(1)
في الخامس و العشرين من نوفمبر 1970 ، و في شرفة مركز قيادة الجيش الشرقي الياباني، ظهر رجل بزة عسكرية أنيقة، معصوب الجبين بقماشة مزينة بشعار الشمس المشرقة. و بدأ خطابه بالقول: "إنه أمر فاجع أن أضطر إلى التحدث إليكم في ظروف كهذه".
الرجل هو الكاتب الياباني الشهير يوكيو ميشيما، و كان يلقي خطابه واقفا على حاجز الشرفة، مطلا على المئات من الجنود المحتشدين، بطلب منه، على أرض تقام فيه عادة الاستعراضات العسكرية. بينما في السماء، كانت طائرات الهيلكوبتر تحوم و تهدر بحيث كانت أصواتها تطغى على كلماته. كان ميشيما يحث الجنود على إحياء مبادئ الساموراي و الدفاع عن شرف اليابان الذي شوهه السياسيون المتعطشون للسلطة، و رجال الأعمال الذين ينبشون الأرض بحثا عن المال. و سألهم:" هل من أحد بينكم يتقدم ويثور معي؟"..
لكن الجنود سخروا منه و صاحوا بكلمة يابانية سوقية تعني: الأحمق أو الأبله. واستمروا في الصياح متهكمين و ساخرين..عندئذ هتف ميشيما ثلاث مرات، ملقيا التحية العسكرية التقليدية: عاش الإمبراطور.
ثم نزل من حاجز الشرفة واتجه إلى المكتب عبر النافذة. و هناك، بالداخل، كان على وشك الإنهيار لأن أحدا لم يصغ إليه و لم يكترث به. كان الجنرال كانيتوشي ماشيتا، قائد الجيش الشرقي، مكمم الفم و مقيدا إلى كرسي. أما الأبواب والنوافذ فكانت مسدودة بمتاريس. فك ميشيما أزرار سترته، فك رباط جزمته، خلع ساعة يده، ثم جثا على البساط الأحمر، على بعد ستة أقدام من كرسي الجنرال.
بيده اليمنى تناول خنجرا ذا نصل مستقيم و حاد، وبعد أن حيى الإمبراطور ثلاث مرات أيضا نفث من صدره زفيرا. أحنى كتفيه و ثبت الخنجر -الذي يبلغ طوله قدم واحد-على بطنه ثم دفعه بقوة إلى الداخل ليحدث شقا أفقيا حتى الجانب الآخر من البطن، فيما اليد الممسكة بالخنجر ترتعد بعنف.
على مقربة منه كان يقف شاب حاملا سيفا، هو عشيق ميشيما، والعضو في العصبة العسكرية الخاصة التي أنشأها ميشيما نفسه، والتي اقتحمت مركز القيادة العسكرية و باغتت الجنرال ماشيتا في مكتبه.
عند إشارة متفق عليها سلفاً، رفع الشاب سيفه ووجه ضربة قوية نحوه..لكنه كان قد تأخر أكثر مما ينبغي. لقد كان ميشيما واقعاً على البساط وهو يئن ويتأوه، و النصل أخطأ مؤخرة عنقه مرتطماً بالأرضية. الضربة الثانية، العنيفة، أصابت جسد ميشيما، أما الضربة الثالثة فقد مزقت عنقه.. عندئذ تنهد الجنرال ماشيتا في أسى وقال: هذه هي النهاية.
وكانت نهاية مأساوية، مرعبة، طقسية، مخطط لها على نحو مدروس ومحكم، لرجل في الخامسة والأربعين من عمره، أثار جدلاً واسعا طوال حياته و مسيرته الأدبية و الفنية.
يوكيو ميشيما، ربما أكثر كتاب اليابان أهمية و الأكثر شهرة عالميا، مؤلف أربعين رواية (ترجمت عدد منها إلى اللغة العربية) و 18 مسرحية و 20 كتابا يضم قصصا قصيرة ومقالات، كما أخرج فيلما سينمائيا واحدا كتبه ومثل فيه، وقد رشح لجائزة نوبل.
