بي داو
(الصين)

ترجمة: اسكندر حبش

بي داويشكل الشاعر الصيني بي داو (واسمه الحقيقي زاو زنكاي) أحد أكثر كتاب <الدياسبورا> الصينية نشاطا وعملا. ولد في بكين عام 9491، ليصبح في السبعينيات <الناطق الرسمي> باسم جيل من الكتّاب وقعوا ضحية الثورة الثقافية حيث تم منعهم من النشر وحتى الكتابة. يعيش غالبية وقته متنقلا بين الولايات المتحدة وأوروبا، على الرغم من استمراره بالكتابة بلغته الأم <إذ إن اللغة هي التي لا تزال تدعمني في العيش>.

يعتبر بي داو أحد أهم الشعراء الصينيين اليوم، ترجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم.

ليلة ماطرة

حين الليل المتبدّد في المستنقعات
يهدهد نخلة جديدة
مثلما نُهدهد الطفل الذي يغفو،
حين في أنوار المصابيح
تنتظم لآلئ المطر
التي تُزين كتفيك بنارٍ
ثم تتدحرج حتى التراب
تقول: كلا
بحزم
لكن ابتسامتك تتواطأ مع سرّ قلبك.
الغيوم الخفيضة والمعتمة، براحتيها الرطبتين،
تلمس شعرك
تمزج بمداعباتها أريج الورود ونَفَسي المشتعل
الظلال التي تبسط المصابيح
ونلحقها عند كل ناصية، عند كل حلم،
تحمل في فخاخها لغز سعادتنا.
الأحزان الماضية تسمرت دموعا تبلل منديلك
نُسيت تحت رواق معتم.
وإن غداً صباحاً
أجبرتني فوهات البنادق والشمس المدماة
على أن أضحي بحريتي، بشبابي وريشتي
لن أتنازل لهم عن هذه الليلة
لن أهبك إياها.
قد تختم الجدران شفتي
قد تقطعني القضبان عن سمائي
لكن ما خفق قلبي، فسيعرف دمي موجاته
وابتسامتك، المحفورة على القمر الأحمر
سترتفع كل ليلة أمام النافذة
لتوقظ ذاكرتي.

اتفاق

الغابة وأنا
نحْبُك هذا المستنقع الصغير
تغطس يدي في الماء
تعكر أحلام الجراثيم السرية
الهواء يتيم
البحر بعيد جداً
أسير في الشارع
ضجيج من جانب الضوء الأحمر
يتمدد الظل مثل مروحة
يرسم خطى في جميع الاتجاهات
التلعة يتيمة
البحر بعيد جداً
تضاء نافذة
في الأسفل، شبان
يدندنون ويمسكون الغيتار
وميض سجائر
الأوس يتيم
البحر بعيد جداً.
غفوت على الرملة
النسيم ارتاح عند زاوية الشفتين
تتقدم الأمواج منسلّة
تطوي تقوسها الناعم
الحلم يتيم
البحر بعيد جداً.

مرثاة

تذرف الأرملة عدة دمعات
من أجل بورتريه الثعالب الفتيّة
الجائعة تطالب بأن ترضع
تحطم، ثعلباً بعد آخر، دائرة الحياة والموت
تتأرجح القمم، تنشر صرخات ألمي
نحاصر معا مزرعة.
تجيئين من هذه المزرعة المحاطة بالدخان
إكليلك النجمي تتناثر أوراقه بسبب الريح
تتقدمين صوبي، والنهدان دقيقان جامدان
التقينا في الحقول
على الغرانيت ينبت القمح المجنون
أنت الأرملة، أنا الغائب
الرغبة لحياة بأسرها،
ممددان، مخضبان بالعرق،
يتأرجح سريرنا على بحيرة الفجر.

فضاء

الأطفال جالسون بشكل دائرة
في سيرك صخري بوادٍ
لا يعرفون ماذا يجري في الأسفل
مسلّة
في ساحة مدينة
مطر أسود
شوارع كبيرة فارغة
مجارير مترابطة
بمدينة أخرى
جالسون على شكل دائرة
قرب النار المطفأة
جاهلون ما يجري فوق.

مذنب

عد، أو بالأحرى ارحل للأبد
لا تبقى مسمّرا على العتبة
تمثالاً حجرياً
نظرةً لا تنتظر جواباً
يتحدث عنّا
غير المعقول
هو الفجر لا الظلمات:
هل ستستمر اللمبة بالحياة؟
ربما قد يولد مذّنب
ليجرف الردم والأنقاض
أسماء المنتصرين
كي تتبدل وجوههم، يشتعلوا، يصبحوا رماداً
عُد، سنبني بيتاً من جديد
أو بالأحرى ارحل للأبد، مذنّب
يُشعّ برودة الجليد
تُبعد الظلمات لكنك تقنع داخلها
اجتزت الممر الأبيض واصلاً ليلة بأخرى
في الوادي المأهول بالأصداء
تغني وحدك.

كابوس

على الريح غير المتيقنة
رسمت عينا
اللحظة المتجمدة تتلاشى باكراً
وما من أحد مع ذلك يستيقظ
يخضبّ الكابوس نور النهار
يطفو فوق مجرى النهر، يزحف على الحصى
يتناسل أزمات جديدة وخلافات
على طرف الأغصان وتحت الإفريز
نظرة العصافير الخائفة تتسمر على الزجاج
وتسقط إلى الأرض
أخاديد الطريق
تنسج طبقة رقيقة من الجليد
ما من أحد استيقظ بعد.
حالم شهر آب
ترّن الأحجار الصاخبة من الأعماق البحرية،
ترن رافعة الأمواج.
هو شهر آب الذي يرّن
ظهيرة آب بدون شمس.
ثلاثة أشرعة منفوخة بالحليب
معلقة، فوق، على الجثة التي تنحرف.
هو شهر آب المعلّق فوق،
تفاح آب الذي يدور من السكين.
المنارة مطفأة منذ أمد بعيد
تضاء من نظرات البحارة.
هو شهر آب الذي يضاء،
سوق آب الذي سيغطي الجليد.
ترن الأحجار الصاخبة من الأعماق البحرية،
ترن رافعة الأمواج.
إنها شمس الليل
التي رآها حالم شهر آب.

محطة مترو

عواميد الباطون الكهربائية هذه
كانت خشبات عائمة
فوق مجرى نهر
أتصدق هذا؟
ولا مرّة طارت النسور إلى هنا
حتى وإن كانت قبعات شعر الأرانب
تعرض في الشوارع تنوعها
أتصدق هذا؟
وحدها الماعز في الليلة الصامتة
تسير قطعانا في المدينة
المنارة بالنيون
أتصدق هذا؟
الأيام والدرب
الظل كما نشيد ربان
ذي مصفاة لونها أخضر باهت
الطائرة الورقية التي إلى يسار الشمس
عاصفة ثلجية
تنتظر الإذن.
إننا على أحد منعطفات القصيدة، كما
لو أننا نفتح درجا بلا حلم
كل الثقوب تمتلئ
بلهاث الفعل الجنسي
مصباح إشارة السير يشير
إلى التفاوت بين الأيام والدرب
هذه الاستعارة مثل حوض الصبّاغ
يبلل ثيابنا
أنغاما مبتدئة
ألوانا منتهية.