يعيش المرء وهو محاط بجملةٍ من الأحكام والمعايير والمفاهيم والعادات والأنماط السلوكيّة التي تسيّرُه ويبني علاقاته وفقَها، وتعمل بمثابة الحدود ـ تتجاوز الفرد إلى مجموعة بشريّة تتلوّن إن في العرق أو المذهب أو الجهة ـ جذباً ونفياً فتضمّ الشبيه والمتماثل وتطرد المختلف والمتباين؛ بما يخلق نطاق الراحة والتكيّف داخل المنظومة المختارة في الفاعليّة أو المفعوليّة حيث يعسر فيما بعد التخلّص من هذا النطاق وإذابة الحدود غير المرئيّة التي تفصل ليس بين المرء والآخر وحسب بل تقمعُهُ وتمنعُهُ حتى من التعرّف على ذاته وممكناته في ما لو تجرّأ وعبرَ الحدَّ الوهمي والتقى بذاتِه القادرة المتمكّنة.
حول هذه الفكرة، يأتي معرض "إطار" للفنان حسين السماعيل، والمقام بقاعة "تراث الصحراء" بالخبر (18 أبريل ـ 28 أبريل 2014). تَمَثّلَ الفنانُ الفكرةَ وحوّلها من التجريد إلى الملموسيّة والحسيّة، فتتدافع أمام الزائر تنويعات لهذه الفكرة محمولة في مجموعة من المشاريع كلّها تنتظم في حامل تعبيري هو "الإطار" يتشيّد من اللوحة الفنية التي لا يحبسُها الإطار فنجد امتداداً لها على الجدار بما يهدم استقرارَها ويليّن إطارها؛ ذلك الإطار الذي يحلّ في مكانٍ آخر وهو محتشد بالفراغ لكنّه مكبّل بالحبل أو بسلسلة ذات قفل وكأنهما حارسان لما لا وجود له إلا في الوهم.
كانت الفكرة في حالة سيولة تعبيريّة؛ فتعدّدت سُبُل إظهارها بطَرْقِ أشكالٍ فنيّة تتعدّى اللوحة إلى التصوير الفوتوغرافي المشبع بالمشهديّة التي تلخّص الإطار الحاكم يُرفَع قفصاً لا نتحرّك إلا به كما لو كان محطّة إرسال لا تلتقط إلا تردّداً واحداً ينعدمُ معه "البثُّ الإنساني" القائم على الانفتاح وتبادل موجات التواصل، فتحدث العزلة والاندراج في الوحشة أو ـ على التحديد ـ التوحّش الذي يرفض التعايش إذْ الآخر موسوم بالتصنيف الذي يخرجه من خانة الند والنظير إلى خانة التوجّس مما هو عليه إن لم نقل العدائيّة بالشكل الذي أبانه الفيديو التمثيلي القصير المصاحب ضمن مشروعات المعرض التي تؤكّد الصراع مع الإطار ومحاولة خلخلته، مع الاعتراف كم هو عاتٍ وضاغط شأنَ المكعبات المتجاورة والمتراكبة على أرض المعرض ببعدها الجمالي.. والنفسي أيضاً الذي يشعر به الزائر وهو يمرّر خطواته أو جسده بينها.
الخلخلة لمفهوم الإطار يتمُّ من خلال الأرجوحة المنصوبة والتي تمثّلُ اختلافاً ونتوءاً بيّناً ليس على سويّة الإطار الناظم لما تقع عليه العين. هنا نعثر على الإطار بشكلِهِ الخارجي معكوساً في الأضلاع التي تكوّن الأرجوحة، غير أنّه يتحلّل من صلابتِهِ وجمودِه بفضل الحركة الداخلية التي تمنحها حركة الأرجوحة ومعناها الذي يخرج من الثبات إلى التحوّل وعدم الاستقرار. الأرجوحة خفّة وسفر وتغيّر وتفاعل؛ هيئة جديدة تلغي الإطار وتأتي عليه.
"إطار" معرضٌ يقول تجربة الفنان حسين السماعيل، ومختبرٌ لأدواته الفنيّة التي تَعِدُ بأشواطٍ تلحقُ نحو النضج والجمال.