بروين حبيب
(البحرين)

بروين حبيبها أنا، على الضَّبابِ المُقصّب في الهواءِ،
أعدو في فحولةِ الضّوء على الأرضِ،
أرى البحرَ ينضحُ، والماءَ يتشَقّقُ...
أفضي إلى البحر يُشذّبُ المدى،
إلى النّار تاركةً أصولَ الليلِ.
وفي النور، أجتازُ صخبَ الرّوحِ..
هو النّهارُ،
أخيراً..
ليتني أندلعُ في فوضى النّهار.
تحت هشيم غربتي، كالغيمة المنفردة، أعودُ شاهقةً معك
لعلّي أحاذرُ سخطَ المبعدين،
وأضيء قلبَكَ ساعةَ الهاوية.

زهرةُ النار

مع رذاذ يتسكَّعُ على زجاج الحواس
مع انتشاء الخُزامى في ليلٍ
مع انطفاء السّرابِ
بعيدا عن هواء البراري
مع حمّى القلبِ،
واحرَّ؛
مع دمِ الندّ الطّافحِ
في زَهوٍ،
تُقبلُ،
مع انكسار النّجم على خصر الفَراشةِ
نهارَ النزوحِ تظليلَ الأماسي،
ترجَّلْ
تلك مدنٌ متدليةٌ كأعناقِ الملحِ
وزمنٌ يرتجُّ منذُ ومضةَ الميلاد
ترجّلْ
وانزلقْ الى عُنُقِ الظُّلْمةِ
إملأْ بقسماتكَ ضريحَ امرأةٍ
لم تلمسْ، بعدُ، أزهارَ النارِ
لم تُربكْ الملكوتَ
ببشرى حداد
قُمْ
ليس أمراً شاسعا لكنه الصّدى الرَّمليُّ
ما يغريني كحصباءَ تُقتلع.

بجنبِ المعنى لأُزجيكَ إلى سرّ يَنبَجِسْ.

وحشةٌ مُدجّجةٌ

مدينةٌ نائمةٌ، والجموع في الأسرّةِ.
عقربُكَ يسقي الميزانَ عَتمةً
تحتَ سماءٍ مختومةٍ بخمرةِ الغياب.

عذابٌ مُرهقٌ يُلهبُ أصابعكَ بنبوءات البراري،
لعله يتذكّرُ فيضَ الكلمةِ
وهي تعودُ الى عزلةِ لوعتي
وتُرهفُ الى حفيف فرشاتكَ.

بالضجرِ
على حافة الحلم
أنتظركَ،
في وحشةِ التصاقنا، وفي هَمهماتِ الأجراس
حين كانت أجنحتنا مدجّجةً بأزيزِ القلق.
هكذا وجَدتْ علاممتُنا نشيدَ القلبِ الغابر.

الضوء المدمّى

I

ألمحك في الأمكنة العاشقةِ
وطناً غائباً،
وفي لحظة البنفسجِ المرَعَةِ على دهشةِ القرى.

أيامٌ بر حبٍّ،
ومصائرُ
كلّما جئنا طفولاتنا.

قمْ لننجبَ الزمنَ المدمّى.
هاهم يوقدونَ الشّعلةَ في بوّابة الهواجس،
يقيمون في أماسي القلوب،
ويشترون بصَخَبنا ممالكَ الخيال.

II

أنتَ السّهلُ يدخُلُهُ فتى ساعةَ الهَجرِ
الصّفصافُ في فرشاتكَ،
والضوءُ والنّصلُ.
سِرٌّ في الفجر يَحملكَ
نهراً
كالصّرخة بينَ الأهواء.
وسَحابةٌ تمرُّ بالفَراشِ
باكيةً،
وملفوفةً بالنأْماتِ.

III

بالفرشاةِ،
كنتَ تذهبُ في الخفّةِ مرّاتٍ،
بينما القمرُ يخْتطفُ صلاتكَ
ويعود من شدّةِ التواري.

