(بمناسبة مهرجان الشعر العربي الخامس في الشارقة)

حكيم عنكر
(الإمارات)

بيوت الشعر العربية، هل ساهمت "بيوت الشعر" في تفشيه؟ يصادف هذا الملف حول بيوت الشعر في العالم العربي، مهرجان الشعر العربي الخامس الذي ينظمه "بيت الشعر" التابع لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة أيام 26 و27 و28 من الشهر الجاري في قصر الثقافة، وبقدر أهمية إقامة هذا الملتقى السنوي من قبل "بيت الشعر" في الإمارات بقدر ما يدعو الأمر إلى التفكير في الأداء العام لبيوت الشعر العربية التي رأت النور خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي، والتي انطلقت بآمال كبيرة، عكستها البيانات التأسيسية التي راهنت جميعها على أهمية الشعر في الحياة المعاصرة ودوره في التعبير عن روح العصر.
لكن هذه الآمال المعبر عنها لم تحتفظ مع مرور الوقت بذلك التوهج واللمعان الذي جسدته البيانات التأسيسية الأولى، إذ سرعان ماخبت تلك الحماسة، وحل محلها نوع من التراخي في النهوض بالوظيفة الشعرية والأدبية والإخلاص لروح الجمال في العالم، وتحولت أغلبية هذه "البيوت" إلى مقرات مغلقة وغرف بجدران عالية، وساحات لا تلجها إلا القبيلة الشعرية.
وقليلة هي المحاولات، هنا أو هناك، التي استطاعت أن تحفر مجرى ثابتاً في جسد الحياة الثقافية العربية، وأن ترتفع بهذه المؤسسات من طابعها الصوري إلى مستوى من الفعالية ومن الشمولية التي لا تنظر إلى مؤسسة البيت باعتبارها مكتسبا في حد ذاته يعض عليه بالنواجذ، ولكن تسعى إلى ممارسة النقد الذاتي الكفيل بتطوير الممارسة الشعرية العربية، ويفتحها على أفقها العالمي وفضائها الكوني الذي تصبو إليه.
في المغرب أسس بيت الشعر المغربي مهرجانه العالمي، وفي تونس انفتح بيت الشعر التونسي على الآفاق الطلابية الرحبة والواعدة، وفي فلسطين ارتفع بيت الشعر الفلسطيني إلى مستوى رهانات الجيل الجديد من الشعراء الشباب الفلسطينيين، وفي الشارقة يحاول "بيت الشعر" أن يربط جسور التواصل مع أطراف القصيدة العربية هنا وهناك، وفي اليمن والأردن تتعثر الممارسة وتحاول الوقوف، وفي بلدان عربية أخرى لا تدعو الحاجة إلى تأسيس بيت للشعر مادامت اتحادات الكتاب قائمة وموجودة، ومادامت الإطارات التي تهتم بالشعر وبغيره من الأجناس الأدبية متوافرة بالعدد الكافي، بل انها أحيانا فائضة على القيمة.
الوقفة الإيجابية التي تبصر المرحلة ضرورية لهذه البيوت، على الأقل في التفكير في صيغ مباشرة للعمل المشترك والتنسيق بينها على مستوى هذه الأقطار التي تتواجد بها "بيوت".

***

"بيوت الشعر" في الوطن العربي وأوتادها
بيانات تأسيس طليعية لوضع اعتباري للشعر والشعراء

ملف من إعداد:
حكيم عنكر عمر شبانة حسن الوزاني

يتزامن ملف "بيوت الشعر في العالم العربي" الذي ينجزه "الخليج الثقافي" مع ملتقى الشارقة الخامس للشعر العربي والذي ينظمه "بيت الشعر" في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وذلك أيام 26 و27 و28 فبراير/ شباط في قصر الثقافة، والذي يمدد هذه السنة إلى فاتح وثاني مارس/ آذار المقبل في خورفكان، ويشارك في ملتقى الشعر العربي الخامس 12 شاعرا من العالم العربي ومن الإمارات، وتقام إلى جانب الأمسيات الشعرية حلقة نقاشية حول موضوع "الشعر العربي المعاصر بين الانتشار والانحسار" يقدم ورقتها الرئيسية الشاعر علي كنعان، كما يتحدث الشعراء المشاركون عن تجاربهم والعلامات الفارقة التي أسست قصائدهم.
بيوت الشعر في العالم العربي هل جاءت لتعبر عن حاجة ماسة إلى أهمية الشعر وضرورته في الحياة؟ أم هي مجرد بيوت وجمعيات تختص بموضوع الشعر وتعنى به؟ كما هو الأمر بالنسبة لنوادي القصة ومختبرات السرديات التي انتشرت في الكثير من العواصم والمدن العربية، كتعبير عن الحاجة إلى التخصص من قبل الباحثين والدارسين والأدباء، كما هو الحال بالنسبة لتلك الحلقات المؤسسة في التاريخ الأدبي الحديث من مثل "حلقة براغ" و"حلقة كوبنهاجن" و"كمونة باريس" و"حلقة فيينا" وغيرها من التجارب الأوربية التي رافقت الثورات الأدبية التي عرفها القرن الماضي.
من المؤكد أن "بيت الشعر" هو تقليد غربي، أو لنقل تقليد فرنسي بالأساس، لقد عرفت فرنسا مثل هذه التجمعات التي كانت متخصصة في الشعر، لها شعراؤها ومريدوها وجمهورها الخاص.
واليوم حين يدخل الشعر العربي الحديث إلى بيته، فإنما يعود إلى أصله وإلى تربته التي خرج منها في سياق متجدد آخر، يتمثل في الارتفاع بمستوى حضور الشعر العربي في الحياة اليومية للناس، وإضفاء معنى على هذا الحضور السحري، وتجنيب القصيدة في الزمن السريع الانهيارات المحدقة بالأدب وبتلقي الجمال.

عشر سنوات أو يزيد قليلا هي العمر الكامل لبيوت الشعر العربية، أقدمها على الإطلاق هو "بيت الشعر التونسي" الذي أشرفت على تأسيسه وزارة الثقافة التونسية في أوائل التسعينات من القرن الماضي تحت إشراف التونسي أولاد أحمد، قبل أن يخرج منه مطرودا ليتسلم إدارته الشاعر المنصف المزغني، الذي قاد تجربة أخرى مغايرة كان من أهم إنجازاتها الإنفتاح على الوسط الجامعي والاعتناء بالشعراء الشباب، ولعل في تجربة الكراس الشعري الذي أصدره في مستهل الألفية الثالثة والمعنون ب "المشرب الجامعي" ما يدل على التوجه الحيوي لهذا البيت التونسي، والذي يحاول أن يكون بيتاً للجميع.

في تجربة أخرى منمازة نجد "بيت الشعر المغربي" الذي أشرف على تأسيسه الشاعر المغربي محمد بنيس رفقة عدد من الشعراء الأساسيين في المغرب منهم الشاعر الكبير محمد بن طلحة والشاعران المغربيان اللذان يكتبان بالفرنسية محمد النيسابوري ومحمد الواكيرة والشعراء صلاح الوديع وحسن نجمي وصلاح بوسريف، وانضم إليهم جيل شعري آخر من الشعراء الشباب، ولعلها تكون التجربة العربية الوحيدة التي أثمرت ثمارا ناضجة وسارت في طريق الارتباط بالشبكة العالمية لبيوت الشعر الدولية في كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا وأمريكا والصين والبرتغال.
في السياق نفسه تمثل تجربة "بيت الشعر الفلسطيني" و"بيت الشعر الأردني" و"بيت الشعر اليمني" والتجربة الجيدة ل "بيت الشعر في الإمارات"، والتابع لدائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة.

