ولد الشاعر الإيراني نادر نادربور في 6 يونيه 1929 في طهران، وترعرع في كنف عائلة ثرية تحب الفن، فوالده فنان تشكيلي معروف، ووالدته مؤلفة موسيقية ناجحة. تلقى تعليمه في طهران ودرس اللغة الفرنسية والرسم والموسيقى. في سن الثالثة عشرة كان نادربور مطلعاً على الأدب الكلاسيكي الفارسي ويقرأ للشعراء رودكي والفردوسي وسعدي وحافظ الشيرازي، وألف في هذه المرحلة قصيدة كلاسيكية نشرت في إحدى الصحف. لكن أحداث سنوات الأربعينيات، وتنازل رضا شاه العرش لابنه محمد رضا، ومحاولة اغتيال الشاه الصغير، وتأسيس الحزب الشيوعي الإيراني (توده )، وصعود التيار القومي في إيران أعادت تشكيل وعي الشاعر الاجتماعي والسياسي والأدبي، فبدأ في تقليد أعمال الشاعر الكبير نيما يوشيج، وابتعد تدريجياً عن القصائد الكلاسيكية.
أنهى نادربور دراسته الثانوية، وسافر إلى فرنسا لدراسة الأدب الفرنسي في جامعة السوربون، ولاتقانه اللغة الفرنسية فقد ترجم نادربور الكثير من الروائع الشعرية الفرنسية إلى الفارسية، والأهم من هذا تأثره بالحركة الشعرية الجديدة في فرنسا التي انعكست بقوة في مرحلته الشعرية التالية، وخاصة ديوانه الشعري الأول (العيون والأيادي) الذي نشر في عام 1953.
عمل بعد عودته إلى إيران مستشاراً في دائرة الثقافة والفنون، وأصبح رئيساً لتحرير المجلة الشهرية ( الأدب والناس)، كما تزوج شهلا هيربود وأنجب منها ابنته الوحيدة (بوباك)، لكنه انفصل عنها في عام 1961.
في عام 1964 سافر إلى إيطاليا لدراسة اللغة الإيطالية والأدب الإيطالي، وترجم عدداً من الأعمال الشعرية الرئيسية إلى اللغة الفارسية ثم جمعها في كتاب بعنوان (الوجوه السبع للشعراء الإيطاليين ).
شارك في عام 1968 في تأسيس رابطة الأدباء والكتاب الإيرانيين، وبعد عودته إلى إيران في عام 1971 تولى رئاسة دائرة ( الأدب المعاصر) في الإذاعة الإيرانية وقدم برامج ثقافية مهمة خلال هذه الفترة.
بعد قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 اختار نادربور المنفى وغادر إيران حاملاً معه حقيبة ملابس واحدة ونسخاً من كتبه ومخطوطة لمجموعة شعرية جديدة، وأقام في باريس حتى عام 1987 وتم حظر تداول ونشر وتوزيع كتبه داخل الجمهورية الإسلامية بعد أن انضم إلى حركة المقاومة الوطنية.
في عام 1987 انتقل إلى كاليفورنيا، وألقى العديد من المحاضرات في جامعات هارفارد، وجورج تاون، وجامعة كاليفورنيا.
في عام 1993 رشح نادر نادربور لنيل جائزة نوبل في الآداب، وحاز على جائزة
هيلمان – هامت التي تمنحها منظمة هيومن واتش للأدباء الذين يعيشون في المنفى.
في هذه السنة تزوج من جالا بصيري، صديقة عمره ورفيقة دربه، وعاش معها حتى وفاته في لوس انجلوس في 19 فبراير 2000 بعد أن كتب لها أجمل قصائده الشعرية.
عليلٌ،ر نادربور الذي يعتبر أحد أهم رواد حركة (الشعر الجديد) في إيران تسع مجموعات شعرية ترجمت إلى الانجليزية والفرنسية والألمانية والايطالية منها: (العيون والأيادي ) عام 1954، (ابنة الكأس ) عام 1955، (قصائد العنب) عام 1958، (العشاء الأخير) عام 1978، (الفجر الزائف) عام 1982.
****
1 - حوار في الظلام
- إلى زوجتي جالا -
عليلٌ، ويقظٌ المنتظمة، الليل،
لا نور هنا يبدد العتمة.
صوت أنفاسك العميقة الهادئة،
ودقات الساعة الوحيدة.،
تتناغمان مع إيقاع نبضات قلبي.
أدرك حينها أن صدري لم يعد وحيداً،
رأقبّلُ،كاري وحيدة.
ببطء أدنو برأسي إلى سريرك،
أأقبّلُ،بحنوٍ، جفنيك،
فتشعرين بثقل قبلتي على عينيك،
وتبتسمين.
أقبّلُ، بصبرٍ، خديك،
فتنطلق ضحكاتك في أذنيّ،
لكن أمواج الليل السوداء
تحجب وجهك الضاحك عني.
بهدوء أشعلُ عود ثقاب
لأرى ضياء وجهك،
لكن شعلة العود الفسفوري الأحمر
سرعان ما تخبو وتحرق أصبعي،
وتنطفئ في رقصتها المالعزيز.
يلفّ الظلام
فضاء غرفتنا الصغيرة،
أحدث نفسي:
إن عيناي لن تحظى بفرصة أخرى لرؤيتك،
عدا تلك اللحظة القصيرة
التي رأيت فالمجهول،العزيز.
كطفلٍ خائفٍ من العتمة
احتمي بذراعيك،
خائفاً من المجهوالعالم، بسري في أذنيك:
يا أعز مخلدربي،لعالم،
يا رفيقة دربي،
يا صديقتي،
يا حبيبتي،
يا أمي،
اصرخي بكل قوة حتى لا يتمكن الموت الثقيل
من أن يفرقنا لحظة الوداع،
لأن كلينا يعرف
إن عزلتنا هي قدرنا
في هذا العالم المكتظ بالفوضى
وما يخبئه لنا في أفقه اللانهائي.
هذا البيت أصغر من قارب،
ونحن مسافران بائسان،
نجدف في بحر المنفى المتلاطم،
لكن الظلامُ غامرٌ في أفق هذا البحر المرعب،
ينبئ بأثقيلة،عبر أبداً إلى الغد.
****
2 - صدى الخطوات:
في عمق الليلِ
أسافرُ عبر صحراء شاسعة،
وخطوات ثقيلة، ورائي،
تتبعني.. أنا وظلي.
خائفاً ألتفتُ ورائي،
فلا أالمقفرة،
سوى الريح والشجرة..
الريح ثملة،
والشجرة بعيدة.
أسأل نفسي ساخطاً:
إن كان إبليس لا يرافقني،
من يكون هذا الذي لا أراه ؟
لا جواب يأتيني في الصحراء الوحيدة.
حيث الجبال ثقيلة،ء الشجرة وحيدة.
أصيخُ السمع،
ثمة خطوات ثقيلة، خلفي:،
تدنو مني.. تدنو مني.
عيناي، في بحثهما عن هويتي،
تنظران إلى ما هو خلفي:
القمرُ في أعماق الأفق
قناعٌ مسدولٌ على وجه الشمس
رفيق الطريق حتى يكتمل الليل.
أحدثُ نفسي:
هذا ما يحدث لي كل ليلة
في سفري إلى نهاية العالم.
أيها الظلُ الساقطٌ على الأرض،
إن كنت سترافقني حتى إطلالة الفجر
سترى على الأرض:
خطوات مئات الأيام
و خطوات آلاف الليالي.
وستعرف بأن هذا الكائن،
ذي الخطوات التي ترعبك،
ما– مدينةالموت يتجسد في هيئة يوم آخر.
****
3 – مدينة:
آلاف النساء
وآلاف الرجال
النساء محجبات
والرجال في عباءات
قبة ذهبية
بعض اللقالق الهرمة
حديقة كئيبة
أشجار متفرقة
لا ابتسامات
ولا أحاديث
بركة نصف مملوءة
بماء موحل
بعض الغربان الهرمة
على صخور مبعثرة
ومجموعات من المتسولين
في كل خطوة
عمائم بيضاء
ووجوه سوداء.
****
4 - قصيدة إلى التي خلقتني من جديد:
لن أجزع يوماً إن أخذتكِ السماء مني،
ولكني أخاف أن تبعدي نفسك عني.
أخاف الليلحبكِ،بالطوفان وأنتِ معي،
فيحجب شمس حبكِ،
ويجتث الشجرة الأرض.عتها من أجلكِ،
ويسقط أوراق حبنا الذهبية على الأرض.
لا تبعدي نفسكِ عني،
أنتِ سكنتِ بداخلي، وسكن الصباح فيكِ،
أنتِ كبرتِ بداخلي، وكبر الأمل معكِ،
حين ابتسمتِ لي، ابتسمت لي أيام حياتي.
زرعتِ فيّ أوراق الربيع
- أنتِ النسيم –
أشعلتِ فيّ شمس الحب
- أنتِ الضياء –
هذا القوس القزحي المرسوعينيك،فتيكِ ممتد إلى الأبد
يعبر السماء من تحت جسر عينيك،
يستيقظ الصباح على شفتيكِ،
تبزغ الشمس من ناظريك.
بيني وبين قدري تكونين نافذة
مطلة على ضياء الشمس
والسماء المفتوحة.
لا تبعدي نفسمعكِ.،
فأنا من أجلكِ ولدت،
دعيني أموتُ معكِ.
*****