اسكندر حبش
(لبنان)

XXXXXXXXXX «نيون أحمر» عنوان الكتاب الأخير الصادر حديثا للكاتبة والشاعرة المغربية منى وفيق (دار النهضة العربية في بيروت)، تتابع فيه كتابتها «اليومية»، أو الكتابة «اونلاين» كما تحب أن تسميها.
حول الكتاب، كان هذا اللقاء.

لنبدأ بسؤال تقليدي، هل لك أن تقدمي نفسك إلى القارئ اللبناني، الذي يكتشف اليوم مجموعتك الصادرة عن دار النهضة بعنوان «نيون أحمر»؟

^ كردٍّ تقليدي لمن لا يعرفني أقول إن منى وفيق شاعرة وقاصة من المغرب من مواليد 1981. صدر لها «نعناع، شمع وموت»، «فانيليا سمراء» و«نيون أحمر».
وكردٍّ تقليدي لمن يعرفني أقول إنني أعيش الشعر أكثر ممّا أكتبه.. وإن الكتابة تتجاوز حياتي الموازية بمراحل.
وكردّ آنيّ لمن يعرفني ولمن لا يعرفني.. أنا نعلُ «أوليفر تويست» المرميّ على بعد 20 ميلا من لندن... وأنا أيضا، تلك المسافة بين الصواب والصواب بما أنني كلما تقدمت في وعيي الإنساني آمنت أكثر أن الخطأ الوحيد هو كلمة «خطأ» نفسها!

بدأت كتابة القصة القصيرة، وأصدرت مجموعة أولى بعنوان «نعناع، شمع وموت»، لكن انتقلت بعدها إلى ما سميته نصوصاً نثرية، في حين اقترب الكتاب الثاني «فانيليا سمراء» من الشعر. لماذا هذه التسمية؟ هل هو خوف من الشعر؟

^ لا يشغلني التصنيف، الكتابة تبقى كتابة. إما أن تكون كتابة جديرة بالقراءة وإرباك الروح وتحريك الراكد في وجدان الغير وتجنيد حواس المتلقي كاملة وإما أن تكون رديئة. أما تصنيف العمل فهو آخر ما يهمني في الحقيقة. أنا أسعى إلى الوصول إلى كتابة الإحساس تماما كما هو سواء كان هذا بشكل مفتوح أو منغلق بلغة شعرية أو يومية بأنماط حداثية أو كلاسيكية أو ما بعد حداثية.. المهم هو أن أصل إلى كتابة إحساسي كما هو تماما وأنت تعرف طبعا أن الإحساس عصي على التجنيس والتأطير ومتمرد على التصنيفات.
وفي ما يخص «فانيليا سمراء» فكل ما في الأمر أنني عندما سلمت النص لدار «أزمنة» سلمته تحت مسمى «نصوص» وتركت للقارئ كامل الحرية في تصنيفها.. من يخاف لا يكتب.. أن تكتب، يعني أن ترقص وسط حقل من الألغام وكل ما يهمك هو ألا تنجو بنفسك ولا بغيرها! من قال إن الشعر «فعلُ كتابة» وحسب؟ الشعر فعلُ إبداع.. فعلُ حياة.. فعلُ حب. هل تستغربُ مثلاً إن قلت لك إنني أعتبر «ريا وسكينة» شاعرتين وأن «كُحلا فائضا عن حاجة العين» قصيدة عذبة؟ الشعر كما أعرفه وأؤمن به هو الذي لا يفرق بين الأقبح والأجمل إلا بالإبداع!
وعموما تبقى اللغة الشاعرةَ الأمَّ التي تعرف كيف تجعل من هذا الكون الواسع - الذي قُذفنا إليه - قصيدةً ولاّدة.

القضية

ما دمت ذكرت «فانيليا سمراء»، كنت تعرضت معها لمشكلة، هل لنا أن نستعيدها، وأين أصبحت اليوم؟

^ كما تعرف، تهمة الإساءة إلى الأديان هي التهمة الجاهزة التي تُوجه إلى الكتّاب العرب في هذه الأيام، كما أن محاكمة الكتابة الأدبية والإبداع الفني بمقاييس غير أدبية أصبحت هي العادية والسائدة. بالتالي كنت ممن تم تكفيرهم واتهامهم بالإساءة إلى الرموز الدينية وإلى الذات الإلهية. تستطيع أن تقول إنهم ببساطة خلقوا نصهم الخاص وحاكموني بناءً عليه. التسلط وفرض الرأي في العالم العربي أمر واقع وعقلية الرقابة ممتدة على طول خارطة العالم العربي وإن تفاوتت درجاتها. وللأسف الشديد ما زال الإبداع رهينا بمدى تقبل بعض العقليات التي ما زالت تهيمن على الثقافة الرسمية. تخيّل معي كيف لطالب شريعة أن يأخذ شاعرا مع ناشره إلى المحكمة لمجرد أنه، مثلا، قد يكون شكل كلمات في الديوان بشكل خاطئ!؟! نعم، هذا ما حصل معي ومع «فانيليا سمراء» وليس هنالك من أخبار جديدة عن مشكل المنع والقضية المرفوعة على ناشري «الياس فركوح». ومن ضمن ما وصلني قبل مدة هو أن «فانيليا سمراء» مُنعت في معرض الكويت للكتاب أيضا لكنها تبقى حاضرة ومقروءة بفضل الإنترنت والنشر الإلكتروني. المؤسف في الأمر هو أن تصبح «فانيليا سمراء» دليلا على المنع أكثر من كونها دليلا على الإبداع والمفرح أن الكثيرين تضامنوا معي، من كتاب وصحافيين ومحبين للأدب وأناس عاديين أيضا يرفضون المنع بكل أشكاله!