**

الشارقة :

"بيت الشعر" في الشارقة.. شعر خليجي وعربي

افتتح "بيت الشعر" في الشارقة عام 1997 وهو مركز ثقافي يعنى بقضايا الشعر العربي والارتقاء به في مجالات الكتابة والتوثيق والإعلام والنهوض بها عبر الإنتاج والتبادل العربي والإنساني، ويحتوي البيت على مكتبة تضم نحو 7 آلاف عنوان متخصص في تاريخ ودراسات ونقد ومراجع ودواوين الشعر العربي من العصر الجاهلي الى وقتنا الراهن، إضافة الى ركن خاص بأعمال كبار الشعراء العالميين والشعر المترجم من العربية وإليها.
وطرح "بيت الشعر" في الشارقة عدة أهداف من بينها تأصيل دور الشاعر والشعر في حركة الثقافة العربية في المجتمع، وإيصال الشعر الى أوسع شريحة من قطاعات المجتمع وتوثيق الحركة الشعرية المحلية والخليجية والعربية، والتفاعل مع الحياة الشعرية وطنياً وإقليمياً وعربياً وإنسانياً، ودعم الشعراء وحركة الشعر انطلاقاً من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحث في جماليات الشعر العربي، والبحث والدراسة في شعر وشعراء الإمارات والخليج والوطن العربي.
ونظم البيت عدة مهرجانات للشعر العربي واستضاف منذ تأسيسه عددا من شعراء الخليج والوطن العربي، منهم: مانع سعيد العتيبة، خالد البدور، سالم الزمر، عبدالله الهدية، كريم معتوق، إبراهيم محمد إبراهيم، صالحة غابش ونجوم الغانم، حبيب الصايغ وعبدالعزيز إسماعيل و عبدالله خليفة وعبدالله الصيخان ويعقوب عبدالعزيز الرشيد وبهاء حسين عزي وعبد المعطي حجازي ومحمد علي شمس الدين والمنصف المزغني وأولاد أحمد وهارون هاشم رشيد وغيرهم من الشعراء العرب من أمثال شوقي بغدادي وممدوح عدوان ومحمد عفيفي مطر وعزالدين المناصرة وشوقي بزيع وعبدالرزاق عبدالواحد وحسب الشيخ جعفر والكثير غيرهم.

**

المغرب :

