|
السندي: تشكل الصحافة أحد الملامح المهمة لتنوير الحركة الثقافية |
ولدت الشاعرة فوزية محمد عبدالرحمن السندي في المنامة عام 1957 وتخرجت من مدارسها الثانوية "توجيهي علمي" ثم التحقت بعدها بكلية التجارة بجامعة القاهرة حيث حصلت على الليسانس.. صدر لها مؤخرا عن مؤسسة الانتشار العربي كتاب " أسمى الأحوال" من اصدارات النشر المشترك مع قطاع الثقافة والتراث الوطني في مملكة البحرين، وهوالكتاب السابع بعد "استفاقات"و" هل أرى ما حولي.. هل أصف ما حدث" و" حنجرة الغائب" و" آخر المهب" و"ملاذ الروح" و" رهينة الألم"...ترى أنها تعيش حالة غربة متفردة... للغربة مذاق أليم ناتج عن مختبرات البحث التي يشيدها الشاعر كل ليلة أمام بياض الورق، محن ممسوسة بطرائق البحث في مجاهيل النفس، رحى الروح...تقول:المهم أن يعترينا نبض النص ونحن نقرأ.. لنصاب برعدة المعنى التي لا مردّ لها...جالسنا هذه المبدعة فكان هذا الحوار.
* الشَّاعرة فوزية السندي في قصائدكِ الأخيرة ثمَّة انزياحٌ نحو التصوّف ،ألا يزال التصوّف موجوداً في المشهد الشعري الراهن ؟
- - التصوف بمفهوم التجربة الروحية الفاعلة نحو السمو، والذاهبة لاستعادة النقاوة البدئية نحو الكون عبر الحفر المتفرد والاشتغال الفني غير المسبوق، لم تغب يوماً عن البشرية في سعيها نحو معرفة الذات واكتشاف العالم، التصوف المستعاد في راهننا الشعري يعمل للأسف على تكرار المفردات المستخدمة في التجارب الشعرية الصوفية الرائدة، إعادة ذات الجملة الشعرية بذات التصاوير، بحيث نشعر من خلالها بمدى السطحية والتماوه الجاف، الخال من طاقة السعي الحثيث نحو التحرر والتنقي والتبلر الشفيف، ذلك يتحقق لغياب التجربة الروحية الحقيقة بمآلاتها الراهنة وتحدياتها المختلفة بفعل التمايز الزماني والمكاني وبالتالي الرؤية الوجودية والأسئلة الفلسفية.
ثمة التماعات بدأت في تجربتي الشعرية تنحى نحو تخليق علاقة بالمفردة الشعرية تشف عن تجربة روحانية، اسعى لتكثيف حضورها الجلي، لكونها تسعف روحي كثيراً، تسندها وتساعدنى على كشف ومعرفة ذاتي، القرب مني، تسريح الأذى، العديد من المحتملات تراودني اثناء غمر الكتابة، كلها عتبات نيرة للوصول الى حيث لا أدري، ولكن الى مكان آخر سوف يرشدني الى نبل الأمل، نحو الكثير من النور والمحبة والحكمة. اتصالي بتجربة الريكي" العلاج بالطاقة" واعتكافي على دراسة هذا العلم حتى درجة الماجستير"المعلم"، ومن ثم ممارسة المعالجة وتنظيم دورات متخصصة للتدريب،أسهم في قربي من مكتشفات التجارب الروحية، وآلياتها المتعلقة بالبحث الدؤوب عن الحقيقة بمفهومها الأزلي النوراني.
* هناك عبارة ل نيتشه تقول " لقد اخترع الألمان البارود ولهم كل التقدير ،لكنهم ضيَّعوا أنفسهم إذ اخترعوا الصحافة" ،الشاعرة فوزية السندي برأيكِ إلى أي درجة خدمت الصحافة الشعر والشعراء؟
- - تشكل الصحافة أحد الملامح المهمة لتنوير الحركة الثقافية،وهي تتفاوت في مدى تقديرها للأدب والإبداع، من الصعب التعميم،ثمت صحف لديها ملاحق ثقافية رصينة في متابعتها للمشهد الثقافي، وفي سرد ورؤاها النقدية تجاه التجارب الجديدة حتى على المستوى الانطباعي، وثمت صحافة استهلاكية تسعى للترويج والاثارة التي لا علاقة لها بالحياة الثقافية، اما فيما يتعلق بخدمتها للشعر، فالسعي متفاوت حسب اجتهاد الصحيفة، مع ندرة الجدية في تلك المتابعة، هذا لطغيان الحياة الاستهلاكية التي اضحت تطحن برحاها كل شيء.
