- الأفق جماليا هو أن تذهب إليه لا أن تصله والوقت المتبقي يكاد لا يكفي للحلم الشعري الباقي
- حينما نتخلى عن الأسئلة في عالمنا العربي إذن نحن نتنازل عن الدور النقدي في المجتمع
- المصطلحات المدركة وغير المدركة في الثقافة العربية غير واضحة المعالم بالنسبة لنا
- من يأتون إلى الشعر بالأوهام يساهمون على خذلان الآخرين الذين يريدون توسيع تيار الحداثة النقدية
- كل ما يضع الشاعر يده عليه يجب أن يتحول إلى شعر
- لا أرى التراث القديم بمقياس زمني ومكاني ولكني أراه رؤيويا وإبداعيا وجماليا وإنسانيا
- الحاسة البصرية هي الأساس المادي لمخيلة الصور عند الشاعر
- لا أحد يصغي إليك في الواقع العربي ولا تفيد فيه التمنيات والمآخذ والمساءلة
- جهة الشعر لم تهتم بالشهرة والانتشار لكنها جاءت بهدف الحوار الإنساني مع العالم
منذ أن بدأت علاقته بالكتابة وهو في جحيم لا هوادة فيه ـ كما يقول ـ ، صافحته عن قرب بين شاعره وإنسانه ، كلاهما يشبه الآخر .. براءة يحملها قلبه .. سماحة تعكسها ملامحه .. نقاء تطل به إنسانيته منذ وهلة اللقاء وحتى لحظة الوداع .. حانيا رأسه كثيرا بشموخ من التواضع الجم .. وجدته في ذات الوقت تماما ـ كما وعدني ـ وفي ذات المكان .. وفارقته من ذات المكان لنلتقي مرة أخرى في المصعد .. نحدد طابقا واحدا ، ونتجه اتجاها واحدا لنكتشف صدفة أننا في غرف متجاورة ، بعد عناء في البحث عنه .. رأيته يضع المرآة على الطاولة .. يحملق فيها ، ويتساءل: من يكون هذا الشخص ؟ يكاد لا يعرفه .. يستعين بالمزيد من المرايا .. وإذا بالشخص ذاته يتعدد أمامه ويتكاثر مثل الصدى كارتدادية الجبال ، فيتخيل أنه قادر على وصفه: إنه قاسم حداد .. تقريبا ، هكذا يعرّف نفسه ..
* بعد هذه التجربة الشعرية العريضة .. ما الذي يمكن أن يقوله ويستذكره قاسم حداد عن الشعر وآلامه؟
- سؤال رحب .. غالبا كلما يتقدم الشخص في التجربة وفي السن وفي المعرفة يشعر بالنسبة لي ـ على الاقل ـ بأن الوقت المتبقي يكاد لا يكفي للحلم الشعري الباقي كما لو أن الفترة السابقة هي فترة تهيئة، لأن الأفق جماليا هو أن تذهب إليه لا أن تصل إليه ، وهذا ما يدعو الشخص الشعري إلى الاحساس فعلا بأنه هو محتاج لقدر كبير من المعرفة والأدوات لكي يسعف ما اتضح من الموهبة حتى الآن.
أما الجانب الثاني من المشهد أن الاحساس بأن التجارب المرافقة أو الجديدة أو الوشيكة اسهامها في صقل هذا الحلم وصقل الخطوات إلى الأفق كثيرا ما يخذل لغلبة عدم الجدية في بعض التجارب والتعب في البعض الآخر من التجارب والشعور بلا جدوى وعبثية الشعر أحيانا وهذا هو الجانب الخطر بالنسبة لي فيما يطرح من التجارب الشعرية وهذا الشعور بعبثية ولا جدوى الشعر يصدر في الأساس من القناعات الداخلية لتجارب بعض الشعراء التي بدأت بوهم أن الشعر هو وسيلة لتحقيق أشياء ان كانت توظيفها لقضايا سياسية او أيديولوجية او اجتماعية فلذلك يصدر هذا الخذلان لأن هي دائما كل يوم صباحا تتوقع أن يتحقق شيء في الواقع باعتبار أنه في قصيدته وظّف الشعر وهذا وهم يخذلنا جميعا إذا لم ننتبه إليه.
