المعركة الضارية بين المثقفين الفرنسيين

هاشم صالح

يبدو ان باسكال بونيفاس قد ضاق صدره وطفح الكيل عنده ففتح النار على مثقفي الأضواء التلفزيونية الباريسية من أمثال برنار هنري ليفي وأليكسندر أدلير وكارولين فاوريست ومحمد سيفاوي وآخرين عديدين.والرجل لمن لا يعرفه هو مدير العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.وكان قد لفت الانتباه اليه سابقا عندما نشر كتابا جريئا بعنوان:هل يمكن نقد اسرائيل في فرنسا؟
ومؤخرا أصدر كتابا لا يقل جرأة بعنوان:"المثقفون المزيفون:الانتصار الاعلامي للخبراء في الأكاذيب".والدليل على خطورة الكتاب ان أربع عشرة دار نشر باريسية رفضت نشره على الرغم من ان مؤلفه شخصية معروفة في فرنسا ووراءه ما لا يقل عن أربعين كتابا.والسبب هو انهم خائفون من نشره.فبعد ان قرأوه عرفوا انهم سيصطدمون باللوبي الشهير وعلى رأسه برنار هنري ليفي.قال له بعض الناشرين بالحرف الواحد:لا نستطيع ان نغامر بأنفسنا وننشر كتابك على الرغم من أننا أعجبنا به.وذلك لأنك تهاجم شخصيات قوية جدا ونافذة في مجال الاعلام والنشر ونحن لا نستطيع اغضابهم.
يعلق المؤلف على ذلك قائلا:فرنسا بلد حر بدون شك.ولكن فيما يخص هذا المجال فانها ليست حرة الى الحد الذي نتوهمه.فهي تمارس الرقابة الذاتية على نفسها بغية حماية الأقوياء مضحية بمصالح الجمهور وحاجته الى الفهم والاستعلام.ثم يطرح بونيفاس هذا السؤال المرعب:هل نشر كتاب ضد هؤلاء المثقفين النافذين في الساحة الباريسية أخطر من نشر كتاب ضد بن علي قبل ثورة الياسمين؟بمعنى آخر:ما الفرق بين فرنسا الديمقراطية وتونس الديكتاتورية؟أين هي الديمقراطية الفرنسية اذن؟أين هي الحرية الفكرية التي يتبجحون بها صباح مساء ويعيّرون العرب والمسلمين بعدم احترامها او التقيد بها؟هناك شخصيات لا ينبغي لأحد ان يقترب منها او ينتقدها لأنها تستطيع ان تنتقم فورا ليس فقط من الكاتب وانما من الناشر ايضا.

ولذلك اضطر بونيفاس الى طبع كتابه عند ناشر مغمور يدعى:جان كلود غوزويتش. هل سمعتم به؟أين هو من كبريات دور النشر الباريسية من أمثال غاليمار، وفايار، وسوي، والبان ميشيل الخ.؟.لقد فضح المؤلف في هذا الكتاب الأكاذيب العديدة والاختلاقات التي يرتكبها العديد من المثقفين الفرنسيين دون ان يحتج عليهم أحد ودون ان يفقدوا مكانتهم كمثقفين مشهورين يسيطرون على الساحة ووسائل الاعلام. ولو أن أحدا سواهم ارتكبها لفقد سمعته فورا. يقول المؤلف موضحا:لا أتحدث هنا عن الهفوات او الأخطاء التي قد يرتكبها أي مثقف مهما علا شأنه.فنحن جميعا نرتكب أخطاء.ولكني أتحدث عن أكاذيب متعمدة ومقصودة ينشرها على أوسع نطاق بعض مثقفي الأضواء الاعلامية.يكفي ان يكتب المثقف الفرنسي في اتجاه الريح السائدة لكي يرحب به الناشرون والجمهور.يكفي ان يشتم الاسلام او يرى فيه مجرد حركة أصولية متطرفة لكي يصفق له الجميع.هل يمكن اختزال دين بأسره الى مجرد حركة ارهابية؟هل هذه ثقافة جادة حقا؟
ينبغي العلم بان بعض المثقفين تتساوى لديهم الأكاذيب والحقائق،لا فرق بينهما.بل ان الكذبة تبدو أفضل من الحقيقة اذا ما كانت لصالح المعسكر الذي أنتمي اليه وأحبه.ولذلك فاني مستعد لترويجها حتى ولو كنت أعرف بأنها كذبة. ولكن اذا ما اتفقنا على تعريف المثقف بأنه شخص تكمن مهمته الأساسية في البحث عن الحقيقة واضاءة الاشكاليات العامة للجمهور بشكل موضوعي فان هؤلاء ليسوا مثقفين على الاطلاق.وذلك لأنهم يخدعون الجمهور ويضللونه بدلا من انارته ومساعدته على فهم ما يجري.ان هذه الممارسات اللاأخلاقية هي التي تحدث القطيعة بين الجمهور والمثقفين لأن الجمهور ليس غبيا الى مثل هذا الحد.قد تخدعه مرة او مرتين ولكن لا يمكن ان تخدعه الى الأبد.عاجلا او آجلا سوف يكتشف الحقيقة ويعرف كيف يميز بين المثقف الحقيقي والمثقف المزيف او المزور للحقائق.أو قل هذا ما نأمله لأنه أحيانا يظل مخدوعا لفترة طويلة..
ثم يثني بونيفاس على ناشره المجهول ويقول:لقد كان شجاعا اذ غامر بنشر هذا الكتاب. وقد راهنا على الشيء التالي:اما أن تتمكن الرقابة السرية من قمعه وقتله في مهده واما انه سيحظى بالنجاح والانتشار على الرغم من كل المعارضات والمحاربات؟وفوجئنا بأنه نجح وكانت فرحة الناشر كبيرة عندما نفدت الطبعة الأولى في ظرف أقل من شهر! فأصدرنا الطبعة الثانية.هذا في حين ان آخر كتاب لبرنار هنري ليفي لم يبع اكثر من 3500 نسخة على الرغم من كل التطبيل والتذمير التي حظي بها من قبل وسائل الاعلام الفرنسية الجبارة. وهذا أكبر عزاء لباسكال بونيفاس على ما يبدو.
يبقى السؤال مطروحا:لماذا لا يمنع النظام الديمقراطي نشر الاكاذيب والأخبار المضللة داخل المجتمع؟أليست الديمقراطية تعني الشفافية والحقيقة والصدق؟ لا ريب. ولكن ينبغي العلم بأن الديمقراطية سلاح ذو حدين وكذلك الحرية:فقد تستخدم في طريق الخير وقد تستخدم في طريق الشر.لنعد الى بداياتها أيام اليونان القدماء.ألم يكن السوفسطائيون بارعين في فن الجدل وقلب الاكاذيب الى حقائق والحقائق الى اكاذيب؟ألم يكونوا يدافعون عمن يدفع أكثر؟بل وكانوا يدافعون عن الأطروحة ونقيضها اذا لزم الأمر وبنفس الحماسة. وبالتالي فالمباديء لم تكن تعني لهم شيئا يذكر. نقول ذلك على الرغم من أنهم كانوا مثقفين من الطراز الأول ومطلعين على كل علوم العصر..عندما نطلع على قصة صراعهم مع سقراط ومحاربتهم له لأنه يحب الحقيقة ولا يقبل التلاعب بها او التفريط،عندما نطلع على تصديه لهم بكل قوة وشجاعة،ندرك لماذا قتل بالسم في نهاية المطاف.ذلك ان "خدمة الحقيقة هي أقسى أنواع الخدمات" كما يقول نيتشه.عندما نطلع على تاريخ الحقيقة وما كلفته من ثمن غال نكاد نعتقد بأن المثقفين الحقيقيين هم وحدهم أولئك الذين قتلوا بالفعل او على الاقل تعرضوا لمحاولات اغتيال حقيقية .الحقيقة تقتل؟نعم تقتل!.وكل من يحبها اكثر من اللزوم ينبغي ان يحضر نفسه للمصاعب والمشاكل، والأفخاخ والمؤامرات.هذا هو الدرس الكبير الذي علمنا اياه سقراط والمسيح ومحمد ولوثر وابن رشد وديكارت وسبينوزا وجان جاك روسو وبعض الآخرين..هنا يكمن المعيار الأكبر للتفريق بين المثقف الحقيقي والمثقف المزيف.المثقف ليس فقط ذلك الشخص الذي يمتلك أحدث المعلومات والافكار والحائز على أرفع شهادات الدكتوراة.هذا سهل.المثقف هو ذلك الشخص الذي اذا اقتضت الظروف وحشروه في الزاوية تماما فانه مستعد لأن يعرض نفسه للخطر الأعظم حفاظا على مبدئه وحقيقته وكرامته !نيتشه كان يقول:الفكر والخطر صنوان.بمعنى أنك لا تستطيع ان تفكر جديا الا على حافة الخطر. بامكانك ان تكتب مقالات صحفية سطحية الى ما لانهاية.ولكن حاول ان تفكر بعمق وتقترب من المواضيع الحساسة المحرمة وعندئذ أخبرنا عما حصل..وديكارت كان يقول:الفيلسوف يتقدم مقنعا على مسرح التاريخ.لماذا؟ لكيلا ينكشف أمره قبل الأوان فيقتلوه قبل ان يكمل مهمته..
عندما سألوا باسكال بونيفاس:ألا تتوقع ان يصيبك أذى بعد نشر هذا الكتاب الذي فضحهم؟أجاب:ربما حصل ذلك.بعضهم لن يتحمل الاهانة.أتوقع ضربات من تحت الزنار!
