عمان ـ 'القدس العربي'
من سميرة عوض: 'هذا كتابٌ يعلَّمَني كثيراً'، هكذا يصف الشاعر البحريني كتابه 'طرفة بن الوردة' الذي صدر مؤخرا في نسختين، مطبوعة ومخطوطة.
الاحتفاء بكتاب طرفة بن الوردة' أقيم في وقت سابق في البحرين، والكتاب في نسختين، احدهما مطبوعة، أما النسخة المخطوطة، فهي نسخة أصلية واحدة، بخط الشاعر، مكتوبة في 12 كتابا، كتابان على ورق 'Fabriano fein' الإيطالي: كتاب الفصول: 'الأناشيد التحولات- الإشراقات' 51 ورقة قياس ( 3856سم 'كتاب الصحراء والبحر' 37 ورقة قياس (2936 سم)، عشرة كتب مخطوطة في دفاتر فنية بأوراق مصنعة يدوياً، بقياسات مختلفة والعناوين التالية: (كتاب السيرة، كتاب البحرين، دفتر طرفة، باب الغرائز، دفتر قاسم، فصوص الحلم، دفتر السجن، اشراقات طرفة بن الوردة).
وكان لنا هذا الحوار مع الشاعر قاسم حداد.
كتاب سعيت إليه أربعين عاماً
* ولكن لماذا عدّ قاسم حداد 'الكتاب' مشروع عمره؟
-ـ يجيب قاسم 'هذا كتاب سعيتُ إليه أربعين عاماً وأنجزته في أربع سنوات، وأخشى أن ذلك كله لم يكن كافياً بعد. وحين تكتمتُ على ما كنت أشتغل عليه في المخطوطة، فذلك لأنني لستُ متيقناً مما كنت أصنع، ولم أزل، لستُ مدركاً تماماً ماذا فعلت. وكنت قد أطلعتُ بعض الأصدقاء، أدباء وفنانين، على جانبٍ مما أصنع، لأتثبّت من مواقع أقلامي'.
* ـ ولعل السؤال الأهم: ما السر في العلاقة بينهما ـ قاسم حداد وطرفة بن العبد؟ وما الذي جمعهما رغم اختلاف الزمان وتباعد المكان؟
-ـ قاسم نفسه يجيب: 'الفرق بيني وبينه أنه نَـهَـرَ الحياة باكراً، تجرعَ القدحَ الأعظم وذهبْ، فيما لا أزال أتعثر بحضوره الفاتن في كل نأمة ولمعة ضوء، دون أن تكون المسافة الزمنية حجاباً أو حائلاً أو امتيازاً. لم أتمكن من تفاديه لحظة واحدة. ما ان عرفتُ احتدامه مع قبيلته، ما ان شعرتُ بخروجه عن الخيمة إلى الصحراء، وسمعته يكرز في الكون:
'وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة..' ... حتى أحسستُ بذلك السر الغامض ينسرب في شرايين روحي وتفاصيل حياتي الباقية، ويبدأ في صياغة مكبوت العديد من قصائدي، التي جَهَرَتْ بتقاطعها الحميم مع 'طرفة بن العبد'، كتابة وتجربة، وتلك النصوص التي استبطنته أو تقمصته، أو تلك التي وضعته تعويذةً في الحل والترحال، شعراً ونثراً ومضاهاة. كلما تقدم بي العمر والتجربة، أصبح هذا الكائن الغامض البعيد أقرب إليّ من حبل الوريد، لا أتنازل عنه، لا أنكره، وليس لي سلطة عليه، فيما سطوته الغريبة عميقة ودالّة في روحي وحبري. رافقني 'طرفة بن العبد' في الحانة والزنزانة، واقتسمتُ معه النص والشخص، في المتن والهامش والحاشية. لم أنجز كتابةَ إلا وكان له فيها حصةُ القرين. لم يعد ممكناً توصيف الحدود بيننا إلا بالقدر الذي يتسنى للسيف أن يمر على مسافة الروح والجسد بلا دمٍ ولا فضيحة.. إنها رفقة تتجاوز الكلمات، رفقة تصقل الحياة. أكثر من هذا، هل هذا اقتراحُ حوارٍ بين حدود النص بوصفه أدباً، وآفاقه بوصفها فناً قابلاً للتجلي في أشكال تعبيرية مختلفة؟ لا أعرف'.
لأكون حراً في الريح..
