نالت الدكتوراه عن "شعرية الاختلاف في شعر المرأة الخليجية"

حاورها: عمر شبانة

بروين حبيبشاعرة وباحثة أكاديمية وإعلامية مبدعة، نجحت في كل مستوى من هذه الحقول الثلاثة في أن تصنع حضورها المميز والبارز. تعرّفت إليها في البحث الأكاديمي عبر كتابها “تقنيات التعبير في شعر نزار قباني” (الصادرة في المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1999) وهو البحث الذي تقدمت به لنيل الماجستير من جامعة عين شمس. ثم قرأنا لها مجموعتها الشعرية الأولى والوحيدة ربما حتى الآن “رجولتك الخائفة طفولتي الورقية” (الصادرة عن دار النشر نفسها، 2001)، واليوم نتعرف إليها في الرسالة الجامعية المقدمة إلى الجامعة المصرية ذاتها لنيل شهادة الدكتوراه وهي بعنوان “شعرية الاختلاف: دراسة في شعر المرأة  في الخليج 1975 - 2000”. وفي مجال الإعلام كانت بروين قد بدأت في عام 1988 مذيعة في فضائية البحرين ثم انتقلت عام 1999 إلى قناة دبي الفضائية مذيعة لنشرات الأخبار ولبرنامج “مساء الخير يا دبي”، ثم برنامج “صواري” الثقافي المخصص لاستضافة شخصيات فكرية ضمن حوارات جادة، ومؤخراً أخذت تطل في برنامج “نلتقي” الثقافي والفكري الذي يعكس ميولها واهتماماتها. في حقل دراستها الجديدة المخصصة لشعر المرأة الخليجية تجوّلنا مع د. بروين لنتعرف إلى هذه الدراسة وعناصرها ودوافعها وبعض ما توصلت إليه الباحثة الناقدة، ومن موقعها هي بوصفها شاعرة أيضاً، وكان هذا الحوار:

ابتداءً أسأل: لِمَ شعرية الاختلاف؟ ما الذي يذهب إليه العنوان، وفي أي اختلاف يبحث؟

 عملياً قمت باستقراء النصوص للوقوف على شعرية المرأة بوصفها شعرية اختلاف، وبالتالي قراءة مكوّنات شعرية الاختلاف، وذلك من خلال دراسة القاموس اللغوي للشاعرات، والبحث في المؤتلف والمختلف، والمشترك والخصوصي في هذا الشعر، وقياس درجة افتراقه عن “أو اقترابه من” القاموس الشعري العربي الحديث. أيضاً البحث في علاقة اللغة المؤنثة بالأعراف اللغوية الحديثة السائدة لمعرفة ما إذا كانت المرأة الخليجية استطاعت في نصّها الشعري تخليص صوتها من هيمنة الصوت الذكوري على لغة الشعر، واجتراح لغة تعبير خاصة بها تعكس اختلافها، وتمكّنها من اكتشاف دواخلها والتعبير عنها بحرية، ومن منظور مختلف، ولغة تؤكد اختلافها. ثم قمت بدراسة النص الشعري كمرآة فنية لوجه المرأة الشاعرة، والبحث عن صورة المرأة في نصها، وتقصّي صورة الرجل في نص المرأة، أي البحث في تجليات الأنا والآخر، وجدل العلاقة بينهما.
وشغلني بصورة خاصة الصوت المؤنث، ليس فقط من خلال البحث في موضوعة البوح الوجداني الهامس، مناخاته ومصادره، وإنما من خلال التساؤل عمّا إذا كان هذا جزءاً أصيلاً من السمات المكوّنة للصوت الشعري المؤنث، أم انه تجل من تجليات السلبية الأنثوية، وملمح من ملامح الاستكانة والضعف والخضوع في مجتمعات ذات أعراف ذكورية. وبحثت في ما إذا كانت مساهمة المرأة في الشعر بعد طول إقامة في الصمت وغياب عن التعبير قد مكّنتها من كتابة نص يشغل موقعاً فريداً، أي مميزاً وفاعلاً وليس منفعلاً، في الشعرية الحديثة.