مغامرة متواصلة لـ "بيت الشعر" في المغرب

"برزت من المنازل والقباب/فلم يعسر على أحد حجابي
فمنزلي الفضاء وسقف بيتي/سماء الله أو قطع السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي      /علي مسلما من غير باب
لأني لم أجد مصراع باب/ يكون من السحاب إلى التراب"
لعل الأبيات الأربعة لأبي الشمقمق، الشاعر العربي الذي عاش خلال القرن الثاني عشر، والتي اختارها "بيت الشعر في المغرب" كمدخل لموقعه على الانترنت، بل وكشعار عام، تعبر بالتأكيد عن مسار مؤسسة بدأت كفكرة صغيرة لتخرج إلى الوجود مشروعا كبيرا لم حوله كثيرا من الشعراء والنقاد والفنانين المهتمين بالشعر، ثم ليجتاح اسمها عددا من المنابر الإعلامية والمحافل الدولية، خصوصا بعد إقرار اليونسكو 21 يوما عالميا للشعر باقتراح من "بيت الشعر في المغرب" نفسه ثم بعد تنظيمه للمهرجان العالمي للشعر.
وقد تم الإعلان عن فكرة إنشاء "بيت الشعر في المغرب" في 8 أبريل/ نيسان من سنة ،1996 وذلك من طرف أربعة شعراء، وهم محمد بنطلحة ومحمد بنيس وصلاح بوسريف وحسن نجمي. الأولان ينتميان لجيل السبعينيات بينما ينتمي الآخران لجيل الثمانينيات. التقت إرادتهم حول خلق فضاء شعري جديد يتسع للأجيال الشعرية باختلافها قصد خلق دينامية جديدة وإعطاء نفس آخر لتداول الشعر وقراءته. وسينتظر الشعراء الأربعة 21 ديسمبر/ كانون الأول من السنة ذاتها لتنظيم الجمع التأسيسي الأول بعد أن اغتنت ملامح الفكرة إثر نقاشات وحوارات مع شعراء آخرين ينتمون لمكونات لغوية ولمرجعيات مختلفة. وهو ما سيظهر جليا من خلال الهيئة الإدارية التي تم اختيارها إثر الجمع الأول والتي ضمت بالإضافة إلى الأسماء المؤسسة، شعراء يكتبون باللغة العربية، وهم صلاح الوديع ومالكة العاصمي وعبد الحميد اجماهري ومحمود عبد الغني، وشاعران يكتبان باللغة الفرنسية، وهما مصطفى النيسابوري وعبد المجيد بنجلون، وشاعر يكتب باللغة الأمازيغية، وهو مصطفى المسناوي، وشاعرة تكتب باللغة الإنجليزية وهي حفصة البكري لمراني. وحافظ بيت الشعر على إيقاع جموعه العامة، حيث التحق شعراء ونقاد آخرون بهيئاته الإدارية المتلاحقة، من بينهم، على سبيل المثال، وفاء العمراني وعبد العزيز بومسهولي وخالد بلقاسم والمهدي أخريف وبنعيسى بوحمالة وأحمد لمسيح ونجيب خداري ومراد القادري ونور الدين الزويتني. وقد تولى الشاعر محمد بنيس الهيئات الثلاث الأولى. وكان لبنيس دور كبير على مستوى فتح آفاق متجددة على مستوى عمل بيت الشعر وعلاقاته داخل المغرب وخارجه وانتظام إيقاعه بشكل يبدو معه بيت الشعر كما لو أنه مؤسسة بإمكانات كبرى. ويتولى حاليا رئاسة البيت عبد الرحمان طنكول، وهو ناقد معروف يكتب باللغتين العربية والفرنسية ويتميز مساره باهتمامه الخاص بسوسيولوجيا الأدب.
مشروع بيت الشعر عبر عنه بعمق بيانه التأسيسي الذي اعتبر انبثاق المؤسسة "استجابة لما يتطبله الشعر المغربي من مباشرة اللقاء حول الشعر والشعراء". فكرة اللقاء والحوار تلك هي ما يطبع البرنامج العام لبيت الشعر وهو برنامج يتسم بانتظام العديد من فقراته رغم تغير الهيئات المسيرة، وذلك سعيا إلى ترسيخ تقاليد معينة وإلى تجنب ما يطبع بعض الهيئات التي تبدو كما لو أنها تبدأ مشروعها من جديد مع كل رئيس جديد. ومن علامات البرنامج العام لبيت الشعر تنظيم دورة أكاديمية مرة كل سنتين وتحمل كل دورة اسم شاعر مغربي راحل. ومن الدورات السابقة التي تم تنظيمها دورة الشاعر عبد الله راجع ودورة الشاعر أحمد المجاطي، ودورة محمد الخمار الكنوني وينتظر أن تنظم قريبا دورة الشاعر محمد الطوبي. ويضم البرنامج أيضا تنظيم لقاء سنوي بين الشعراء والفنانين التشكيليين وتنظيم السبت الشعري المخصص لتقديم الأعمال الشعرية أو النقدية الجديدة، بينما يتم تخصيص أمسية الشاعر المغربي، والتي تنظم ثلاث مرات في السنة، للاحتفاء بتجربة شعرية معينة. ويصدر بيت الشعر في المغرب مجلة "البيت" الفصلية. كما اعتمد بيت الشعر يوم 8 أبريل من كل سنة يوما للشعر في المغرب، قبل أن يتم تعويضه ب 21 مارس/ آذار كيوم عالمي للشعر. ولعل الاحتفاء بهذا اليوم يشكل إحدى النقط المضيئة داخل مسار "بيت الشعر في المغرب"، إذ إن إقرار اليونسكو هذا اليوم كلحظة للاحتفاء الإنساني بالقصيدة يعود أساسا إلى اقتراح كانت قد تقدمت به الجمعية نفسها رسميا إلى هذه المنظمة الدولية.
واستطاع بيت الشعر أيضا أن يطلق مهرجانه العالمي للشعر. وخلق المهرجان، الذي عقدت دوراته الثلاث بمعدل مرة كل سنتين، بالدار البيضاء، حضورَه الخاص بين المهرجانات الشعرية العالمية، وهو الأمر الذي يعكسه حجم الأسماء المشاركة. وتميزت الدورة الأخيرة، المنظمة خلال أكتوبر/ تشرين الأول من سنة ،2002 بحدثين كبيرين. الأول هو إطلاق جائزة الأركانة التي عادت للشاعر الصيني بيي ضاو. بينما تمثل الحدث الثاني في تنظيم ملتقى المهرجانات الشعرية المتوسطية. وهو الملتقى الذي تميز بمشاركة ممثلي مهرجانات من بلدان متوسطية عديدة، من بينها مهرجان جنوة الإيطالي والمهرجان العالمي للشعر بفارو بالبرتغال والمهرجان العالمي للشعر بمالم بالسويد وأصوات البحر الأبيض المتوسط بلوديف بفرنسا، مع استضافة "بيت الشعر في فلسطين" بشكل يحمل قيمة رمزية.
بيت الشعر الفلسطيني.. فاعلية أكبر
يعتبر بيت الشعر الفلسطيني، الذي تم إعلان تأسيسه يوم الثامن من شهر ديسمبر/ كانون الأول ،1998 من بين أكثر بيوت الشعر العربية نشاطا وفاعلية، وكان قد أسهم في تأسيس البيت هذا عدد من الشعراء والمبدعين الفلسطينيين في رام الله، وعلى رأسهم المتوكل طه الذي تسلم رئاسة البيت منذ البداية، والشاعر غسان زقطان والشاعر الدكتور حسين برغوثي (توفي في حصار رام الله العام 2002) وأحمد رفيق عوض ومحمد حلمي الريشة ويوسف المحمود والفنان التشكيلي جمال الأفغاني. ويستمر البيت في نشاطه رغم الحصار والعدوان الصهيونيين. وقد جاء في بيان تأسيس بيت الشعر هذا إنّ أول أهدافه هو "تأصيل دور الشعر والشعراء الفلسطينيين في مجمل تاريخ فلسطين الحديث على المستويات النضالية والإنسانية والجمالية، وتكريم الشعراء بما يضمن حقوقهم الأدبية والإبداعية، وتعميم الشعر فضاءً إبداعياً، ونشاطاً مميزاً، ذا أثر حضاري عظيم في وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية، وكذلك الإسهام في دعم المبدع الفلسطيني شاعراً وناقداً وباحثاً، على كافة الصعد، ثم تنسيق الصلة العميقة وترسيخ الروابط الروحية والوجدانية مع أمتنا العربية وتاريخها المجيد، إضافة إلى تعميم الكتاب وقوة الحرف وأثر الكلمة وتيسير ذلك لخدمة المثقفين والدارسين، والوقوف بصلابة أمام محاولات الاختراق الثقافي وتسويق ثقافية ورواية الآخر بما يسمى "التطبيع"، وتعريف العالم بنا وبقضيتنا العادلة، وبإسهامنا في مجمل النشاط الثقافي والإبداعي العالمي تحقيقاً لهدف استعادة فلسطين لمبادرتها الثقافية على المستوى العربي و الإنساني".
وعبر مسيرته خطا "بيت الشعر" خطوات مهمة على طريق تأصيل التراث الشعري ومحاولة النهوض بالحركة الشعرية الفلسطينية في إطار استعادة المبادرة الثقافية وتحريك عجلات الإبداع نحو مسافات أكثر رحابة وأبعد مدى. ومن بين إنجازاته تأسيس دار (الزاهرة) للنشر والتوزيع، حيث يصدر عن هذه الدار كل مطبوعات المركز الشعرية والنقدية والشهادات التوثيقية. فقد أصدر بيت الشعر عن "الزاهرة" للنشر والتوزيع ما يزيد على ستة وخمسين إصداراً في السيرة الشعرية والمختارات والمجموعات الشعرية. كما تم إصدار سلسلة (كتاب الشعراء) وهو كتاب لشاعر محليّ أو عربيّ يوزع فصلياً مع مجلة "الشعراء"، وعن "الزاهرة"، أيضاً، صدرت عشرة كتب عراقية لمبدعين عراقيين داخل الحصار. ومن بين مطبوعات بيت الشعر تبرز فصلية "الشعراء" الثقافية المتخصصة التي حققت حضوراً عربياً وعالمياً باعتمادها واحدة من أهم ثلاث فصليات ثقافية في حوض البحر الأبيض المتوسط، وباعتمادها عدداً من المكاتب في البلدان العربية والأجنبية أوصلت "الشعراء" صوتها واضحاً وجلياً إلى بؤر الإبداع لتحقق تواصلاً ثقافياً لافتاً. أما فصلية (أقواس) التي تهتم بالإبداع الجديد فقد جاءت لتملأ فراغاً في الساحة الثقافية الفلسطينية، حيث فتحت أبوابها لجميع الفنون والإبداعات (مسرح، قصة، رواية، موسيقا، وشعر ...الخ) ففيها يجد الجيل الجديد مساحة للحركة والتنفس الإبداعي الحرّ.

