كان هناك حشد خيالي، صف هائل الطول غير منتظم، مجموعات من خمسة أو أكثر تقف خلف بعضها كيفما اتفق منتظرة أن تصل إلى الشبابيك لتقدم جوازاتها. كل من حضروا فنزويليين أو أجانب كانوا في الصف نفسه. لم أصدق أنني سأصل لكن الحشد كان يتقدم بسرعة مذهلة، يندفع الجميع ويتفرقون. هكذا وجدت نفسي بعد نصف ساعة أمام الشباك وقد اختفى الصف أو كاد، على الشباك تراءى لي أن الجندي غير معني كثيراً بما أقدمه له، لم ينظر إلى الورقة التي تتضمن الدعوة. نظر إلى الفيزا وختم. أمام باب الخروج لم أجد ورقة الجمرك التي ينبغي أن أسلمها للمرأة قبل أن تسمح لي بالمرور لكنها نظرت إليّ وتركتني أخرج. كان هذا شبيهاً باللعب. خلت أن الأمر دائماً هكذا لذا لم يفزعني الطابور الخيالي ذاته في العودة. توقعت أن يتبدد أيضا في نصف ساعة لكنه جعل يتقدم ببطء شديد وبأوقات انتظار طويلة، لم يستطع مرافقونا أن يسهلوا الأمر لنا فظللنا في الصف ندفع حقائبنا أمامنا ونجرجر أقدامنا ثانية بعد ثانية. نجح مرافقونا أحيانا في أن يحصلوا لنا على بعض التسهيل لكن ساعتين انقضتا تقريبا قبل أن نصل الى موقع الشركة. كل الذين يحضرون الى المطار يجتمعون في الصف نفسه. لم أدر الحكمة في ذلك. بدا أن الشرطة أيضا معجوقون مثلنا ولا يملكون وقتا للتحقق من أي شيء. دفعنا جميعا حقائبنا في جهاز المراقبة الالكتروني، في الجهاز نفسه وتقدمنا بعد ذلك في صفوف بطيئة أيضا في الممرات المتقاطعة التي تؤدي إلى مواقع الشركات. استراحة قصيرة في المقهى ثم تكرر الصف البطيء قبل الوصول الى البوابة. كان علينا أيضا أن نجرجر أقدامنا لندفع بحقائبنا وستراتنا في جهاز الكتروني أيضا ونتعرض لتفتيش باليدين. لم أفهم لماذا يكون الخروج أصعب من الدخول ولا أجد منطقا لذلك. هل كان الأمر دائما هكذا أم أنها مصادفات، لكنها ليست المفاجأة الوحيدة على أي حال.
لم يطل وقت على دخولنا الى فنزويلا حتى بدأنا نشعر أننا محاطون دائما وأن مرافقينا لا يغفلون عنا، بدا هذا فرط اهتمام محمود ولم نجد حرجا في أن نصادف المرافقين إياهم باستمرار في المطعم واللوبي. كنا نحتاج إلى إرشاد فتقبلنا بسرور هذه الخدمة، كانوا تقريبا رهن إشارتنا فرددنا ذلك الى لطف ملحوظ في جميع من التقينا بهم هنا. لا يقحمون أنفسهم لكننا نجدهم دائما على مقربة وفي انتظارنا وعلى استعداد لتلقي إشارتنا، إنهم دائما بالمرصاد هذا ما بدأنا نحسه، ما أحسسناه أكثر أنهم ليسوا هكذا بإرادتهم إنه نظام صارم لا يستطيعون تجاوزه. نظام صارم في بلد ليس النظام من سماته، هو لنا بالتخصيص، إذا شاء جوزيه أنطونيو أن يذهب الى البيت يأتي ليخبرني وكأنه يستأذنني في أن يذهب، وربما يفعل ذلك ليلتقي بصديقته التي طال غيابه عنها، لم يكن اللطف هو الحبل السري الوحيد الذي يشدهم إلينا، كانوا تحت أمر. شعرنا أيضا أن آخرين دائما حولنا، لا يتدخلون، نصادفهم في الطابق في الفندق مرارا وكأنهم يحرسون أحدا. ولربما عجل أحدهم الى المصعد يقودنا الى الطابق. ما كانوا يشبهون المرافقين في القيافة والسلوك. لم نتعب لنستنتج أنهم رجال أمن. أجهزتهم تدل عليهم، لا يكلموننا لكن أعينهم علينا، لن يعترضونا إلا إذا جازفنا بالخروج من الفندق وحدنا وابتعدنا أكثر من رصيفه عندئذ يهرع خلفك ذلك الشاب الأسمر الذي نشعر دائما أنه من غير طينة أهل الفندق، يفهمك بالإشارات أنك ابتعدت وحين لا تفهم أو لا تستجيب يكلم بجهازه مرافقك ويسلمك الجهاز لتسمع منه بنفسك. تفهم عندئذ أنك لست حرا في اجتياز الشارع وحدك، وأنك باختصار لا تقدر أن تخرج من دون مرافق وحارس. هذا ما تفهمه بالتدريج، وبالممارسة. لا يقال لك ذلك من البدء وإذا سألت سيكون الجواب أن البلد غير آمن. لن تجد إشارة إلى الحرب الداخلية بين شافيز ومعارضيه، ولن تفهم إلا بعد وقت أنك وسط الحرب، وأن أحدا هنا ليس على الحياد.