مع «نيون أحمر»، يبدو كأنك حسمت الأمر، وذهبت أكثر في اتجاه قصيدة النثر. لماذا؟

^ هذا ما تراه أنت وقد يرى آخرون أنني ذهبت أبعد منها، ويرى غيرهم أنني اقتربت منها وهناك من سيقول إنه اتجاه ضمني أو صريح إلى غير ذلك.. مشكلتنا في العالم العربي هي الاختلاف حول المسميات أكثر من الاهتمام بالإبداع نفسه. لست كاتبة مترددة أبدا ليبدو أنني الآن فقط ومع «نيون أحمر» حسمت أمرا إبداعيا ما. ما هنالك أنني أذهب في اتجاه نفسي وإن كان هذا يعني كما جاء في سؤالك هو كوني ذهبت في اتجاه قصيدة النثر فهو كذلك، لقد ذهبت ولن أتوقف حيث وصلت.. وربما أشد الرحيل نحو الرواية ومن الممكن أن أصل الرحم مع القصة.. كل شيء ممكن والأهم عندي هو أن تتسع القصة والقصيدة والنوفيلا والرواية لمحكياتي!

«الكتابة أونلاين»

ثمة الكثير من مناخ الكتابة اليومية في «نيون أحمر»، وما أقصده بذلك، كأنك تعيدين صوغ الكثير من «الستيتوس» الذي تكتبينه على الفيسبوك. أين الافتراق في الكتابتين؟

^ إنني أتعاطى «الكتابة أونلاين» منذ 3 سنوات على «الفيس بوك». أكتب ما أعيشه وأعيش ما أكتبه.. أنا كاتبة مزاجية وملولة، أحب أن أصل مع نصوصي من طرق غير روتينية يحركني شغفي وأعشق التجديد وأنا شغوفة بالفيس بوك. أجد متعة كبيرة في الكتابة على صفحة بروفايلي الخاص، نصوصي الفيسبوكية القصيرة هي مفرقعاتي الجوانية الطازجة، لقد أصبحت افتح صفحة «النوتس» وأكتب عليها نصوصي وأنشرها مباشرة أيضا، حتى إن بعض الزملاء في الصفحات الثقافية والمواقع يأخذون النصوص من صفحتي على الفيس وينشرونها من دون الرجوع إلي أحيانا. ما يعنيني أن كل ما أكتبه لا ولن يضيع، ما يعنيني أنه يصل وبكل حرارته لأكبر عدد من القراء والأصدقاء والزملاء. أنا اكتب باستمرار على الفيس بوك حالات مختلفة وانتظر ان يفتح لي الأصدقاء بتعليقاتهم أبوابا فكرية وجمالية لم تكن لتخطر لي على بال ربما.. الفرق ليس في الكتابتين بل في الحالات، فأنا واحدة ولكن بحالات متعددة لا تنتهي ولا تَثبت.. وكما قلت لك آنفا.. أعيش النص وأكتبه بعد ذلك بوقع أقل بلا شك.. هذا هو!

ثمة الكثير من السخرية في كتابك الأخير، هل كلّ شيء «قبض ريح»؟ أم هو القلق الذي يدفعك إلى موقف «وجودي»، إذا جاز القول، من كل شيء؟

^ نصوصي لم تكن يوما هادئة ولست أستعمل فيها ديناميتاً فاسدا ولا أسعى لأن أزينها بمكياج زائل، كما أنني لا ألبسها أي أقنعة. أحبها هكذا متوحشة وشرسة ومتعرقة وطازجة. في هذا الديوان تجد طبيعة حرة منعقتة حتى من سطوتي. تجد تفاصيل صغيرة جدا، شهوة متيقظة، تجد عشقا ومشاهد بصرية وسريالية لا مكان فيها للفراغات الدقيقة حتى. نيون أحمر هو ديوان الألوان وأنا كنت أتمرن فيه على حياة أعيشها وأخرى أود أن أعيشها.. وكل هذا على ضوء نيون أحمر.

ما معنى الكتابة بالنسبة إليك؟

^ سئلت هذا السؤال عشرات المرات ولعل الإجابة تزيد على سابقاتها أو تنقص لكن الكتابة وإلى اليوم هي أكثر شيء يستحوذ علي.. وكما قلت في جواب سابق هي تتجاوز حياتي الموازية بمراحل.. تورطت فيها إلى حد فات فيه الأوان على التراجع عنها.. الكتابة تخفف من قلقي الوجودي حتى لو كان هذا بشكل مؤقت في كل مرة.. الكتابة بالنسبة إلي فعل بكاء، فعل غناء وفعل خلق.. هي سبابتي التي أشهرها في وجه هذا العالم إذا ما أدار ظهره لي، وهي نفسها المدية التي أقطع بها تلك السبابة!
هي الوحيدة التي لم تخذلني.. تتحملني بقدر ما تجعلني خالقة مُحْتَمَلَةَ الخلود.. الكتابة هي مصباح علاء الدين وخاتم سليمان وإكسير الحياة الخالدة بالنسبة إلي.. هي فعلُ التحقق الحقيقي الذي ينبّه «الرؤية» إلى «الرؤى».. هناك ممثلون يلجأون إلى طبيب نفسي بعد انتهاء تجسيدهم لدور معين أما نحن الكتاب فلا نحتاج إلى طبيب نفسي، لأننا لا نلبس الحالات التي نكتب عنها وبها، بل هي جلدنا ودمنا وشحمنا ولحمنا.

-------------------
السفير- 26-7-2011