لقد عاش ميشيما حياة معقدة ومتشابكة سياسيا.. وكان مليئا بالتناقضات:
من جهة هو استعراضي (حتى في موته)، ومن جهة أخرى كان يمثل لغزا مبهما. سادي و مازوشي. له ميول مثلية وكثير التردد إلى الملاهي الليلية الخاصة بالمثليين (الشاذين جنسيا.. حسب التعبير الشائع) في طوكيو، بينما هو متزوج من امرأة يابانية شديدة التمسك بالتقاليد والأعراف المحافظة، وأب لولدين.لقد جسّد الكثير من التناقضات التي يرفضها المجتمع الباحث عن "السوية" والانسجام، و الذي يسعى إلى إخفاء كل شكل من أشكال الانفصام و الازدواجية.
في صغره كان عليل الجسم، كثير المرض. وعندما بلغ الثلاثين إتجه إلى رفع الأثقال لتقوية بدنه. إكتشف ميوله المثلية عندما تهيّج إلى حد بلوغ الذروة فيما كان يحدّق في لوحة تظهر القديس سباستيان وهو عار تقريبا، ومعلقا من معصميه، بينما السهام تخترق جذعه وبطنه.
سياسيا، الكثيرون رأوا فيه الناشط المدافع عن القيم المحافظة وعن مبادئ الساموراي التقليدية، والمتعصب اليميني المؤيد لاستعادة اليابان تفوقها العسكري قبل الحرب والمدافع بحماسة عن سلطة الإمبراطور المطلقة.. فاليابان الحديثة، بالنسبة إليه، تافهة وعديمة القيمة، وهي ملعونة. ومن أجل استعادة ذلك الشرف وتلك الهيبة، قام ميشيما بتشكيل جيش صغير، خاص وسري. وبفضل صلاته بعدد من أصحاب النفوذ السياسي، فقد تسنى له إجراء التدريبات بموافقة ضمنية من قبل قوات الدفاع الذاتي. ومع زمرة مؤلفة من أربعة أفراد، هم الأكثر إخلاصا و ولاء، اقتحم المعسكر. وبعد أن أخفق في تحريض الجنود على الانقلاب أو العصيان، قام بإخراج المشهد الأخير من حياته: الموت الطقسي على طريقة سيبوكوSEPPUKU، والتي تسمى أيضا الهاراكيري، وهي طريقة يابانية في الانتحار تتم، على نحو طقسي، ببقر البطن بخنجر بحيث يتولى آخر قطع العنق بالسيف. وذاك الشاب الذي تولى مهمة ضرب ميشيما بالسيف، انتحر بدوره بالطريقة ذاتها.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن ميشيما كان قد حقق في العام 1965 فيلما قصيرا بعنوان "طقوس الحب والموت"، كتبه وأنتجه ومثل فيه، وهو معد عن قصة قصيرة له تصور انتحارا طقسيا يقوم به ضابط شاب مع زوجته في الصباح التالي لمحاولة انقلاب فاشلة حدثت في فبراير 1936. لكن هذا الفيلم اختفى بعد رحيل ميشيما، حيث قامت أرملته- و التي لها ارتباطات واسعة و قوية مع أسماء لها نفوذ وتأثير في الأوساط السياسية اليمينية- بتدمير النسخ السالبة وأحرقت كل طبعة استطاعت العثور عليها. ويبدو أن هذه الأرملة كانت مدركة تماما لخطورة الفيلم باعتباره "بروفة" لانتحار ميشيما الحقيقي..و هو الفعل الذي تسعى هي -مع جوانب أخرى من حياة زوجها- إلى طمسها و إزالتها.
كان ميشيما قد أوصى أن تذهب حقوق "اعترافات قناع" وروايتين أخريين إلى أمه ليكون هذا بمثابة دخل سنوي تتلقاه مدى الحياة، أما أرملته فقد حصلت على حق التصرف في كل أعماله الأخرى وممتلكاته.
في إحدى رسائله الأخيرة التي كتبها في ليلته الأخيرة، والموجهة إلى عائلته، أشار إلى رغباته وأمنياته، و قال: "لقد رميت القلم بعيدا. وبما أنني سوف لن أموت كرجل أدب بل كرجل عسكري، فإنني أود أن يظهر الحرف الصيني للسيف في إسمي البوذي و ليس الحرف الذي يرمز إلى القلم."
