محمد السمهوري
(فلسطين)

عباس بيضون صوت مختلف وسط أصوات متوازية ما زال صداها في أرجاء الشعر العربي المعاصر، فمن يقرأ عباس يقرأ إنسانه المتمثل في نصوصه وقصائده، المتمسك أيضاً بجمر القصيدة المتجددة والمتحولة إلى بوصلة الشمس وغيابها، والساكنة في ليالي التجارب المتحركة وفق تطور اللغة العربية الحديثة بمعناها المعاصر والملازمة لتغييرات الحياة والشارع.

تعرفت على تجربة الشاعر بيضون من خلال علاقته القوية بالحياة والنص المكتوب وصاحب الفضاءات المختلفة، فقد كتب بيضون أهم تجارب أبناء جيله الشعرية على مدى انشغاله وتأمله في النص والمشهد ومرات الحركة المتعلقة بالجديد بالفنتازيا ورسم واقع كان مفترضاً صار حقيقة في زمن أرهقته النزاعات والحروب والخلافات وتقلبات السياسة والطقس معا.

صوت عباس بيضون صوت شعري مختلف وجديد في كل مرة، وفكرة تشبه رغيف الخبز الطازج، فهو يرمي سنابله على ورقه ليعجن خبزاً شعراً مستحيلاً يتحقق كلما جمع أبجديته وحروفه وبدأ يرتب وكأنه الأصوات الشعرية العربية.

عباس بيضون يلعب مع نفسه بالمتخيل والواقع ويمزج بينهما نصاً متراصاً كما جنود في معركة. انتصر ولم يدخل معركة . وفي كل مرة يرتب بيضون تجاربه الحسية المكتوبة وينتصر لنا ولنفسه وللشعر ومصدقيته ويلفت انتباهنا إليه. إنه موجود حقاً بيننا وبين ما بعد القصيدة التي تحيا كما يجب لها.
إنني أصدق كل ما يكتبه عباس بيضون لأنه يكتب شعراً يذكرنا أن للغة معنى آخر في كل مرة وأن هناك فكرة قادرة على التحرك وسط مستنقع البؤس والضجر والنزاع لينتصر للحياة واللغة والمشاعر السليمة ومفارقاتها الحميمية في تقويمنا اليومي المهزوم والمليء بالخراب .. إنه يطل علينا بنص مثل الماء يحيي فينا أشياء لا ندركها لكننها نحسها من دون تفسير.

رجوع