 كنت بدأت أكاديمياً مع تجربة نزار قباني الشاعر العَلَم، والآن تقرئين تجارب جديدة، ما الجديد هنا؟

 الجديد هو الأطروحة، هو البحث نفسه، والمنهج الحديث الذي يقوم عليه البحث فهذه في حدود معرفتي هي المرة الأولى التي يجري معها تناول تجارب الشاعرات في الخليج العربي من خلال أطروحة علمية أكاديمية تهدف الى دراسة المشهد الشعري النسائي في هذه المنطقة من العالم العربي، ورصد وتحليل خطابات هذا الشعر والبحث في مكوناته الفنية والجمالية والتعبيرية، والوقوف على خصوصياته الناجمة عن موقعه في المكان والمجتمع وعن انتمائه إلى التاريخ الشعري العربي، فضلاً عن البحث في طبيعة علاقته بالإرث الشعري الخليجي من جهة، وبالشعرية العربية الحديثة من جهة ثانية.
ثم دراسة صلته بشعر الرجل العربي وبالأعراف والظواهر الشعرية الذكورية الحديثة في الثقافة العربية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية علاقة شعر المرأة في الخليج بشعر النساء العربيات اللواتي انطلقت نتاجاتهن خلال السنوات الثلاثين المنصرمة، والهدف هو قراءة تحولات النص، وقياس درجة تعبيره عن حركة تحرر المرأة وكفاحها الشخصي والجمالي لإسماع صوتها الخاص والتعبير عن اختلافها في مجتمع ذكوري مهيمن على اللغة والخطاب والسلطة وعلى مصادر القوة، ومنتج لأدوات التعبير في النص، ومهيمن على وسائل الاتصال الجماهيري في المجتمع، وذلك عن طريق دراسة نماذج من هذا الشعر تنتمي من حيث سماتها الأسلوبية والتعبيرية ومن ثم جملة خياراتها إلى ما يُعرف اليوم بالكتابة الشعرية العربية الحديثة سواء أكان الخيار الفني هو شكل قصيدة النثر، أو الشكل المسمى بقصيدة التفعيلة.

 بروين، ماذا عن المنهج الذي اتبعته في دراستك هذه؟

 تستدعي الدراسة أطرافاً من مناهج عدة، منها: المنهج الأسلوبي التحليلي، والمنهج الوصفي، والمنهج الذي يستند إلى تحليل ملامح الشعرية من الداخل، لقراءة النصوص وتحليلها، للكشف عن طبقات النص ومستوياته العديدة، على سبيل فرز هذه الطبقات وتحديد العلاقات المتحققة بين المستويات المختلفة في النص الشعري، لملامسة أسئلة النص ومصادر شعريته، والكشف عن رؤاه ومراميه البعيدة، واستشراف أفقه الشعري، وصولاً إلى بلورة أسئلة نقدية تتعلق بهذا الشعر، وترسم ما أمكن من العلامات الدالة على ملامحه المميزة داخل الشعرية الحديثة.
وتنبغي الإشارة إلى أن اقتصار الدراسة على القصائد التي تنتمي إلى التفعيلة وقصيدة النثر، إنما يجد أسبابه القوية في أنهما شكلان فنيان حديثان سادا كظاهرة طاغية في الشعر العربي منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وباتا يستقطبان الكتابة الشعرية العربية، والخليجية ضمناً، بصورة حاسمة، من دون أن يبقيا للشكل الفني القديم (القصيدة العمودية) إمكان أن يسيطر كظاهرة بارزة.

 لنتحدث عن المفاهيم الجديدة والمتغيرات التي أتاحت التحول في تجربة الشاعرة الخليجية التي تأخرت عن شقيقاتها في دول عربية اللاتي بدأن مع بدايات القرن العشرين؟

 سؤال مهم. لا بد من الإشارة هنا إلى أن الأوضاع الخاصة بالمرأة الخليجية، هي أوضاع نجمت عن تحولات عصفت بمجمل كيانها وشكلت تحدياً وجودياً لها، وسبباً قوياً في حركتها نحو تعزيز حضورها الاجتماعي، والذهاب إلى تأكيد الذات في منطقة الفاعلية الإنسانية. من هنا، فإن الدراسة عنيت في جانب منها بتقصي أبرز ملامح التمرد من خلال علاقة المرأة بالشعر. وهو ما يعني أنني وقفت على منجزها الشعري بصفته منجزاً متمرداً على السياق السائد، نافراً منه وبالتالي خارجاً، بنسب معيّنة، على الأعراف القامعة في المجتمع. ومن ناحية ثانية يمكنني التأكيد على أن جانباً مهماً من الأسباب التي حرضتني على اختيار الموضوع هو رواج نص المرأة الشعري وتحوله إلى ظاهرة ثقافية تحتاج إلى درس.