الفندق وسط العاصمة أقرب الى أن يكون في غرب المدينة الموالي لشافيز والى الأحياء الفقيرة التي لا يتوافر فيها الأمن دائما، لكني لا أظن أن الحرص علينا كان مرده الخوف من النشالين أو لصوص النهار وهم موجودون ويحتاط لهم الجميع كما فهمنا، لكن كل هذه الرعاية تشي بمخاوف أكبر لم أتحقق منها الى الآن. أكانوا يخشون علينا من خطف أو قتل، أكانوا يخافون من أن نؤخذ كرهائن، لا أعرف، لم أسمع طلقة نار واحدة خلال إقامتي في كاركاس أو ماركيبو. جلست في غرب المدينة وشرقها ولم أشهد مظهرا مسلحا، لم أر سلاحا ولا مسلحين، مع ذلك يمكن ملاحظة الخوف في العيون، كما يمكن أيضا ملاحظة الانقسام. يقول كل من تراه فورا إذا كان مع شافيز أو ضده. يقوله بلا هوادة. لا يخاف من أن يقول رأيه فالحرب مفتوحة وكل في معسكره، لكنه يخاف مما سيحصل فليس المستقبل آمنا لأحد، لا تسمع الحرب لكنك تراها صامتة حاضرة. إنها الحرب وأنت الشاعر المدعو الى مهرجان للشعر لا تصدق أنك فيها، وأن المهرجان نفسه وسط المعركة، بل هو من أسلحتها، فليس في فنزويلا الآن ما يمكن أن يكون على حدة.
المهرجان
كان هذا أول مهرجان عالمي للشعر في فنزويلا، انتظروا طويلا حتى قرروا. مهرجان ميدلين في كولومبيا الجارة مضت عليه عقود من السنين ولم يلفت انتباههم قبل هذه الساعة، هناك مهرجانات أخرى في القارة وتأخروا كثيرا عنها، لماذا قرروا هذا العام مهرجانا للشعر، في اللحظة التي تصل فيها الحرب الاجتماعية السياسية الى الصفر وينتظم المجتمع بأسره في حرب خنادق. نشعر أن المهرجان ليس بعيدا عن ذلك وأنه تقريبا خندق ثقافي، كل هذا الحرص والرعاية وحتى الإغراء يوحي بذلك. يريدون لهذا المهرجان أن يلعب دورا في الحرب الثقافية ولا نفهم تماما كيف. وينتهي المهرجان ولا نعرف تماما ما الذي حققه من هذه الناحية، كانت الدعوة من وزارة الثقافة، هذا في غير فنزويلا قد يبدو عاديا لكنه هنا يعني أن المهرجان في جهة من الصراع.
دعينا الى المكتبة الوطنية، كوكتيل بسيط وخطابات عن الإنجاز المتجلي في المكتبة المتوخى منها أن تسجل وتؤرشف التراث الوطني بكامله لكن الكلام ينتقل بعد ذلك الى الحرب ضد الأمية ويصعد الى المنبر خريجون من مدارس محو الأمية ليقرأوا أشعارا من تأليفهم، وفي النهاية يصعد نائب وزير الثقافة فرانشيسكو سيستو ليلقي خطابا مفاجئا، لا يجد حرجا في أن يتكلم عن ال90% فنزويلي تحت خط الفقر في بلد بترولي غني ولا عن الاحتكارات المرتبطة كلها بالشركات البترولية، ثم يقول بلا أي هوادة إن مهرجاننا لا ذكر له على الإطلاق في الصحافة وعلى شاشات التلفزيون الخاصة التي تقاطعه لأنه بدعوة من الوزارة ومن الدولة.
كان خطابا فينا نحن الشعراء الغرباء الآتين من بلدان شتى، لكنه يستعدينا على المعارضة ويفهمنا أن مهرجاننا داخل الصراع وأننا ببساطة وسط الحرب الفنزويلية. لم ندخل الى المكتبة التي طالما تحدثوا عنها وفوجئنا بالدعوة الى العودة إلى الفندق بعد انتهاء الخطابة. كنا بدون أن نفهم تماما موضوعا لنشاط تعبوي فقد اخبرنا لتونا أن مهرجاننا منبوذ من المعارضة وأنه مهرجان النظام. لم ألاحظ أن هذا ساء أحدا، لم نأت لنخوض حملة شافيز لكن معظم المدعوين كانوا أقرب الى التعاطف معه ولم يحرجهم كثيرا أن يحسبوا في صفه. على طاولة العشاء أبلغني بي داو الشاعر الصيني المعروف أنا ومحمد بنيس ان رسالة وصلته من شعراء فنزويليين تخبره بأنهم لن يشاركوا في المهرجان لأنه (رسمي)، كانت هذه أيضا لغة (يسارية)، لكن بي داو المنشق الصيني المقيم في الولايات المتحدة لبى الدعوة رغم ذلك وإن سافر، عن قصد أو غير قصد، قبل اللقاء بشافيز.
كان هناك يافطة كبيرة تعلن عن مهرجان للمسرح في ذات المبنى الذي انعقدت فيه أمسيات المهرجان. هذا المهرجان تنظمه المعارضة التي تستفيد بحكم القانون من قاعات المبنى، بل ومن الرعاية المالية لوزارة الثقافة. البعض يقول إنه القانون والبعض الآخر يقول إن الدولة مخترقة من الجماعات المعارضة وأن شافيز لا يجمع الأمر في يده. ثم إن هناك أيضا تلك التظاهرة التي قامت في فناء المبنى احتجاجا على المهرجان حاملة لشعرائه رسالة الشعراء المعارضين الذين يقف على رأسهم كاديناس أحد ألمع الشعراء الفنزويليين مقابل كرسبو الذي يتكلم الفرنسية كأهلها ولهذا دلالته الاجتماعية والطبقية الذي يقف مع نظام شافيز. يمكن اعتبار آنا انريكيتا تيران الشاعرة العجوز التي افتتحت المهرجان متكئة على كتف مرافقتها وجها أرستقراطيا لكنها أيضا مع شافيز في حرب تكاد تكون القسمة الاجتماعية الطبقية فيها شبه صافية. إنها مع شافيز فيما عدد من الكتاب المعارضين جاؤوا من اليسار الفنزويلي. خلط أوراق كبير ولا يسهل فهمه بالطبع. المهم أن المهرجان لسبب ما، كان رهانا للنظام الشافيزي، وربما كانت الرعاية المرهقة التي أحيط بها الشعراء المدعوون دلالة على أهمية هذا الرهان. الأرجح أن نجاح المهرجان عنى كثيرا لوزارة الثقافة والنظام الصارم المفروض توخى أن يفسد هذه الغاية عامل جانبي من أي نوع، كان على العصافير التي أحضرت من بلدان شتى أن تصدح في أمسيات المهرجان وأن لا يعيقها عن ذلك أي شيء. الشعور بأننا تقريبا حبساء فندق الهيلتون لم يأتنا فورا، وصل إلينا بالتدريج لكنه ضايق سعدي يوسف الذي تذمر قائلا إنه لا يطيق أن يقبع ساعات في اللوبي، إنه معتاد على المشي، جسده يحتاج الى ذلك وروحه. رغبة كهذه كانت تجد فورا من يلبيها، يكفي أن نطلب أو نقترح، لكن المهم أن لا تخرج وحدك، فهناك دائماً ذلك الخطر الذي لم يسمه احد، رغم ان الكلام عن الانقسام لم يكن يحرج احداً، بل هو تقريباً على كل لسان، لم تحاول الايديولوجيا الشافيزية البوليفارية الوطنية ان تخفيه.
ليلة التدشين كانت احتفالا بحق، كانت هناك على المسرح دائرة من 21 شاعراً يتوسطهم ارنستو كاردينال السانديني النيكارغوايي الكاهن الشاعر الذي كان وزيراً للثقافة في الحكومة الساندينية، كان الشاعر يتقدم ليلقي من وراء رابية من الأزهار، الجمهور كثيف الفان في الغالب، امتلأت الصالة الضخمة لكن البلكون بقي شبه فارغ، عدد كبير لكنه ليس كذلك بالقياس للحشد الذي يفتتح به مهرجان ميديلين والذي يتجاوز عدده الخمسة آلاف. الأرجح أنهم في كاراكاس احتاجوا لخدمات ميديلين والأسماء دعيت بناء على قائمة من مهرجان ميديلين أيضا. رغم ان الدعوة وصلت قبل أربعة أشهر إلا ان الوقت لم يكن كافيا للترجمة مثلا واستعين غالبا بترجمات قديمة لمهرجان ميديلين أيضا، يغلب ان فكرة المهرجان وردت في وقت متأخر وبدت فجأة متعجلة ملحة.
على الشاشة ظهرت ترجمات الشعراء، كانت الأولى شاعرة دخلت متوكئة على عصاها، إنها شيخة الشعر الفنزويلي آنا انريكيتا تيران، وتتابعت الأسماء، الإكوادوري ادوم، والمصري زين العابدين فؤاد والكوبي كادينا والبرتغالية برانكو والكندي دوتون والبرازيلي مارتينس والجنوب أفريقي ديكيني والألمانيان بورغارت والفرنسية كاترين والطوارقي هواد والمغربي بنيس (حضر متأخراً بسبب تأخر الطائرة) واللبناني عباس بيضون، لم يكن باي داو الصيني حضر ولا سعدي يوسف وغاب البنغلادشي صاحاما بودين واليابانية شيريسي. بدا المهرجان بذلك مختصرا بالقياس الى مهرجان ميديلين لكن هذا جعله أكثر ضبطا، حفل افتتاح وليلة أميركية فآسيوية فأفريقية فأوروبية ففنزويلية فأميركا لاتينية، كان الجمهور سخيا للغاية تحمس لشعراء لكنه مع ذلك كافأ الجميع.
الشعراء الهادئون الذين أصابهم الذعر من تواجدهم مع شعراء مهرجانيين محترفي أداء عاملهم الجمهور بكياسة خاصة، لا شك ان لويز مارين الكيبيكية جفلت بعد ان سبقها اميري بركة بأدائه العظيم وأمينة بركة بافتتاحياتها الغنائية لكن الجمهور بدّد ذلك بحماسة لمقطعاتها البسيطة المرهفة التي ألقتها بصوت مهموس. يجوز ان نذكر السخاء كلما عرض الحديث للفنزويليين عامة، بعيداً عن الحاجز اللغوي والشكليات الوظيفية فإن ما حدا مضيفينا لان يمنحونا هذا القدر من رعايتهم هو قبل كل شيء قلب نادر، أو قدرة على البدء دائما من سبب إنساني، كانت الرسائل، أكثرها عمومية تنتقل بالعيون والأجساد، العناق القوي والحميم هو الجواب الفوري على كل إشارة ود، وأخيرا يمكننا ان اذكر مودعينا وهم يشيعوننا من بعيد بعيون ندية.
ربما كان هناك درجة من الاحتياط أو الاحتراز ليلة التدشين: حضر الجمهور بكثافة لكن بحساب وتحمس لكن بشيء من الضبط. الأرجح ان الصراع على المهرجان وعلى الشعر كان حاضراً تلك الليلة، لا اعرف إذا كانت هناك خشية ما ليلة الافتتاح لكن الليالي التي أعقبتها كانت أكثر حرية واسترخاء، حضر الجمهور بعد ذلك بغزارة غير متوقعة وكانت صفوفه تتقاطر على القاعة ويبقى نصفها في الخارج لا تتسع له الصالة، كان أكثر حرية واحتفاء وتصفيقا، كأنما زال حاجز ما بعد الليلة الأولى. تراءى لي ان المهرجان إذا قصد منه ان يكون حدثا، فقد صحت توقعات منظميه، بوسعي ان افترض ان سيطرة المعارضة شبه الكاملة على الميديا، صحفا وقنوات تلفزيونية، تجعل الدينامية الثقافية في معظمها في الجانب الآخر، وكان لا بد لكسر الحصار من حدث ثقافي، من نشاط مواز، المهرجان الشعري هو غالباً ذلك الحدث، لذلك كان رهاناً فعليا، هذه هي الدلالة التي تفوق حجمه وتنظيمه، انه وسيلة لاختراق احتكار الميديا. ربما كانت الآلاف التي حضرت تؤكد ان الرهان لم يكن خاسراً.
في الليلة الأميركية استمعنا الى اميرى بركة (بلاك بيت) يلقي من (هدم البرجين).
صعد العجوز الأسود المنحني الظهر النحيل الصغير ليلقي. لم تكن هذه قصيدة بقدر ما كانت محاكمة ملأى بالأحداث والأسماء. ومن الترجمة الاسبانية على الشاشة فهمت تقريبا كل السرد السياسي الذي تضمنته.
قرأ الشاعر الذي سماه مالكولم اكس اميرى وسمى امرأته أمينة، بدون ان يعتنقا الإسلام، بقوة لم يقدر لي ان اشهد مثلها من قبل. لم يغن اميرى ولم يمثل. بقي على حافة الغناء وحافة التمثيل لكنه كان يلقي أولا، يرسل هو (من) مترددة متموجة، يرفع صوته صافيا مباشراً مشحونا بالاتهام متسائلا، غاضبا ومتألما، صوت الشاعر، وصوت الإنسانية وصوت القاضي في آن معاً.
كان بوسع دوتون الكندي ان يخرج من حنجرته مئات النوطات والإيقاعات والردود، ان يطلق منها اصواتاً مبتكرة لا تدل إلا على نفسها، كان بوسعه ان يحولها الى ورشة هائلة وان يكون بمفرده في تلك الليلة جوقة واوركسترا ومسرحاً. يمر العالم في حنجرة دوتون لكن الشعر لم يكن مرة بهذه القوة والهيمنة بل يسكت الشعر حيال لعبة بهذه البراعة والتفنن.
لا اقدر ان أتخيل الشعر صوتاً فحسب، لا استطيع ان أتخيله عرضا فحسب، لا يهمني ان أضع فن دوتون لكني لا أجده اقرب الى الشعر من المسرح. ثم ان هذه العروض الصوتية رغم تفننها بدأت ترهقني دائما، إنها تبدو نوعاً من السيرك الصوتي، لكم أحببت السيرك لكن تراءى لي انه أسهل مما يبدو. قد يكون جميلاً ان نفكر في قصيدة لا تدوم أكثر من إلقائها لكن هذا اللعب الصوتي يبدو حاذقا ومعتدا أكثر مما يطيق الشعر. لنقل ان التفنن هنا يحجب الجمال الذي هو في العادة أكثر حساسية وصخبا وخفاء. لنقل ان شيئا من السأم بدأ يخالط حضورنا لهذه العروض، شيئا من الإحساس غير المبرر بتشابهها ورتابتها، بل شيئا من الإحساس بأنها تستنفذ الصوت الى حد ليّه وإجباره وربما الاعتداء عليه.
إحساس كهذا انتابني وأنا اسمع هواد يبرطم ويخرج من أسنانه اصواتا زاعقة هستيرية، تتكلم لغة لا اعرف إذا كانت لغة، فبالطريقة التي كان يقولها بها كنا أمام نوع من لغة الآي آي بحسب يوسف إدريس. تراءى لي ان هذا أشبه بمسرح للقسوة على حد تسمية ارتو، كنا أمام شامان ومحضر للأرواح لكن الأصوات الخانقة نخرت أعصابنا.
لهنا التمثيل نجاح أكيد، لكن أول نجاحاته طرد الشعر جانبا. ماذا كان بوسع وارن الحميمة ان تفعله حيال دوتون، لقد كان على المسرح حاضرا كساحر ولاعب ومهرج الى حد يرتعد معه الشعر خوفا. هذه العروض التي لسبب لا أدريه تدخل في الاحتفالات الشعرية تطرد الشعر غالبا أو تبديه عاجزاً ومسحوقاً.
سعدي بمجرد حضوره بوقوفه وهو يردد (أميركا أميركا) كان يستولي على الجمهور. لا يحتاج الى أكثر من ان ينتصب بقامته ويصافح الجمهور بصوته المباشر والأليف. لقد انعقد من اللحظة الأولى بينهما حبل سري ويكفيه فقط ان يرفع صوته ويلقي.
مع ذلك لا تخرج المهرجانات عن ان تكون عروضا. للسياسة بالطبع غلبه أكيدة ولا يمكن انتاج الجمهور الشعري بوسائل أخرى، (الشعر والجمهور). هذه بالتأكيد مسألة أخرى ولا نستطيع ان ننيط بالمهرجانات حلها.
كان السؤال الاوّل في التلفزيون (مراكيبو المدينة الساحلية المدارية) ماذا تعرف عن الشعر الفنزويلي، كذلك كان السؤال الأول الذي تلقيته بعد أمسيتي الأولى في مراكيبو أيضا.
تذكرت أنني لا اعرف شيئا، كان الشعر الأميركي اللاتيني بالنسبة لي واحداً ونادراً ما عنت لي الأقطار شيئا، لم أكن قادراً كثيراً على توقع الوطنية الفنزويلية. لكنها كانت أيضا لحظة تبدو فيها الوطنيات كلها غير مفهومة وخاصة للغاية، تلقيت بالطبع أسئلة عن العراق وفلسطين لكن السؤال الذي بدا لي معزيا أكثر هو (بماذا تنصح شاعراً شاباً). ربما كان الأكثر سخفا، في هذه المهرجانات هو ان الشعراء لا يقرأون بعضهم بعضا، لم يكن الأمر كذلك تماما بالنسبة لي، أظن أنني تعرفت بفضل المهرجان على شاعرتين جديدتين وارن كاتريس الفرنسية التي لفتني وضوحها وحفاؤها الكلاسيكي وميلها الى حكمة ساخرة مع قدرة النص على المفاجأة وتجاوز حدوده فيما بدا شعر لويز وارن ذا كثافة ودقة من نوع آخر حيث البصري والعاطفي والفكري تدخل في مقطعات غنية متقنة كجواهر صغيرة.
لم يكن مفاجئا بالطبع العثور على شعراء لبنانيي الأصل بين الفنزويليين، وفا صالح التي لا تزال تتكلم لبنانية تقطر بأصلها الجبلي، طارق وليم صعب الشاب النائب الذي سرد بسرعة وبلبنانية متآكلة ألقابه كلها ونسبه اللبناني. كرسبو (الأب الضمني للمهرجان) امتدح صالح وتبناها وقال عن صعب انه للعجب شاعر بطولي.
لم أكن لدى سفري الى فنزويلا جاهلا تماما بوضعها الداخلي. علمت من اللوموند ديبلوماتيك وسواها أشياء، لكن أكثر ما أربكني هو وقوف النقابات في صف المعارضة التي تقودها الشركات التي تصب مصالحها في الولايات المتحدة.
اليوم يربكني أكثر وقوف مثقفين يساريين في الأصل الى جانب المعارضة.
فرانشيكو سيستو (نائب وزير الثقافة) في غرفة معجوقة في الفندق قال وهو على السرير ببنطلونه الجينز وقميصه الأبيض ان هؤلاء المثقفين كشفوا عن وجوههم فهم الذين يعملون في قنوات تلفزيونية وصحف تملكها البورجوازية وجدوا الحجة التي يبررون بها الخدمة التي يقدمونها لأرباب عملهم، يبدو تحليل سيستو قويا بالطبع فحين يصل الاستقطاب الطبقي الى هذه الدرجة من القسمة 80% في أيدي ال20% وال20% في أيدي ال80% لا نستغرب ان يوجد المثقفون في الجهة الأخرى، لكن عدداً آخر من المثقفين في جهة الدولة التي قد تكون أيضا رب عمل جيدا، أو على الأقل باباً معقولا للربح. ثم هل يمكن بهذه البساطة القول ان مثقفي اليسار كشفوا عن وجوههم وانحازوا بلا هوادة الى مصالح في المعارضة التي يعلمون جيدا أنها في خدمة الولايات المتحدة، وإذا كان الاستقطاب الطبقي حاسما بهذا فلماذا يقف الضباط الكبار حالياً مع شافيز، فقد انتهت قصة حياد الجيش، انه الآن مع شافيز بل هو الى حد ما حزب شافيز.
الولايات المتحدة هي بالطبع مقتل المعارضة، المثقفون المعارضون يتجاوزون هذه النقطة، يقولون حين تذكرهم بها ان شافيز لم يفعل شيئا ضد المصالح الأميركية، ان عداءه لها لفظي وتعبوي فحسب وانه في الحقيقة لم يقدم على شيء ضدها، هو بالعكس رضي بتمديدها حين حان الوقت. مثقفون آخرون يقولون ان التحريض الطبقي هو أيضا لفظي وصوري، يستغل شافيز الفقراء لكنه لا يقدم الكثير لهم، يبني جامعات من الدرك الأسفل، ويقدم طبا من الدرجة الأدنى، مستشفيات الدولة كجامعاتها مزرية، ما تمنحه الدولة للفقراء تقدمات خيرية تقريبا ولا شيء جوهريا لا شيء بنيويا أو عضويا فعلا يعدل الميزان الطبقي أو يغير فعلا قواعده. الذين يقولون ذلك ليسوا دائما ضد شافيز، أحيانا هم متطلبون أكثر، لكن فرانشيسكو سيستو يقول كما يقول شافيز نفسه ان (الثورة) سلمية ودستورية وفي هذه الحدود لا سبيل الى تغيير سريع. ولكن المهم هو الوجهة، الدولة تضع إمكاناتها في خدمة الأكثرية المعدمة، الجامعات، المستشفيات، مدارس محو الأمية التي نجحت تقريبا في إزالة معظمها، وجبات الطعام للتلاميذ في المدارس، المطاعم الشعبية، كل هذا يتم ببطء لكنه يتم. يرفض الأطباء الذهاب الى الريف البعيد فترسل الدولة أطباء كوبيين الى ابعد المناطق، هذا يسخط الأطباء، لا بأس، يجعلهم في المعارضة، لا بأس لكن الرعاية الطبية تصل الى حيث لم تصل من قبل.
مع ذلك فالنقاش ليس سهلا لكنك لا تعرف على أي بساط يتم. يركز شافيز على ان الثورة سلمية، لماذا هذا الإلحاح على لفظة الثورة إذا كانت سلمية، أهو فقط من الاستلهامات الكوبية، لا يقف شافيز عن مديح فيديل كما يسميه باسمه الأول. الثورة سلمية وديموقراطية. حجة شافيز وجماعته واضحة، المعارضة هي التي تحدت الشرعية، الانقلاب الذي أحبط بقوة الشعب والجيش اللذين اجبرا الانقلابيين على الإفراج عن شافيز وإعادته الى السلطة، الانقلاب كان من تدبير المعارضة وهي التي لم تحترم الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة. ستكون هذه النقطة مركزية دائما في حديث سيستو وحديث شافيز نفسه. لا تستطيع المعارضة الكلام عن الديموقراطية ما دامت قامت بانقلاب ولا تصح مزاعم الولايات المتحدة بالدفاع عن الديموقراطية ما دامت أيدت الانقلاب. لا ننسى ان شافيز رئيس منتخب ومنتخب عدة مرات، ربما كانت هنا الحلقة الرئيسة في خطاب شافيز، مع ذلك تستمر المعارضة في اتهام شافيز بالنزوع الديكتاتوري وإلا فيم يسمي حكمه ثورة. وفيم يمشي في اثر فيدل الذي تعتبره كل قرية في أميركا اللاتينية كما قال لنا بطلا وطنيا. فيم اباح لنفسه ان يغير اسم الدولة فتغدو الجمهورية البوليفية، لا يسمي أحد الولايات المتحدة الواشنطنية مثلا، ثم ان شافيز ليس أيديولوجيا للدولة وليس هذا من سنن الديموقراطية.
قام الضباط الكبار بانقلاب، هذا صحيح لكن حكم شافيز وطد سلطة الضباط المتوسطين وصغار الضباط، لم ينجح انقلاب الجنرالات لكن حل محله حكم الضباط الصغار بل حكم الميليشيات. لا ننسى ان لشافيز ميليشيا وأنصاره يتصدون للتظاهرات بالعنف، يتهم خصوم شافيز حكمه بالعسكريتاريا، الضباط هم الذين يحكمون وليس من حزب لشافيز سوى الجيش، شافيز وجماعته يقولون انه جيش بدون عسكريتاريا. وجيش ملتحم بالشعب ويقدم شتى الخدمات حيث يوجد: يزرع ويبني ويحصد ويطبب ويحلق. لقد سن حكم شافيز للجيش هذا الطريق لكن لماذا هذا الاهتمام بصورة أخرى للجيش لو لم يكن الجيش حقا ركيزة الحكم وحزبه الأساسي. خصوم شافيز يقولون ان الاعتماد على العسكر هو عتبة الديكتاتورية، لقد خاض الضباط في السلطة وعرفوا حلاوة الحكم ولن يقصيهم بعد أحد بالحسنى، لقد تنعموا أيضا بالثراء وبالامتيازات، بالبذخ والفيلات ويدعمون حكم شافيز لذلك، لكن سلطة بهذه القاعدة تملك كل عناصر الإرغام والاستئثار بالسلطة، بل تملك إمكانات للقمع لن تلبث ان تشهرها. خصوم شافيز لا يصدقون دعوى الديموقواطية، يقولون انه جاء بالانتخابات ولن يرحل بالانتخابات، وان رجلا سبق له ان حاول انقلابا عسكريا، رجلا مثله الأعلى فيدل كاسترو لا يؤمن في قرارته بالديموقراطية، انه يطلق ميليشياه اليوم وسيطلق في غد جيشه لكنه لن يرحل بالحسنى.
يتكلم خصوم شافيز عن نزعة عسكرية، عن استعداد للقمع، شافيز لا يجعل الديموقراطية حاجزا بينه وبين ان يحب فيدل أو عبد الناصر أو تيتو، الأسماء التي ساقها في حديثه لنا.
مضيفا إليها نهرو، ان ميله الى إعطاء الدولة أيديولوجيا ثورية وطنية شعبوية واضح، هذا في الغالب ما يعنيه بالثورة لكن ممارسة شافيز هي في أحيان كثيرة دفاعية، انه يترك للمعارضة ان تسيطر على الإعلام في كليته بحيث لا يجد صحافيا واحدا يغطي لقاءه معنا مثلا. ليس في هذا أي مظهر من الإرغام أو حتى القوة، انه هنا ضعيف جدا أمام المعارضة وليس هذا هو المكان الوحيد الذي يظهر فيه ضعفه. يلجأ حكم شافيز الى شيء كمهرجان الشعر العالمي ليكسر عزلته في الوقت الذي يعير فيه المبنى الحكومي أيضا للمعارضة ويرعى ماليا نشاطاتها. ليس في هذا أي مظهر إرغام. الأرجح ان التخويف هو سياسة الميديا المعارضة، التخويف من النوايا والافتراضات الى الحد الذي تبدو فيه هذه وقائع، التخويف من إتباع المثل الكاستروي، من المصير الكوبي، هنا تكاد النزعة الموالية للولايات المتحدة تفصح عن نفسها. بين الولايات المتحدة وكاسترو نختار الولايات المتحدة. يقول خصوم شافيز هذا في النهاية. لكن ليس شافيز هو الوحيد الذي ينسى الديموقراطية حين يتكلم عن كاسترو، كل القارة كما يقول سيستو تتجه الى ذلك، مكانة كاسترو ومخاصمة الولايات المتحدة هما هما في كل القارة اللاتينية، ومن يريدون ان يجعلوا من فنزويلا مستعمرة أميركية يخالفون مناخ القارة اليوم واتجاهها العام ويعودون بالزمن الى الوراء. يقول سيستو.
التخويف والتحريض
إذا كان التخويف هو سياسة المعارضة فالتحريض هو سياسة شافيز، التحريض الطبقي الصريح ضد ال10 بالمئة الذين يملكون 80% من الإنتاج، انه تحريض صريح يأخذه المالكون، صغارهم وكبارهم بجد، فالتحريض موجه الى المعدمين الذين ما ان نطل على كراكاس حتى نراهم يعششون في المرتفعات غرب كاراكاس وربما شرقها، يعششون بكل معنى الكلمة، تتسلق أكواخهم أرض الدولة وتبني عليها وتسرق كهرباءها. إنهم المعدمون الذين لا يملكون شيئا وسيناسبهم التحريض وسيتذرعون بأي مناسبة ليعيثوا في أملاك الغير نهبا وسرقة واعتداءً، هذا هو رعب المالكين. وهو رعب يدفع بعضهم الى نقل أمواله ومغادرة البلاد أو إغلاق مصالحه. نجح التهويل ولربما تقصدت ذلك المديا، إن تخريب الاقتصاد قد يرغم شافيز على المغادرة، والنتيجة تدني سعر البوليفار عملة البلاد 7 مرات ونيفاً أمام سعر الدولار. النتيجة جمود اقتصادي أوقف النمو وجعل الأسعار تتراجع الى الحضيض. (البناء) مثلا شبه متوقف. الملاكون، صغارهم وكبارهم، في رعب من اجتياح للمعدمين وأهل القاع، يقولون ان شافيز أطلق الزعران والحثالة والأوغاد، قاعدته هي هؤلاء ولا يعلمون متى يطيحون بكل شيء، ومهما يكن فإن كل صاحب مصلحة سيتضرر في الأقل من الجمود والتراجع. كل صاحب مصلحة لن ينام خوفا من ثورة العوام، ثورة وليست بثورة. حكم منتخب لكنه مُقاطع وجزء من الشعب لا يحترم الانتخاب ولا يعترف بالشرعية ويقاطع الدولة من موقع قوة ويتبجح بالثورة. دولة تمارس التحريض الطبقي على جزء من رعاياها، حرب خنادق اجتماعية وسياسية، ميديا وسياسة تخريب وتخويف في أيدي المعارضة. إذا كانت هذه هي اليافطات الكبيرة فإن المفارقة الأخيرة أنها حرب خنادق لا تتحول الى العنف وعنف صوتي ولفظي في الأساس، والسؤال إذا كان بقاء هذا العنف في دائرة التصويت والألفاظ مضمون الى الأخير.
القنوات التلفزيونية في أيدي المعارضة اللهم سوى قناة الدولة، لكن للدولة حقا في القنوات الخاصة، انه حق قانوني بمقتضاه تمنح الدولة وقتا للدعاوة لسياستها. من يستثمر اليوم هذا الحق صحافي النظام الأول: شافيز نفسه. انه على مثال كاسترو أيضا يقدم كل نهار أحد برنامجه الذي يفرضه بموجب القانون على القنوات الخاصة المناوئة. وبرنامج شافيز يطول ساعات وساعات، يتكلم سبعا وثماني ساعات متوالية. يتكلم عن كل شيء لا السياسة وحدها بل الأمور الأخرى مع طرف من حياته الخاصة ومغامراته. انه مشوق وشعبي وقريب، كان شافيز ذلك الأحد قد تكلم سبع ساعات، تكلم بين أمور أخرى عن المهرجان وفي المساء استقبل ضيوف المهرجان وتكلم ساعتين أيضا. وبقي أيضا مشوقا وشعبيا ومفوها. كاريزمية هذا الرجل ليست أكذوبة، يمكنك من هنا ان تتحقق من سطوته على الجمهور. تكلم عن الشعر والثورة وذكر ان بوليفار نفسه كان شاعرا، وشرح ثورته السلمية وبالطبع توقف طويلا عند الانقلاب الفاشل. تكلم عن فيديل بالطبع وذكر تيتو وعبد الناصر وكاسترو ووصف بوش بأنه كحولي قديم وصاحب مخدرات ومعقد، أمضى ساعتين على هذا المنوال، وكان أثناء ذلك مرحا وقريبا وصاحب نكتة، بعد العشاء دار على الطاولات واحدة واحدة وجالس الحاضرين وقال لسعدي يوسف بعربية لا غبار عليها (السلام عليكم). مع ذلك لم يكن هناك صحافي واحد. مصور القصر وحده كان وراء الكاميرا الوحيدة. كان هذا مظهرا حزينا لقوة سيد القصر و(ديكتاتوريته). أنصار شافيز يتحدثون أيضا عن أخطاء يجملونها عادة بكلمتي (الفوضى) و(الغباء) الأمر الذي يوحي ان الآخرين أكثر تنظيما وذكاءً، تفكر في أنهم أكثر خبثا. تفكر في أنهم اخترعوا الخطر الشافيزي قبل ان يغدو حقيقة وان خطابية شافيز ولفظيته الثورية وربما ميليشياه تساعدهم من حيث لا يحتسب. لا تصدق بسهولة ان يكون (الديكتاتور) معزولا الى هذا الحد وان لا يفعل سوى ترك الآخرين يجعلون بقاءه مستحيلا. لا تصدق ان يكون خطرا الى هذا الحد ولا يفاوضون ولا يقبلون بأقل من خروجه قبل إنهاء مدة حكمه. لا تصدق أسطورة الجيش الشعبي ولا تفهم لماذا يكون الجيش هنا، ووسط كل هذا الفساد، شيئا آخر وماذا تعني ثورة المعدمين بلا ثورة سوى مزيد من الاحتقان والفوضى. الرأسمالية أكثر خبثا بالتأكيد، لكن الشارع لا يملك أسس دولة.
أخشى ان نكون نسينا الحديث عن جمال فنزويلا.
السفير
2004/04/16
إقرأ أيضاً: