زهر أبو قاعود

قاسم حدادنفى الشاعر البحرينى قاسم حداد، أن يكون مفرطاً في إيراد المصطلحات الدينية في قصيدته "أيقظتني الساحرة"، التي أجيز تداولها في الأردن مؤخراً بعد أن منعت لأسباب دينية، معتبراً أن الشاعر أكثر حرية في استغلال المفاهيم الإسلامية في قصيدته من رجل الدين، الذي لا يحق له احتكار الكنوز اللغوية بدعوى أنها قرآنية الاستخدام.
وكشف حداد عن رغبته في أن يكون رساماً، مشيراً إلى أن الفن التشكيلي، فان كوخ مثلاً، أغنى تجربته الأدبية وفتح أمامه آفاقاً تعبيرية رحبة، ما جعله يحوز على جائزة عويس التي عززت تجربته في قصيدة النثر، وقال ان الأخيرة لن تفهم بشكل أدبي جيد، إذا بقى النقاد يستخدمون أدواتهم القديمة في الكشف عن التجارب الشعرية الجديدة.
وبرر حداد الهزائم المتلاحقة لأمتنا العربية بغياب حرية التعبير عن الشهوات، ما أدى إلى مهاجمة بعض الكليبات الغنائية، التي تحوى مشاهد عرى وما شابه، معتبراً أن المشاهد التي تظهر في هذه الكليبات تمثل حرية فكرية لا يجوز المساس بها أو الوقوف بوجهها.

وتحسّر حداد على حال العروض المسرحية التي طبقت مفهوم "التجريب" على نحو مغلوط، ما أدى إلى ظهور عروض غير مجدية، إلا أنه أبدى تفاؤلا من المبدعين الذين يفاجئون الوسط الثقافي بتجارب مهمة.
وأثبت حداد أن المرأة حاضرة في شعره حينما شبهها بالماء بالنسبة للحياة، لافتاُ إلى أن الشاعر الذي يقيض له أن يكون طفلاً بلحظة الحب فهو مرشح للنجاح بالتعبير عن الحالة.

* ما سر توطد علاقتك بالرسامين، وخصوصا أنك أتيت على ذكر فان كوخ في نص "أيقظتني الساحرة" ونصوص أخري..؟

ـ ولعي بالرسم مبكر وطبيعي، فالأديب تجمعه بالفنون الأخرى قواسم مشتركة وعديدة.. من جهتي أشعر أن الفن التشكيلي يغنى تجربتي الأدبية ويفتح أمامي آفاقاً تعبيرية رحبة، وفان كوخ أحد الأصدقاء المبكرين الذين أشعر بالقرب من منجزاتهم الثقافية والفنية.

* أعتقد أن الفن التشكيلي هو الأقرب إلى قصيدة النثر التي برعت بها، من جهة أن الشكلين الثقافيين أبعد ما يكونان عن حدود الشكل الأدبي المتعارف عليه لكليهما..؟

ـ الشعر بالمطلق بمعزل عن شكله الخارجي، لا يحدّه حد، وكلما نأى الشاعر والفنان بنفسيهما عما هو معتاد ومتعارف عليه كان عطاءهما ونتاجهما الفكري على نحو من الجمال غير مسبوق. وأظن أننا لا نجترح جديداً عندما نتقاطع مع فنون التشكيل، فهذه التجارب ليست وليدة اليوم والأمس، إنما هي حاضرة منذ زمن مبكر ما سارع في فرض تجاربنا وعززها بشكل جيد.

* ماذا كنت تفضل أن تكون، لو لم تكن شاعراً..؟

ـ أحب أن أكون رساماً.. رغم أنه لم يسبق لي أن أمسكت بالريشة..!

* الثنائية الشعرية الموسيقية التي جمعتك بالفنان طارق الناصر، تشبه الثنائية التي جمعت الشاعر الأردني المغترب أمجد الناصر بالموسيقار العراقي نصير شمه، فهل تطلّب القرن الحالي أن نعيش مع الشعر بحس موسيقي؟

ـ العصر الذي نعيشه يحتاج بالضرورة إلى مزاوجة من هذا النوع سواء مع الشعر والموسيقى أو الشعر والصورة البصرية ممثلة بالرسوم التشكيلية والمسرح مثلاً، فزماننا يقترح علينا أن نوصل رؤانا وأفكارنا وأهدافنا عبر الصورة التي أصبحت أسرع وسيلة للتعبير عن الفكر والثقافة، ونحن بالواقع العربي والثقافة العربية تعتبر الصورة لدينا ذاوية وكثيرة الغياب، فيكاد الحس البصري أن يكون مهملاً ومفرطاً به.

