راسم المدهون
(فلسطين/سوريا)

راسم المدهونالغجريات أمام مراياهنّ
تضلُ سكاكينهن عن الفواكه
يجرحن أصابعهنّ
إذ تختالين
وترتعش أيديهنّ
ستغمز واحدة لصديقتها
وستقسم أخرى
أنك لست من قبيلتها
بل قد تقسم أنك جئت
من كوكب بعيد
الغجريات يثقلهن مرورك
تختالين
وعلى قبتي نهديك ريشة
من جناح غبطتي
سأقول لحبّات التفاح
أن تترجل عند وقفتك
وللدرّاق الورديّ
أن لا يتباطأ
للتوت الشامي
وللكرز الأحمر
أن يصطفوا هنا
عند بابك
أنا من سأقود أوركسترا الفواكه لك
وأنا من سأقشّر الماء من زبده
كي تشربي
وكي أرشّ جبينك
في حضرة الغجريات
لأطرد عنك الحسد
وحين تلملم الغجريات
بقايا أنوثتهنّ المهزومة
عند باب مرآتك
سوف أصعد سقف المرآة
وأعلن من هناك
أن اليوم عيد جلوسك
على عرش المراي.

مرآة 230

راسم المدهون

سيدة في ثياب الغبار الورديّ
تنحني على غباري
ترسم نهرا
لتطفىء لهبا
يمتدُ من أنفاسها
لأعالي السماء
سيدة تتوغل في عشب مناماتي
وأفاجئها
تجلس القرفصاء
وتشمُ العشب
ورائحتي
تتنفس ملء صدرها
وتعود لتطفىء لهبا
في النهر الصاخب في المرآة
سوف أمسح بكف راعشة
أمواج النهر
وأرسم في ذات المرآة
جحيما أزرق
فلترسم فاتنتي ما شاءت
لن تعثر في صفّ مراياها
على واحدة تتسع لنهر ترسمه
كي تطفيء فيه اللّهب
الصاعد من أنفاسها
لكني
وحين ستشتعل تماما
أدعوها للرقص
على شطآن جحيمي الأزرق
وهناك
هناك
تعرف أن اللهب الطالع
من أنفاسها
ويوشك أن يشب في ثيابها
لا تطفئه إلا السنة النار.

مرآة 229

راسم المدهون

أسمع هسهسة الريح
على ورق الأشجار
من يمشي في الطرف القصيّ من الأرض ؟
أسعفي خاطري يا زرقاء ؟
هل تلك أشجار
تكلّل جيش نساء
يأتين من الطرف القصيّ من الأرض ؟
عيناك قرنفلتان
تجوسان الغيب
وقلبي يا زرقاء يحبس دقاته
ينتظر نبوءتك الغجرية
هل حقا جيش نساء ؟
ماذا يفعلن بقلبي ،
وأنا أسلمتك آخر أنفاس الروح ،
وحفرت وصيتي
في مراياك ؟
أيُ نساء سيأتين
والأبواب
والنوافذ مرصودة
بالحرس الغجريّ
المدجّجين بنايات القصب
وأسنان الذهب ؟
الأرض يا زرقاء ضيقة
ضيقة
لا تتسع لنساء أكثر
ولو تسلّلن بأغصان الأشجار
الأرض لنا
مرآة واسعة نتجوّل فيها
ونقيم حروبا من قبل
فدعيني أمسح عن مرآتك
غبار الجيش القادم
وأنام.

مرآة 236

راسم المدهون

هنا
في الرّصيف الترابي
أضع مرآة بحجم الأرض
وأجمع من كلّ زوجين إثنين
لكنني
وقبل أن أبحر في رمال مدينة النعاس
أنسلُ عن أعين الأزواج
المدجّجين بحقائبهم
ورغباتهم
وابتساماتهم للرحلة
وأنتقيك وحدك
أنا وأنت سنملأ سفينة المرآة
أنا وأنت الزوجان
اثنان تكرّرهما المرايا
وحين أقلع بشراع الرغبة
في رمال مدينة النعاس
سوف أطلق ضحكة بحار قديم
وأتأمّل قبتي نهديك
تتكرّر آلافا
في كلّ مرآة قبتان
وفي كلّ مرآة أصابعي
تنقر عصفور الشوك
وتحلم ببحر رمال
بلا ميناء0

مرآة 235

راسم المدهون

أصوات خافتة وقديمة
تتجوّل في خفر هنا
ربما أضجرها النوم
فترجّلت
وربما أنا من يستعيدها
من مقبرة الذبول
أصوات أتملاّها بعينيّ
أشمُ رنينها الآفل
وبأصابعي الخمس
أستردُ بصمتها
ربما أبتني لها منزلا
من رنين
وأسمع ضحكاتك في تلاوينها
ربما يصعد الماء
من غدرانها
نحو قبتي نهديك
صارخا
باسمي
أصوات تشبه وقع الشفتين
على الشفتين
هل تلك الأصوات آثار خطواتنا
في المرآة الأولى ؟
في هذه اللحظة
أرجع بدويا
يقف بأسمال مراياه
يتأمّل مثل قصّاص الأثر
تعرُجات الأصوات
على رمل المرآة :
هذه أنت
وهذا أنا
والحجر الناتىء هذا
صوت القبلات.