* ـ ولكن لماذا يلج قاسم حداد تجربة الرسم، بعد الولع الطويل بفن التشكيل، والتجارب المشتركة مع الرسامين؟
-ـ يرد قاسم: 'تأتي هذه التجربة، باعتبارها سؤالاً، يضعني في مهب المغامرة، ليمتحن الحواس كاملة، ويضاعف المتعة. جاءت هذه التجربة في واحدة من الذروات المنتظرة لتلك الأعمال المشتركة، المتنوعة، المتفاوتة النجاح والفشل، لأكون فيها حراً في الريح.. بأجنحة جديدة. لكن دون أن أعرف، على وجه التعيين، ماذا أريد، هل هو بحثٌ عن الشيء الفني، أم هو السعي الحثيث إلى خلق الشيء الفني مجدداً؟ هل ثمة رغبة مضمرة في بلورة منظومة من المفاهيم الفنية المتصلة بالعلاقات الغامضة الملتبسة بين رؤية الإبداع وشكله؟ بين موضوع/ مضمون النص ولغته وأدواته؟'.
ـ لك نص كتبته منذ سنوات عن سيرتك الذاتية بعنوان 'قاسم حداد.. تقريبا'، وها أنت تستخدم العنوان ذاته مستبدلاً قاسم بـ'طرفة بن الوردة.. ت
* ريباَ..' ما حكاية (تقريبا) هذه؟ وكأنك تركن إلى فلسفة اللايقين؟
-ـ بالضبط، فأنا صرتُ أشعر يوماً بعد يوم بتماهي الحدود والملامح بيني وبين قاسم حداد، وبالتالي - لفرط ولعي بطرفة بن العبد- بيني وبين 'طرفة بن الوردة'، لكي يمتزج قاسم حداد وطرفة بن العبد، حتى لكأن أحداً لا يستطيع الزعم أنني أتوقف في نصي عند الحديث عن طرفة هناك، أو أنني اقتصر على قاسم في نصي الجديد. هذا التماهي والالتباس الغامض يشي بتعقيد الواقع الإنساني الذي يحكمنا.
من أين يمكننا، في الواقع، أن نأتي باليقين، أو نزعمه، في مثل هذا المشهد الشامل للبشرية الممزقة المهددة غير الآمنة في أبسط شروطها. أشعر فعلاً بأننا سنظل ضحية مستمرة للضياع الكوني الذي يروّج له أصحاب الأديان ويكرسه المعادون للدين. أخشى أنه لن يكون بوسع أصحاب الآداب والفنون سوى دور تهوين الموت على البشرية، وخشية أن نلجأ (تقريباً) للمطالبة لشعوبنا بالموت الرحيم. هذه الشعوب المرشحة لأخلاقيات (حاكمة) لن تكون أكثر رحمة من الحكام الذين يصطفون للمغادرة، أنظري ماذا يفعل أصحاب الثورات الراهنة بأسلافهم.
* كيف تتوقعين من شاعرٍ ضعيف الشأن أن يزعم أنه يمتلك يقيناً واحداً لأمر واحد؟
حلم الشاعر عبر الزمان والمكان
* ـ كتاب حلمتَ به أربعين سنة.. وأنجزته في أربعة أعوام؟ أليست فترة طويلة..؟ هل تحقق الحلم كما أردته... أم كما أراد طرفة؟
-ـ أبدا، ليست طويلة على الإطلاق، بل على العكس، كنت في الأشهر الأخيرة أقول، ربما سأصنع الأمر بشكل أفضل لو أنني حصلتُ على وقت أطول. لم أكن مرتبطا بالوقت منذ لحظتي الأولى. أنا الذي أكرر بأن الوقت دائما في صالح العمل الإبداعي. وهذا ضرب من الحريات التي يتوجب أن يتمتع بها المبدع مع عمله.
أكثر من هذا صرتُ أرى، في السنوات الأخيرة، أن مجريات حياتنا وحوادثها هي في جوهرها ومظهرها ـ تصادق على ما هجس بها نص الكتاب. حتى أن بعض من قرأ 'طرفة بن الوردة' مؤخراً كان يسأل: أحقاً كُـتـبَ هذا النص عام 2008 وليس الآن؟.
من جهة ثانية، تقنياً، أستطيع القول انني حققت نصاً هو، جوهرياً، حلم الشاعر عبر الزمان والمكان. حلم هو في الأساس حلم الإنسانية التائقة للتحرر. فنحن في القرن الواحد والعشرين ولا زالت البشرية مثقلة بالقيود والحرمان والاستلاب، في معظم بقاع العالم، من ابسط حقوقها الأولى. ومحكومة بما يصادرها وينفيها ويحتفي بموتها أكثر مما يكترث بحياتها.