* هل تعتقد أن الصورة التي تشكل الناقل الأسرع للفكر والثقافة، باتت تستغل على نحو سيء وخصوصاً في مجال الغناء..؟

ـ أن لا تعجبك الصورة التي يظهر بها الفن في الوقت الحاضر، فهذا لا ينفى كونه فناً. فهناك قطاع كبير من الناس يروق لهم ما يعرض على شاشات التلفزة ويعتبرونه راقياً. ذلك أنه لا قاعدة أساسية في الفن تماما كالذائقة التي تختلف من شخص لآخر، وعلينا أن لا نفرض رأينا بالرفض أو القبول لذائقة فنية أو شكل ثقافي ظهرا في زمن ما، إذ لا يجب أن نجعل من أنفسنا قضاة وجلادون، فالأمر لا يخضع إلى هوانا دائما، فلندع من عنده فكر وتصور بإحدى القضايا، أن يعرض رأيه دون أن يتلقى سيلاً من الانتقادات التي ربما ترتد إلى صاحبها، فمن ينصّب نفسه مصلحاً للمجتمع يجعل ذاته عرضة للحكم القاسي، وهنا تكمن مشكلتنا ذلك أننا نفترض أن أمراً ما يجب أن يكون على هوانا وكما نحب ونرغب في أن نراه..!

* هناك من يضع قصيدة النثر في دائرة الاتهام بوصفها تجربة شعرية مغايرة وربما مقبولة بشكل جزئي..؟

ـ أختلف معك بأن قصيدة النثر ليست مقبولة، ذلك أن التجارب الشعرية الحديثة باتت واضحة الملامح، وحضورها الإبداعي جيد، وأشير هنا إلى أن الشعر لا يمكن قياسه جماهيرياً بمبالغات ليست أدبية.. علماً بأن الشعر والأدب عموما هما في هامش حياة الثقافة العربية للأسف رغم أننا قوم شعر أولاً وأخيراً.. وفى النهاية فالتجارب الجديدة حاضرة بتنوع غنى ولا تحتاج فقط لشهادات وتزكيات، ذلك أنها موجودة ومتنوعة وفيها العديد من الاختلافات وهذا أمر طبيعي. فحتى الشعر الذي كتب قبل مئات السنين تعرض للنقد، ذلك أن الذائقة تختلف من ناقد لآخر.

* كيف ترى أدوات النقد الحديث..؟

ـ تكمن إشكالية النقد الحديث في عجزه عن التعامل مع التجارب الجديدة، فهناك تعثّر وبطيء استيعاب من قبل الأدوات النقدية لتطور القصيدة بالمعنى التقني، وبالتالي يحدث ارتباك كبير في التعامل مع النصوص الجديدة، فالناقد يأتي إلى النص الجديد محملاً بآليات عمل وأدوات نقدية أقدم من النص الذي بين يديه، ما يعيق فهم النص المصحوب بعناصر جديدة وطرح مختلف، لذلك تظهر النتائج مرتبكة للنقاد أولا ومن ثم للقارئ، وللأسف كثيراً من الشعراء الجدد وأصحاب النصوص يرتبكون أمام الأحكام، لذلك على النقد ألا يكون حكما مطلقاً بل حواراً أو اكتشافا لمكنونات التجربة الجديدة، فنحن لا نقدم تجربتنا الجديدة كمتهمين، وليس على النقاد أن يصيّروا أنفسهم قضاة لتجاربنا الجديدة تلك، ومن هنا كنت أرى أن المشهد النقدي وما يعقبه من محاولات نقدية تحتاج لفسحة من الزمن والمعرفة الجديدة التي تناسب ما ينجزه المبدعون العرب.. وفى السنوات الأخيرة برزت تجارب نقدية مهمة جداً وجديدة وفى الحقيقة أنا أكثر تفاؤلاً على صعيد النقد هذه الأيام.

مفرط في كتابة الشعر

* ما هو النص الذي أحببته في انجازاتك الشعرية والنص الذي لم تحببه..؟

ـ أشعر بأن نصوصاً كتبتها في وقت ما أقرب إلى من نصوص أخرى، بوصفها مرتبطة بلحظات تحول حاسمة في الحياة والكتابة.. أما نصاً لم أحببه فلا يوجد، لكنني أشعر أحيانا أنني مفرط في كتابة الشعر أي أنني كتبت "أكثر من اللازم..!" وبالنهاية يبقى من الشعر والرغبة الواسعة في التعبير ومضات قوية وقادرة على الحضور أكثر من غيرها.