مع ثقتي بكون الشعر الحقيقي المحمول بطاقة تعبيرية صادقة ومعبرة عن ذات تسعى للكشف كفيل بذاته، النص الحر قادر على التواصل والآخر عبر ورق الروح لا ورق الصحف.
* هناك نصوصٌ تُكْتَب تحت تسمية " نص حديث" ، برأيك كيف يمكن فرز نَص ما بأنَّهُ حديث؟ وكيف تنظرين إلى التصنيفات في الشعر؟
- - لا أميل لكل التصنيفات أمام الشعر بالذات، أراها عوائق وأوهام لتضيع الوقت والطاقة في هدر المهاترات حول فن رهيف لا يستحق كل هذا العنف، منذ بدء الخليقة اتقدت نحوتات معبّرة على الكهوف وأخرى ليست بذي شأن، لتمايزالطاقة الإنسانية التى كانت تنحت روحها على جدران الكهوف، تغير الجدار الى جلود ومن ثم إلى ورق، وذات اليد برعدتها الأبدية استمرت في البحث عن لغة تحتمل القدرة على تفسير غوامضها،كشف سواترها، مداولة معاناتها في هذه الحياة، تمثل منجى الخلاص في الكتابة وحدها.. كونها الوميض الخالد.. النور الخفي آخر النفق.
السؤال الأهم: هل ما نقرأ شعر أو لا شعر، حديث أو قديم لا يهمّ، المهم أن يعترينا نبض النص ونحن نقرأ.. لنصاب برعدة المعنى التي لا مردّ لها.
التسميات والمصطلحات ليست سوى حواجز رديئة لتصويب الهدف نحو الهاوية، لذا لا أصغ لها، وأنا أكتب بهدوء النبض وهو يهدهد القلب.
* أن تُتُرجَم قصائد الشاعر إلى لغة مغايرة،"الشاعرة فوزية السندي ، قصائدكِ تُرْجِمَت إلى لغات مختلفة " ،ماذا يعني للشاعر ترجمة قصائده؟
- الترجمة تعني التواصل مع قارىء آخر يجد صعوبة في فهم معنى الكلمات المكتوبة بلغتي، لست خاضعة لوهم الإنتشار أو العالمية كما يصفون دورالترجمة، أو كونها تشكل أولى العتبات لسلالم المجد المزعوم المنشى بالنياشين والجوائز وضجيج المنصات. الترجمة جهد ابداعي نبيل يسعدني عندما يحدث لكتابتي.
* يُعَد كل ديوان صادر للشاعر نهايةَ تجربة وبداية لتجربة أُخرى ، الشاعرة فوزية السندي بعد إصداراتٍ شعريَّة عديدة كيف تنظرُ الى تجربتها؟
- أنظر إلى الورقة البيضاء لأكتب، لأحيا.
* قديما كان الشعر يملك قيمة كبيرة ،في الرَّاهن برأيكِ إلى أين وصل الشعر والشعراء؟
- من الصعب اطلاق توصيفات جاهزة حول راهنية التجارب الشعرية، لكل تجربة شعرية تألقها المتصف بمقوماتها الفنية، وفرادة طاقتها التعبيرية، ولكل زمان مواصفات تتعلق بطبيعة تجربته الثقافية والفنية، لذا لا يتوجب علينا عقد مقارنات حولها، قيمة الشعر التي كان يمتلكها قديماً تخضع لكونه إعلام القبيلة، تطور لاحقاً الى بوق الحزب أحيانا، أو ناي الروح، صوت النص المتفرد بذاته، الى أين وصل الشعراء لا أعرف، لكنا لا نزال نقرأ الشعر بمتعة لا توصف.. الشعر وحده.