ما هي التقنيات التي يستخدمها هؤلاء لارعاب خصومهم في الساحة الباريسية؟كيف ينقضون عليهم؟أولا يتهمونك بالتواطؤ مع الاصولية الاسلامية.وهي تهمة خطيرة في الغرب وتعرض صاحبها للتشنيع والمراقبة بل والخطر.ثانيا قد يتهمونك بمعاداة السامية.وهي أخطر تهمة في الغرب وقد تقضي على مستقبلك كليا هذا اذا لم تقض عليك جسديا حتى ولو كانت كاذبة بالطبع.من يستطيع ان يكون معاديا للصهيونية ولا أقول للسامية في فرنسا حاليا؟أين هو العربي او المسلم الذي يتجرأ على ان ينظر الى اليهودي في الطريق من تحت لتحت ولا أقول من فوق لفوق؟مجرد اشارة من اليهودي تكفي لجعله في خبر كان…
بحياته لم يكن باسكال بونيفاس معاديا لليهود كيهود.فهو ككل مثقف فرنسي يساري مستنير يحترم اليهود وينحني أمام معاناتهم التاريخية عندما كانوا أقلية مستضعفين ومحتقرين هنا او هناك.انه يعرف أهمية علمائهم وفلاسفتهم والخدمات الجلى التي قدموها للبشرية. ولكنه أجرم عندما انتقد السياسة الاسرائيلية العدوانية تجاه الفلسطينيين.أجرم لأنه يفرق بين اليهودية والصهيونية.ممنوع التفريق بينهما في منظور برنار هنري ليفي وغلوكسمان وفنكيلكروت واليكسندر ادلير الخ.فاما ان تكون صهيونيا قحا تدافع عن الباطل وتقلب الحقائق الى أكاذيب والأكاذيب الى حقائق والا فأنت شخص خطير على الأمن القومي الفرنسي ومعاد للسامية حتما!
وأنا شخصيا بحياتي كلها لم أهاجم اليهود كيهود كما يفعل الاصوليون والقومجيون عندنا.على العكس تماما.لقد كنت دائما أحارب هذه التوجهات الطائفية والعنصرية المنتشرة للأسف الشديد في العديد من البيئات العربية والاسلامية.وأصلا معركة التنوير العربي تخاض على هذه الأرضية أيضا.ولكن عدم مهاجمة الديانة اليهودية او اليهود كبشر لا تعني عدم مهاجمة الصهيونية العدوانية! فاذا كانت أهاجم الاصولية الاسلامية وأفكك مقولاتها فلا أعرف لماذا لا أهاجم الأصولية اليهودية وأفكك مقولاتها ايضا؟اذا كنت أحارب تيارات الاسلام السياسي فلا أعرف لماذا لا أحارب تيارات اليهودية السياسية وفي طليعتها الصهيونية؟فالصهيونية ترتكز على تسييس الدين اليهودي من أجل خلع المشروعية على ذاتها تماما كما تفعل كل تيارات الاسلام السياسي من سنية او شيعية.والصهيونية تتلاعب باللاهوت اليهودي القديم على هواها لتبرير ما لا يمكن تبريره بأي شكل من الناحية الأخلاقية:أي اغتصاب فلسطين وطرد شعبها منها وجلب شعوب أخرى غريبة من شتى أصقاع الأرض اليها لكي تحل محلهم.انها تستخدم بعض مقولات اللاهوت اليهودي الاساسية كشعب الله المختار،والارض الموعودة من قبل الله لهذا الشعب بالذات،لكي تخلع المشروعية على دولة اسرائيل..نعم ان الصهيونية تعتمد على أساطير واهية لتبرير استعمارها لفلسطين كما برهن على ذلك أحد المؤرخين الجدد في اسرائيل ذاتها.انظر:شلومو ساند.كيف اخترع الشعب اليهودي.2008.هذا الكتاب عبارة عن تفكيك للأسطورة القومية واللاهوتية لدولة اسرائيل.انه ينقض مشروعيتها الالهية المزعومة من أساسها.وصاحبه هو أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب!انه ينتمي الى تيار المؤرخين الجدد الذين يعرفون ان دولتهم قامت على الأساطير والأكاذيب..هل فكر برنار هنري ليفي بهذه القضية الحساسة يوما ما؟ لا أعرف.حتما انه يعرف كل ذلك ولكنه يسدل عليه أسدالا كثيفة من الصمت ويمنع أي شخص من التعرض لهذه النقطة في فرنسا.ذلك ان حرية النقاش في اسرائيل اكبر مما هي عليه في فرنسا فيما يخص اليهود والمسألة الصهيونية.لاحظ المفارقة!وهذا ما ذكره ريجيس دوبريه بنوع من التحسر المكتوم او المكبوت.المفكر اليهودي يستطيع ان يفكك أسطورة دولة اسرائيل اذا شاء ولكن لا يستطيع المفكر غير اليهودي ان يفعل ذلك أبدا..