لكن ميشيما لم يتوقع أن تكرس أرملته كل طاقاتها و علاقاتها في سبيل تقديس ذكراه ككاتب عظيم، و أنها سوف تحاول، بجهد و بفعالية، محو أي أثر لميوله الجنسية "الشاذة"، و لأوهامه العسكرية، و لهوسه ببناء جسمه، و لرغبته الشديدة في الموت و التي عبّر عنها علانية، ولمتعته في رجّ المعتقدات اليابانية و إثارة الصدمة.
لقد كان ميشيما يكره أن يلعب دور "الكاتب العظيم"، ويمقت الهالة والمكانة الثقافية التي رافقت ذلك. وكان عاقد العزم على تحويل نفسه من "رجل الكلمة" إلى "رجل الفعل". لقد علم نفسه أن يزدري عواطفه وأحاسيسه الخاصة، وكان يشعر بأنه لا يكون " حقيقيا" إلا إذا اختبر أحاسيس جسدية. إنه الحالم الذي منح تخيلاته كينونة خاصة ودفعها نحو الحد الأقصى.
ميشيما عاش ذلك الانقسام الحاصل بين " الكلمات التي بإمكانها أن تغير العالم، والعالم الذي لا علاقة له بالكلمات"..حتى قرر أخيرا أن الطريقة الوحيدة لحل ذلك الإشكال، ذلك المأزق، وبلوغ المستوى الأعلى من الواقع، هي بتدمير الذات. وعبر الموت الطقسي أراد أن يحرز الالتحام المستحيل بين الفن و الفعل.
إذا كان الفنان أو الكاتب، عبر إبداعاته، يتخيل شياطينه الخاصة و يتعامل معها وفق الوسيلة المتاحة: عبر التعبير عن الذات، فإن كتابات ميشيما لم تساعده على تطهير عواطفه و التنفيس عن مكبوتاته أو الانعتاق من كوابحه و عذاباته الشخصية..الموت وحده هو القادر على تخطي ذلك.
(2)
السينما اليابانية و العالمية اهتمت بروايات و قصص ميشيما، فقد تحولت روايته "هيكل السرادق الذهبي" إلى فيلم من إخراج كون إيشيكاوا في 1958. و رواية "صوت الأمواج" أخرجها للسينما سنكيشي تانيغوشي. وفي بريطانيا حقق لويس جون كارلينو في 1976 فيلما عن رواية "البحار الذي لفظه البحر".
أما الكاتب والمخرج الأمريكي بول شرادر فقد اهتم أو افتتن بشخصية ميشيما نفسه، هذا الرجل الذي عاش بعض التناقضات التي حاول شرادر نفسه أن يجسدها من قبل عبر شخصيات خلقها في سيناريوهاته الأولى، خصوصا شخصية روبرت دي نيرو في فيلم "سائق التاكسي":
"كنت مهتما على الدوام بالشخصيات التي لا تشعر بالراحة والاطمئنان تحت جلودها، وباستمرار تلتمس الوسيلة للإفلات من مادية وجودها. كنت أكتب سيناريوهات عن هؤلاء الأفراد بوصفهم غير عقلانيين في المقام الأول. كنت أبحث عن الشخصية التي ذهنيتها و اهتماماتها أقرب إلى ذهنيتي واهتماماتي. لدى ميشيما عقل باحث، وعذاب يسببه رهاب الاحتجاز (الخوف المرضي من الأماكن المغلقة).التاريخ قدم لي شخصية واقعية لحياتها قوة الخيال".
بول شرادر في أفلامه، ككاتب سيناريو أو كمخرج، يبدي اهتماما استثنائيا بالأشخاص الذين لديهم نوازع تدميرية يصعب مقاومتها، من بينها تدمير الذات، والذين تتملكهم وتستبد بهم الرغبة في الموت. و شخصية ميشيما كانت أداة مثالية للكشف عن البواعث الإبداعية عند شرادر.
