يكتب عباس بيضون بأسلوب خاص. ثمة بناءات خاصة. انه يلتهم ما حوله من مشاهد ويقنصها بفخاخ الكلام. هذه الملاحظات المشهدية تؤلف سداة السرد المتدفق. وهو سرد وصفي، كاميرا لاقطة، تريد التفاصيل كلها، محبوكة بأناقة روائي، عباس حكاء بامتياز. لكن السداة تتواشح بلحمة خاصة، أثيرية، قوامها ملاحظات فكر وقاد. ويتداخل الوصف الشعوري المباشر بهذا العقل المرتاب المدقق. في نصفه الأول يبدو تدفق عباس الوصفي جديراً بروائي أما تساؤلاته الذهنية فكفيلة بعقل مفكر. هذا هو عباس نصفه مفكر ونصفه شاعر. في العادة يقبع الشعراء في قارورة الشعور بعيداً عن الفكر، مستنكفين عن التثاقف خارج أرومة الشعر. وغالباً ما تعلق عنق الشاعر في عنق قارورة الكلام. مقالات عباس مهتاجة. تتلمس التفاصيل وتدور حولها وتجسّها في معاينة فيها الكثير من الجرأة. الخروج على عالم القطيع في أوج الحرب مأثرة صعبة. يبدو عباس ناقداً لكل شيء، محتفظاً بتلك السخرية الشفيفة، لتجاوز آلام الاكتشاف والمكاشفة. آه يا عباس. لا بأس من المجاملة في سطر أو سطرين.
قالت أستاذة: عباس يكتب مثلما يحكي. قلت بل يحكي مثلما يكتب (هذا هو: يعيش الكتابة، ويكتب عن المُعاش) الخروج على الإجماع امتياز الكاتب، وقلقه. قلة صغيرة تقبل سفر الخروج هذا، أما الجمهرة فتبقى حبيسة الإجماع.
المستقبل
الأحد 8 تموز 2007
رجوع