بعد كل هذه التجربة اظن بأن علينا أن نعيد السؤال الأول قبل بدايتنا وكتابتنا للشعر .. ماذا نريد من الشعر؟ إذا لم يحسم الشخص هذه المسألة سيكون عرضة للخذلان والتعب واللاجدوى لأن الشعر انسانيا وروحيا هو الهدف وليس الوسيلة .. وهذا ما اقترحه على الأجيال الجديدة أن يتأملوا هذه الحقيقة مبكرا لكيلا يصلوا متأخرين ويكونوا قد انهكوا موهبتهم ويكونوا قد وقعوا في المحاذير الغائية.
* وهل أنتم كجيل من العمالقة تجدون أنفسكم بأنكم هرِمتم قبل أن تتحققوا منها؟
- نعم أنا في العُمر هرِمت .. ولكن في إحساسي الروحي بأني ما أزال في البداية لذا اشير إلى أن السنوات الباقية ربما لا تكفي لكتابة القصيدة القادمة.
* أكثر من خمسين عاما من الحداثة العربية ، هل ترى بأنها استطاعت ترسيخ مشروعها الشامل، أم أنها اقتصرت على الجانب الإبداعي، وانحسرت أمام تيارات وخطابات ماضوية أخرى؟
- غالبا وقلتها من سنوات ما نتداول من تعبيرات ومصطلحات ومفاهيم لا تكاد واضحة المعالم بالنسبة لنا .. مصطلحات كثيرة منها إيديولوجية وسياسية وأدبية ونقدية ومن أهم هذه المصطلحات المدركة وغير المدركة في الثقافة العربية هو مصطلح "الحداثة" والكثير من تجاربنا العربية وقعت في إشكالية أن الحداثة هي المظهر الخارجي للنص كما لو أنه ما يرى بالعين أوما يدرك باللمس ، في الوقت أن الحداثة في سياقها الحضاري في المجتمعات الحديثة تصدر من الرؤية التغييرية لبنية المجتمع وبالتالي الفنون والثقافة والفكر يأتي نتاجا لهذه الرؤية والسعي إلى هذه الحضارة الحديثة، لأنه على الصعيد الاجتماعي المجتمع العربي في جوهره الفكري لا يقبل فكرة الحداثة بسبب البنية المحافظة التي ترفض إعادة النظر في المعتقدات والقناعات والثوابت وهذا هو الخطر ، لأنه إذا لم تطرح سؤال الحداثة على بنية المجتمع ستظل تحقق شكلا حديثا ولذلك كثير من التجارب الأدبية والشعرية والفنية والتشكيلية خصوصا وقعت في معظمها على هامش مشروع الحداثة الإنسانية ، وساعد على ذلك هذه الانفجارات المحافظات والماضوية ـ حسب تعبيرك ـ التي تريد أن تضع الإنسان العربي ومجتمعه تحت قيم سابقة وقديمة وتقليدية خالصة لكي تكون هي الحكم على ما ينجز الآن من إبداع ورؤى ثقافية وهذا يكبح أي طموح ثقافي إذا لم يجر الاستعداد له بجرأة ومعرفة.