"أحد الأسباب العديدة التي جعلتني أرغب في تحقيق فيلم عن ميشيما هو عدم اقتناعي بأن ميشيما رجل مخبول أو غريب الأطوار. كان يعرف تماما ما الذي يفعله. في غمرة سلوكه الشنيع والعنيف، كان جادا تماما. كانت لديه رؤية استحواذية للحياة. بدلا من رفض النتائج الكئيبة التي كان ذهنه يقوده إليها على نحو متزايد، قام ميشيما بقبولها و معانقتها.
هو أصبح واحدا من أولئك الذين عاشوا حقا ما آمنوا به. من هذه الزاوية، فيلمي هو تأمل في الاضطراب الذهني. لا أحد بإمكانه أن يكون بذلك النقاء. لا أحد قادر أن يعيش وفقا لمعتقداته لأن ذلك يعني الموت على يد تلك المعتقدات ذاتها.
لم يخامر أحد الشعور بأن نهاية ميشيما ستكون على ذلك النحو المروع. كانوا يعلمون بأن خياراته تتناقص و تتحدد. والرجل الذي كان يبكي لمرأى الدم والموت طوال حياته، اكتشف أن الرواق الذي يسير فيه بدأ يضيق ويضيق. لكن لم يكن هناك ما يشير أو يوحي بأنه فقد السيطرة على نفسه، وإن كان يهيئ نفسه للموت طوال حياته.
لو لم يعش ميشيما لاخترعته. و واقع أنه عاش فعلا يعطي القصة رنينا وقوة أعظم.لكن حقيقة القصة هي التي لها كل قوة الخيال. إنها واحدة من تلك القصص النادرة التي تتيح لك أن تبقى قريبا من الحقيقة و مع ذلك تمارس سلطتها على المخيلة. لقد جئت إلى ميشيما لأن قصته هي جزء من عالمي الفنتازي، تماما مثلما هو جاء إلى الفتى الذي أحرق الهيكل الذهبي لأنه كان جزءا من عالمه الوهمي.
لو أردت أن أحقق فيلما عن رغبتي في الموت، عن مشاعري النرجسية والجنسية، إفراطي في الحذر من الحياة، و عجزي عن الإحساس ببعض الأمور..فها هنا الرجل الذي عبّر مرارا عن تلك المعضلات المماثلة. أعتقد بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لتقديم سيرة ذاتية، والتي أيضا لها قوة البيان الشخصي: روحان يتعين عليهما أن يكونا في تزامن كاف لمنحك الحرية التي تحتاجها ضمن حدود ما حدث في الواقع.
لتكثيف 45 سنة في ساعتين،كان علي أن أجد بيانا قويا إلى حد كاف ليضاهي أي بيان أستطيع أن أحققه من خلال القصة.. وربما أن أتخطاه."
عندما أراد شرادر تحقيقات فيلم عن ميشيما في اليابان ، وبممثلين يابانيين، قام بالاتصال بأرملة ميشيما، ورغم إصرارها على موقف الرفض إلا أنها أبدت فيما بعد شيئا من ركيز المرونة، و وافقت على المشروع، بعد فرض شروط وقيود، و موافقتها ربما جاءت لأسباب مالية.
ولقد تعهد شرادر بتجنب التركيز على المجالات الخلافية، كالسياسة والميول الجنسية. لكنه تفاجأ بإصرار الأرملة على حظر تناول الروايات "الصعبة"، رغم أنه قد خطط لأن يوظف مشاهد من قصص ميشيما كوسيلة لسبر المجالات الأكثر إظلاما و سرية في حياة الكاتب.
يقول شرادر:"في 1978 فاتحت أرملة ميشيما بفكرة تحقيق فيلم عن زوجها كفنان. لم أرد أن أركز على المظاهر الجنسية أو السياسية من حياته، ولم اعتبره فيلما عن اليابان. هذا هو القرار الذي التزمت به وحافظت عليه. و هي لم ترغب في إظهار نفسها أو أولادها، وكان من حقها أن تشترط ذلك."