****

اليمن :

"بيت الشعر" في اليمن.. ولادة وسط الجدل

وتحت الدواعي نفسها تم تأسيس "بيت الشعر" في اليمن حيث تم الإعلان عن تأسيس "بيت الشعر اليمني" كمعلم من معالم الثقافة اليمنية ومكان رمزي في العاصمة اليمنية صنعاء يضم بين جوانبه جميع الشعراء اليمنيين. وقال الدكتور المقالح في بيان التأسيس: إن المقر الرئيسي سيكون في مركز الدراسات والبحوث الذي يترأسه المقالح، وأنه تم اعتماد صورة "الوعل" رمزا له وهو رمز الثقافة الوطنية القديمة "الثقافة السبئية"، وأسهم شاعران في تأسيس البيت إلى جانب الدكتور المقالح وهما الأديب محمد عبد السلام منصور، والدكتور عبد السلام الكبسي. وأكد البيان التأسيسي أن الهدف الاستراتيجي من تأسيسه والإعلان عن إقامته هو الارتقاء بالقصيدة اليمنية انجازا ونقدا وتنظيرا باتجاه الاختلاف، بمفهوم القطيعة والقطيعة المعرفية بالذات وذلك في سياق الثقافة العربية القديمة والمعاصرة، مشيرا إلى أن بيت الشعر لا يؤمن بالسلطات الأبوية وليست الأيديولوجيا له غاية ولا مجالا فيه للتصنيف ولا تتخذ فيه المواقف الشخصية مع احد ضد أحد مطلقا.

****

الجزائر :

لهذه الأسباب تفتقد الجزائر "بيت الشعر"

رابح هوادف "الخليج":
لا تزال الساحة الثقافية بالجزائر تفتقد بيت الشعر، رغم عراقة هذا اللون الأدبي في بلد أنجب جمهرة من الشعراء الفطاحل، ويتساءل كثير من المتتبعين عن سرّ استمرار احتجاب بيت الشعر في الجزائر الذي يمكن أن يستوعبهم كما هو الحال في سائر البلاد العربية؟ ولمعرفة الأسباب الكامنة وراء عدم وجود بيت للشعر في الجزائر، استجلت "الخليج" آراء أسماء بارزة في عالم الثقافة الجزائرية.
يقول الروائي والكاتب الجزائري أمين الزاوي مدير المكتبة الجزائرية: "يبدو لي أنّ عدم تأسيس بيت شعر في الجزائر بشكل جاد، مردّه غياب فضاءات تجمع الشعراء الجزائريين، وافتقاد البلد إلى وتيرة منتظمة تضمن نشر كتب الشعر بشكل عام، وأدرج هنا عامل عدم التواصل بين الشعراء الذين يكتبون بالعربية ونظرائهم الذين يكتبون بالفرنسية، إذ إنّ هناك شبه صمم، والحوار الثقافي لا يمرّ، حتى وإن تقدّم نسبيا خلال السنوات الأخيرة.
هناك أيضا، عدم عناية بالشعر في الجزائر بشكل عام، كمتن ثقافي ومعرفة جمالية للتاريخ، فضلا عن عدم التساوق مع الجديد المبتكرة.
الكاتب عبد العزيز غرمول رئيس اتحاد الكتّاب الجزائريين يقول: في الحقيقة، كانت هنالك مبادرة في السابق قام بها فريق من الشعراء بينهم الشاعر أبوبكر زمال، إلاّ أنها لم تنضج وولدت ميتة، وحاليا لا يوجد بيت للشعر في الجزائر ولكن في حالة إذا ما وجدت مبادرة من هذا القبيل فنحن مستعدون لتقديم يد العون من أجل أن تصل سفينتها إلى مرفأ الأمان.
وأعتقد أنّه لا يوجد بيت للشعر في الجزائر، لأنّه لا توجد هناك مبادرة من الشعراء لتأسيس هذا البيت، وأحبّ أن أشير هنا إلى وجود تنظيمات عديدة تضمّ شعراء وناشطين في المجال الثقافي، لم تترك مبررا لميلاد هذا البيت، ولا يعني هذا أني لا أرحّب كرئيس لاتحاد الكتّاب الجزائريين بالفكرة، بل أرى بوجوب توافر مجموعة شروط، قاعدتها الهمّ الشعري".
وترى الشاعرة زهرة بوسكين مستشارة في وزارة الثقافة الجزائرية أن عدم إنشاء بيت للشعر لحد الآن في الجزائر، ليس ظاهرة مرضية، والأمر عادي في نظري، طالما أنّ الأمر في تصوري ليس حتمية، خصوصا أنّ هناك شعراء كثيرين وملتقيات بالجملة، ناهيك عن كوكبة من الجمعيات الثقافية الفاعلة، على غرار جمعية الجاحظية، ورابطة كتّاب الاختلاف واتحاد الكتاب الجزائريين.
أما الناقد حبيب أبو خليفة أستاذ بجامعة الجزائر، فيعبر عن وجهة نظره كالتالي: الزمن الجزائري أصبح موحشا يناصب العداء للشعر الجميل وللكلمة الطيبة، ولعلّ إطلاق الشعراء العنان لقطيعة غير مفهومة أعاقت الانتصار لبيت شعري يتجاوز "زمن اللاشعر"، وأتصور أنّ العبرة ليست بالمسميات، بل بالنواتج، فعندما ألمح واقع شعريا مزدهرا في الجزائر، يحفل بما يربو على 50 اسما مشرقا يتنافسون على ابتكار قصائد حداثية متحررة من أغلال التفعيلة والوزن والإيقاع، ويزركشون بتوشيات متمايزة قصائد كاليغرافية كتلك التي قادها محمد بنيس، لا أعتقد أنّ هناك أزمة إطلاقا، برغم كل محاولات التهجين اللساني الناتجة عن المد الكولونيالي الفرنكفوني.

**

الاردن :

بيت الشعر الأردني بين الممارسة والنقد

يوسف أبو لوز
(عمّان)

في العام 1999 تأسس بيت الشعر الأردني، وهو إحدى المؤسسات الثقافية التابعة إلى "أمانة عمان الكبرى" المعنية في برامجها بالعمل الثقافي في الأردن. مقر "بيت الشعر الأردني" يقع في بيت قديم يعود إلى الأمير نايف بن عبدالله وتشييده يعود إلى عام 1928 وجاء بناؤه في منطقة أثرية وسط العاصمة عمان تطل على المدرج الروماني الآثاري المعروف في العاصمة.

ويقول الشاعر حبيب الزيودي مدير البيت أنه تم انجاز خمس دورات من مهرجان الشعر العربي السنوي، حيث تمت استضافة شعراء من الأقطار العربية كافة، وأنشأ بيت الشعر الأردني جائزة للشعراء الشباب في الأردن لاكتشاف الطاقة الجديدة والأصوات الشابة، وأوجد البيت برنامجاً نشرياً بدأ منذ عام ،2000 حيث تم نشر أعمال لكل من عرار "مصطفى وهبي التل"، عبد المنعم الرفاعي، حيدر محمود، حكمت النوايسة، وزياد العناي.

وينظم بيت الشعر الأردني أمسيات شعرية على مدار العام، إضافة إلى تنظيم ملتقى ثقافي سنوي، خلال شهر رمضان يستضيف فيه شعراء وموسيقيين وكتاباً في إطار فعاليات وأمسيات رمضانية متنوعة.

ويرى الشاعر حبيب الزيودي ان أهمية "بيت الشعر" تكمن في رفد الحياة الثقافية في المملكة بمنبر خاص بالشعر يقف عند تاريخ الحركة الشعرية الأردنية بمقدر ما يصغي إلى الأصوات المعاصرة في الأردن وفي الوطن العربي، ويبحث عن الأصوات الشابة ليعتني بها لتنمو وتكرس حضورها في الحياة الثقافية.

ولم يكن إنشاء "بيت الشعر الأردني" عملاً منقطعاً عن العلاقة بين "البيت" والمؤسسات الثقافية الأخرى في الأردن، فهناك كما يقول الزيودي قنوات اتصال وتعاون مع بؤر الحراك الثقافي في المملكة ما من شأنه أن يقدم صورة ثقافية أردنية فيها نوع من "التكاملية"، ويضيف الزيودي: هذه "التكاملية" أمر طبيعي، فالشعراء الأردنيون الذين يسهمون في فعاليات "بيت الشعر" في عمان هم أو أغلبهم أعضاء في رابطة الكتاب الأردنيين أو في اتحاد الكتاب في الأردن، وبالتالي، لا قطيعة لا مع المؤسسات ولا مع الأفراد "أي" الشعراء.

آراء الشعراء

هذا التفاؤل وهذا الوضوح والإيجاز الذي تحدث به الشاعر حبيب الزيودي مدير "بيت الشعر" في الأردن، يجد نقيضه لدى الشعراء في الأردن، فغالبية الذين اتصلت بهم "الخليج" كانت ردودهم تتسم بالحدية والنقد، بعضها كان شفوياً وتجنب الخوض في الأمر كتابة، حتى ان حبيب الزيودي نفسه عندما طلبنا منه أن يتوسع في إجابته كان ميالاً إلى التأكيد على أن بيت الشعر في الأردن له برامج وأنشطة وأهداف.. "فنحن نعمل أكثر مما نتكلم" كما يقول الزيودي، أما النقد، فلكل شاعر رأيه، وعادة ما تتعرض المؤسسات التي تعمل الى "النقد".. أما تلك التي لا تثير حولها الرأي والرأي الآخر فهي بحسب الزيودي لا تعمل، وان كانت تعمل، فلا صدى ولا ردود أفعال حول عملها. وفي النهاية فإن العمل الثقافي هو "شغل" و"عمل". وهذا ما يفعله "بيت الشعر" في الأردن.

وهذه آراء بعض الشعراء في الأردن:

الشاعر موسى حوامدة يعتبر الشعر يتيماً في زمننا هذا، وهذا اليتم يتجلى في رأيه: "في بيوت الشعر العربية التي وجدت لتشتيت القصيدة وتخريب المناخ الشعري العربي، والتحكم بمصائر الشعر ورباته، بدل أن تمنح الآفاق للتجريب والتخريب، نعم التخريب والتحليق في سماوات الميتافيزيقيا والخيال الذي لا حد له، وبدل أن يمنح الشعراء كؤوس النشوة وكراريس البهجة، وسهوب الحرية، تلتف عليهم المؤسسات الرسمية للحد من قدرتهم على اجتياح المنابر والطرقات والسجون والمحاكم والكهوف القابعة في قلب العالم، وفيما يمد الشعر الحقيقي رأسه ليرى، ويصّاعد، تشهر في وجهه سكاكين الرداءة، وعباءات التقليد، وخيانات المرذولين، وغير الموهوبين.

ولا يكتفي العرب بتكريس الأصنام بل يسعون لعبادتها، ومازلت أشك في أنهم استطاعوا تحطيم أصنام الجاهلية كلها، وإن فعلوا فقد نقلوها من مكة وضواحيها الى عقولهم وطرق تفكيرهم.

لا حد للشعر، حين لا تنزع منه القوافي والصور والمعاني، ولا حد للشعراء حين يمنحون السماء بيتاً لهم بدل بيوت الطوب والحجر، أما حكمة بيوت الشعر، فهي قاتلة وغير مجدية ويتم التحايل عليها من قبل إداريين وماهرين في تخريب الذائقة، وتهشيم الألق الشعري وباستثناء الرغبة الشعرية والطاقة الخلاقة للشاعر نفسه، فهو يتيم حين لا ينتزع فضاءه بيديه، وكل محاولاته مأسسة الشعر سقيمة وغير شعرية.

الشاعر والأستاذ الجامعي الناقد د. محمد عبيد الله كان رأيه أكثر هدوءاً من رأي الشاعر موسى حوامدة الذي وضع "بيوت الشعر" العربية في سلة واحدة. ورأى حوامدة بلا شك فيه نوع من التعميم على أي حال يقول الشاعر د. عبيد الله:

فكرة بيوت الشعر من ناحية المبدأ فكرة ايجابية، خصوصاً أن ظهورها تزامن مع تراجع الاهتمام بالشعر والشعراء في العقدين الأخيرين، أي مع بداية سيادة ثقافة الترفيه وثقافة العولمة بسطحيتها وسرعتها ولكن تلك البيوت رغم المبدأ الايجابي، لم تنجح في النهوض بأهدافها، وأعتقد ان الانحطاط المتزايد في الشعر نفسه، وفي تضاؤل المساحة المخصصة للشعراء في مجمل الثقافة الراهنة مؤشر على أنها لم تنتبه ربما إلى ما ينبغي أن تقوم به.

ويعتبر الشاعر تيسير النجار بيوت الشعر "من أشد الأوهام مكوثاً في الثقافة العربية".

ويقول: إنها لا تقدم للثقافة أي جديد، وإنما تقدم لبعض الشعراء امتيازات خاصة تشبه "السهرات الحمراء" وطباعة بعض الدواوين الشعرية ليس إلاّ.

هنا في عمان لا يوجد مجلة حتى لو فصلية لبيت الشعر الأردني، ولكن توجد وجبة موت دسمة تتغلغل مع الأيام في رأس بيت الشعر الأردني، ويتجلى هذا الموت بممارسات مزاجية يبرز أقصى تجل لها في شهر رمضان الفضيل بعنوان "سهرات رمضانية شعرية" يقتصر حضورها على جمهور لا يتجاوز عدد الأصابع.

ويأتي رد الشاعر عمر أبو الهيجاء غير بعيد في نقديته المنفعلة عن بعض زملائه يقول: لو تحدثنا بداية عن المسألة الثقافية، نجدها تعيش في تأزم دائم، وهذا متعلق بغياب الخطاب الثقافي العربي الذي ينطلق أساساً من مصلحة الغير، ولا يؤسس الى خطاب عربي نابع من معطيات الفكر والفلسفة والتراث العربي.

من هنا نستطيع أن نتحدث عن الشأن الثقافي والحراك الثقافي العربي من خلال المؤسسات الأهلية والحكومية التي هي بالأساس غائبة رغم وجودها، ولا تعنى بالثقافة وتتعامل معها على أنها حمولة زائدة، بالرغم من أننا بتنا في وطننا العربي محاصرين من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى غير ذلك، ولم يبق أمامنا سوى الخندق والحصن الثقافي الذي ندافع من خلاله عن قيمنا وتراثنا وحضارتنا، فإذا سقط هذا الحصن أو الجدار زاد تمزقنا، وها هم أعداء الأمة يحاربوننا في عقيدتنا وتراثنا وحضارتنا.

***

بيوت إثر بيوت في سلالة لا تعرف الانقراض

مقاربة الشعر بالشعر

هذه "ورشة عمل" اجتهادية تماماً، عن الشعر في "بيت الشعر".. البيت المادي/ المكتوب منه بين صدر وعجز، أو البيت المادي الآخر المتمثل في "مبنى أو مقر".. ثم ما يفيض عن المبنى من معنى، .. معنى يذهب عميقاً في كينونة الشعر.. قدر الاجتهاد. سكان البيوت هم صانعوها في الأصل، وما من "بيت"، أي بيت في العالم أو في الأرض، إلا ويأخذ قيمة معناه من ساكنيه.

يوسف أبولوز

(1)

ما يسكن بيت الشعر العمودي الخليلي هو الشعر، أما من يسكن "بيوت الشعراء" المشادة بالحجر والطين فهم الشعراء والشعر أيضاً. فما هو هذا "الإنتاج" اللغوي/ الروحي/ الجمالي/ التأملي الذي شغل عقل وقلب الإنسان العربي منذ فجر القصيدة؟
الشعر؟
الشعر.. المادة المكتوبة/ المادة المغناة/ التي كانت تقال على ظهر حصان أو في ظلال ناقة، أو بالقرب من طلل أو بالقرب من عطر امرأة، هذه المادة التي تحملها البيوت اليوم، ما هي هذه المادة، وكيف نقاربها ونعرّفها بالشعر ذاته؟
هذا هو الاجتهاد، وهذه هي "الورشة"..
باختصار.. هذه المادة أشبه ب"المونوغرافيا". التي تربط الشعر بالشعراء الذين يقومون هم بأنفسهم بتعريف ومقاربة الشعر شعراً، من دون اللجوء إلى نظريات غربية أو "منهج" غربي.
إن هذه الكتابة، لمناسبة "بيت الشعر العربي"، هي في حد ذاتها حنين إلى الشعر، إلى ماضي الشعر عندما كان "سلطان" زمانه، وديوانه وصناعته وصنعته وجزءاً من علومه.
والشعر ذاكرة وهوية، وهو ايضاً "فروسية"، ومدخل إلى المكان والى المكانة، والكثير من الشعراء العرب كبرت أمكنتهم ومكانتهم بكبر الشعر، شعرهم الذي كتبوه في الزمن، فصار كل أزمنتهم مثلما فعل المتنبي.
سأعتمد في "مقاربة الشعر بالشعر" على مختارات أدونيس الواقعة في 3 أجزاء، فهي خير معين للإطلالة على "قول الشاعر عن أو في الشعر"، فهذه المختارات التي جاءت تحت اسم "ديوان الشعر العربي" هي بالفعل كما جاء في مقدمتها بمثابة "متحف للشعر العربي مختصر وجامع". لقد صدرت الطبعة الأولى من هذه المختارات في العام 1964.. ويقع الجزء الأول في 620 صفحة وهو الجزء الأخصب لأنه يغطي الشعر الجاهلي، ثم يقع الجزء الثاني في 543 صفحة، والجزء الثالث في 415 صفحة.

(2)

اعتمدت في "مقاربة الشعر بالشعر" على هذه المختارات الغنية بالظواهر والأفكار الثقافية الأدبية لأمرين، الأول ان هذه المختارات أتاحت لي قراءة "الشعر في الشعر" منذ "دويد بن زيد الحميري" وهو شاعر مجهول تاريخ الميلاد والموت، وحتى الشاعر خليل الخوري المتوفى سنة 1907 ميلادية، وثانياً لأن هذه المختارات تطرح نصوصاً لشعراء من أزمان وبيئات و"معتقدات" مختلفة، يتكون معها مفهوم الشعر وتعريفه ومقاربته بحيث يمكن للقارئ ان يطل على عالم واسع من الرؤى والاجتهادات الإبداعية المختلفة، وبالتالي.. إمكان المقارنة بين هذه الاجتهادات، ومعاينة كيف كان الشعراء ينظرون فكرياً، وفلسفياً، وجمالياً إلى الشعر.
بعد كل ذلك ستلاحظ ان "تعريف الشعر" أو "مقاربته" ستختلف من شاعر إلى آخر.. من زمن إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى.
شاعر مثل "أبي تمام الطائي" يعتبر الشعر "فرج" ليست خصيصته طول الليالي إلا لمفترعه"، وهي رؤية تأملية حسية، في حين المتنبي يربط الشعر بكبرياء الشخصية ولا يفكر فيه كمادة وجودية، ثم، ثمة شعراء آخرون "يعرفون" أو "يقاربون" الشعر من خلال سطحه وبعضهم من خلال ضفافه وبعضهم من خلال أعماقه

(3)

منذ الخمسينات من القرن الماضي، أي منذ ما يطلق عليه شعر الرواد الذين كسروا العمود الشعري والبحر وخلخلوا القافية تصبح مقاربة الشعر بالشعر مختلفة بمقاس 180 درجة.. فتعريف الشعر هنا يذوب في "ممارسته الشعر" والعيش فيه، واعتباره خلاصة متشابكة من الأفكار الشعرية القديمة والجديدة.
كان الشاعر العربي وجودياً، طللياً، عاشقاً، صعلوكاً، حالماً، مجنوناً، متملقاً، مداحاً، عبثياً، مغنياً منشداً.. إلخ.
كل هذا الإرث الشعري سنجده في واقعيته أو في مباشريته وأطيافه وخيالاته في شعر الرواد العرب بدءاً من الرومانسيين وحتى الوجوديين. وبين هذا وذاك من الشعراء سيتحرك فضاء آخر جديد من تعريف الشعر ومقاربته نجده الى حد ما في هذه النماذج السريعة:
لقد كان استخدام "لفظة" شعر بالنسبة الى بدر شاكر السياب استخداماً "عارياً" سطحياً تماماً، في مثل هذا البيت "مجزوء الكامل" في ديوانه "قيثارة الريح".
حواء عفوك إن جرى القلم
بعفويِّ شعر ملؤه تهم
ويرتبط الشعر عند السياب ب "شيطانه".. فيما هو عند ممن سبقوه رقية وسحر، يقول السياب على الكامل في مجموعة "قيثارة الريح":
ما زال يروي الشعر عن شيطانه
تحلباً شراً صبيغاً بالدَّمِ
وفي مجموعته "شناشيل ابنة الجلبي" يبدو السأم من الشعر و"شربت الشعر من أحداقها" (قصيدة تفعيلة)، والسياب يتصيّد الشعر ".. أتصيد الأشعار فيها والقوافي والغناء".. والشعر بالنسبة الى السياب هو "عدم" لو لم تكن المحبوبة، موجودة مادياً في الحياة.. حياة الشعر، وربما شعر الحياة، وهذه المحبوبة يمكن ان تتخلد في الشعر إذا أخلصت للشاعر:
يقول السياب على مجزوء الرمل:
إن تخلصي لي بت خالدة
في الشعر. هاتفة بك الأمم
هذا مقطع من مقارنة الشعر بالشعر عند السياب، اتركه هكذا، لانتقل إلى أنموذج آخر مختلف تماماً عند أدونيس:
يتساءل أدونيس في مجموعته "كتاب القصائد الخمس" "ما الذي يقدر ان يفعله الشعر ورجلاه قيود وعلى عينيه أسوارُ الظلام؟"
ويتساءل في مكان آخر:
ماذا ستفعل أيها الشعر.. ما بذارك الجديد؟
ويتساءل.. أيضاً:
ماذا يفعل الشعر
في عصر لا يحدّه الوَرَمُ لا تحده الفجيعة
عصر الهلاك مجاناً
ولكن أدونيس في مكان آخر يقول:
"وحده الشعر يعرف أن يتزوج هذا الفضاء..
ويفكر أدونيس في الشعر قائلاً هذه النماذج الثلاثة من قصائد مختلفة:
الشعر عرس المادة
الشعر خطر أيضاً
لبست شعري كالكفن
هنا بين رومانسية السياب و"فكرية"
أو "فلسفية أدونيس نشعر وكأننا بين مفترقين في الرؤية إلى الشعر، وكأن مقاربته شعرياً أو مقاربته "أي الشعر" يمثل هذه النصوص.. هي اختلافات في المعنى والمبنى معاً.. اختلافات كلية لا يربط بينها رابط، ولكن المطمئن في ذلك أن هذه الاختلافات لها جذورها قديماً في السيرة الشعرية العربية التي رأت إلى الشعر بوصفه "فرجاً".
ثم بوصفه "رُقية".. ثم بوصفه "نظاماً"، ثم بوصفه "نظير قائله"، ثم بوصفه "ملك"، ثم بوصفه "غير انسي".. إلى آخره.. إلى آخره..
فالشعر، تكوين أو تشكيل أو بناء أو خلق أو توليد أو تفكير أو هو حدس أو هو نبوءة أو هو إلهام.. أو كل ذلك، أو هو ليس كل ذلك في لحظة "كتابته" الخصوصية جداً..
لذا، يقارب الشعراء الشعر بحذر أحياناً، وجرأة في أحيان أخرى.. بخوف، وشهوات، واقتراحات، ووجع، ومكابدات.
يقول محمود درويش في مجموعته "هي أغنية، هي أغنية"
"ماذا تبقى منك يا شعري سوى امرأة
تغني ما استطاعت أن تغني؟
ويقول في المجموعة ذاتها:
"خسرنا ولم يربح الشعر شيئاً"
ويقول في مجموعته "حصار لمدائح البحر":
"لا ليس شعراً أن ترى قمرً ينقّطُ خارطة"
"لا ليس شعراً أن ترتب ذكرياتي الساقطة"
.. فأية روية في صورة فجيعة للشعر الذي لم يربح شيئاً بعدما كان "رقية" وكان فضاء واسعاً جداً في عينيّ ابن الرومي. وليست "خصيصته إلا لمفترعه" كما قال أبو تمام؟
أية رؤية مختلفة هذه، والشاعر عبدالوهاب البياتي يقول في مجموعته "مملكة السنبلة"
"كم هو شريرٌ ان يسكنك الشعر"
أو:
"لا أكتب شعراً من ذاكرتي أو ذاكرة الموروث المحبط"
أو:
"العالم: ساحةُ إرهابٍ للشعر"
أو:
"أحمل رأسي في طبق من ذهب في أبها"
ملوك البدو وقاعات لصوص الشعراء"
أو:
أكبر من قافية يزني فيها ثرثارو الشعراء
أو:
"خرجت من نار الشعر طقوس الحب"
تلك هي التساؤلات - المقاربات بين شعرين عربيين، وربما، بين ثلاث، وربما، أربع شعريات عربية بدأت في هذه المادة البانورامية من "الحصين بن الحمام المري" وحتى "عبدالوهاب البياتي".
تساؤلات - ومقاربات بين أزمات شعرية وتاريخية وثقافية وفكرية، في كل مرة فيها يقدم الشعر لنفسه مقاربة مختلفة وتعريفاً مختلفاً وكأنه ضد التحديد في بيت شعري مكوّن من القوافي والبحور أو مكوّن من الاسمنت والخشب.
مهرجان الشعر العربي الخامس في الشارقة.

**

عن تجربة "جهة الشعر" تحديداً

الشعر العربي في الانترنت

ثمة ولع غامض جذبني إلى جهاز الكمبيوتر منذ منتصف الثمانينات، إذ رأيت فيه أفقاً جديداً أمام الكتابة. كان ذلك بمثابة الهدية غير المتوقعة للنص المحاصر بحدوده القديمة. لكن حين تعرفتُ إلى الإنترنت لاحقاً شعرتُ بما يشبه المسافة الضوئية تخترقني معرفياً وروحياً، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الدور الجوهري للمخيلة في طبيعة الإنترنت، فكل شيء في هذا الحقل المعرفي ينشأ عن نشاط فعال لطاقة الإنسان يحفزها على التخيل والتعامل مع هذه التقنية بوصفها عالماً افتراضياً جميلاً يظل دائماً قيد التحقق.

قاسم حداد

الطريف أن مادة هذا العالم الافتراضي الناتج عن طاقة المخيلة هي في الأساس معطى علمي خالص يتكون من نسيج وعلاقات رقمية وحسابية غاية في التركيب والتعقيد، وليس من الضروري أن يدرك الشاعر كنهها ليكتشف علاقتها العميقة بما يتصل بالشعر كطاقة تقوم هي الأخرى على نشاط المخيلة وجمالياتها.

ماذا يريد الشاعر أكثر من ذلك؟

لقد اقترحت الإنترنت على تجربة الإنتاج الثقافي آفاقاً مضاعفة من الحرية والجمال تتجاوز جلافة الواقع ومصادراته وتخومه المحدودة.

في ما يعمل الشاعر، يُحب أن يكون حراً، هذا شرط يتيح للكتابة التمتع بالفعالية الشعرية، إذ كلما اتسعت فسحة حرية الشاعر وجمالية أدواته، صارت الحياة أكثر قابلية للعمل والأمل، لا سيما وأن كل ما يصنعه الشاعر ينبغي أن يكون شعراً أو شعرياً أو محرضاً عليهما. لذلك رأيتُ في فكرة الإنترنت ضرباً من الشعر (حرية وجمالاً) بوصفها تتصل بمستقبل لا يمكن تفاديه، خصوصاً إذا جاز لنا الحلم بأن الشعر هو ذهاب الى المستقبل أكثر منه مراوحة في الواقع أو مجرد نوستالجيا عقيمة.

الشعر في مكانه

حين بدأتُ تجربة وضع الشعر العربي في شبكة الانترنت شعرتُ بأنني أضع الشعر في مكانه، في تلك المسافة الغامضة التي يتقاطع فيها النص والضوء والصوت والصورة ولا نهائية المخيلة، وبدأت أتأمل ما يحدث، مثل شخص يرقب حركة أحلامه في سديم شفيف من صنيع المخيلة في ما يتخلق. هذا التقاطع اللامتناهي والفاتن بين الأشكال والأدوات والوسائل وآليات التحرر هو من صميم نزوع الشاعر إلى تجاوز التخوم التقليدية لأشكال التعبير، فثمة ما يتوجب الانتباه له إبان حدوثه، للاستمتاع بالمساهمة في خلقه.

ثمة تقاطع ساحر بين الطاقة الروحية التي يصدر عنها الشعر وطاقة التقنية التي تتوسلها الوسائط الجديدة للكتابة والنشر والاتصال، إضافةً إلى المعاني الدالة التي يمكنها إضاءة تجربتنا الإنسانية اليومية في هذا الواقع. فقد تكشّف لي أن العديد من مشاكلنا العصرية يمكن النظر إليها من خلال مفهوم عميق لشرط (علاج المسافة)، متراوحاً بين العمق الروحي وتحولات الطاقة المادية، مما يجعل فعل الإبداع الجسر الذهبي النشيط بين الروح والمادة.

علاج المسافة بين النص والعالم

كنت أقول دائماً إن الانترنت إشارة لمستقبل لا يمكن تفاديه، فقد أصبحت المعرفة المعنى الكوني، لئلا أقول القوة الجوهرية، لحركة الإنسان في الحياة. كل الابتكارات المتسارعة ستسهر على رعاية هذه الحقيقة واختبار قدراتها على مساعدة الإنسان لنيل مستقبله العادل والحر والجميل، وبلورة تجربته الإبداعية، بما تحققه من سرعة اختزال للمكان والزمان والجهد والتكلفة في آن واحد.

لم يعد مفهوم المسافة، فيزيائيا، منذ بدأت وسائل الاتصال الالكترونية. ثمة تحول جذري، يستعصي على الوصف، يعتري فكرة المسافة في كثير من الحقول ويطال المعنى الاجتماعي للاتصال. فعندما يتساوى فعل الاتصال، واقعياً، بين الغرفة المجاورة في المبنى نفسه وأبعد نقطة في الكوكب من حيث السرعة والسهولة والوضوح والأمان، يتحتم علينا إذاً إعادة النظر في المعنى الإنساني لحضور الشخص بالمعنى الروحي (حضورا افتراضيا حسب المصطلح الالكتروني)، في هذا الفضاء الشاسع، في الوقت نفسه الذي يتوجب عليه إدراك المسافة كما لو أنه يتأمل باطن كفه. هذا الأمر يجعله قادراً على اختزال المكان والزمان في لحظة واحدة، وتالياً على انتقال المعلومة، بوصفها حركة الإنسان في الحياة، تحت اختبار يكشف قدرتها على التحول إلى معرفة فعالة.

أليس في هذا ضربٌ من علاج المسافة الكونية؟

وتالياً، أليست هذه فكرة شعرية بامتياز؟

تطور وسائل الاتصال السريع والمذهل، يثير أهمية إعادة النظر في مفهوم (المسافة) ثقافياً واجتماعياً وروحياً على وجه الخصوص. رجاؤنا ألا يحتاج المتصلون بالشأن الثقافي والإبداعي في واقعنا العربي وقتاً أكثر (في ما تتضاعف الخسارة) ليكتشفوا أن ثمة ما يمسّ شغاف أصحاب المخيلة النشيطة يحدث اليوم.

ليس من الحكمة التردد أمام التجربة بعد، فبين المسافة الزمنية التي نستغرقها والمسافة الافتراضية التي تخترقنا، تشكل شبكة الإنترنت ما يمكن وصفه بالمعجزة التي تخيلها الشعراء والمبدعون. ونعني بها معجزة اختزال الفجوة بين النص والزمن في العالم، ليس بوصفها وسيلة استهلاك متاحة، بل لأن الفكر والإبداع أصبحا الآن مرشحين، بوسائط غير تقليدية، لمعايشة تجربة غير مألوفة تتمثل في تقاطع فعاليات الإبداع وتعدد تأويلاته في لحظة بالغة العمق والاختزال.

أحب تسمية تجربة النشر والاتصال الإلكترونية بما يقاربها من الشعرية، وليس في هذا تبسيط للتقنية، لكنه تصعيد لنجاحات فعل المخيلة الإنسانية بتجلياتها الإبداعية، في صورة مشحونة بالعاطفة والاحتمالات، لتبدو الحياة أكثر جدارة.

الشعر العربي تراث المستقبل

ترى، هل يمكننا اعتبار الشعر علمنا العربي الذي نسهم به ونضيفه إلى المشهد الثقافي الكوني؟

وهل هو كما قيل قديماً: (علمُ قومٍ لم يكن لهم علمٌ غيره)؟

هل ثمة رسالة يمكن أن يحملها شعرنا إلى العالم، في ما نعمل على وضع هذا الشعر في المشهد الكوني بواسطة أكثر الوسائط حداثة؟

عندما كان العربي يُرجع معنى كلمة "ثقافة" إلى فعل "ثقَّفَ" الرمحَ، أي شذبه وشحذه، فإنه كان يستعين بفقه آلية الحرب لتفسير موهبة الإبداع. يصدر مثل هذا السلوك "الثقافي" عن اللاوعي الجمعي الذي يرى إلى الثقافة بوصفها فعلَ قتالٍ وصراع، أو استعداد لهما، ما يضعنا في حدود تراث كثيف، جزءٌ كبيرٌ منه يعتقد بأن الثقافة فضاء مواجهة وتصادم.

التحدي الكوني الآن هو تفهمنا المعنى الجوهري للثقافة بوصفها فعل حب لا فعل قتال، كي نتأهل لحوار الحضارات لا لصراعها. فنحن لا نستطيع الذهاب إلى العالم بوهم تلقينه الدروس، بينما لا نزال نتعثر في أبجدية إنتاج المعنى الإنساني للتقنية وثقافتها في ذواتنا وبيوتنا ومجتمعنا. يبقى الشعر سؤالنا الكوني، يضعنا في مهب التحولات من خلال اشكال الاتصال الأكثر حداثة، وبوسائط تستدعي سلوكا حضاريا بالغ الشفافية، مما يقتضي الكف عن مزاعم الحداثة، والمبادرة إلى استيعابها وممارستها.

تبدو هذه التجربة في حقليْ الأدب والشعر أكثر تشويقاً واستجابة للمخيلة الإبداعية. فقد بدأت تطرح علينا مبكراً ضرورة إعادة النظر في مفاهيم كثيرة تتصل بالكتابة والتعبير والقارئ والجمهور، والمعنى، والنص. بالاطلاع على المواقع الشعرية عموماً، يمكننا اليوم مصادفة الكثير من النصوص الشعرية لأسماء معروفة ومجهولة، ومن أجيال شعرية مختلفة. من بين هذه المواقع المتخصصة، وكي لا نذكر إلا نموذجاً من أهمها، يعد موقع "الموسوعة الشعرية" تجربة مثالية لنشر التراث الشعري العربي وإنتاجه. موقع أطلقه المجمع الثقافي في ابوظبي، وهو إحدى التجارب الفذة التي توفر تقريباً كل ما كتب من الشعر العربي، مفهرساً بوسائط تقنية جيدة التنظيم، مزوداً بمراجع تاريخ النقد الأدبي وقواميس اللغة وآلية بحث بالغة الدقة، الأمر الذي يجعل الموقع يوفر فرصة علمية لإعادة النظر في العديد من المعطيات النقدية التاريخية المستقرة عن الشعر العربي، وهذا في اعتقادنا نموذج لما يمكن اعتباره إسهاما في تحويل المعلومة إلى معرفة توفر للباحث ما يعينه على تحقيق الدرس النقدي وإعادة إنتاج المعارف والمعاني والدلالات.

****

الخليج- الشارقة
26- فبراير- 2006