آجرت الحوار:  إديت كريستا
(المانيا)

عباس بيضونوضع الكاتب الألماني ميشائيل كليبرغ Michael Kleeberg والشاعر والروائي والصحفي اللبناني عباس بيضون الأساس لتجربة جديرة بالتأمل. ففي إطار مشروع الديوان الشرقي-الغربي يجرى لقاء ثقافي بين الفنانيّن. زار عباس بيضون ألمانيا لمدة أسابيع ستة، ثم قرأ كل من عباس بيضون وكليبرغ من أعمالهما وتبادلا الرأي بشأن "حوار الثقافات" من خلال اللقاءات الثقافية التي عقدت لهما وكذلك على المستوى الشخصي. ولن يتوقف الأمر عند ذلك، ففي كانون الثاني (يناير) 2003 قام كليبرغ أيضا بقضاء ستة أسابيع في العاصمة اللبنانية بيروت.


يسعى المشروع إلى تنظيم سبعة لقاءات على هذا النحو بين الأدباء الألمان وزملائهم من الدول العربية ومن تركيا وإيران وذلك في خلال ثلاث سنوات. ويتوجب على كل مشارك أن يكتب في نهاية هذا التبادل الثقافي مقالا عن نظيره، سواء كان ذلك في صورة بورتريه أدبي أو شخصي. وكتتويج لكامل التجربة ستجمع كل المقالات في ديوان شرقي-غربي حديث أسوة بغوته. سيتكون الديوان من مجلدين، أحدهما عن الكتاب الألمان والآخر عن الكتاب الشرقيين.

ويضع أصحاب الفكرة والمراقبون لتطورها آمالا عريضة على المشروع الكبير. يقول الشاعر أدونيس وهو واحد من الأسماء الكثيرة التي يقترن اسمها بمبادرة الديوان الشرقي-الغربي: "سيساهم هذا المشروع في القضاء على أمرين يشوبان العلاقة بين أوروبا والعرب وهما أولا مسألة العلاقات الاستعمارية القديمة والتبعية وثانيا ظاهرة الاستشراق الناتجة عن هذه العلاقات." ويدعم المشروع كل من الكاتب الألماني هانس ماغنوس انسنزبرغرHans Magnus Enzensberger ومدير مهرجانات برلين الثقافية يواخيم سارتوريس Joachim Sartorius.


وقدمت وزارة الخارجية الألمانية أول دعم مالي لمشروع تبادل الكّتاب الذي سيمتد لثلاث سنوات. كذلك يساهم كل من معهد غوته وهيئة انترناتسيونيس في دعم المشروع. ولم يقتصر الاحتفال بمرور عام على نشوء المبادرة على حضور يوليان نيدا-روملين Julian Nida-Rümelin وزير الدولة الألماني السابق لشئون الثقافة، بل وحضره أيضا عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية ووزير الخارجية المصري السابق.


يعد اختيار الزائر العربي الأول بالكثير، فعباس بيضون على دراية جيدة بأوروبا والغرب. حينما كان طالبا في بيروت طورد واعتقل بسبب نشاطه السياسي. في عام 1967 انتقل للحياة في فرنسا لعدة سنوات. يُعرف بيضون في لبنان وفي البلدان العربية الأخرى بدفاعه عن التحديث وبمشاركته وخبرته في مسألة الحوار بين الشرق والغرب. يقول بيضون معبرا عن إعجابه بالفكرة الجديدة: "غالبا ما يكون الحوار بين الثقافات من خلال المحاضرات والمحافل الكبيرة غير مثمر أو منتج بالقدر الكافي، حيث يقتصر الأمر على المجاملات والتعارف السطحي. ويبدو أنه من الأهم أن تكون اللقاءات أطول بين الناس. قد لا تؤدي هذه الفكرة إلى نتائج كبيرة ولكن عندما نريد أن ننشئ حوارا فلا بد أن يكون هناك وقت كاف لنقاش حقيقي."

كذلك يأمل ميشائل كليبرغ، مؤلف رواياتي "الموت الناعم" و"ملك كورسيكا"، في إثراء تجربته من خلال هذا اللقاء ويستشهد بالمعلم الكبير غوته قائلا: "إن حدود نموي العقلي وثقافتي ومعارفي مع بعض الاستثناءات القليلة تسير محاذية لحدود أوروبا. ولهذا فقد تمسكت- بوصفي كاتبا ألمانيا- بشعار هذا التبادل الثقافي أي الديوان الشرقي-الغربي تمسكا حرفيا، وذلك عندما ربطت بينه وبين ديوان غوته. أعتقد أن هذه الفكرة ملائمة تماما لأن الديوان الشرقي- الغربي لغوته يعد من الأمثلة القليلة النادرة للشعر الألماني الجيد المؤسَس على الحوار."

عباس بيضونفي آذار (مارس) 2003 ستقوم كاتبتان بأخذ مكان بيضون وكليبرغ وهما الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي والكاتبة الألمانية ماريكا بودروتسيتش Marica Bodrozic.