وفي مرحلة لاحقة تم الإتفاق على منح شرادر الحق في تصوير مشاهد من ثلاث روايات هي: هيكل السرادق الذهبي (1956) منزل كيوكو (1959)الجياد الهاربة (1968).
" بنية الفيلم كانت بديهية من البداية. كان يتعين عليك أن تعرض يومه الأخير ثم، وبأسلوب الفلاش باك الشبيه بالوثائقية، تعود إلى حياته السابقة، و إلى أحداث من رواياته.ثيمات الجمال، الفن، الفعل، التسامي- من رواياته- كوّنت الأجزاء أو الفصول الأربعة للفيلم. كتابة السيناريو كانت حلاّ لمشكلة أكثر مما هي استلهام. كان لدى ميشيما الكثير من الأفكار التي لا أشاطره فيها بالضرورة ، لكنني أساسا أحاول أن أظهر تفكيره بالطرق المنطقية الممكنة."
شرادر يروي قصة ميشيما مركزا بالتفصيل على الأحداث التي وقعت في اليوم الأخير من حياته ثم يعود ليدخل ضمن السرد ، وبأسلوب خاص، مقتطفات من ثلاث روايات.. وهو يبرر هذا التوظيف بقوله:
"الأفلام المأخوذة عن السير الذاتية عادة تكون مغلقة ومحددة جدا. حياة المرء ليست مفعمة بالحيوية كما هو الحال مع تخيلاتهم، وهذا ينطبق بشكل خاص على الفنان. ميشيما، قبل أي شيء آخر، كان حالما، ومن الضروري الدخول في تلك التخيلات في سبيل إدراك سلطتها وفعاليتها في حياته الخاصة. بتعبير آخر، شعرت أن الشكل البيوغرافي (السيرذاتي) التقليدي غير قادر على القيام بهذه المهمة. من جهة أخرى، وجدت أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى أوجه ومظاهر معينة من حياة ميشيما هي من خلال الروايات."
شرائح الدراما المكثفة والمنتزعة من روايات ميشيما الثلاث مصورة على نحو تجريدي وبأسلوب جديد سواء في السرد أو التكوين أو الألوان، و هي تشكل ثيمة مستقلة ضمن السياق العام لكنها تتنامى كرونولوجيا:
في الفصل الذي يحمل عنوان "الجمال"، والذي يعتمد على شريحة من رواية "هيكل السرادق الذهبي"، يصبح الجمال عدو البطل. القصة مبنية على حدث واقعي عن راهب بوذي شاب ممسوس بالهيكل الذهبي الشهير في كيوتو إلى حد أنه يحرقه في النهاية.
في فصل "الفن"، المأخوذ عن رواية "منزل كيوكو"، تنشأ علاقة سادية- مازوشية بدافع الحاجة الاقتصادية، بين شاب وامرأة عجوز يمارسان في النهاية الانتحار الطقسي.
في فصل "الفعل"، المأخوذ عن رواية "الجياد الهاربة"، والذي تدور أحداثه في الثلاثينات من القرن الماضي، نرى طالبا وطنيا يفكر في توجيه ضربة موجعة إلى الرأسمالية فيقتل رجل أعمال ثم ينهي حياته بالانتحار على طريقة الهاراكيري وهو واقف على قمة منحدر صخري شاهق مواجها الشمس المشرقة.
أما في الفصل الرابع "تناغم القلم والسيف" فيقوم شرادر بربط الاستنتاجات الناشئة من الفصول السابقة مع مهمة ميشيما الأخيرة: الانتحار..النقطة الأخيرة التي يلتقي فيها الفن و الفعل، واللحظة التي يشعر فيها أخيرا بأنه يبلغ الموت الذي تاق إليه طوال حياته.
إلى جانب هذه الثيمات من رواياته، التي تتوافق مع الأطوار المختلفة من تنامي استحواذات وهواجس ميشيما، فإن الفيلم يظهر جوانب وأحداثا معينة من حياة ميشيما الواقعية في أعمار مختلفة، وهذه الجوانب تتقاطع وتتداخل مع الحالات الخيالية في بناء مركب ومتشابك.
عن الوطن- البحرين
****