حاولت أن أكون مخلصا لذلك الحلم الكوني الذي تعلق به الشعراء والمبدعون طوال تاريخ البشرية. أقول: (حاولتُ) فحسب، وهذا حكم قيمة ناجز على عبثية ما يصنعه الشعراء طوال الوقت.
أتعلم الحقيقة يوما بعد يوم...
*ـ تصف تجربتك بقولك 'هذا كتابٌ يعلَّمَني كثيراً'.. ما الذي علمك إياه؟
-هذا ما يحدث فعلاً.
ـ الكتابة، عمقياً، هي السعي الحثيث نحو المعرفة. ومن يزعم من الأدباء والشعراء أنه يعمل على تنوير وقيادة الناس في هذا العالم، أنما يقع في الخلط الشنيع بين آلهة يفشلون وبشر يستحقون المعرفة والنزهة بحرية التمتع بدون محاذير وخسائر في كونٍ هو من صنعهم بالدرجة الأولى ويستحقونه كاملاً بغير شروط، وبمعزل عن الأوهام المكرّسة للأنبياء والسلاطين الذين لم يختلفوا طوال التجربة الإنسانية على اضطهاد البشر وتعويق حياتهم، مفترضين الخلود الأبدي في عروشهم على أكباد الناس. أنني أتعلم هذه الحقيقة يوما بعد يوم. الكتاب الأخير هو من ساعدني فعلا على تجرّع المزيد من المعرفة الكونية، وهو بالذات من منحني الثقة أكثر في حرية رفضي لجميع القوى والسلطات والأديان والمذاهب التي تستقوي، في هذه اللحظة الكونية بالذات، ضدنا وضد أحلامنا دون الاكتراث بالمفاهيم التي زعمتها الأديان ذاتها، وطرحت صوتها علينا منذ فجر الإنسانية. الحقيقة التي تتكشف لنا يومياً أنه ليس هناك كَـذَبَـة مثل أصحاب الدين ورجال المذاهب، لكأننا مرشحون لمضاعفة معاناتنا التي نتجرّعها مع أصحاب الحكم والسلاطين منذ وعينا على الله.
* ـ لماذا أصدرت كتاب 'طرفة بن الوردة' في نسختين، مطبوعة ومخطوطة؟
-ـ حين بدأتُ في الكتابة الأولى للنص في 2008 وجدت نفسي، أنا الذي تعودت لسنوات طويلة على الكتابة مباشرة على كيبورد الكمبيوتر، أكتب كل مسودات 'طرفة بن الوردة' بالقلم والورق فقط. ولم أخطّ حرفاً واحداً على الكمبيوتر. في السياق نفسه، كنت أتعرف أثناء دراستي لسيرة حياة طرفة بن العبد، أنه حسب الأسطورة، لم يكن يُحسن الكتابة ولا القراءة. أمران وضعاني في شعور غامض بأن ثمة حقيقة يتوجب التأمل فيها ومراجعتها واستنباط ما يقترحه العمل أثناء التجربة. منذ تلك اللحظات انبثقت فكرة أن أشتغل على مخطوطة خاصة من الكتاب بعد أن أنتهي منه، لتحقيق القول: أولاً، بأن الشاعر كان طوال الوقت يحسن أجمل الكتابة ويقرأ أحسن النصوص. ثانياً توجيه تحية جديدة للكتابة والخط العربيين من قبل الشعر العربي الجديد، في خضم الاقتحام الفجّ أحيانا للكتابة الآلية المتعاظمة التقنية في أجهزة الكمبيوتر. ثالثا، الاستعادة والتذكير بالجماليات غير المحدودة، التي تكاد تصبح مجهولة، أو مهدورة، لدى الأجيال الجديدة من العرب، كتابة وقراءة. والحق أنني كنتُ في حالٍ عاليةٍ من الاستمتاع واللذة فيما كنتُ اكتبُ بخطّ يدي مئات الصفحات على عدد كبير ومتنوع من الدفاتر والأوراق الفنية المصنعة يدوياً، حتى أن الناظر إلى مجموعة الكتب سوف يشعر بأن جوقة من الخطاطين والوراقين كانت تصنع هذه المخطوطة، وليس شخصاً واحداً فقط. .
* ولكن لماذا عدّ قاسم حداد 'الكتاب' مشروع عمره؟
-لأن تلك هي الحقيقة في نظري، خصوصاً في سياق تجربة الحياة والكتابة. لا أكثر ولا أقل.