* هل كنت تقرر مسبقاً أسلوب الكتابة الذي تنتهجه لإنجاز قصيدة معينة سواء أكان اسلوب التفعيلة أم النثر..؟

ـ لا يوجد قرار مسبق لنوع وطبيعة وشكل النص الذي أرغب بإنجازه، غير أن الحالة والأجواء النفسية والارتياح تغرق الفكر تلقائياً بنوع وشكل الكتابة التي سيجرى البدء بها، وأؤكد لك مجدداً أن الشاعر الحر في التعبير عن فكره بشكل أدبي ما، يكون أكثر صدقاً وإبداعا.

* ‎ هل أصبح "التجريب" هو عنوان الحياة الثقافية الحديثة، فهناك تجريب في الشعر والمسرح وغيرهما..؟

ـ جرى تداول مصطلح التجريب على نحو مربك وغير دقيق، كما لو أن الكتابة والإبداع هما في العمق محاولة من الكائن كي يعبر عن نفسه. وهما في الحقيقة تجربة، وهذه حالنا منذ أمد طويل، ذلك أننا لم نكن ننتظر مصطلح "تجريب" لتوصيف ما نفعل ويفعل المسرحيون وغيرهم، فالمنتج الثقافي هو بطبيعته تجربة فنية تتراكم مع الوقت وتنضج أدواتها وتكون أكثر تماسكاً.. ومغامرة التعبير الفني في جزء كبير منها تجربة لا تكتمل في لحظتها، وإنما بالتجارب اللاحقة، وأتمنى ألا تقع الحركة الشعرية العربية في المأزق الذي وقعت به محاولات المسرح العربي وهى تخبّ بأثوابها الفضفاضة بمصطلح التجريب ومهرجانات التجريب، لكي لا نمسك شيئا مهماً في كمية العروض التي تندرج تحت ذلك المسمي، ولا نكاد نحصل على نتائج واضحة الملامح كتجارب، وعموماً فإني لم أعد متحمساً كثيراً للمسرح العربي، لأنه يطبق "التجريب" على نحو خاطئ، وأظن أن الإنسان يجرب دائما للتعبير عن نفسه فهو أكبر من المصطلح ذاته.

* ماذا بعد قصيدة النثر..؟

ـ ليست قصيدة النثر مرحلة واحدة، فهي شكل فني من الأشكال الموجودة في الشعر ككل، إذ لم يعد الكلام مقتصراً على قصيدتي التفعيلة والنثر، لأن الشعر أفق مفتوح نذهب إليه ولا نعرف حدوده، فمنذ بداية الخليقة وهو يتغير، وأنا متفائل بالمبدع إلى حد أتوقع منه أن يفاجئنا بتجارب جديدة في كل وقت.


أيقظتني الساحرة

* إلى أي حد داعبت عبارة "لا تكلمهم إلا رمزاً" التي وردت في المقطع الخامس عشر من قصيدة "أيقظتني الساحرة"، خيالك، حتى قررت أن تنجز نصاً آخر يحمل العنوان ذاته..؟

ـ في الحقيقة أن عبارة "لا تكلمهم إلا رمزاً" هي العنوان السابق لقصيدة "أيقظتني الساحرة"، والعبارة موجودة في سورة موسي، غير أنى قررت الاستقرار على العنوان الثاني لأني شعرت أنه محاولة للتعبير عن تجارب مختلفة، كما أن "أيقظتني الساحرة" مدخل يغمر القارئ بالحالة منذ اللحظة الأولي، وعموماً فإن علاقتي بالعناوين مركبة وصعبة، إذ لا أقتنع بالتسميات بسهولة.

* أشعر أنك تخاطب طفلاً كبيراً في "أيقظتني الساحرة" من خلال مصطلحيّ "الساحرة" و"الجنية الزرقاء"..

ـ أظن أن الحب هو نوع من الطفولة الحقيقة والصادقة، فلا يوجد في الكون والحياة ما هو أصدق من الطفل، وبلحظة كتابتي لنص "أيقظتني الساحرة" امتزجت أحلام الطفولة بلحظات التعبير عن الحب، وحضور حكايات الطفولة وأحلامهم، ذلك أن الشاعر عندما يعبر عن نفسه من وعيه وطفولته يكون أكثر صدقاًَ. من جهة أخرى تعتمد لغة القصيدة على جماليات داخلية كالأحلام واللغة الصوفية، وأظن أن الشاعر إن استطاع أن يكون طفلاً في لحظة الحب فهو مرشح للنجاح أكثر في التعبير عن الحالة.