* ومن يوجد هذه الجرأة بالمعرفة والاستعداد..؟
- هي المواهب الجريئة التي تصدر من إيمان حقيقي بأن فعل الإبداع هو فعل نقدي بالأساس وليس فعلا امتثاليا للأجوبة لأن حياتنا المحافظة والدينية والعقائدية على كل صعيد قائمة على أجوبة جاهزة على الانسان أن يمتثل لها لكي يكون مواطنا صالحا، وهذا في نهاية التحليل بمعنى أن البنية العربية تريد مواطنا صالحا بمعنى مواطن يتخلى عن الأسئلة ، وبالتالي الموهوب إذا تخلى عن الاسئلة تنازل عن دوره النقدي في المجتمع وهذا ما كنت أشير إليه في بداية الحديث .. الخذلان الذي يصب من يأتون إلى الشعر بوهم الأجوبة وبوهم الخضوع والامتثال لما هو موجود وبالتالي يساهمون على خذلان الآخرين الذين يريدون توسيع تيار الحداثة النقدية.
* كيف تنظر إلى تقنيات السرد المكثف في النص الشعري خاصة وأننا شهدنا الكثير من هذه التقنيات في نصوصك؟
- السرد هو في الحقيقة شكل شعري في الكتابة الأدبية ككل ، واذا درسنا التجارب الشعرية في النصوص العربية والعالمية نجد أن السرد واحد من جماليات الشعر لأن السرد الشعري والعلاقات النثرية في التعبير الأدبي هي مادة تعطي حيوية بالغة الروعة والجمال والقدرة على التعبير والتجسيد في النص الشعري وهذا يتصل بقناعاتي الشخصية التي تتصل أيضا بالتجربة الإنسانية العامة في الكتابة بعدم التوقف عند تخوم أشكال التعبير وتصنيف الموروث بأن هذه قصيدة وهذا نص وهذه قصة قصيرة وهذا مسرح وهذا سرد وهذا نثر.. يعني أنا أرى وحاولت أن اكتشف هذه الجماليات بأن كل ما يضع الشاعر يده عليه يجب أن يتحول إلى شعر بهذا الشرط اكتشف الشعر والشعرية في النص المكتوب بغض النظر عن التوظيف المسبق لهذا النص ، وفي نصوص عديدة ومن ضمنها النص المشترك مع أمين صالح وجدنا أن الشعر في كل هذه الأشكال علينا فقط أن نكتشفه .. علينا أن نضع شرط الشعرية في كل جملة نكتبها وهذا يتيح لنا حرية المخيلة وحرية الكتابة وبالتالي حرية التعبير.
* يحضر التراث بشكل متفاوت في النص الشعري العربي بشكله الواعي الجميل فهل هو استدعاء في أطر النص أم أنه تقديس لابد منه؟
- إذا فهمنا التراث بشكل عام بغض النظر عن زمانه سنتفق لاحقا بأن الإبداع عابر للزمان والمكان ولذلك أنا دائما اكتشف نفسي أنني كلما تقدمت في السن وفي التجربة أشعر برغبتي المضاعفة ونزوعي العميق لقراءة التراث القديم إن كان عربيا او غير عربيا اجد في ذلك الطاقة التي تسعف وتغذي رغبتي في الكتابة الجديدة أو سعيي للكتابة الجديدة بمعنى مازلت اكتشف يوميا في نصوص تراثنا والتراث العالمي .. نصوص كثيرة جدا تحاكيني الآن وتغذي جذوة شهوة التقدم (المستقبل) ، وبهذا المعنى أنا لا أسمي ذلك عودة للتراث او استحضاره او تقديس التراث ، أنا لا أراه تقديسا ولا أراه أيضا عودة ، في الحقيقة التراث الحقيقي الجميل والإبداع لا يراد له استحضار.. هو يحضر بذاته ، والذي لا يحضر لا يشكل إبداعا في التراث ، كلما قرأته وأعدت قراءته يحضر لك ويحاكيك .. أنا لا أرى التراث القديم بمقياس زمني ومكاني ولكني أراه بمقياس رؤيوي وابداعي وجمالي وإنساني بطبيعة الحال.