بقلم محمود توفيق، Deutsche Welle، ترجمة أحمد فاروق
الحياة اليومية بين ثقافتين

حوار قامت به صحيفة دي تاغستسايتونغ البرلينية مع الكاتب الألماني ميشائيل كليبرغ والشاعر والصحفي اللبناني عباس بيضون

ما الجديد الذي تعرف عليه عباس بيضون خلال إقامته التي دامت ستة أسابيع بألمانيا؟

عباس بيضون: كانت إقامتي في برلين بمثابة مغامرة صغيرة. تعرفت على أشياء كثيرة لم أكن أعلم عنها شيئا من قبل. كانت مغامرة ذات طابع خاص. لقد تواءمت مع الناس وإيقاع الحياة والطقس. تعرفت على الحياة الثقافية والحياة اليومية. إضافة إلى التحاور والتناقش مع ميشائيل. كانت تلك خبرة شخصية طيبة. أنا أؤمن بالصدفة وقد كان لقائي بميشائيل صدفة طيبة.
ميشائيل كليبرغ: كان الأمر بالنسبة لي أيضا مغامرة. صحيح أن رؤيتي للأمور بوصفي كاتبا ألمانيا قد تعد رؤية مراقب من الخارج، نظرا لأنني قضيت 17 عاما من حياتي في الخارج وتعاملت طوال حياتي مع مثقفين أجانب أكثر من تعاملي مع المثقفين الألمان. لكن المشروع أثار اهتمامي لأنني أدرك الفائدة والإثراء الكامنين في مثل هذا التبادل. لقد اهتممت به في المقام الأول لأنني لا أعرف شيئا عن تاريخ وثقافة وأدب الشرق الأدنى والأوسط. لم يكن لدي في البدء سوى شكل من أشكال عدم المعرفة والرأي غير المكتمل ولم يكن ذلك شيئا شخصيا، لكنه نابع من ثقافتنا ومن موقعنا ومن تاريخنا: مُسلمات الثقافة المسيحية- اليهودية وطبعا مسألة المحرقة (الهولوكوست). كنت مهتما بالتعرف على وجهة نظر الثقافة العربية التي لا أعرفها.

هل يرى عباس بيضون اختلافا كبيرا بين الحياة اليومية في لبنان والحياة اليومية في ألمانيا؟

بيضون: تختلف الحياة اليومية لكل فرد عن الحياة اليومية للآخرين. تعكس وقائع الحياة اليومية الأفكار والقيم التي فرضت نفسها وهذا بالضبط هو مثار اهتمامي، أن أرى كيف يعيش كاتب ألماني.

كليبرغ: إنني أرى أن التعمق في شيء ما يتطلب أيضا التعرف على الحياة اليومية، فعالم الحياة اليومية هو مصدر كل فكرة وكل منطق. الحياة اليومية هي الأساس لكل تجربة أدبية. لا نتحدث هنا عن مفاهيم كبرى، كأن أشرح لعباس مثلا شيئا من هيغل، إنه يعرفه أفضل مني بكثير.

بيضون: لقد تعرفت على حياة ميشائيل في بيته، على زوجته وابنته الصغيرة وكلبه وحديقة بيته. كان ذلك مثيرا جدا بالنسبة لي، حتى على المستوى الأدبي. كان مهما أن أشهد طريقة حياة كاتب ألماني وأن أراه وهو يكتب. تحدثنا كثيرا عن التاريخ الألماني وأعتقد أن ميشائيل لديه موهبة إدخال التاريخ في أدبه. يعد التاريخ والأدب بالنسبة له وحدة لا تتجزأ. من خلاله تعرفت على التطور التاريخي لمدينة برلين عبر القرون واستطعت التعرف على رؤية كاتب ألماني للتاريخ وكيف يشكل من خلال هذه الرؤية نظرته للعالم. يرى كليبرغ التاريخ بوصفه حياة معاشة. يمنح التاريخ لعمله الأدبي رؤية عميقة.

ما الذي أدهش عباس بيضون؟

بيضون: كان من الطريف أن أعايش بشكل ملموس الصعوبات التي واجهت الوحدة الألمانية، كانت معرفتي بالأمر نظرية لكنني لم أتمكن من فهم ذلك على المستوى الواقعي الملموس. كان يهمني أن أعرف ما يقوله الألمان بهذا الصدد وكيف يدور الحوار حول هذا الموضوع. تحدثنا أيضا عن مشكلة الهوية الأوروبية ومشاكل الكتاب الشبان الألمان وهيمنة الثقافة الأمريكية في ألمانيا. وأنا أعرف كل هذه المشاكل جيدا وأستطيع من خلال المناقشات أن أعقد مقارنات. ما يحدث هنا، يحدث عندنا أيضا. هناك خبرات مشتركة. مثلا مسألة الهوية: العرب يبحثون عن هويتهم وربما قد وجد الألمان جزءا من هويتهم. تبين من خلال مناقشتنا أن ثمة إطار كوني يمكن النقاش على أساسه.

هل تغيرت نظرة ميشائيل كليبرغ للعالم العربي من خلال لقائه مع عباس بيضون؟

كليبرغ: نعم، لقد تشكلت لدي من خلال النقاشات مع عباس والمثقفين العرب صورة شاملة عن العالم العربي. ما فهمته عن العالم العربي هو أنه عالم تهزه التناقضات الرهيبة وأن العرب يبحثون عن هويتهم في ماض أسطوري. لكن تبين لي أيضا وجود طاقة ثقافية هائلة بالعالم العربي تحول المشكلات السياسية دون تحققها في الواقع. لكن هذه الطاقة تفتقد أيضا إلى الوعي بالذات.عبر عباس عن ذلك بصيغة جميلة: "ما يعوق العربي عن وعيه بذاته، هو وجود الغربي داخله." إن تغريب العالم العربي هو السبب في عدم وجود مشرع بنّاء ذي خصوصية عربية. وأنا أرى شيئا مناظرا لذلك في ألمانيا: لكي نتمكن من استيعاب أو قبول ثقافة أخرى، لا بد من توفر الثقة بالذات وهذا ما ينقصنا هنا في ألمانيا.

عندما يأتي ميشائيل كليبرغ في كانون الثاني (يناير) إلى لبنان لقضاء ستة أسابيع هناك، ما هي الأشياء أو الأماكن التي سيريها له عباس بيضون؟

بيضون: سنترك طبعا أشياء كثيرة للصدفة وللمسار اليومي للحياة.

عن صحيفة دي تاغستسايتونغ