الشجية والمقدسة"، وحسن النواب بقصيدته "أغواها بعفايته وتعطلت أجنحتها"، وطالب عبد العزيز "بقايا السفرجل".
وبعد هذا الملتقى بدأت خيوط القصيدة الجديدة ذات المضامين اليومية المباشرة تتشكل لتنسج ظاهرة استحقت التوقف النقدي الطويل عندها. وراحت تتناسل ذات الشمال وذات الجنوب. وجاءت بتدفقها المتعاقب على تجارب سبعينية وثمانينية كانت استقرت هياكلها الشعرية من قبل، فها خزعل الماجدي يتنازل عن برج اللغة وتفجيرها العالي لمصلحة اليومي كما في قصيدته ذائعة الصيت "حية ودرج" وكذلك الشاعر الموهوب رعد عبد القادر في "الأطروحة الشعبية".
ثمة شعراء آخرون يأتون دائماً من اللامتوقع، وأسماء تتناسل بلا هوادة.. ولنقف عندها جيداً نحتاج إلى جملة المخرج المسرحي الشاب باسم الحجار الذي يقول:" إنني أشك بصدق الصحافة التي تقول أن الحصار أتى على مليون طفل، فهو على الأقل جاءنا بمليون شاعر".

***