عندما سألوا باسكال بونيفاس:لماذا السكوت على هؤلاء المثقفين المزورين للحقائق؟لماذا لايتصدى لهم أحد؟أجاب:ليس من السهل ان يتصدى المرء لشخص كبرنار هنري ليفي لأنهم فورا يلصقون بك تهمة معاداة السامية ويشنعون بك في كل وسائل الاعلام الفرنسية ويزعزعونك نفسيا ومعنويا.هؤلاء الناس أخطر من المكارثية في اميركا.انهم محاكم تفتيش حقيقية.فهم لا يكتفون بالكذب وتزوير الحقائق.وانما يهددون ايضا كل من لا يفكر مثلهم.وهنا تكمن المشكلة.انهم يسيطرون على الساحة الاعلامية والثقافية الى درجة انهم يستطيعون ان يهددوا عشرات الصحفيين والمثقفين ويقضوا مضجعهم ويشطبوا على مستقبلهم المهني او الوظيفي. انهم يقطعون رزقك بكل بساطة هذا اذا لم يقطعوا عنقك..والأنكى من ذلك هو ان برنار هنري ليفي يقدم نفسه كأكبر مدافع عن الحريات في العالم من سراييغو الى بنغازي!ولكن هذا الرجل الذي ليس فيلسوفا أصلا وانما مجرد وريث غني لأبيه الملياردير يستطيع ان يستخدم شبكة علاقاته الأخطبوطية لسحق أي كاتب لا يعجبه.هل تعلمون بأن كبريات الصحف الفرنسية من اللوموند الى الفيغارو الى ليبيراسيون رفضت نشر مقالة تكشف عن أكاذيبه وبخاصة زعمه بأنه كان صديقا شخصيا للقائد الافغاني أحمد شاه مسعود؟ وهي كذبة كبيرة لا أساس لها من الصحة.ولكنه استطاع تحويلها الى حقيقة عن طريق أسلوبه وبراعته ووسائل الاعلام الجبارة التي تأتمر بأمره..
عندما يدافع فيلسوف عن مجرم!
سوف نبقى مع السيد برنار هنري ليفي الذي ينكر عليه باسكال بونيفاس حتى لقب الفيلسوف! كم أثلج صدري هذا الموقف القاطع من مفكر مطلع ومهم كبونيفاس..على أي حال يبدو ان صاحبنا أصبح شخصية "عربية" تقريبا بعد زياراته المتعددة لبنغازي ومصراتة وتدخله في القضية الليبية لصالح الثوار ضد العقيد القذافي.وعلى الرغم من خلفياته المعروفة الا ان هذا التدخل كان ايجابيا على الأقل في مراحله الأولى. نقول ذلك على الرغم من أنه مني بانتكاسة مخجلة عندما زعم بأنه نقل رسالة من المجلس الانتقالي الليبي الى نتنياهو بصدد الاعتراف باسرائيل! ولكن سرعان ما كذب المجلس الانتقالي نفسه هذا التصريح وتبرأ منه بكل قوة. وهكذا انقلب السحر على الساحر.وفهمنا لماذا هو حريص الى مثل هذا الحد على مصلحة الشعب الليبي وتحريره من الطغيان!.وفهمنا عندئذ سر هذا الحب المفاجيء لشعب عربي كبير وعريق.انه ليس لوجه الله. ويمكن ان نقول نفس الشيء عن تدخله لصالح المسلمين المضطهدين في البوسنة من قبل طغاة الصرب وجلاديهم.

ولكن المشكلة هي انه يدافع اليوم صراحة عن قضية قذرة فعلا.انه يدافع عن رجل ارتكب حتى الآن عدة جرائم جنسية باجماع كل المصادر الفرنسية المعروفة.انه يدافع عن صديقه منذ ربع قرن:دومينيك ستروس خان رئيس صندوق النقد الدولي حتى أمد قريب.وهو احدى المؤسسات المصرفية الكبرى التي تتحكم بمصير العالم.هل يعقل ان يكون شخص مشبوه ولا أخلاقي كهذا الشخص على رأس منصب رفيع كهذا؟من الذي أوصله الى هنا على الرغم من ان سيرته الشخصية معروفة للقاصي والداني؟
هناك أزمة أخلاقية كبرى في فرنسا حاليا.أقول ذلك وأنا أزن كلماتي جيدا وأضع يدي على قلبي .هناك فئة من البشر تعلو على القانون،تنتهك القانون،تدوس على القانون،في وضح النهار.من بين هذه الفئة دومنيك ستروس خان الذي يدافع عنه الفيلسوف برنار هنري ليفي. تبا للفلسفة والفلاسفة! كلنا يعلم ان الفلسفة منذ أيام سقراط وأفلاطون وأرسطو وحتى ديكارت وسبينوزا وروسو وكانط مرورا بالفارابي وابن رشد وابن ميمون كانت تدافع عن الحقيقة والعدالة. لقد خاطر هؤلاء المفكرون العظام بحياتهم الشخصية من أجلها.ولكن يبدو أننا الآن أمام فلاسفة من نوع جديد:انهم يدافعون عن الأقوياء المعتدين على الضعفاء الطيبين دون ان يرف لهم جفن.(يقال بأن الخادمة المسكينة التي اعتدى عليها ستروس خان في الفندق بنيويورك منهارة عصبيا وعلى وشك الجنون..لقد دمر حياتها).ومع ذلك فيدافع عنه برنار هنري ليفي لأنه صديقه ومن طائفته وجماعته. وتدافع عنه فرنسا كلها الا من رحم ربك! أين هي فرنسا الأنوار والتنوير؟أين هم أحفاد فولتير وفيكتور هيغو واميل زولا وجان بول سارتر؟ أين هي فرنسا الحقيقية التي دشنت الثورة الفرنسية وقضت على الاستبداد المطلق وأصدرت لأول مرة في التاريخ الاعلان الشهير لحقوق الانسان والمواطن وأصبحت منارة لكل الشعوب؟ ان مثقفيها،مثقفي الأضواء الاعلامية، يكذبون على رؤوس الأشهاد ويدافعون عن الباطل.انهم يزورون الحق والحقيقة.كان أرسطو يقول:
اذا كنت أحب أفلاطون فاني أحب الحقيقة اكثر.بمعنى أنه لو خير بين محبته لأستاذه أفلاطون ومحبته للحقيقة فلن يتردد لحظة واحدة في الانحياز الى جانب الحقيقة.ولكن ما علاقة برنار هنري ليفي بسقراط او بافلاطون او بالحقيقة؟بل ما علاقته بالفلسفة بالمعنى الحقيقي والعميق للكلمة؟حقا انه ليس فيلسوفا كما قال باسكال بونيفاس.