* الشاعر، أشَدُّ البشرغربةً ،الشاعرة فوزية السندي كيف تَتَغلَّبُ على غربتها؟
- للغربة مذاق أليم ناتج عن مختبرات البحث التي يشيدها الشاعر كل ليلة أمام بياض الورق، محن ممسوسة بطرائق البحث في مجاهيل النفس، رحى الروح، غياهب المستقبل، وجع مستبد يعتني بعلاجه الشعر، حين يتقصى ضرورته ويعمل على تجسير الهوة المتجددة نحو الفراغ، غربتي تتحدر من حقيقة اقصاء ذاتي عني، غموضها، نور الحبر وحده الجدير باضاءة ضراوة النفق، حين يراني جالسة امام الطاولة، أتفقد ما أضعت بمعاونة نبض قلبي وبياض الورق، أحنو برفق على السطور، أخطو لأحتمل ما هنالك من تحديات، لا يعنينى الوصول بقدر تقدير هول المسافة، كما كتبت ذات شعر:
كحصاة في منتصف الطريق
لا أصل،
ولا شأن لي بالعودة
لأصل.
* الشاعرة فوزية السندي هل من الممكن وضع تعريف ولو بسيط للشعر؟
- في كتابي"ملاذ الروح" ثمة نص يتعلق بتعريف الشعر أسميته:" فيما أحسه أو أحسبه الشعر" وهذا مقطع منه:
"حمى،
بلاغ غامض، تهويدة تغتال ذاكرة مشحونة أكثر مما ينبغي،إ نزياح كلي عن غفلة الجسد، ترويح للحواس، مجاهدة للنفس، طاقة للخوف، نهي مبجل عن أي شيء آخر، خجل يزعم القدرة على علة الجسد، خبث عميق، صلة بتاريخ يتحدى المجد، أنين، مجاهرة سرية لأقصى سر، تعر باهض على النفس، طريقة لتعريف الجسد وتعريضه في آن، فروغ الروح، حالة تختبر ما يختل من موازيين العقل، حلول نوارني يبعث للأصابع دهشتها الأخرى، عار على القبيلة، كالهواء حر لا مرد له، مارق إلى أبعد صعلوك، أمومة الموت، صبر الثواكل كل يوم يأتي دونه، بأس اليتامى كلما مضى لساحة النشر، غرغرة القتل كلما استجاب العقل لناب النقد، كيد اليد، عزوف الأوصياء، نفضة الورق أمام اندفاع القلم، جسر بين الكون وجسد الأخرس، كل شيء، معنى اللامعنى، فتوة اللغة، فتك الصريح، كسوة المجهول،الخالب أناي،ما لا أنساه، ما يمحو وجهي كل مرآة، غفير الغرفة، مشتهي الطاولة وهي تتبرأ من ذاكرة الشجرة، عاتي الحبر كلما أجاز له الجفن بحر الدمع، شريك الرجفة كلما هدني الهلع وحدي، مزيج من عناق المذهل وخيبة التردي، القلق الآسر، ما يحدث وأنا أستبقي الوقت ليقف قليلاً، ما لا يحدث أحياناً، راعي جثتي آن الغسل والماء يبكي، حامل النعش المصاب بي، خليلي في خلوة القبر، نفوذ اللامرئي وحصول المعارف، دفعة القدر، نمرة المخيلة، النابذ جسدي حين أسهو عنه، الناده مبتغاي حين أعزف عني، الصاغي لعذابات تكتشف صدوعي، الجهل كله، جللي، من لا أخاف الموت إلا لفقده، رضعة بلا غدر،توأم الأم، من يوقظني كل الوقت، جن يسحن الروح كلما جار الجسد، لثغة الهواء الصعب، قهر الورق، ناهب الصحاف، رائي الكهوف، أزميل النبوءة، نحت المزار، محك الحجر، وصيف الكبرياء، نجل النهايات العاق، النبيل غاية الرفعة،
هديل العمر
تورية الموت
لم أنته بعد...".
العرب اونلاي-