ذات منفى
تمنيت أن ينزل المستحيل
إلى الطرقات
بيتاً عتيقاً,
أعيد تفصيله
والحكايات....
ثم أعيد إليه الطلاء ,
إطارا من الخشب المتآكل
كانت وجوه من الزمن الأولِ المستحيلِ
تظلُّ به ..
لا تغادره ..
والرصاص يئزّ بأنحائه ..
ويطيل الجنودْ
وقفةً في زواياه ..
ثم يئزّ الرصاص بأنحائه ..
يتشقّق بعضُ الطلاء
الذي كان أبيض..
بعضُ التفاصيل تنزل
من حائطٍ مثقلٍ بالكلامِ،
إلى الطاولهْ
كان حتى الهواء ،
الذي عاث فيه الغبارُ
يؤجّل خطوته
إذا يئزّ الرصاصُ –
ويسكنه الصمتُ ...
والوقت يصدأُ
والريح فاكهة من حديدْ
هكذا فرّ بيتٌ عتيقٌ من الموتِ
للموتِ
برداً ..
وخوفاً ..
هكذا،
بعد عشرين مذبحةٌ
لم تزل ناره تتنقل
من شارعٍ في الغبارِ
إلى وقتها المِستعادِ
تحاول تشكيلهُ،
تتساقط في الذهن أحجاره ..
وتحاول ..
تهوي إلى الأرضِ ،
أعمدةُ السقفِ
يرتعدُ البيتُ برداً .. وخوفا
وأنا في البلادِ التي أتعبتني
لا أزال أخبّئه ،
كومةً من رمادٍ
وأشعلهُ،
كي يمرَّ على ضوئه السائرون
وكي يسهرَ العاشقون..
أنقّلهُ في البلاد أتعبتني ،
أشكّله من جديدٍ
وأسكن فيه ..
وأطلق فيه النوافذ
مشرعةً كالسفائنِ
ما بين بيتٍ عتيقٍ
ومنفى
1990
*****
كان لي
في الفضاء البعيد غدٌ
يختفي في الضبابِ
وأعرفهُ..
أقضِمُ الوقتً..
والمدن الذابلات
لكي ألتقيهِ
وأقرئه في الصباح التحيةَ،
ثم أودّعه ،
زاهداً في الكلامْ
كان يأخذني للحدائقِ ..
آخذه للقصيدةِ ..
حتى إذا هدّنا تعبٌ
وانتحينا نلمّ انحناءاتنا
حين توشك أن تتساقط-
أو ترتمي .. يتئاءبُ..
ثم يطيرُ بلا صخبٍ
يختفي في الظلامْ
تاركاً لي بعضَ قهوتهِ
وكلامي إلى لا أحدْ
كان يمنحني فرصةً
كي أفكّر فيهِ
أشكّله كيف شئتُ
وأعطيهِ في كلّ وقتٍ
تفاصيله،
اسمّه ..
ثم فرّ ،
وظلّت على باطنِ الكفِّ
آثاره..
كسلٌ في الأصابع
تعرقُ
إذ تتململُ ،
أم أنه في وداع الغد المتأمّل ذاك
بكاءُ اليدين
وكلامي إلى لا أحدْ
كان لي ،
ثم غابَ
وودعني للأبد.
1990
*****
وأهزُّ غرّتهُ
لكي يغفو
على ذهب الكلامْ
وأهزّها ..
حتى تُساقط من حقول القمح
فوق جبينهِ
تعويذة الأيامْ
وأظلُّ أرقبه..
أظلّ أُشاغل السهرَ
الذي ما نام في عينيه
كي يغفو ،
وكي أبقى بقرب سريره
وأراه ..
مليون سنبلةٍ
ستهرب من يديه ..
مليون سنبلةٍ
ستأخذ من جنوب الأرضِ
سمرته ،
وتنزل كالمساءْ
تفتح قلبهُ..
وتقول أغنية إليه
وتنحني ..
وأهزّ غرّتهُ
لكي يحكي لنا ،
في غفوة العينينِ
قصّته ،
ويطلق في فضاء المنزل الحجريّ
عصفور الندى ..
يغفو .. ولكني أراه
تتراكض الأشباحُ
في أحلامهِ
ويكاد حقل القمحِ
فوق جبينهٍ يهتزُّ ..
تبرقُ في يديه
مسافتان
لشارعين
وغفوتين
وبعضُ آه..
****
غبشٌ على المرآةِ
هل ذاك اكتئابُ القلبِ
في المنفى
وإذ تتكاثر الأشباحُ
في المرآة ،
أدركهُ،
وقد أغفى؟
غبشٌ على المرآةِ
رفّ جناحهُ
ثمّ انطوى ..
امرأته تغفو،
ونبضُ يديه ينهضُ في الثواني
إذ يدقّ مسافراً فيها –
وبين يديه
نصفُ الظلّ مكسورٌ
وفي طرقاته
قد ضيّع النصفا.
1989
****
ستطرق قلبي النساءُ
وأمنحهن الكلامَ المخاتلَ
أمنحهن النحيبَ
وبعضَ الرمادِ
وقرصَ عسلْ
وحين سيغمضنَ أعينهن
على حلمٍ من ذهبْ
سأنسلّ منسحباً
من سريرِ الكلامِ
وأبحثُ بين النساءِ
اللواتي غفون بعيداً عن النارِ
أبحث عن قمري المكتملْ.
1990
****
-1-
تركت أصابعَها ،
على وهن الكلامِ
تحثّه .. ومضتْ ..
لم تحتفلْ بالماءِ
جفّ على قديد شفاهنا ،
وانساب يتبعها ...
لم تحتفل حتى بأغنيةٍ
غفت دهراً ،
وأيقظها حريرُ غيابها ..
لم تحتفل أن الأصابع – هكذا –
فرّت قليلاً من يديها ،
وانحنت كالطائر النعسان ،
غافيةْ،
على وهن الكلامْ.
-2-
في آخر الدنيا
تركتُ أصابعي،
تلهو بنايٍ
أو قصيدة
في أول الدنيا ،
سأطرق بابها الشتويِّ ،
أقطفها زنابقَ ..
شتلةً خضراء،
في ورق الجريدة .
-3-
كل عام يمرُّ
سنصغر عامينِ ،
نأخذ عشبَ الطفولة
من غرَّة القادمينْ
نراهنهم أننا في الزمان القديمْ
أنبتنا القرى في المشيبِ
ولكننا ،
حين مرّت علينا الدهورُ
انتهينا إلى فتية طالعينْ.
-4-
حين نجمعُ شتلةَ وردٍ
إلى تربةٍ
سوف تصعد رائحة
للسماء.
حين نجمع بنتاً،
إلى ولدٍ تائهٍ
سوف تصعد أشعارها
من شقوق البكاءْ.
1990
راسم المدهون - مواليد فلسطين 1948
المجموعات الشعرية:
1-عصافير من الورد-1983
2-دفتر البحر-1986
3-ما لم تقله الذاكرة-1989
4-حيث الظهيرة في برجها-2002
إقرأ أيضاً: