صدرت عن دار توبقال للنشر بالدار البيضاء قصيدة رمية نرد، في أول ترجمة عربية من طرف الشاعر محمد بنيـس، تكريماً لصاحبها الشاعر الفرنسي ستيفان ملارمي وتحية وفاء لحركة الشعر العربي الحديث.
لم يكن الشاعر ستيفان ملارمي، وهو يقدم علي نشر قصيدة رمية نرد أول مرة سنة 1897 في مجلة كوسموبوليس، واثقاً من مستقبل القصيدة. لكن السنوات المتتالية أكدت الثورة التي جاءت بها في تاريخ الشعرالإنساني، وخاصة بعد كل من قصيدة النثر والشعر الحـر. فقد تتابعت طبعاتها في الفرنسية وقدمت ترجمات لها في لغات، كما تركت تأثيرها في الحركة الشعرية العالمية وتواصلت الدراسات عنها، لكون مغامرتها افتتحت زمناً شعرياً جديداً في كتابة القصيدة والنظر إلي القصيدة والشعر والشاعر في آن. وتم إصدار الترجمة العربية في طبعة تحترم مواصفات الحجم الكبير (28 سم علي 38 سم) التي أرادها ملارمي لقصيدته، مع مراعاة تعدد أحجام الحروف ووضعها في فضاء الصفحة المزدوجة.
تشمل الطبعة كتابين: الأول من 32 صفحة، خاص بالقصيدة التي عنوانها الكامل هو رمية نرد أبداً لن تبطل الزهر؛ والثاني من 72 صفحة، بعنوان صلة وصل مع قصيدة رمية نرد . وهو يضم ملاحظة ملارمي التي كان بعث بها لمجلة كوسموبوليس، للتعريف بجدة المغامرة التي تنبني عليها القصيدة؛ و مع القصيدة لمحمد بنيس، يتناول فيها عملية ومراحل وأسئلة ترجمة القصيدة وطبعها، ثم يثير أول مرة، علي مستوي الدراسات الملارمية، حضور الثقافة الشرقية ـ العربية فيها، وإعادة الاعتبار لمكانتها في تاريخ الأعمال الأدبية البشرية، بالإضافة إلي هوامش وملاحظات مفصلة؛ و قصة نشر فولار رمية نرد لإيزابيلا كيكايّـيني، تعود فيها لقصة نشر القصيدة لدي الناشر الباريسي أمبرواز فولار، التي لم تصدر، والمحاولات المتتالية التي عرفتها طيلة أكثر من قرن، مع إضاءات جديدة علي طبعة فولار، التي كان ملارمي أشرف عليها وقام بتصحيح تجاربها الطباعية بخط يده؛ ثم تهويم لبرنار نويل، دراسة يتعرض فيها لدلالة حجم طبعة القصيدة وخصيصة الفضاء فيها ومكانة القصيدة في تاريخ التحديث الشعري في فرنسا والإبعاد الذي تعرضت له رسوم الفنان أوديلون رودون، المرسومة خصيصاً لتنشر صحبة القصيدة في كتاب.
والأصل في هذه الطبعة العربية، المحصورة في 200 نسخة، طبعة فنية مزدوجة اللغة، بالفرنسية والعربية، صادرة في 99 نسخة عن دار إيبسلون بباريس، بالتزامن مع طبعة دار توبقال للنشر، في أربعة كتب من الحجم الكبير، مطبوعة في إيطاليا، تتميز بنشر رسوم الفنان أوديلون رودون لأول مرة في تاريخ نشر القصيدة، فرنسياً وعالمياً، في الصيغتين الفرنسية والعربية معاً. وقد جاء في كلمة التعريف بهذا العمل المشترك، في طبعته الفنية المزدوجة اللغة، بين الباحثة الإيطالية إيزابيلاّ كيكايّـيني والشاعرين الفرنسي برنار نويل والعربي محمد بنيس :
كان ملارمي عند وفاته، وعما قريب ستبلغ المدة مئة وعشر سنوات، يعمل منذ شهور علي إصدار الطبعة النهائية لقصيدة رمية نرد لدي الناشر أمْبَروَازْ فُولارْ. وهذه الطبعة التي هي بعيدة عن أن تكون مجرد مشروع، كانت متقدمةً في الإنجاز وهو ما يبرهن عليه عدد التجارب الطباعية. كان ملارمي، كما يعلم كل واحد، دقيقاً جداً. كمُّ التصحيحات يشهد علي ذلك، كما أن اختيار حجم الكتاب وإرادة أن يكون النص، رفقـة ليتـوغرافيات صديقه أوديلون رودون، مصفوفاً بحرف ديـدو، مؤكدٌ بوضوح. ولم تصدر هذه الطبعة علي الإطلاق رغم أنها كانت جاهزة للطبع.
نأخذ عدم الطبع ذاك في الحسبان بمجرد ما ندرك أن معني النص مرتبط أشد الارتباط بتوزيع فضائه. لقد أصبحت ضرورة هذا الارتباط بالنسبة لنا بديهية حاسمة عندما كان علينا أن نواجه النص الأصلي مع ترجمته إلي لغة يثـير في البداية مظهرها الخطي. هكذا، وبقـيام محمد بنـيس بأول ترجمة عربية لقصيدة رمية نرد، طرحت بسرعة مسألة الحروف وأحجامها، ووضعها حتي تكون وفية ما أمكن للأصل.
لكن أي أصل؟ ليس يا للحسرة طبعة 1914 الصادرة عن غاليمار المسماة بالأصلية، التي لا تحترم الحجم والمصفوفة بحرف ألزيفـير، هذه العائلة من الحروف التي كان ملارمي يكرهها. ولا هي يا للحسرة أي من الطبعات المتوالية التي أحجامها تجهل أهمية توزيع فضاء القصيدة.
طبعة وحيدة تحترم إرادة ملارمي وتوضح الأسباب، هي التي أنجزتها ميتْسُو رُونَا صحبة تيـبُورْ بابّ تحت شعار مجلة شانج، سنة 1980. فالشكل الذي تم تبنّـيه عبارة عن دفتر موضوع في مغلف لا يقدم للأسف الكتاب الذي كان ملارمي يتمناه. وأصدرت منشورات بْتيكْس، منذ فترة وجيزة، طبعة صحيحة لكنها سرية. والطبعتان معاً نسيـتا رسوم رُودُون. فلمَ هذا النسيان؟ لا شك أن هذا النسيان يذهب في اتجاه التجريد الملصق بصورة ملارمي. اتجاه يُنـكر عليه الصورةَ كما يُنـكر عليه الفضاءَ لأن هذين العنصرين يشترطان الجسدَ هناك بالضبط حيث يراد للفكر أن يهيمن دونما تقاسم.
لقد حاولنا أن نذهب هنا ضد تيار هذه الصورة السلبية، التي انتهت إلي أن تصبح ذات سلطة، ونحن ننشر لأول مرة رمية نرد مع الرسوم الثلاثة لرُودُون. ولم يكن من الوارد بتاتاً أن ننشر رسوماً مزيفة بالالتجاء إلي نسخة ليتوغرافية، لذا فإن رسوم رُودُون هذه منشورة في شكل استـنساخ. موقعها في الكتاب إشكالي، لكن كان ثمة نموذجُ أغْلفـة منشورات فُولاَرْ ونحن نعلم أن الرسوم الأخري لم تكن لتوضع داخل النص .