 وماذا عن القضايا الأشد حضوراً في شعر المرأة الذي تناولته الدراسة، هل هي قضايا المرأة فقط أم قضايا وهموم الوطن والأمة؟

 هناك عدد مهم من الأسئلة بصدد نص المرأة وما يميّزه، ومن الأسئلة الشاغلة أنه إذا كانت الكتابة، كل كتابة هي فعل تحرر ذاتي، عبر تحرير المخيلة، وتخليص الصوت الخاص من صوت المجتمع، فهل هذا السلوك الجمالي والفكري المتمرد لدى المرأة الخليجية هو صوت يعي ذاته، أم انه أسير عفويته، ولا يزال في منطقه الطفولي النزق، لما قبل الإدراك؟ وهل هو فعل ذاتي محض، أم ان له ارتباطه بمنظومة الأفكار التحررية في المجتمع، على اختلاف مصادرها وتجلياتها وصياغاتها ومراميها؟ هذه مثلاً أسئلة شغلتني خلال بحثي.

 في ما يخص علاقة المرأة باللغة، ما المختلف كما برز في دراستك، ومقارنة مع علاقة الشاعر الرجل باللغة، وكيف تؤثر لغة الأنثى  إن وُجدت  في تشكيلها لشعرها وبنيته؟

 هذا سؤال طرحته الدراسة على نفسها. في المناهج الحديثة لا يمكن عزل هذا عن ذاك. لكنني عنيت بتقصّي السمات والملامح الخاصة الدالة على مخيلة المرأة الشعرية من خلال موضوعات وعناصر وثيمات التخييل نفسها، للوصول إلى النسيج الخاص الذي تتشكل منه ذات المرأة الشاعرة، ودراسة ميكانزمات عمل المخيلة في النص، هنا يستفيد البحث من مواد علم النفس وعلم النفس الاجتماعي لاستكشاف ذلك، ولطرح السؤال حول ما إذا كان لا يجوز التساؤل والبحث في فكرة هوية المخيلة الفنية؟ والواقع أنني شغلت أكثر بالتساؤل حول ما إذا كانت هناك في لعبة الشعر نفسها إمكانات متاحة للذات الشعرية للتخلص من جنسها، أو لنقل من الحدود الصارمة للجنس، خروجاً عبر الإبداع إلى أرض ثالثة مشتركة في الفن تردم الفجوة بين المؤنث والمذكر. وهذا السؤال زاحمه سؤال آخر، ترى هل يتجه البحث إلى نتائج تقول بغلبة مساحة المؤنث في الفن والخلق الفني بصورة عامة لدى النساء والرجال على حد سواء؟ لست ميالة إلى الإجابة عن كل سؤال، دراستي لا تقدم أجوبة دائماً، وإنما هي مساحة متحركة للتشاكل مع الأسئلة.

 من خلال دراستك، ما أبرز ملامح كتابة الشاعرة في الخليج، ودوافع هذه الكتابة؟

 هناك في دوافع الكتابة ما أسميه بالعودة عن الصمت. وقد بحثت في هذا الحيز علاقة المرأة بالشعر، أطوار هذه العلاقة، وملامحها التطورية، وحاولت قراءة الظروف والأسباب الثقافية والاجتماعية التي أخّرت ظهور صوت المرأة الشاعرة في الخليج، قياساً بجغرافيات شعرية عربية أخرى. (وهنا يمكننا أن نسجل تأخراً حتى شعراء الحداثة الرجال في الخليج)، وهذا يتطلب قراءة في دوافع الكتابة، وطبيعة التجاذبات بين ارتباط النص بالخبرة الشخصية، وارتباطه بالتثاقف الشعري، ثم انتقلت إلى دراسة الكتابة كفعل تحرّر للخروج بتصور حول ما يحكم علاقات النص والذات والعالم، لدى الشاعرة، للتعرف إلى الأفق الذي تترسمه من خلال الشعر، والمرامي التحررية التي تنشدها من خلال الكتابة. وفي هذا السياق درست أثر انتشار تعليم المرأة في موضوعة التحرر وفي بلورة الشخصية الإبداعية القادرة على التعبير عن نفسها في فن الشعر. وتقصيت علاقة الظاهرة الشعرية النسائية بنمط العيش في المكان الخليجي، وأثر التحرر الاقتصادي، ودرجات التمكن الذاتي للمرأة في مجالات التحرر الفكري والروحي.. وكان من الأهمية بمكان بالنسبة لي قراءة مدى ارتباط خيار الشكل الحر بفكرة التعبير الحر وحاجاته.

