تقاطع زمن أصيلة الشعري مع زمن شفشاون حين أهدت مدينة البحر لإبن الجبل الشاعر عبدالكريم الطبال، جائزة تشيكايا أوطامسي للشعر الأفريقي برسم الدورة الحالية للمهرجان. ويأتي فوز الطبال بهذه الجائزة ليضيف نكهة شمالية أندلسية متميزة الى الحيز الوافر و الوارف الذي خصصته مؤسسة منتدى أصيلة للشعر هذا العام ، باستضافتها لحفل تكريم الشاعر البحريني قاسم حداد، واحتفالية مائوية بابلو نيرودا، وعقدها لوقفة ترحم على روح الشاعر الكونغولي تشيكايا أوطامسي في الحديقة التي تحمل اسمه قرب باب القصبة التاريخية العتيقة للمدينة ، قبل أن تعود، نفس المؤسسة، الى أحد معالم ومزارات الشعر المغربي الذي هو الشاعر (المتأمل، الهادئ، المنعزل، المتواضع، الصامت غير المتكلف ولا المتبجح(عبدالكريم الطبال.
وبهذه المناسبة تحدث نقاد وأدباء مغاربة وعرب طيلة يوم كامل عن الفائز بجائزة الشعر الأفريقي لهذه السنة، وحيوا قدرته على الاستمرار في الكتابة والنشر على مدى خمسة عقود ونيف، دونما كلل ولا ملل، وقدرته على تجديد منتوجه الإبداعي بمرور الوقت وبتوالي المدارس والحساسيات الفنية والأدبية، وبمساهمته في ترسيخ القصيدة الحديثة بالمغرب، من خلال تجربة شعرية وروحية عميقة تداخلت فيها المكونات الرومانسية والرمزية والصوفية..
بقوانين البلاغة، وصفاء الجملة وتكثيفها لبث كل جمالية المعنى في شذرات قليلة موحية.
ركزت مداخلة عبدالله شريق على تجربة الطبال بطريقة شاملة. حيث لخصت أهم الخصائص الفنية للمحتفى به في:
ـ المواظبة على كتابة الشعر ونشره على مدى نصف قرن
ـ علاقة وجودية خاصة مع الشعر باعتباره شرطا وجوديا.
ـ الإيمان بحرية الشاعر وتحرره من السلط الخارجية.
ـ توظيف ألفاظ ورموز صوفية مغربية محلية بدلا من الرموز اليونانية الغربية أو المشرقية.
ـ إحتفاء كبير بالإيقاع وتنويعاته
ـ شعرية حداثية تحاور التراث
وتدخل أحمد المديني فاعتبر أن اسم عبدالكريم الطبال يأتي على رأس قائمة الأسماء التي تتصدر الشعر العربي الحديث بسبب "قدرته على نحت الخصائص الفنية التي تكسبه مياسم الجدة ، خاصة فيما يتصل بتعبير الشاعر عن رؤية متفردة للوجود وللزمن ونقله ذلك بالوسائط والقرائن اللغوية والبلاغية".
وحلل المديني بعد ذلك، باستفاضة، حضور المكان الشعري في متن الطبال وتطوره من التشطير العمودي للتقطيع التفعيلي تارة، والشعر الحر المرسل تارة أخرى، ليستقر أخيرا في تفاعيل متواترة ومتعالقة، وليخلق نظاما خاصا به أسماه الباحث "نظام القبس والتوليف" الذي لا يتحمل الميوعة والتمطيط والترجيع.
وخلال حفل تسليم الجائزة، الذي جرى بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، كان أول تدخل بعد كلمة رئيس منتدى أصيلة، للناقد نجيب العوفي، الذي تناول بالدرس والتحليل، الريادة الثقافية والشعرية للطبال من خلال نصوصه الأولى، المنشورة في الخمسينيات، ببعض مجلات تطوان، (يوم كانت تطوان مهدا للنهضة الأدبية في بلادنا) ، وهي نصوص وسطية تمتح من التقاليد الشعرية وتأخذ ببعض ملامح التجديد، بمعنى أنها شكلت جسرا بين القديم والحديث، لأنها كانت نابعة ، حسب رأي العوفي، من مكونات الذائقة الشعرية المتنوعة لعبد الكريم الطبال، الذي كان يقرأ القديم والجديد ويطلع على الشعر الاسباني.
وقدم عزالدين التازي مداخلة كان محورها مداخل قراءة شعر الطبال، من خلال استعراض المواضيع الأخيرة لدى الشاعر، وعلاقة نتاجه بذاته وبتجربته الصوفية والروحية الداخلية العميقة، وريادته الأدبية المبكرة. وقال أحمد الطريبق أحمد "إن الطبال في عمق تجربته شاعر صوفي مر بالمرحلة الرومانسية والرمزية قبل أن يولي اهتماما خاصا لاستلهام النصوص الصوفية العربية والفارسية القديمة الكبرى".
ولاحظ الباحث كذلك أن "أعمال الطبال نجحت في اكتساب عمقها بفضل التجربة الروحية الداخلية لصاحبها، الذي لا يعتمد على المعجم، بل يمتح من معاناته الذاتية وتأمله في الوجود".
وأشاد أحمد الطريسي بحالة البحث والقلق الإبداعي المستمر والمتجدد فيما تناولت فاطمة طحطح حضور "التيمة الاسبانية والأندلسية في شعر الطبال" من خلال نماذج تطبيقية على بعض نصوصه، ولخصت ثريا إقبال الخصائص الفنية لشعره في: تحويل البيت الشعري الى حركة دون تقيد .
العلم المغربية
20 أغسطس 2004