ولكن عن أي شيء نتحدث بالضبط؟عن الفضيحة الكبرى التي شغلت العالم مؤخرا ولا تزال:رئيس صندوق النقد الدولي،أحد زعماء الحزب الاشتراكي الفرنسي والمرشح الاوفر حظا لرئاسة فرنسا،نعم رئاسة فرنسا!،يمسكونه بالجرم المشهود وهو يعتدي على الخادمة التي دخلت لتنظيف غرفته في الفندق..تصوروا هكذا رئيس!انه يريد أن يفترسها،أن يغتصبها بالمعنى الحرفي للكلمة، فتدافع عن نفسها فتخرمشه وتجرحه في خصره فتحاول الهرب من الغرفة بأي شكل وأخيرا تنجح في الفرار بعد ان اعتدى عليها بشكل او بآخر. انها معركة حقيقية تمت داخل غرفة مغلقة ولا تحصل الا مع الزعران..ولكن يبدو انه لم يعد هناك أي فرق بين الزعران وبعض الشخصيات الكبرى التي تحكم العالم!وعندئذ تتجرأ ادارة الفندق لأول مرة على اخبار البوليس عنه والتحقيق معه.ذلك ان للسيد دومنيك ستروس خان سوابق عديدة.فهذه ليست أول مرة يعتدي فيها على احدى الخادمات في الفندق النيويوركي الشهير الذي ينزل فيه عادة. والدليل على ذلك ما قاله البروفيسور برنار دوبريه ابن ميشيل دوبريه رئيس وزرارء فرنسا أيام ديغول عندما كانت لفرنسا كرامة وعزة وشرف وأمجاد. فهو يقول الحقيقة على عكس برنار هنري ليفي.فقد اتهم ستروس خان بأنه مارس نفس عمليات الاغتصاب مرات عديدة في نفس الفندق.ولكنهم في كل مرة كانوا يغضون الطرف عنه نظرا لعلو مكانته ثم خوفا من اندلاع فضيحة تهز ليس فقط صندوق النقد الدولي وانما النظام العالمي بأسره.البروفيسور دوبريه الذي هو طبيب شهير وشخصية سياسية محترمة في فرنسا انفجر بالغضب وقال الحقيقة بعد ان خاف على سمعة فرنسا وبعد ان اشمأز من تسلط هذا الشخص على الآخرين واستغلاله لمنصبه من اجل اشباع غرائزه الجنسية(انظر فضيحته السابقة مع الموظفة الهنغارية الكبيرة بيروسكا ناغي.وهي فضيحة كادت ان تودي به عام 2008 لولا تدخل اللوبي الجبار. ومعلوم أنها صرحت قائلة فيما بعد:بصراحة لولا منصبه لما استطاع الوصول الي.وهذا يعني انه هددها صراحة او ضمنا:اما ان يضاجعها واما ان تفقد عملها. ومعلوم انها استقالت لاحقا بسرعة وتركت نيويورك لكي تتخلص منه وتنقذ زواجها وعائلتها. لاحظ نوعية هذا الرجل الذي ينتمي الى شعب الله المختار والذي يحظى بكل أنواع المداراة والحماية في المجتمع الفرنسي..والله لو لم يكن يهوديا صهيونيا لعوقب من أول جريمة ارتكبها ولقضي عليه منذ زمن بعيد ولما قامت له قائمة بعدئذ). لنتفق على الأمور هنا. نحن لسنا وعاظاً أخلاقيين ولا متزمتين نكره المغازلات اللطيفة او المناوشات الخفيفة التي تنعش الروح والقلب والفكر. لنقلها بصراحة:نحن لسنا ملائكة ولا بريئين من الغوايات والاغراءات والميل الجارف نحو الجنس اللطيف. او قل بالاحرى نحن ملائكة لأننا نحب ونعشق ونود ان ننصهر في المحبوبة. ولكن هناك فرق بين ميل وميل..اذا استطعت ان توقعها في الشبكة بامكانياتك الخاصة ودون أي قسر او اكراه فحلال عليك.أما ان ترمي بنفسك عليها كالحيوان وهي بالكاد تعرفك او حتى لا تعرفك أصلا فهذا شيء مقرف ولا يليق بأي شخص يحترم نفسه.ما معنى علاقة جنسية سخيفة من هذا النوع؟هذا يعني انه حمار وليس بشرا. والله لا تستطيع ان تبصق عليه!
والآن يكابر برنار هنري ليفي وينافح عنه بشكل سوفسطائي بغية طمس الحقيقة والدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه بأي شكل.كان الفيلسوف الكبير كانط يقول:قد لا أقول كل ما أعتقد به، ولكني لن أقول شيئا لا أعتقد به.بمعنى:قد أسكت مضطرا ولكني لن أكذب أبدا ولن أدافع عن الباطل ما استطعت الى ذلك سبيلا.هنا يكمن شرف الفكر.هنا تكمن عظمة الفلسفة والفلاسفة.أما هنا فنحن أمام "فيلسوف" يطمس الحقيقة عينك عينك وعلى رؤوس الأشهاد.لقد سقط برنار هنري ليفي هنا سقطة مريعة ولن يقوم منها بسهولة.هذا بالاضافة الى سقطاته الأخرى التي أصبحت متراكمة الآن ومن بينها الكذب على مجلس الحكم الانتقالي في ليبيا بخصوص اسرائيل.حتى مجلة النوفيل أوبسرفاتور اعترفت بأنه ارتكب هنا خطيئة لا تغتفر.فما كان عليه ان يتسرع و ينقل عن القادة الليبيين تنازلا لا يمكن ان يقدموه حتى وهم في ذروة محنتهم العصيبة هذه.ان محاولة استغلال هذه المحنة لأغراض أخرى دنيئة تصدم الشعب الليبي في الصميم شيء لا يليق بمثقف ناهيك عن فيلسوف.بدلا من هذه الانتهازية الرخيصة-والغبية في نهاية المطاف- كان على برنار هنري ليفي ان يقنع صديقه نتنياهو بوقف الاستيطان و الانخراط في مباحثات سلام جدية تؤدي الى نشوء دولة فلسطينية حقيقية الى جانب الدولة العبرية.قلت الى جانبها ولم أقل محلها! عندئذ كان سيحظى برضى الليبيين والعرب أجمعين. وهذا هو الشرط الوحيد لكي يتحقق الاستقرار في المنطقة،ثم لكي تتحقق المصالحة اليهودية-العربية يوما ما.من الواضح ان هذه المصالحة تشغل باله ويتمناها ولكن بدلا من ان يشجع عليها يحبطها بسبب تسرعه وسوء تصرفه!ينبغي الاعتراف بأن انفعاليته العاطفية تؤدي به الى عكس النتيجة التي يتوخاها.فهو عطشان عطشا لأن تعترف ليبيا باسرائيل بل ليس فقط ليبيا وانما كل عربي على وجه الأرض.ولكنه يتوهم بانه قادر على سرقة الشرعية بالشطارة مثلما سرق الأرض! وهذا مستحيل.هناك طريق واحد لأن تنال اسرائيل المشروعية في المنطقة،وهو واضح وضوح الشمس:أن يرضى شعب فلسطين عنها،ان يغفر لها خطيئتها الأصلية وجرائمها..أن يسترد،على الأقل، بعض حقوقه منها..
هل تعلمون بأن السيد ستروس خان ذو سوابق في فرنسا ايضا وليس فقط في أميركا؟نعم تنتظره في فرنسا قضية أخرى مشابهة تماما ولكنها حصلت عام 2002.وبطلتها اذا جاز التعبير او قل ضحيتها هي الصحفية والروائية الحسناء:تريستان بانون.فقد حاول اغتصابها. ولكن أمها العارفة ببواطن الأمور منعتها آنذاك من تقديم أي شكوى عليه خوفا من عواقب الأمور.فالرجل شديد النفوذ في فرنسا ويقف وراءه لوبي شهير. وقد ينتقم منها ومن عائلتها شر انتقام.وبالفعل فقد وصلتها عدة مكالمات على هاتفها النقال كانت كافية "لاقناعها" بالسكوت المطلق…والآن تقول أمها بأنها نادمة جدا على منعها لبنتها من تقديم شكوى عليه في ذلك الحين. لقد طفح الكيل..
وأخيرا ماذا أستخلص من كل هذه القصة في نهاية المطاف؟أستخلص شيئا واحدا يثلج الصدر ويعيد الأمل الى الروح والقلب:وهو انه توجد عدالة كونية في هذا العالم على الرغم من كل شيء.ولولا ايماني بهذا المبدأ الاساسي الذي يمسك الكون لكنت قد ألقيت سلاحي منذ زمن طويل واستسلمت كليا للمقادير. انه عزائي الوحيد. وأنتهز هذه المناسبة لكي أنحني اجلالا واكبارا أمام القضاء الاميركي الذي يهاجمه بكل ضراوة برنار هنري ليفي في هذه اللحظات بالذات.تحية اذن للحضارة الاميركية ولتلك القاضية المحترمة العظيمة ميليسا جاكسون التي تجرأت على الاطاحة بشخص يقف وراءه أخطر لوبي في العالم.ولكن ألن يتمكن هذا اللوبي الجبار لاحقا من قلب الموازين واعلان تبرئته بشكل او بآخر بعد اختراقه للقضاء الاميركي بالذات؟هذا هو السؤال المخيف.هنا ايضا أضع يدي على قلبي…
برنار هنري ليفي والانتفاضات العربية:
ماالذي يريده برنار هنري ليفي ؟لماذا يتعب نفسه كل هذا التعب من أجل العرب وحرية شعوبهم المنتفضة الثائرة؟لماذا يحبهم كل هذا الحب؟أحيانا تتخيل وكأنه أكثر حرصا على نجاح الثورات العارمة لشعوبنا منا نحن! لقد زاود علينا،سبقنا الى احتضان الانتفاضات العربية المباركة والثوار.كدنا نخجل من أنفسنا ونحن نراه يكلف نفسه كل هذا العناء من اجل ديمقراطية الشعوب العربية وحريتها.
بعد ان انتهى الفيلسوف الشهير والشاطر الخطير من "الاهتمام" بالشعب الليبي انتقل الآن للاهتمام بشعب آخر يهمه اكثر بكثير في الواقع:انه الشعب السوري.وذلك لأن سوريا تقع بالضبط على حدود اسرائيل وليست بعيدة عنها بآلاف الكيلومترات كليبيا. هنا "الفريسة" أهم بكثير بالنسبة لشخص لا يفعل أي شيء ولا يتخذ أي قرار الا بناء على معيار واحد:هل يخدم مصلحة اسرائيل ام لا؟لقد انفتحت شهيته علينا دفعة واحدة ويريد ان يحبنا،ان يقبلنا،ان يعانقنا!ماذا تستطيع ان تفعل مع شخص يهجم عليك ويريد ان يصافحك او يقبلك غصبا عن أبيك؟ولكن المشكلة هي ان ثمن هذا "الحب" غال جدا ولا تستطيع السلطات ولا المعارضات ان تدفعه.انه الاعتراف الكامل باسرائيل كما هي والشطب على قضية فلسطين كلها تقريبا.هذا هو الثمن المطلوب لا اكثر ولا أقل!
لقد فضح برنار هنري ليفي نفسه بنفسه عندما تسرع وقال بأنه نقل رسالة من مجلس الحكم الانتقالي الليبي الى نتنياهو تعترف باسرائيل وتريد التطبيع معها.فكذبه المجلس الانتقالي فورا كما ذكرنا آنفا.وهكذا أسقط في يده وخرج بخفي حنين.فتحول الآن نحو الشعب السوري لكي يخدمه ويتباكى على جراحاته وآلامه.وهنا انقسم المثقفون اليهود الكبار الى قسمين او قل توزعوا الأدوار:قسم مع انقاذ النظام كاليكسندر آدلير،وقسم مع الانتفاضة الثائرة كبرنار هنري ليفي وكوشنير وغلوكسمان وفابيوس وكل المحافظين الجدد الفرنسيين..كيف أصبح هؤلاء فجأة من عشاق الحرية الكبار للعرب؟لا أعرف. كل ما أعرفه هو أنهم لم يقولوا كلمة واحدة ضد استمرار الاستعمار الاستيطاني لفلسطين.. ينبغي العلم بأن اسرائيل لا يمكن ان تترك القضية السورية تتوالى فصولا بمنأى عنها. انها معنية بها اكثر من السوريين أنفسهم تقريبا.سوف تحشر أنفها بشكل او بآخر عن طريق جماعتها في باريس وغير باريس.هذا شيء متوقع ولا ينبغي ان يفاجيء أحدا.الصهيونية العالمية سوف تدعم من يدفع اكثر:أي من يعترف باسرائيل اكثر ويرفع علمها على سفارة يهودية في قلب دمشق ويتخلى عن الجولان كليا او جزئيا هذا ناهيك عن قضية فلسطين بالطبع..المعارضة السورية قد لا تستطيع ان تنتصر الا اذا قدمت ضمانات لاسرائيل. من هنا اهتمام برنار هنري ليفي بها او مغازلته لها..والنظام قد لا يمكن ان يصمد الا اذا قدم ضمانات ايضا.والخطر كل الخطر هو ان يحصل تسابق من قبل متطرفي كلتا الجهتين للانبطاح على أقدام اسرائيل.فالاحقاد الطائفية السنية-الشيعية قد تتغلب هنا على الأحقاد العربية-اليهودية كما حذر من ذلك محمد حسنين هيكل بعد ان صدمته التصريحات النارية للمتطرفين الهائجين.النفوس مليئة بعد كل ما حصل من اجتياح وحشي للمدن مؤخرا. بل هي مليئة حتى قبل هذا الاجتياح عندما حصل الصدام المروع بين النظام والاخوان في الثمانينات.هناك حركة جهنمية تقود البلاد نحو الهاوية.أحيانا يخيل اليك ان العناصر المتطرفة في كلتا الجهتين تريد ان تصل بالأمور الى نقطة اللاعودة من خلال القمع الدموي للانتفاضة الشعبية من جهة، ثم من خلال الشحن الطائفي على مدار الساعة من جهة أخرى. انظر ما يقوله شيوخ الظلام على الفضائيات او ما يكتبه غلاة التطرف على الانترنيت..وعندئذ يصبح التقسيم ممكنا على الأرض.فالنفوس عندما تصبح مقسمة تصبح الجغرافيا مقسمة ايضا.
وهو الحل الذي ترغبه اسرائيل ومعها برنار هنري ليفي . وبالتالي فالجميع ينفذون مخطط اسرائيل شاؤوا أم أبوا،شعروا او لم يشعروا..فهي تدفع بشكل مباشر او غير مباشر باتجاهه.ففي رأيها انه لا توجد أي علاقة بين العلويين والسنيين.فهما "شعبان مختلفان" تماما بحسب تحليلات الاستشراق المتصهين.وبالتالي فلا يمكن التعايش بينهما.يا أخي كيف يمكن ان تتعايشوا مع بعضكم البعض وأنتم أعداء على مدار التاريخ؟يحق لكم ان تؤسسوا دولتكم وتتحرروا من اضطهادهم لكم وهيمنتهم عليكم.هذا ما يقوله غلاة اليهود الحريصون على مصلحة سوريا! .. نقول ذلك على الرغم من انه تجمع بين السنة والعلويين (ومختلف طوائف الشيعة عموما) نفس اللغة ونفس المصحف ونفس النبي ونفس التراث العربي من الجاهلية الى صدر الاسلام الى يومنا هذا. والباقي تفاصيل…ولكن المشكلة هي ان هذه "التفاصيل" هي الأساس بالنسبة للعامة الجاهلة وشبه الأمية.انظر الأحكام المسبقة التعصبية السائدة لدى الطوائف عن بعضها البعض منذ مئات السنين.انظر الاشاعات المرعبة عن بعضهم البعض!انظر التصورات السوداء الرازحة والادانات اللاهوتية التكفيرية المتبادلة!شيء مخيف!وهذا ما يخيفني أصلا ويجعلني أتشاءم وأحمل الهم والغم. منذ ربع قرن وأنا أحمل هم سوريا على كتفي وأتوقع هذه اللحظة وأخشاها عارفا بأنها قادمة لا محالة..كم أتمنى ان أكون مخطئا في تقديري للوضع! كم أتمنى ان تكذبني الاحداث!ولكن هناك هوة سيكولوجية حقيقية لم يستطيع أحد ردمها او تقليصها حتى الآن.أين هو التنوير العربي الاسلامي؟ ما أمس الحاجة اليه الآن.ومع ذلك فان نادر قريط يعتقد بأني أضعت وقتي في ترجمة أركون.. على أي حال فان خبراء الصهاينة يعرفون الوضع جيدا. لذلك فان اسرائيل تستغل كل هذه التناقضات عن طريق صب الزيت على النار والدفع في اتجاه تفاقم الاحقاد الطائفية وسفك الدماء اكثر فاكثر حتى لا يعود هناك من مجال للتراجع الى الخلف،حتى لا يعود هناك من حل آخر غير الانفصال.اسرائيل تضحك في عبها الآن.اسرائيل تعيش أسعد لحظات حياتها. يقولون للعلويين:سوف يذبحونكم عن بكرة أبيكم فانتبهوا لا تتركوا الحكم حتى آخر لحظة..ويقولون للأغلبية السنية:كيف ترضون بهذا الوضع الشاذ المهين:أقلية صغيرة تهيمن عليكم في عقر داركم؟أما آن الأوان لكي تعود الأمور الى نصابها؟ اننا مستعدون لدعمكم بشرط ان تقيموا معاهدة سلام فور عودة الحكم اليكم..وهكذا يلعبون على الحبلين ويتبعون سياسة "فرق تسد" ضاربين البعض بالبعض الآخر. فخار يكسر بعضه…
هناك مخطط مرسوم لسوريا وهو واضح وضوح الشمس. ومن لا يراه فهو أعمى. وقد طبق في العراق وأعطى نتائج لا يستهان بها.فلماذا لا يطبق في سوريا؟أليست الدولة الكردية كيانا شبه مستقل في شمال العراق؟أليست لها مؤسساتها وبرلمانها وقياداتها؟ماالذي يمنع اذن قيام دولة تشمل الساحل السوري كله؟ صحيح ان العلويين أقلية في سوريا ولكنهم ليسوا أقلية في المنطقة الممتدة من مشارف حمص وحتى حدود تركيا.وهي من أجمل مناطق سوريا ان لم تكن أجملها باطلاق:السهل والبحر والجبال..على هذا النحو سوف تجهض المصالحة التاريخية بين مختلف مكونات الشعب السوري وأطيافه.وعلى هذا النحو سوف تجهض انتفاضة الشعب السوري الكبير من أجل الحرية والتعددية السياسية وحكم القانون والمؤسسات .وسوف يحرفونها اذا ما استطاعوا عن مسارها الصحيح لكي تتحول من انتفاضة وطنية الى انتفاضة طائفية غصبا عنها .كما وسيتم تهميش العناصر الوطنية المستنيرة داخل النظام نفسه . وعندئذ لا يعود في الساحة الا المتطرفون الجهلة من كلتا الجهتين فيحصل الصدام المروع والحرب الاهلية الطاحنة.المشكلة هي ان الجميع يدركون ذلك ولكنهم لا يستطيعون تحاشي الحفرة فتراهم يهرلون نحوها حثيثا دون ابطاء!

الاوان- الخميس 7 تموز (يوليو) 2011