صديقي عباس،
أتساءل وأنا أكتب إليك من المقلب الآخر للأرض، عن العلاقة بين المسافة والشعر. هل الشعر يقرب المسافة؟ هل تبقى المسافة مع الشعر أفقية أم تتحول إلى عمودية؟ ما الفارق بين أن أقرأك وأنت جاري وأراك كل يوم، وأن أقرأك على بعد آلاف الكيلومترات ولا أراك ولا تراني؟ وما العلاقة بين الشعر و الرؤية؟ هل من شأن الشعر أن يجعل القارئ يرى شاعره و الشاعر يرى القارئ؟ وما الفرق بين أن أسمعك تقرأ شعراً وأرى ملامح وجهك وبين أن أقرأ شعرك من دون أن أسمع أو أراك؟ هل من شأن قراءتي لك وأنت غائب خلق ملامح مغايرة لوجهك؟
سألني قاسم حداد أن أكتب عنك بصفتك "رئيس التحرير الزائر" لموقع "جهة الشعر" فاستجبت فوراً منة دون أن أعرف ماذا سأكتب. فأنا لا اعرف ماذا أكتب عن الأصدقاء غير الحب والحنين لجلسة معهم.
تناولت كتبتك من مكتبتي الفقيرة هنا وأعدت قراءتها، ولم أعرف أيضا ماذا أكتب. أعتقد أن الكتابة ن الذين نحبهم، مهما بلغت هذه الكتابة، ستظل تحمل بعض خيانة، فإذا كانت الكتابة ذاتها تحمل خيانات، فكم بالحري الكتابة عن الكتابة وللذين نحبهم؟
ليس في الغربة يا عباس خيانة كتابة فقط، بل خيانة حياة أيضا:
الحياة التي نتركها هناك، في مكان آخر، ونكتشف فجأة أنها كانت حياتنا، وهناك، ولا يمكنها أن تكون هنا.
أعرف أن حياة كل شاعر هي "هناك" وليست "هنا"، سواء كان في غربة أو في وطن. لكن دفن أشلاء هذه الحياة يختلف بين هنا وهناك، فربما "هنا" أصدقاء يشيّعونها، و"هناك" لا أحد.
هل كانت هي هذه "مدافنك الزجاجية" و"حجرتك" المليئة بأشلاء كانت حياة آبائنا وحيانا وربما حياة أولادنا أيضاً؟
وهل "زوار الشتوة الأولى" لم يعودوا يزورونك يا عباس، في شتاء وفي غير شتاء، أم هم دائماً في بيتك؟
وهل لا يزال لديك حقاً " أشقاء" لندمك؟
أو ما زلت فعلاً "مريضاً بالأمل"؟
"القدح" خلا من زمان وكلنا نشرب من "فراغه" يا عباس. نشرب ب"جرعات كبيرة" مثل " مرضى" يظنون أنهم يشربون "الأمل"ز
"كانت هناك العصافير
التي تتصايح كألفباء مجنونة
تاركة ياءات كثيرة على الطرابين"
وورثنا ياءاتها على طرابين مكسورة يا عباس.
وكان المطر يقع "بلا اكتراث على حياتك المضاءة كالزنزانة"
حياتك التي لستَ "بستانيّها" و التي "لم يعد لك منها سوى الباب ولم تداوم على سكناها"
كانت لك " منازل أصدقائك"
واليوم لك قلوبهم أيضاَ.
... هذا فقط ما استطعت أن أقوله يا عباس. و به تتأكد أني لم اقل شيئاً، ولا أعرف أن أكتب عن أصدقائي.
رجوع