 كونك شاعرة وتكتبين قصيدة النثر، هل كان له تأثير في اختياراتك للموضوع وللنصوص وتركيزك على قصيدة النثر؟

 اختيار قصيدة النثر، أو لنقل التركيز على هذه القصيدة في أطروحتي هو عمل موضوعي تماماً، ونجد الأسباب المتينة لهذا الاختيار في اعتماد المرأة الشاعرة هذا الشكل إطاراً للتعبير، معبّرة بذلك عن توقها إلى كسر القوالب وتجاوز الشكل القديم القامع لصوتها، وتحرير هذا الصوت بوساطة الإمكانات الكبيرة التي يتيحها الشكل الحر. وهنا، في نظرنا، يكمن أحد مصادر ثورية إنجاز المرأة العربية عموماً في الشعر.
والواقع أن الدراسة آثرت التركيز على القصائد التي تنتمي إلى الشكلين الفنيين، التفعيلة والنثر، لكونهما سادا كظاهرة طاغية وباتا يستقطبان الظاهرة الشعرية العربية، والخليجية ضمناً، ولا بد أن أضيف هنا أن اعتماد المرأة الوسيط النثري لإنتاج الشعرية إنما هو بمنزلة إعادة تأكيد للفعل الجمالي بمواصفات شهرزادية. وقد شغل هذا المستوى من البحث حيزاً أساسياً من الدراسة.

 في رأيك، إلى أي حد استطاعت الشاعرة الخليجية الإسهام في تطوير الشعرية العربية، وما مدى تأثيرها في خلق ذائقة جديدة؟

 لا نستطيع أن نجزم بما هو أكثر من مغادرة الصمت والشروع في قول الذات بالنسبة إلى الأنثى الشاعرة. أما الحديث عن الإضافة الفنية فهو يتطلب دراسات متعمقة للحركة الشعرية العربية على مستويات مختلفة لاستجلاء موقع اللغة الأنثوية ودرجات حضورها وتأثيرها في لغة الشعر. ما قمت به عملياً هو دراسة المستوى الفني الذي حققته النصوص الأنثوية في الخليج في فترة قياسية، في إطار التجربة العربية للمرأة الشاعرة، ومحاولة ترسم الملامح والسمات الأسلوبية المميزة لها، ودرجات التحقق الفني، مع نماذج مقارنة. هنا يمكن الحديث مثلاً عن مؤثرات عربية في التجربة الخليجية، وهناك بالتأكيد ثيمات وظواهر فنية وجمالية وتعبيرية محددة أثرت في التجارب الخليجية البارزة، كالأسطورة والأقنعة، وغيرها من ثيمات وتقنيات، وتصورات وأفكار شعرية. أما مسألة الإضافة فهذه تحتاج إلى بحوث أخرى.

 إلى أي حد وفقت في إيجاد النماذج الكافية للقول باختلاف شعرية المرأة الخليجية، أعني النماذج ذات المستوى الجمالي العالي؟

 عندك حق، فقراءة نص المرأة الشعري تنطوي على صعوبات مضاعفة لاعتبارات عدة أبرزها أولاً انه نص ينتمي إلى الحداثة من جهة، وبالتالي فإن شعريته تنطوي على مجهولية كبيرة، وتفكيك سؤاله عمل بالغ التعقيد، وثانياً لأنه نصّ ينتمي إلى ذاته المؤنثة. فبمقدار ما تبدو المرأة مجهولة والمؤنث غامضاً في المجتمع والثقافة العربيين، يبدو نصّ المرأة الشعري نصاً عصياً، حتى عندما يوهم بناؤه وتوهم تراكيبه ببساطة، أو خيطية ما. إنه نص مهمّش، ويقع في أمكنة ظليلة، وعلى القراءة النقدية أن تستحضره إلى الضوء، وأن تتشاكل معه، وتستكشف أسئلته. وهذا في حد ذاته كان تحدياً كبيراً لدراستي وكل ما آمله أن تكون دراستي أجابت عن بعض الأسئلة التي يطرحها هذا الشعر علينا، أو على الأقل أن تكون الدراسة قد تشاكلت مع هذه الأسئلة بطريقة منتجة للمعرفة.

 أنت شاعرة خليجية، فهل كان لهذا تأثير في اختيار الموضوع؟ وكيف أثر في أسلوب تناولك ومستوى تحليلك للنصوص التي تناولتها؟

 نعم، بالضرورة، ومما عنيت به هو تحديد الموضوعات وتصنيفها حسب درجتها في الأهمية كموضوع المكان مثلاً. وهذا يتيح مستويات من التداخل بين القصيدة كمكان وجداني متخيّل، والمكان الجغرافي وجدل العلاقة بينهما، وانعكاس ذلك على النص الشعري في بنيته وهويته الفنية. ومما لفت نظري بصورة خاصة طغيان حضور الجسد في القصيدة، فدرست تجلياته، وإمكانات اللغة في التعبير عنه: موقع الجسد كموضوع فني وتعبيري، جسد المرأة، وجسد الرجل، تجليات حضوره، أقنعته، آثاره الدالة عليه، التقنيات والحيل الفنية التي تستدعيه، أو تغيّبه.
هنا يمكن قراءة الإزاحات، أعني “انزياحات الدلالة”، وتفكيك المواربات، والإبدالات العديدة التي تجريها المرأة على نصّها لتسرير البوح، وطمس بعض معالمه الخطرة تجنباً للتابوات، بما يلغّز الكتابة أحياناً. ومن شأن البحث في هذا الأمر تسليط الضوء على المناطق الظليلة في الكتابة المؤنثة، ومحاولة استكشاف ما قامت المرأة نفسها بتهميشه، وبالمقابل قراءة ما قامت باستحضاره وفق كيفيات جديدة، وأثر هذا كله في تطور الشكل الفني.

*****

أنات امرأة ما

بروين حبيب
(البحرين)

لامرأةٍ محفوفةٍ بالبخور ،
حين تضيء الحب
كما الخمرةُ في الغياب
توقدُ الصقيعَ ،
أصلي .
ـ
صرتِ الأوقات وما وراءها
صرتِ ماءَ الصورة
غوايةَ المعنى.

ادخلي الى سري
صِلي الروحَ بالنجمِ في إغفاءة القلب
فالنجمُ أضحى
ادخلي،
هذه الأوقاتُ ليست وصايا
تغزلين بها الجهات
بين شفاهِ الشجر
شهقةً حتى الثمالة
لتشربَكِ الغيومُ
حتى نهايات المدى
أهطلي أحاديثك
على ليلهِ ،
ليس كمثله
ـ
ونسيتُ لغةَ اللون
كنتُ أعرفه المشتهى وعداً
وأن ذهابي عودة
ولأنه بعضُ الوصول
قد أرتدي من أجله.
متأهبةٌ في خجلي
في خديعته الخافتة ،
أرسمُك امرأة
مصطفاةً من الريح،
ثوبُها معلقٌ في بكاء فارع
يتهجدُ قصيدة أخيرة .

أيتها الشجرة ،
املئي حضورك في الأوراق
ضحكةً تنهضُ توقَ النجمة
الى سماواتِ طفولتها .

***

تقاد

غائر هذا المساء ليس لنا ظل يرجع بكاء النخيل
ويدلق فضة الثمرات في سراب الأعين .
يا رعشة السماء،
افردي البحر لموجنا المغامر.
هبوب
ها أنا على الضباب المقصب في الهواء ،
أعدو في فحولة الضوء، على الأرض ،
أرى البحر ينضح، والماء يتشقق..
أفضي الى البحر يشذب المدى ،
الى النار تاركة أصول الليل .
وفي النور، اجتاز صخب الروح ..
هو النهار ،
أخيرا ..
ليتني اندلع في فوضى النهار.
زهو
تحت هشيم غربتي، كالغيمة المنفردة، أعود شاهقة معك ،
لعلي أحاذر سخط المبعدين ،
وأضيء قلبك ساعة الهاوية.
الضوء المدمى
ألمحك في الأمكنة العاشقة
وطنا غائبا ،
وفي لحظة البنفسج المشرعة على دهشة القرى .
أيام بلا حب،
ومصائر
كلما جئنا طفولاتنا .
قم لننجب الزمن المدمى .
هاهم يوقدون الشعلة في بوابة الهواجس،
يقيمون في أماسي القلوب،
ويشترون بصخبنا ممالك الخيال .
أنت السهل يدخله فتى ساعة الهجر
الصفصاف في فرشاتك ،
والضوء والنصل.
سر في الفجر يحملك
نهرا
كالصرخة بين الأهواء .
وسحابة تمر بالفراش
باكية،
وملفوفة بالنأمات .
بالفرشاة،
كنت تذهب في الخفة مرات ،
بينما القمر يختطف صلاتك
ويعود من شدة التواري .
ما كانت المدينة تحيا، إياها الحبيب ،
وكنت هناك تصنع جبهة الدمية ..
يا سيد العدم.. ما أنت ؟
مرة تختبئ في تأوهات العارفين
التاركين
خطواتهم
في دموع
الأسوار
ومرات تجيء إلينا
نحن الذين يختطفنا الياسمين الى رذاذ القبور .
تجيء في تأوهات العارفين
التاركين
خطواتهم
في دموع
الأسوار
ومرات تجيء إلينا
نحن الذين يختطفنا الياسمين الى رذاذ القبور .

الخليج الثقافي
2004-07-26