* التجارب التي خاضها قاسم حداد مع التشكيلي العراقي ضياء العزاوي والتشكيلية لبنى الأمين الفنان خالد الشيخ والتشكيلي إبراهيم بوسعد والفوتوغرافي صالح العزاز وغيرهم .. هل هو نوع من الاتصال بين الشعر والفن ام أن هناك علاقة أخرى تربط الشاعر فيك بالفنان بهم؟!
- منذ بداية الثمانينيات بدأت في تجارب مشتركة مع فنانين مختلفين لأني في الواقع مبكرا كنت مولعا بفنون التعبير الأخرى الولع الفطري عند الشاعر حب الرسم والغناء والموسيقى والتصوير السينما ، وقد وجدت مع الوقت أن بها آفاقا متاحة أمام الكاتب والشاعر خصوصا ، لأنها آفاق توقظ الحاسة البصرية عند الشاعر وأقول دائما أن الحاسة البصرية هي الأساس المادي لمخيلة الصور عند الشاعر فأجد في عملي المشترك مع فنانين آخرين إضافة نوعية تغني تجربتي وتمنحني قدرا من الثقة في أسئلتي التي أطرحها على الصعيد الفني والحاجة التكاملية بين هذه الفنون خصوصا ونحن في عصر الوسائط التقنية الجديدة والمتطورة والمتسارعة التطور والتي تتيح أمام المبدعين في شتى حقولهم أشكال مستحدثة من التعبير والأدوات ، وهذا جانب أظنه سيظل الأفق المفتوح للمبدعين في كل الفنون لإنقاذ الإرباك والبحث المتعثر في بعض الفنون في الثقافة العربية خصوصا. مازلت أرى أنه يجب عدم تفادي الكثير من الأشكال وعدم الخوف في خوضها شريطة ألا نقع في التكرار ، وأنا حريص كل الحرص على أن كل تجربة يجب أن تقترح قدرا من الجدية والجدة بطبيعتها.
* تلقيت قبل عامين عرضا من ألمانيا بتفريغك للكتابة لعام كامل ، وهو تقليد دأبت عليه ألمانيا، حيث تستضيف مبدعا كل عام وتتحمل تكاليفه.. هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة وأهميتها؟
- هذا المشروع كان بمنحة تفرغ من الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي كان في عام 2008 م وهو مشروع قديم مؤجل بالنسبة لي عن الشاعر طرفة بن العبد وقد كتبت مسودة هذا المشروع وهو الآن قيد الطباعة ، حيث أن "طرفة بن العبد" حضر معي بتجربته مبكرا منذ بدايتي الأدبية والإنسانية ، كان حاضرا في مراحل مختلفة في نصوص سابقة .. والمشروع نوع من الحوار العميق بين الشاعر الآن وطرفة بن العبد وقرأت من خلال هذه التجربة تجربتي الثقافية والإنسانية والفنية ، والكتاب سيصدر قريبا بعنوان "طرفة بن الورد".
* .. ولماذا لا تتبنى الدول العربية مثل هذه المبادرات؟
- سيظل هذا الأمر مثل "الفالج" الذي لا يُعالج ، فالوضع العربي لا تفيد فيه التمنيات أو المآخذ او العتب او المساءلة .. لا أحد يصغي إليك في الواقع العربي (إذا كان سؤالك حضاريا ويتصل بجوهر بنية هذه الأنظمة والمؤسسات) ومن الأفضل للشاعر وللمبدع العربي إن لا يضع هذه المؤسسات في اعتباره لكي ينجب دائما.