* ولعل السؤال الأهم: ما السر في العلاقة بينهما قاسم حداد وطرفة بن العبد؟ وما الذي جمعهما رغم اختلاف الزمان وتباعد المكان؟
-ـ الحب هو السر. وهو دائماً كذلك في تجاربي الأخرى.
علاقتي بطرفة، مثلما قلتُ دائماً، أصبحتْ صلة طويلة وعميقة متعددة المستويات والدلالات. وفي الشعر والإبداع ليس ثمة تخوم زمنية أو مكانية. الشعراء أخوة وأشقاء متعاضدون من أجل الشعر وأحلامه. 'طرفة' كان (خارجاً) وأرجو أنني كذلك.
* ـ ما علاقة 'وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة' بذلك السر الغامض بينك وبين 'طرفة بن العبد'؟
-ـ سيبقى الشاعر في المطلق ضحية مجتمعه كلما كان متشبثاً بدوره كسؤالٍ شجاع. وتعرضه للظلم هو من تحصيل الحاصل في مجتمع يتعرض جميع من فيه إلى (الأشد مضاضة) منه. والقربى هنا ستظل متفاوتة الدلالة عندما نتجاوز المفاهيم القبلية في المعنى القديم. في حياتنا، كما في السابق، لا يريد أحد أن يتقبل الشاعر بوصفه نقيضاً للتقليد السلبي في المجتمع. ولعلي في 'طرفة بن الوردة' أردتُ، من بين أشياء أخرى، أن أكشف عن فكرة احتفال العرب بولادة الشاعر في القبيلة. تلك أسطورة حاول التاريخ العربي أن يكرّس دوراً دعائياً للشاعر في مجتمعه، حتى أن بعضهم وصفه بوزير إعلام القبلية. وهي واحدة من أسوأ الأوصاف التي وصم بها الشاعر العربي القديم بتعميم بالغ الفجاجة.
فنون مختلفة في تجربة واحدة
* ـ لا أعرف.. ما هي اقتراحاتك بإقامة حوارٍ بين حدود النص بوصفه أدباً، وآفاقه بوصفها فناً قابلاً للتجلي في أشكال تعبيرية مختلفة؟ كيف تنظر لها؟
-أنا أيضا لا اعرف تماما،غير أنني أشرتُ إلى هذه المقترحات صدوراً عن تجربتي المشتركة والمتعددة مع مبدعين في فنون أخرى، بصرية أو موسيقية أو غيرها. أردتُ بهذا التوصيف أن يسهم الآخرون في تأمل التجارب المشتركة بين فنون مختلفة، أو المتنوعة في تجربة واحدة، عن الآفاق التي يمكن أن تذهب إليها تجاربنا المتداولة بين تخوم الفنون المختلفة، لمعرفة ما إذا كانت هذه التجارب، التي تحدث بشكل متسارع ومتفاوت الرصانة والجدية يوما بعد يوم، هل هي إضافة نوعية للتعبير الإنساني بواسطة الفنون، وهل هي حقاً استكشاف لآفاق تتفتح أمام بعض الطرق الضيقة أو المسدودة لدى بعض أشكال التعبير المتعثرة أو المعوقة التطور؟
-ـ وأنت المولع بفن التشكيل، ولك تجارب مشتركة مع رسامين.. كيف تنظر لنفسك رساما.. أو فنانا؟
-ـ بالطبع لستُ رساماً بالشكل المكرّس والمتعارف عليه والمستقر، كما يفعل الواثقون في هذا المجال. أنني مولعٌ بالرسم فحسب. وعندما خرجت تجربة 'طرفة بن الوردة' بما خرجت به، فإنما حدث هذا عفوياً بشكل أصيل، لكنني سرعان ما شعرت بمسؤولية ما أصنع، وعملت على وضع النص في قيادة التجربة، النص كشكل فني بالكتابة، وكتجربة رؤيوية بالأساس. وكل هذا يجعلني بمنجاة من مزاعم مكتملة بالتشكيل أو الرسم. لقد كنتُ أشتغل بكل عناصر التشكيل التي تفجرتْ بين يديّ باعتبارها جزءاً مكوناً من النص والشخص. لكن دون الاعتقاد ولا لحظة واحدة بأنني رسام أو فنان تشكيلي. على العكس فقد كنت حتى اللحظات الأخيرة من العمل قبل المعرض على درجة كبيرة من التوتر والتردد في الاستسلام لشهوة التشكيل، خشية أن يطغى ذلك على أمرين: النص والمخطوطة.
غير أنني مخفور بأصدقاء كانوا على أهبة الاستعداد لمرافقتي إلى الجحيم. وهو جحيم حميم كما قلت ذات نص قديم. أريد أن أكرر شكري لهؤلاء الأصدقاء جميعاً على موقفهم من هذه المغامرة.
البحث الحميم للتجربة
*ـ الأمسية التي أقيمت في غاليري 'الرواق' بمنطقة العدلية بالمنامة، تضمنت قراءة شعرية وعرض المخطوطة الفنية وتوقيع كتب المجموعة بمشاركة فوتوغرافية لإبنتك طفول حداد، وموسيقى لابنك محمد حداد، ماذا عن العمل العائلي في هذا المشروع؟
-ـ اذا قصدنا بالعائلي هو وصف البحث الحميم للتجربة، فذلك صحيح فعلا. ومن أجمل ما حدث هو أن محمد منذ أن قرأ جانباً من مسودات النص في برلين عام 2008 شرع في فكرة التأليف الموسيقي الخاص بطرفة. وهي مبادرة رغبتُ فيها لو أنه لم يفعل. في حين أن طفول وهي المولعة بالتصوير الفوتوغرافي، طرحتْ ضرورة توثيق عملي أثناء كتابة المخطوطة، وكانت مكتبتي في البيت قد تحولت الى ورشة فنية دافئة، فيما كنت أشتغل على خط الكتاب، فجاءت (طفول) لتصوير تلك اللحظات، واذا بي أجد في صورها بعداً نوعيا للتعبير عن التجربة، بعداً لا نجده في المخطوطة الأصلية، من حيث طبيعة الرؤية الفنية والملامسة الحية لروح الخطّ والكتابة. فطرحت عليها بالحاح على أن يتحول عملها الى كتالوج فوتغرافي، مع كتب طرفة، يضع التجربة في أفق أبعد من التوثيق، ترددتْ أول الأمر، ثم شجعها على التخلي عن ترددها الصديق أمين صالح الذي كتب مقدمة خاصة لكتالوج الصور. اذا كنا نقصد هذا كله (عملاً عائلياً) فهو كذلك .
*ـ النسخة المخطوطة هي نسخة أصلية واحدة، بخط الشاعر، مكتوبة في 12 كتابا، ما مصيرها؟ هل ستحتفظ بها مثلا؟
-ـ مخطوطة 'طرفة بن الوردة' الأصلية هي هديتي الخاصة الى الصديق جمال فخرو، الذي دعم فكرة التجربة وتنفيذها، ووقف بجانب المشروع طوال سنوات العمل. وأشعر فعلا أن المخطوطة، عند جمال، ستكون في مستقرها الجميل، متشرفة بالمكان والمكانة.
ـ اختيارك للعناوين التالية: (كتاب السيرة، كتاب البحرين، دفتر طرفة، باب الغرائز، دفتر قاسم، فصوص الحلم، دفتر السجن، اشراقات
* طرفة بن الوردة ) لماذا؟
-ـ لا أعرف، لقد وجدت نفسي مستجيباً لنزوع تلقائي اقترحته عليّ طبيعة التصنيف الكلاسيكي والحديث في نفس اللحظة. ففي تسميات (دفاتر/ كتب) هو توصيف بالغ الحيوية من حيث الجدة، ومتصل هو أيضا بجذرٍ تقليديّ في كلاسيكيات التصنيف التقني في الكتابة العربية. وجدتُ نفسي، بدون كثير تفكير، مؤتلفاً مع هذا وذاك.
* ـ للمرة الثانية يكون اسمك جزء من عنوان نصك.. هناك 'قبر قاسم'.. واليوم 'دفتر قاسم'...؟
-ـ هكذا تحدث الأمور بالنسبة لي. لا أحب هذا النوع من التكرار.
ـ يصف التجربة رفيق دربك الكاتب البحريني أمين صالح تجربة طفول، ومحمد مع والدهما الشاعر، بقوله: 'بدأب نقّاش، بصبر ناسك،
*ببصيرة راءٍ، يمسكُ القلم وفي حنوّ يخطّ على ورق حنون لا يشاكس ولا يتأفف.....هل ستتكرر هذه التجربة؟ كيف ترى إليها الآن؟
-ـ أرجو أن لا تتكرر التجارب عندي. لا أحب هذا النوع من التكرار. فالتكرار ممل في الحياة، فما بالك في الكتابة والأدب والفنون.
* ـ ما مشروعك القادم... هل سيقترب من طرفة، أم يبتعد؟
-ـ لا أعرف، لكن يتوجب أن يكون مختلفاً.
القدس العربي
2011-12-15