* طلبت الانتصار في قصيدة "أيقظتني الساحرة" لشهوة الروح على الجسد، فهل عكس ذلك هو ما سبّب هزائم امتنا المتلاحقة..؟

ـ إن تردى امتنا عائد إلى غياب حرية التعبير عن الشهوات بشكل عام في الثقافة العربية والمجتمع العربي، ففي التعبير الشعري لا أنتصر بالمعنى اليومي لشهوة على أخرى لكن أنتصر لحرية اختيار الإنسان لشهوته.. ونحن في المجتمع العربي بحاجة إلى حرية الاختيار في التعبير والممارسة.

* كيف هي علاقتك بالمرأة في الشعر..؟

ـ حاضرة في شعري مثلها مثل الماء.. ولا أفكر بالأمر مسبقاً قبل البدء بكتابة النص، فهي حاضرة كما الهواء والألوان والمشاعر، وهى كالرجل تماما وربما أهم منه في بعض الأحيان.

* ما رأيك باعتبار عبد اللطيف عبد الحليم أستاذ الدراسات الأدبية لكلية دار العلوم في جامعة القاهرة بأن نزار قباني، شاعر المرأة، من أسباب تخلف الشعر..؟

ـ علينا التفكير مئة مرة قبل أن نطلق توصيفاً كهذا على شاعر كبير ومهم مثل قباني، إذ لا يليق بالثقافة العربية أن نطلق أحكاما من هذا النوع على تجارب مهمة، وبطبيعتي لا أميل إلى الارتجال في الأحكام وظلم التجارب والاستهانة بجهود ومواهب كبيرة.

الشاعر أكثر حرية من رجل الدين

* هل تعتقد بأنك مفرط في استخدام المصطلحات الدينية في قصيدة "أيقظتني الساحرة"..؟

ـ إن المفردات الدينية موجودة في الثقافة الإنسانية ككل واللغة العربية التي هي موجودة أصلا قبل القرآن الكريم، والدليل على ما ذهبت إليه هو أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أوصى المفسرين إذا استغلق عليهم أمراً في القرآن أن يرجعوا للشعر العربي، فإذن كل هذه الثروة والكنوز اللغوية في الثقافة العربية الإسلامية واللغوية هي متاحة للشاعر، تماماً كما هي متاحة لرجل الدين والإنسان عموماً، ولذلك فلكل منا طريقته في التعبير وهو حر في ذلك، بل يعتبر إجحافا بحق ملكات الشاعر وذائقته الأدبية أن يكون في مغبّ هذه اللغة والكنز الثرى ويفرّط فيها، أو يفوّت فرصة استغلالها، ذلك أنها مصطلحات بالغة العمق والصدق، ولست أرى فظاظة في ذلك الاستخدام، ففي تقديري أن الشاعر أكثر حرية من رجل الدين الذي يحاول أن يحتكر كل شيء بما في ذلك اللغة.

* لماذا أشعر بأن سورة يوسف، هي الأكثر تناولاً بين الشعراء، إذ أتى على ذكرها الشاعر المغربي حسن نجمي، ونظيره الأردني سليمان عويس وغيرهم..؟

ـ وقبل ذلك تكلم عنها الشاعر نزار قبانى في كتابه "الشعر قنديل أخضر" ذلك أن فيها وزناً كثيراً، والحقيقة أن سورة يوسف ليست الوحيدة التي جرى تناولها، فالقرآن كله كان جزءاً أساسيا من الثقافة الشعرية العربية من حيث اللغة والصورة الشعرية والأجواء والعلاقات والدلالات والرموز، فكل النص القرآني كان في الرحابة بحيث أغنى التجربة الشعرية أكثر مما أغنته الاجتهادات الدينية.

* تتشابه مع الشاعر التونسي يوسف رزوقة في تناول المفاهيم العلمية، حيث استخدمت مصطلحات الكيمياء والفيزياء والفلك وغيرها.

ـ المعرفة هي العنصر الوحيد الذي لا يمكن تفاديه في الثقافة الإنسانية وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالتعبير الفني، فالمعرفة عنصر مهم جداً ولا يمكن الكلام عن موهبة بدون معرفة.

* استعادت اليمن خمس مخطوطات إسلامية، كان يمنى هربها إلى مملكة البحرين.. إلى أي حد يمكن لتصرفاتنا غير المسؤولة من جهة سرقتنا لممتلكاتنا، أن تشمّت أعداءنا بنا..؟

ـ لست مؤهلاً للإجابة عن ذلك..!

* ما هي مشاريعك المستقبلية..؟

ـ أن أعود إلى البيت.

* لا بد أننا أطلنا الحديث معك إذن.

ـ على العكس.. لقد جعلتني أتطرق إلى فكر وأمور لم يسبق لي الخوض فيها.

العرب أون لاين
09/05/2005