* كنت تقول دائماً "أن الانترنت إشارة لمستقبل لا يمكن تفاديه" ... أين بلغت هذه المقولة؟
- ومازالت الثقافة العربية ـ ما زالت ـ بكرا ، لأن كل التجارب التي خضناها هي تجارب فردية وهي ميزة ان تكون فردية ولكن ضرورة ان تتحول مع الوقت إلى وعي جمعي بضرورة هذه الوسيلة لأننا سنخسر كثيرا إذا تأخرنا عن خوض هذه التجارب واكتشافها لان في الواقع أسرع من وعينا.. تسارع التحديث والمستجد فيها أسرع بكثير من وعينا لهذه المستجدات ، أظن أنه يتعين علينا أن ندرس سريعا هذه الوسائط لكي نكون مؤهلين للمستقبل على الصعيد الحضاري وعلى صعيد وضع الإبداع العربي في سياقه الإنساني الحر وندافع عن هذه الوسيلة ، والدليل على دور هذه الوسائط في الحركة الإنسانية من جهة هي أنها كانت العنصر الرئيسي المحرك للحركات والثورات الجديدة في العالم العربي ، والجانب الآخر القدر الكبير من سعي السلطات لمحاربة هذه الوسائط والصرف عليها بالملايين لكي يوقفوا هذه الخدمة في بلد ويحاصروها في بلد آخر ويعاقبوا من يستخدموها في بلد آخر وكل هذه أدلة على خطورة هذه الوسائط وهذا ما يدعونا للدفاع عن حقنا في هذا الشكل من الحريات.
* لك تجربة في النشر الإلكتروني من خلال موقع "جهة الشعر" ... هل لجأ المثقف إلى العالم الافتراضي هربا من سلطة الرقابة ، أم أن ثمة مسوغات أخرى؟
- جانب من الجوانب بلا شك هو الهروب ، فالنشر الإلكتروني أكثر حرية وأكثر جمالا من النشر الذي يقع دائما تحت سطوة المراقبة دون أن يعني ذلك أن هذه الوسائط لا تتعرض إلى الاقتحام والرقابات .. ولكنها في الحقيقة رقابات متوهمة لأنهم للأسف يراقبون وسيلة متطورة بعقلية بالغة التخلف ، ولكن إطلاق "جهة الشعر" المبكر في منتصف التسعينيات جاء من منطلق الوعي بجماليات هذه الوسيلة وحرياتها والسعي إلى وضع الشعر العربي في متناول الحوار الإنساني وانا دائما لا أرى في النشر الإلكتروني والانترنت هي وسيلة للإعلام والانتشار فهذه تحصيل حاصل ولا تنتمي إلى برامج "جهة الشعر" فنحن نسعى للاتصال والحوار الإنساني مع العالم.
* الجوع.. الفقر.. الحزن.. القلق.. التشاؤم.. الموت.. صيغ متفاوتة الطرح في الكثير من الإبداعات وتحديدا العربية منها سواء في الشعر أو السينما أو التشكيل أو الموسيقي.. يا ترى هل بالفعل مجتمعاتنا العربية أوجدت هكذا؟
- هو واقعنا صحيح ولكن طبيعة الثقافة السائدة التي تكرسها هذه المنظومات والمؤسسات العربية في طبيعتها تحاول أن تشغل المواطن والإنسان العربي بهذه التفاصيل التي تتعلق بالحاجات البديهية والحاجات العادية التي يجب أن تتوافر للانسان العربي دون مطالب ، وهذه الحاجات التي تتصل بالفقر والتعليم والصحة والحريات والعدالة كلها مطالب انسانية يجب إن تتوافر في القرن الواحد والعشرين بدون حركات ، ولكن بنية تلك المؤسسات قائمة على إشغال الإنسان العربي بهذه التفاصيل لكي يبتعد كثيرا عن الحضارة الإنسانية التي وصل إليها الآخرون في العالم ، نحن لانزال نعوم في هوامش الحضارة.