ما كانت المدينةُ تحيا، أيّها الحبيبُ،
وكنتَ هناكَ تصْنعُ جبْهةَ الدُّميةِ..
يا سيّدَ العَدَم.. ما أنتَ؟
مرّةً تختبئُ في تأوّهاتِ العارفين
التاركين
خطواتهم
في
دموع
الأسوار
ومرّاتٍ تجيءُ إلينا
نحنُ الذين يَخْتَطفنا الياسمينُ إلى رذاذِ القُبور.

يأخذني عالياً

مُطْلَقاً،
حُبّكَ
كانَ
يأخذني
كلَّ مساء
من ركْوةِ القهوةِ، وأشياءَ كثيرة،
عالياً،
إلى عُزلةِ الكهنةِ ومغاور الحُور
كنتُ أحملُ جَهْمَ النِّساءِ وتوجّس الليل الوئيد.
قلتَ لي: انْهمري
وسقطنُ في غيمٍ يكادُ
لكأنّ قلبيَ كان يحتاطُ ارتباكاتِ النّهارِ
وفوضى المَعراج.
أسرعتُ الّلحاقَ بجُلجلةِ السّراةِ
ونسيتُ غَضَبي
ما بين المهْدِ الأحدبِ، والنّزقِ المُتْرعِ بغيثِ الجسد،
آويتك إلى شفتيَّ.

رميمُ العَرَضةِ*

في الجِّهة الأخرى منْ مرسمكَ
حينَ النّداوةُ تعدو في عيد ألوانكَ
أزدادُ في القصيدةِ زينةً
وتفيضُ أنتَ حريراً في بَريقَ النّشْوةِ
معاً نَعبُرُ بالأفواه إلى نداء الحُصون..
كما لو تشعلُ ثوبي بريشتكَ الجافّةِ
وتأخذني إلى تمثال العرّافة ولوحةِ الجدّةَ
إلى عويل الانتظار وجنازة الأقنعة،
والهائمةُ أنا في غبشكَ السّريِّ
الهزيلةُ في موعد قُبلاتكَ
أضيءُ، معك، جسدي في غَفْلةٍ تتهيأ لرواية مبتورة.

أيّها الحادثُ النائم في وسادتي
نجمةً تباغتُ هزيمتي،
وفي رقصةِ الصّحراء
أراكَ
تحيلني إلى اصطيادٍ مُحْتشد.

وجهان

في نشوة اللّيل،
هنا،
أنتما على أطراف الخطيئةِ
صوتان في دم التّجربةِ
وراءَ نُعاسِ الملوكِ،
في فُسحة الخراب، على عزفٍ مُختلسً
لكما غاباتُ النَّرْد مطرّزةً بالأنقاض،
ونيسانُ الطارقينَ على شبابيك أليسار.
لنا جوعٌ شاغرٌ في أضرحةِ الرّمان،
لنطوفَ بذنوبنا في قرارةِ السّيول.

ثمة وقت

إلى نزار قباني

الآنَ، على مفترقِ الوقْتِ
تَخترقُ الصلواتِ، وترمي بجذوةِ أوردتي للعابرين.
هنا تنسَلُّ كلماتي كالضّوءِ
ملّكْتُها خديعةَ الغُرباء،
خطيئةَ الأجنّةِ،
حَناجرَ الملحِ..
لمّا تُبصرُ الظلَّ المُحَرَّم ترحلُ أعناقُها خِلسةً.
الآنَ، على مفترقِ الوقت.

* العرضةُ: من الفنون الشعبية في الخليج وتسمّى بـ"رقصة الصحراء"

* ولدت في المنامة (البحرين) عام 1969. تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي في مدارس البحرين. نالت درجة البكالوريوس في الأدب العربي والتربية من جامعة البحرين عام 1993. نالت درجة الماجستير بامتياز في الأدب العربي من جامعة عين شمس بجمهوؤية مصر العربية عام 1997.
دبلوم دراسات عليا في الأدب العربي من جامعة عين شمس (القاهرة) 1995.
لها "تقنيات التعبير في شعر نزار قباني" وهي دراسة اسلوبية جمالية، ومجموعة شعرية "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية" (كلاهما مطبوع في المؤسسة العربية للدراسات والنشر). على وشك الانتهاء من اطروحة الدكتوراه بعنوان: "دراسة في الجسد واللغة" تتناول نص المرأة في الخليج من 1975 الى 2000

(*) من "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية"