ايمانويلي ميناردو

Emanuele Minardo
1947-…

التقديم والترجمة: جمانة حدّاد

ايمانويلي ميناردوشاعر صقلّي الإنتماء والقلب، أرضه حاضرة فيه كتراث طبيعي، وهو يتنشّق فطريا ثقافتها وروحها القديمتين الموجودتين منذ البدء في جذور نفسه. شعره مستل من جسد الهايكو، والطبيعة جزء لا يتجزأ من كيانه الإنساني. إنها الطبيعة "الجوّانية"، الطالعة من الذات الى الخارج حدّ أنّه يخيّل إلينا أن ميناردو ولد لكي يسهر على التلال، لكي يصرخ بصوت شجرة، لكي يحترق تحت أقواس الغروب. ظلاله هي ذكرى بحار بعيدة، ودروب لم يشقّها احد بعد، وحقول تؤنبها الشمس، وألوان مؤلمة من فرط الانتظار. وجدانياته منسوجة بلحظات لم يحن أوانها، بتنهدات تقول الزرع كما تقول الرجل، تقول الأرض كما تقول الانسان. وكلماته كأنها قطرات ندى تُهَمس همسا كي لا تجرح الفجر، كأنها نسمات هواء تعيد الى الذاكرة فصول ربيع عذراء، عندما كان كل شيء ممكنا. لذلك فهي قادرة على البوح وعلى الكتمان، على الجرح وعلى شفائه، على الدمع وعلى كفكفته.
ميناردو يكتب الشعر بالإيحاء، بالحلم الذي يحثّ على الحلم، وبنبرة غنائية خفرة ومكبوتة، تئنّ بهدوء وتبوح سرّا وتتجسّد بتلاش مطلق.

ميناردو يكتب الشعر بأرضه.

***

مختارات

وقفت السماء
بين أشجار الزيتون والقصب
والأرض المحروقة،
القلوب تطوف فيك مثل الضباب
والهواء يتندّى بالنور
عند كل فجر
وراء الأبواب المغلقة
ودروب الخطى والأجمات

على أفواه الرجال
تهب ريح قديمة
مثل الشمس والعرق
على البشرة الخشنة بين الحقول
المنازل البكماء والمدمّرة
تجمع آثاراً كثيفة
للشمس والريح

المطر يعشعش فيك
بطقوس مقدّسة من البكاء
طفل صامت
يجول فيك
جاهداً في خطواته مثل ظلّ
مثل ضوء
في حقل قصب
يلعب فيك
مثلما تلعب الشمس
مع الريح بين القصب والأوراق
ذات الأجنحة الليّنة
كم من المساءات تنزل
على النسيم
وعلى دورات الشمس الشاهقة
كم من الأيدي فوق مجرى نهرك
تنحني في انتظار من رماد
وكم يموت فيك الصمت
على الشفير جالس أنا أيضاً
جذر من جذور دموعك

قلبك يكون بعد نائماً
في مخازن التبغ والحبوب
بينما الفجر يجول في بحرك
وتغطي الأوراق تلك السماء
المغلقة
على مناجاة ذاتها.

***

من عذاب اللحظة
من صخرة الروح
أتيت أنا أيضاً
مع الريح
من صقيع المرتفعات
على جنح الندى
متدحرجاً بين طحالب الهواء
من دون أحجام
منحدراً مثل أغصان القنّب
على كلمات الريح:
نتوء غايات
طافحة بالنعاس.

***

غارقا في أفق كثيف
من أمواج أشجار الصنوبر
والخرّوب
كنتَ تبدّد كلماتكَ
على وريقات
وتهديها الى الأرض
مثل جذور قمر.

***

في الروح
خطى والدي
وراء سماء متكئة
على شمس أخرى.

***

أمسكتُ الأجمات
من يدها
فحدّقت
الواحدة تلو الأخرى
الى باطني
بعينين
تبكـيان في كورس
من الصور الكثيفة.

***

سقوف منازل بعيدة
مزيّـنة بالخطى والأيدي
وبأحلام طفل
في غروب داكن
دروب متشابكة بحكمة
في نهر واحد
من البراءة.

***

فقدتُ قلق اللحظات
اجمعي يديّ
المبللتين بالأناشيد
واعزفي تلك اللازمة الرصينة
التي ترددها عرباتي القديمة
على الطرقات