* يشهد العالم العربي حاليا تحولات وسجالات ثقافية عارمة ... كيف تقرأ هذه الأحداث؟
- أريد أن اقترح في الحقيقة على هذا الحراك مجابهته بالأسئلة وعدم الخضوع له بوهم ضرورة الامتثال لهذا السجال والحراك، خصوصا ونحن في البنية العربية والثقافة العربية سياسيا وايديولوجيا خاضعين لفكرة ضرورة الإنسياق سريعا والإعجاب ايضا بأي حركة احتجاج وثورة وسجال ومجابهات دون أن نطرح عليها الاسئلة ، وهذا في تقديري شيء خطير خصوصا بعد التحولات الهائلة في المجتمع العربي وفي العالم أيضا .. تحولات كثيرة جدا في البنية والرؤى والمصالح والقوى. وأظن ان المثقف والمبدع يجب أن يطرح رأيه السجالي والنقدي في كل ما يحدث في الواقع خصوصا في محاولات التغيير او محاولات الاحتجاج والثورات بنفس الدرجة التي يطرح اسئلته ونقده ومواقفه ازاء الأنظمة والسلطات الثابتة والتقليدية .. وانا في تقديري لست مجبرا ان اعجب بكل ما يجري من ثورات خصوصا إذا كانت هذه الثورات والتحركات تصدر من خلفيات تقليدية ولكي اشير لمثال على هذا الإرباك الذي يحدث والغموض " ان معظم هذه التحركات الاخيرة في البلاد العربية صدرت من شباب يتوق حقيقة لتحديث المجتمع وتطويره وتغييره وهي إشارة قوية لانتعاش الطبقة الوسطى التي غُيبت في السنوات الأخيرة ولكن في المعظم إذا لم يكن كل المناطق العربية التي حدثت فيها هذه التحركات سرعان ما قفزت القوى المحافظة والتقليدية والدينية خصوصا لكي تقطف ثمار هذا التحرك النبيل والمشروع والحقيقي .. وهذا ما أقصد بضرورة أن نطرح الاسئلة النقدية والسجالية والخلافية وهذا ليس إعجابا بالثابت وواقع الحال ، ولكن خشية أن نتراجع ، الآن على المثقف أن يكون حرا بمعنى أن يطرح أسئلته على كل الأطراف خصوصا ونحن في واقع سياسي عربي نجد فيه السلطات الثابتة التقليدية ستبدو غالبا أكثر خبرة في العمل السجالي والمجابهات والاحتكامات .. أكثر خبرة من محركي الاحتجاجات والثورات وبالتالي هي بطبيعة الحال ستكون قادرة لمجابهتها وتحويلها إلى شيء سلبي وتثبيت أحوالها إذا لم نتسلح بالوعي .. وهذه هي المسألة التي تجعلني أعود إلى مفهوم الحداثة فليس منطقيا ان نزعم الحداثة ونقبل بشكل قطيعي من (قطيع) كل ما يحدث من حراك في الواقع العربي.
* .. ولكن ثمة استفهامات كبيرة حول موقف المثقف من مجريات الأحداث.. ما تقييمك لموقف المثقف، وكيف تفسره؟
- هذا ما أقصده أدوار المثقف يجب ان يُعاد النظر فيها .. ليس على المثقف ان يستسلم لكل مشروع احتجاجي أوما يسمى ـ ثورة ـ إذا لم يكن حرا من اللحظة الأولى في طرح الأسئلة على هذا الحراك وخصوصا اذا هذه الثورات وغيرها تنادي بالديمقراطية يجب أن تقبل المثقف بأسئلته وليس بتبعيته ، لأن المثقف يجب ألا يكون خاضعا خصوصا لمشاريع التغيير .. إذا لم يكن مدركا ومقتنعا حقيقة بأن هذه الحركة سوف تنقلنا إلى الأمام وليس إلى الخلف وعليك أن تنظر حولك في كل الحركات فنحن مرشحون فعلا أن نذهب إذا لم يكن ذهبنا إلى الخلف الآن.
* أخيرا .. الكتابة ـ كما تقول ـ "التمرين الأخير على موت في حياة لا تُحتمل!" هل تمارسه ؟!
- لانزال نفعل ذلك وقد كتبت هذا الكلام من سنوات طويلة ولانزال نفعل ذلك وأخشى أن نستمر فيه .. للأسف!! .
الوطن: 23 ابريل 2011