( مختارات )

عزّت سراييج*

ترجمها عن الإيطالية: الرداد شْراطي

ليصفح العشب عنّا

عدنان الأحمدسيتوسّل العشب إلينا كي نطأه في شبابنا
كي نهبَه سوناتاتٍ رقيقةً
سنطأه متأخرين والأسى يتملّكنا، له سنغنّي
أسفارا بلا عوْدٍ ولا ذكرياتٍ منسيّة

سنتوسل إلى الربيع كي يصفح عن كلماتنا الكثيرة
تلك التي لا تعرف كيف نخرسها.

1952

إهداء

أُهديكِ عيني وشفتي وأسناني
أَأُهديكِ قصائدي؟ ماذا ستفعلين بقصائدي المكتوبة، فأنا
لا أعرف الصمتَ
ماذا ستفعلين بقصائدي التي لا تعرف تقبيلكِ؟

جميلٌ ألا نكون عصافيرَ أوفياءَ حين ينسدل الليلُ
جميلٌ أن نملكَ سواعدَ لا أجنحة
ما الموتُ بالشيء الأخير الذي ينتظرنا
فعلى احتدامٍ أن يتابع تأجُّجَه
أنتِ سيّدةٌ صغيرة
صغيرةٌ سيّدة
أغسطس خالدٌ أتى بك إلى رقصاتي

تمسّكي بغَزَلي الذي سيصمد بعد
أحزاني، بعد تقلّباتي.

اِبقَيْ أمامَ عيني رجاءً

لِنَعِش ألمابعدَ، ما بعدَ الرحيل إلى مثوانا
لأنّا نعرف بفخرٍ والعشقُ يتدفّقُ منّا
نعرف فارّين من الخناجر والقنابل اليدويّة كيف نَقْتُلُ الملائكةَ فينا
ومع ذلك نبقى ملائكة.

أيتها الأجيالُ القادمة ابحثي عنكِ ملءَ تَحَرٍّ أحمرَ،
أجسادُنا ستضاجع بعضها تحت الأرض الخرساء،
فلتسيري بتؤدة
لئلا تجرحي شفتينا
لئلا تطئي نظراتِنا الميّتة

1955


ثمّة ليلٌ آخر

كما جنودٌ تسمّروا تحت راية
تاركين عشيقاتهم بعيدات

في إحدى الجهات يصدر القطار صريرا، اسمعيهِ يصدر صريرا
القطارُ الذي سيحملك أو يحملني
في إحدى الجهات تتقلّص المسافةُ بتوحّشٍ سيّدٍ
بين الشِّعر والصراخ

لا زالَ أمامنا قليلٌ من الوقت. ما الوقتُ بالذكريات
إنما الوقتُ حين تتوقين إليّ في احتدام شغفٍ، حين تنتظريني
وأنتظرك
الوقتُ حين تحدثينني وأحدّثك عن البقاء
قليلا، قليلا من الوقت لشفتينا العاشقتيْن رجاءً

في إحدى الجهات يصدر القطارُ صريرا، اسمعيهِ يصدر صريرا
القطارُ الذي سيحملك أو سيحملني
شخصٌ ما ينزل متلاشيا في إحدى المحطّات
لستُ أنا ولا أنت، صدفةً ليس إلا
ثمّة ليلٌ آخر أفقدكِ فيه
ليلٌ آخر
ثمّة
ليل

1955


تريّثُ دموعٍ حزينة

نَقْرُ المطرِ فوق الزجاج مثل سَيْرٍ منسي.
عاد الخريف مرتديا كلَّ الأشياء، عاد زمنُ
المرثيّاتِ القديم
سأذهبُ قليلا إلى المحطّة كي أتعوّد على الوداع
إنْ لم أعد ستبقى قصائدي تتسكّع في المدينة

بأمسٍ بعيد، كان الشبابُ
في قلبِكم، في قلبي كان ويكون وسيكون
سأرحلُ لكنّ أشخاصا ربّما ذهبوا إلى مكاني
إلى مقابر مَنْ أُعدِموا كي يتعلموا نَحْوَ الوفاء
سأضعُ قصائدي رهْنَ إشارتهم.

إني راحلٌ، حانَ الوقت. أنتمي إلى الماضي كما تقولون
تحيّة لمنتهى بلوغٍ متجدّدٍ بين أحضان مداعبة وتعشق
لا أحد يرفع مقامي وهو ينعتني بالصبيّ الراشد
إنه تشريفٌ باذخ
كما لو قيل: الربيع!

كم أغبطُ الآن ذلك الفتى عزّت سراييج، تلميذ السنة الأولى ثانوي
الذي كان يرتدي معطفا عسكريا ويذهب
لغزو العالَم غيرَ عابئٍ بعجزه عن تصريف
فِعْلِهِ المُفضّل عَشِقَ.
لن يًسمح لي أبدا بكتابة مرثيتي الأولى
لن يُسمَح لي أبدا أن أعود إلى سنّ السابعة عشرة أو الخامسة والعشرين
إني راحلٌ. أحانَ الوقتُ؟ عليّ أن أتّخذ من الذكريات ملجأ
لكنّ لي أشياءَ كثيرةً أريدُ قولها
إني راحل. ومع ذلك فأنا دوما هنا. إذا مررتم بالرقم 9/3 الكائن بزقاقِ
الملكِ تفرتكو، سأقدّم لكم كأسَ شايٍ وذِكرى
أنا دوما هنا. رجاءً امنحوني دقيقةً كي ألملم نفسي!

1959

سيّدتي

سيّدتي
أعفيكِ الحدادَ يومَ رحيلي
يومَ لا أجيئكِ إلا في انفلات شكل الذكريات
كوني سعيدة
كما في ما مضى من مساءاتِنا الجميلة
اقرئي مرّة كتبي واصرخي

1964

جدارية

لم أعرفْ كيف أمشي على إيقاع قرْع الطبول.
لم أعرف كيف أقاوم غزوَ الحُنُوِّ والكمنجات

1964

البلبل في بهو المستشفى

ابتكرتُ بلبلا يغني للسيدة
التي تترقب جراحَنا
ابتكرتُ ذاكَ البلبل و لنغَنِّ الآنَ
عزيزتي
أتسمعين لحنَه مِلْءَ خُدْرَتِكِ؟

1965

ذاك الشحرور

أيُّ منتهى بلغة ذاك الشحرور
الذي غنّى الربيعَ الماضي
لمّا كنّا ننتظر قدوم القطار
بمحطّة دولفيشي؟

أتكفي قصيدةٌ عن الشحرور
لتحلّ محلَّ غناء الشحرور؟

أشكُّ في ذلك

1967

أن تكتبَ نثرا

شاقٌّ أن تكتبَ نثرا
لتدوين صفحة من كتابي " مَن ستحمل سياراتُ الأجرة "
تلزمني ساعتان وعشرُ سجائرَ على الأقل
إنْ أنا كتبتُ " الحرب والسلم " سأموتُ متسمّما بالنيكوتين
قبل معركة بُرودنيا بزمنٍ طويل

1985

في قصيدةٍ أخرى

في قصيدةٍ أخرى، غيرِ هذه
لي أن أقول
حين يتوجب عليّ الحديثُ عن جيلي
سيكون جيلي صلبا بين الملائكة في السماء
لا على الأرض التي يمشي الناس فوقها
سيكون صعبا حتّى على الأرض أن تعيش دون جيلي

1987

إلا الموت

عشتُ كلَّ شيء
إلا الموت
لي فسحةٌ أخرى لأزورَ بلدا ما
لأتّخذَ صديقا
لِمَ لا؟
لي أيضاً فسحة الحصول على وِسامٍ شرفٍ
( سيكون الأول في حياتي )
ولي ختاما أن أقول
عشتُ كلَّ شيءٍ
إلا الموت

ألاّ أجرحَ حين أودِّع
مَن أحب ويحبّني
هو وحدَه ما يربطني بهذه الحياة

1987 ـ 1989


مُهيّأ

سيأتي اليوم
الذي أقول فيه وداعا
لرفوف الكتب
وداعا لكومة أوراق شجر القضبان
للمكتب

فليأتِ
إنّي مهيّأ

1987/1989


جرأة

لا دموعَ ولا احتدامَ ألمٍ تحت شجر الدردار
تقولون دوما
دوما تقولون
لا دموعَ ولا احتدامَ ألمٍ تحت شجر الدردار

لم يسبق أن كتبتم رسالةَ عشقٍ
أو فكرتم في الانتحار

فكيف، إذن، تجرؤون على قوْلِ إنّكم عشتم

1987/1989

شاعر بوسني ( 1930 ـ 2002 ) وديوانه أحد ما دقّ الجرس مكتوب بالإيطالية، وقد نال هذا الديوان جائزة البرتو مورافيا للعام 2002

المصدر: مجلة البيت ـ بيت الشعر بالمغرب، العدد 4/5 ، صيف خريف 2002