المُعجم (1 )

سليم بركات

لا تخفْ. داعبِ الحِيَلَ بالحِيل، والمكائدَ بلذائذ المكائد. ثم اسبقني إلى فسطاط خيالك، في السحيق الذي يلي الموتَ، كي تؤثِّثَ لي ما أؤَثِّثُهُ لكَ في فسطاط خيالي، خلف السحيق الذي يلي الموتَ.
        أثاثٌ أبديَّةٌ، أيها الشرُّ.
        أثاثٌ نسيانٌ;
        أثاثٌ حُجُبٌ،
               ودروعٌ;
               شفراتٌ;
               طبولٌ;
               حِلىً،
               ومجاهلُ;
               أكبادٌ ورئاتٌ;
               أقحافٌ;
               مدارِجُ.
        أثاثٌ شعوبٌ في التقويم الساخر; تُحَفٌ قهقهاتٌ; أمكنةٌ تتفلّّع كوسائد الملوك الغاضبيْنَ.
                                                        أث
                                                        ا
                                                        ا
                                                        ا
                                                        اثٌ.
لا غُلواءَ إنْ دحرجنا المجهول، معاً، إلى معلومه، ونَهَشنا المعلومَ بأنياب المجهولِ المنكوب. دمويٌّ يشهدُ للدَّمويِّ في الملذَّات، أيها الشر. كمالٌ دمويٌّ يدور بالأرغفةِ على الشهودِ كلِّهم: سندلقُ السَّمْنَ من الإبريق القمريِّ على أرغفةِ الشهودِ. سنعتصر لهم هجراتِ الإنسانِ الطاحنةَ، قطرةً قطرةً، كزيت الخريف، على البصل المشويِّ. سنأخذ منهم اللَّحمَ الناضجَ في أحماضِ الفاكهةِ الفِجَّة، ونعطيهم سطورَ النبوءات مُدَخَّنةً كشحم الخنزير فوق حَطَب القَرَاصيا. سنعيد ترتيب أعضائهم بشقاءِ القياسِ الموافِقِ شُبُهاتِ القياس، معدودَيْنِ، في خياليْنَا أيها الشرُّ أجناساً أَسْدِيَةً تتلاقحُ بالأملِ الزُّهْلولِ كردِفٍ. سنأتيهم من العُجالة الدمويةِ في خاطرِ الحقِّ، مضمَّخيْنِ ببازَهْرِ الوعول، وستنثرهم ذَرْقاً على بذور المعجزة في أحواضِ النسيانِ الآجُرِّية. هُمْ زُعَارةُ الخير; الشهودُ الخَوَلُ; علافو مراتبِ الذَّهبيِّ في الخسوف. الشهودُ الكمائنُ; سُمسمُ النُّوْر متساقطاً من رغيف الفردوس على صَفَنِكَ أيها الشرُّ. سننحرُ أقدارَهم أقدارَ التنِّيْنِ مُنَجَّراً على مقابض الأبواب المنسيَّة. فَلْيَعْرِضِ الشهودُ، أولاء، على الكمال الدمويِّ، زَهْرَفَ النسيانِ المتشاغل بالتطاريزِ; النسيانِ الخَتْمِ، النسيانِ المواثيقِ المُنْتَحَلَةِ بتواطؤِ الماءِ مع الله. فلينْشُروا قلوعَ المياهِ على صواري اليابسةِ، مُتَهَدِّدِيْنَ الفَنَاءَ، في أَسْرِه الثالث، ببُشرى الخلاصِ الدَّمويِّ. ش
              ه
              ه
              و
              وُدٌ صدوعٌ في الصخرة المحمولةِ على كتفيكَ، أيها الشر.
فَلْيُخْرِجوا بهائمَ الروح إلى المراعي بخطواتٍ هي أنساقُ الإرثِ المُكتنِزِ كَسَلاً في الإصطبل، آمنيْنَ كبرهانٍ يتخاطفُ جوزَهُ القِرّدةُ المشدوهةُ بالكثيبِ الإلهيِّ، حيث لاشيء، بَعْدُ، إلا المُحْكمُ المتقوِّضُ كبرهانٍ. فَلْيُرِيقوا على الأرضِ ماءَ المعدنِ المغسولِ أربعاً، تحت الغمامِ المغسولِ أربعاً، مُتَّحِديْنَ في الصوت الذي يتكاملُ رنينُهُ بدخولِ الهواءِ على أبيهِ الموتِ. فَلْيَنْحدروا مَعْ زئيرِ الضباب الجريح إلى الغاباتِ، يعضُّ الشروقُ من حولهم الشروقَ عَضَّ الأَكَاسيا ظلالَ الأَكاسيا، أيها الشرُّ. فَلْنَدلّّهم، بأجْمَعِيْنِكَ أيها الشرُّ، واَجْمَعِينيَ، على السماءِ المِمْحاةِ تتهدَّدُ سطورَ الأرضِ المتداخلةَ كعُثنون العَدَمِ التَّيْسِ وآثار أظلافهِ. ها دجاجاتُهم دجاجاتُ الذَّهبِ الغريقةُ في الفجر المُلْغِز. ها صياحُ دِيَكَتِهم الغريقةِ في ذهبِ الفجرِ المُلْغِز. ها فَجْرُهم الغريقُ في لوعةِ فضَّتهِ. تعالَ أيها الشرُّ ندرِّبِ الفجرَ على دسائسِ النقاءِ الفاجرِ. تعالَ نَسْتَنْبِتِ الفجرَ، ثانيةً، كالهليون، من بزورِ الرمادِ الضاحكِ ذاتهِ. ولْندفَعْهُ، معاً، إلى الجليد المُوَرَّقِ من وَحْيٍ لايأتيه بأشعار المهجوريْنَ. تعالَ ندحرجِ الفجرَ إليهم في غضب الشجر، وغضب القصدير; في الغضبِ الزَّبرجدِ; في السُّمَّاق تُبِّلَتْ به الأكبادُ; في الغضبِ الدَّيدبانِ مُجَفْفِ الآفاقِ كالزبيبِ. المدافىءُ منتَعشةٌ أيها الشرُّ. منتعشٌ رقْمُ النار في هذيانِ الفاكهةِ. أترى؟ أقحوانٌ صَنَّاجةٌ يُنْشِدُ للضفافِ المعتوهةِ ماسنيَهُ طيرُ القُوْقِ. أترى؟ تُحَفٌ صدوعٌ، وورقُ حَوْرٍ رهيفٌ كشفرةِ العَدَم يقطعُ الوريدَ النافرَ في مِعصمِ المساء. وَهُمُو، الشهودُ، يقطرون من الوريد المقطوعِ دِيْناً
              دِيْناً;
              خوارِقَ;
              طِلَّسماتٍ;
              نفيراً مِلءَ بوقِ الكسوف;
              نَيْرَنْجاً;
أكارِعَ;
قيْعَ خنازيرَ;
أُكالةً.
همو، أيها الشرُّ، رَصْدُ الخيرِ حمامَكَ الزَّاجلَ حاملاً مواثيقَ المعصوميْنَ إلى الضلالِ المعصوم. أَعِنِّيْ اُداهم النجمَ الثالثَ; القِدَمَ الثالثَ; البوابةَ المنعكسةَ بشموسها الثلاث على درع الخير مُتنكِّراً في قناعٍ شَحْمٍ. أَعِنِّيْ اُمرِّغ الشهودَ في شحم الملاكِ الذائبِ تحت أثقالِ النسيان، وأَحْشُدْهم، رَكْلاً بقَدَمِ اليقينِ الحافيةِ، إلى المأدبة:
حروبٌ نقيَّةٌ. حُمُّصٌ نقيٌّ. خُبَّازٌ لسانٌ يستنطقُ ملحَ الدَّباغيْنَ. حصْرمٌ مُستنطِقٌ. جيوشٌ زيتٌ مُعْتَصَرٌ من زيتون المُنْحَدَراتِ الشريدةِ. ورقُ نارديْنٍ لاهثٌ. دِفْلَى في النبيذِ السموم. نهاياتٌ مُربَّبَةٌ في بشارة اللوز. عسلُ داودَ. دمُ الأَخويْن طيِّباً تتنفّسه القدور. قِثَّاءُ الحمار، والفِصْفِصَةُ. الدَّارصينيُّ الرمَّاحُ في فَلَكِ الأفاويهِ الثاني. دهنُ المَرْزَنجوش، وحَبَقُ البقر. البقْلةُ والتوتُ مسحوقيْنِ في التُّوْبال. حشيشةُ العقرب النابتةُ في مقابر الغرقى. عنبُ الثعلب، والكراويا. الماميرانُ الشَّبِقُ. أسدُ العَدَس. الجَنْطيانُ الجبليُّ المُخْتَمِرُ في هواء السهول. الخشخاشُ الرَّزينُ. الوَرْسُ مجفَّفاً تحت سقوف الزرائب. القلقاصُ طمثُ بساتين الحمقى. الصعترُ حالماً. خُصى الثعلب ذواتُ الورقاتِ المهرِّجة. الرَّاسَنُ الأصلُ الحرِّيفُ. السَّرخسُ البهلول. شوكةُ القُبْطِ وشوكةُ يهودا. بصلُ الفأرِ المرشدُ إلى باهٍ عاقلٍ. المازَرْيون أسدُ الأرض. فُوْهٌ وفُوْفَلٌ. لوبياءُ السودانِ. الملوخيَّةُ قَدَرُ الصِّمغِ الخجولِ. الرِّيباس المتكلِّم بلسان مِلَلِ البرزَخِ. سَيْكرانُ الأسوار المَضَاعَفَةِ في المرايا. الزَّعْرور المسحوقُ بمدقَّةِ الليل. سَذّابُ السهوب التتريَّةِ. لسانُ العصفور الدَّارْكيسةُ الناطقُ بهجاءِ حدائق الهند. بزرُ الكرْفسِ نابتاً في آثار الآلهةِ الهاربةِ.
لاتَخَفْ.
نوافِجُ مِسْكٍ ممزَّقةٌ على سريري سريرِ المَلَكاتِ المذهولةِ، أيها الشرُّ المُرْشِدُ بحصافةِ الجوهر إلى لذائذِ الشَّكلِ الطليقِ بلانهايةٍ.
لاتخفْ
جاوِرْني; جاوِرِ الجلالَ الأعمى يتلمَّس بعصا النسيان كنوزَه المُنْتثِرةَ في دهليزِ الجوهرِ لذائذِ الشكل الأثيرِ بلانهايةٍ. قشِّرِ الكواكبَ هناكِ، في النهايةِ المُقَشَّرَةِ بمدية الفراغِ الطاهي. وَقِسِ الوسائطَ الكُلِّيَّةَ بأشبار النَّسْخِ، تحت بصرِ الشهودِ وهمْ يقسِّمون البسيْطَ غيْبَاً غيْباً بعبورِ جيادِهم الجريحةِ من خنادق الفردوس الدمويِّ إلى الأبد الدمويِّ. أَرِ الأحوالَ نواعيرَها. أَرِ الشهودَ شعائرَ المُمَزَّقِ العَذْب; شعائرَ النَّدمِ العَذْب، وحمَّى النَّسْر في انتقاله من العبثِ الأليفِ إلى العبث الأليف. أَرِهم الأربابَ الخُلاسيِّيْنَ عقاربَ الحقِّ المرِح في حَلَباتِ الأشباح.

              نقاءٌ ذَبْحٌ، أيها الشرُّ.
              سِجالٌ ذَبْحٌ بين طوائف الكمثرى.
              عقودٌ ذَبْحٌ بين مذاهبِ السمسم.
              ذَبْحٌ في الكلماتِ مُذْ تسلَّمْتَها هكذا من اللهِ، وأَعَدْتَها متخبِّطةً في الدم إليه.

ياللذَّبْحِ:
عقابٌ ذَهَبٌ يستعجلُ العافيةَ أن تتأهَّبَ، بناياتِها ودفوفها دفوفِ النَّهبِ، لعبورِ الخير وأُمَّهاتِهِ التِّسعِ اللواتي هُنَّ غنائمُ التيه ذي الأُمَّهاتِ التِّسع، أيها الشرُّ. القيامةَ. القيامةَ. اسْمَعْها في أنين الأغلالِ متضرِّعةً إلى الرقم المحظور; الرقمِ الشَّغَبِ محاصِرَاً بمُنَجِّميْه الرُّسُلِ أولياءِ اللونِ الفَرَّانِ حقولَ الغيبِ ذي الشَّعيرِ الناضجِ في سنابلَ من رسومِ الرَّحَّاليْنَ. دُلَّ القيامةَ، أيها الشرُّ، على شِباكها في نهرك ذي الزئيرِ ينحرُ كلَّ ماءٍ في مائه ابتهالاً إلى غاباتِ الزَّبد، فلربَّما تصيَّدتِ القيامةُ فيكَ أحوالَ طمْثِها: الحيتانَ، والحَبَّارَ. السمك الرعَّاد. الأخطبوطَ. الدلفينَ. الوَرَنْكَ. القِرْشَ. جرادَ البحر، وإسْقَمْريَّاتِ الغواية. البحرُ كلَّه معاصِرُ القيامةِ: زيتٌ للعانات. زيتٌ للإيلاج الرَّخيِّ من مضائق الظلموتِ إلى مضائق النُّور، أيها الشر. فَادْعُ القُبَلَ المهجورةَ والجسدَ الشاغِرَ إلى ما أخطأَ الخيرُ في تأويله من كناياتِ الهباءِ الطَّحَّانِ; واعْجنِ النَّفِيْسَ في المِعْجَنِ القديم ذاتِهِ مِعْجنِ الشكلِ.
                            نفي
                            ي
                            ي
                            يسٌ;
لأغسلنَّ يديكَ من النَّفيس البتولِ مُفْتَرَعاً في إنشادِ الخيرِ للقضاءِ المُفْتَرَع ابنةً ابنةً تحت خيام النورانيينِ حَمَلةِ المنيِّ، في آلاتِ الإيمانِ الخمس، إلى خُصى الآلهةِ كلِّها. لأُنجِبَنَّ لكَ، بالعضلة السكرى في لسان الوقتِ، كلمةَ الكمالِ الثالثةَ كلمةَ الشهواتِ. لأَعْثَرَنَّ بكَ على خرزةِ المَوَتانِ الساقطةِ من عقودِ النساء; على الحقول التي تقودُ إليها ماعِزَكَ الفلكيَّ وضأْنكَ ضأنَ الكُليِّ العَلافِ; على مَصَارِعِ الملائك في خلِّ التوت; على النَّكَباتِ الساهرةِ متأمِّلةً لوعةَ الذهبِ في منطق الغيمِ، وفي عنادِ الشكل الخالقِ. لأذْرِفنَّ عليك، إنْ وَعَكْتَ، دموعَ الحقائق من عيونِ الشجر، والماء، والرمل. خَلِّ عنكَ، أيها الثِّقَلُ الرهانُ، أحمالَ البرزح، إنْ أنتَ إلا دورةُ الظلِّ العاقلِ حول خيالِ النبات، في خريفه المتوعِّكِ من عودته ظلاً عاقلاً، أيها الشرُّ.

****

المُعجم (2 )

مخالبٌ نورٌ، والقنائصُ تتهاوى مرتعشةً من ضربات النِّعمة. فلا تَخفْ.
آمِنٌ أنتَ في سريريَ. رَخْصٌ عضلُكَ. لأَعضَّنَّ رسْغَكَ إذ تتَّقي فميَ فمَ الكيد العذْبِ في انبثاقي من المهجور جائعاً، أيها الشرُّ.
غدُكَ أمامي، هنا، مرتعداً يعيد إليَّ العظامَ التي نحَتَها الخيرُ نهْشاً بأسنانِ التيه. غدُ الخير أمامي، هنا، هائجاً في الحَلَبة التيهِ. هَيِّيِ، وبِّخِ الخيرَ توبيخَ العادل. قُلْ: "أنتَ، أيها الخيرُ، تشوي السماءَ مُتَبَّلَةًً بحرائق الأرض". خيرٌ خِتَانٌ في مخدع الندم. خيرٌ ليعودَنَّ عاقلاً في استقصائه مغاليقَ العقل، راضياً بقِسْمَةِ الشرِّ أن يشفق عليه من ندمِهِ ندمِ المُحْتَضِر. نادِهِ أيها الشرُّ؛ نادِ الخيرَ من النهاية التي بلا إرثٍ قَبْلُ؛ بلا إرثٍ بَعْدُ. نقاءٌ كجدال العظام يمرِّغ الأرضَ على صَفَتك. سمادُكَ يُنْبِتُ الحقَّ أخضرَ في حقلٍ رمادٍ أخضرَ. بحقِّ الذي أنت فيه مُعْشِباً قُرْبَ كمآتِ الفتنة؛ بحقِّ الأكيدِ غلامِكَ المُتَكَتِّمِ على شؤون الخير الدَّاعر، قَطِّعِ الكونَ الجرجيرَ والكرْفسَ على المائدة بمدية الماء، وانثُرِ الملحَ على المجهولِ المقسومِ أعْشاراً بلا نهايةٍ. أراكَ تلْحظُ السطرَ المرضوضَ في الَّلوح: آلهةٌ تتسوَّلُ شُعوباً، وشعوبٌ تتسوَّلُ آلهةً في عبورها إليكَ.
قربك يشيخُ المجهول الطفلُ،
وعليكَ عافيةُ القِدَمِ
فاطمئنَّ
آمنٌ أنتَ في سريري،
متَّكئاً
على
وسادة
الخيرِ النَّدمِ.
قربك الزولُ النَّمِرُ في سلاسله، وعليك عافيةُ التيه، فاطمئنَّ.
آمنٌ أنتَ، مستأنِسٌ بصليل الجُرْنِ يطحنُ الوجودُ فيه عَدَسَ اللهِ. ولكَ ما تشاءُ من خزائن المَغاليق الأثيرةِ. لانُور، ياشرُّ؛ لاظلامَ: الحيلةُ ثرثرةُ الخير بين يديك؛ اعترافُه أنك أشفقْتَ على الحقيقة فآنَسْتَها بأكاذيب النُّور يرفعها كالحلوى إلى فم العبث، وأكاذيب الظلام يرفعها كجُلاَّبٍ باردٍ إلى فمِ المهجورِ. لَيَضرِبنَّ القِدَمُ بكَ عرشَ الماء. كنتَ ما ليس سواكَ. امْتحِنِ اللونَ. انْحَرْهُ في زرائب النقش السماويِّ، قرب ظلال التماثيل الحرائقِ الحجريةِ؛ قرب لسان التدبير الذي قيَّدتْهُ المعجزةُ بجفاف تورياتِها. انْحَرِ الذهبَ بمديةِ الرمل. انْحَرِ الأزلَ على ركبتيك الفراغِ بمدية الكمال المسكون. وقلْ: "ليلٌ قطيعُ زرافٍ، ونهارٌ براثنُ". ها شتائمُ الإيمان تصلك تباعاً من حنجرة الخيرِ، والخيرُ يتمرَّغ في غفرانك، الذي تمرَّغَ فيه الأزلُ الأفعوانُ، أيها الشرُّ.
لا تَمَسَّ المجهولَ نقابَ شقيقاتك، كي لا يبصر الخيرُ، في ضراعته إليك، ما أرَّخْتَ للعَدَم من مواثيق الله:
(خيرٌ مأزقٌ)
أَرِحْ كتفيكَ من ثِقَل المعقول الأبكم. إوزُّكَ هناك، على ضفَّة الهباءِ الثاني الفردوسِ الذي تتبوَّل السناجبُ على كستنائه، ويفتتح العويلُ فيه مآدبَهُ الحجريةَ، أيها الشرُّ. ها تعطيك أقدارُ الذَّهب ما تشاءُ: الخيرَ واثقاً أنه خَذَلَ المشيئةَ؛ الخيرَ الندمَ متقلِّباً على وسائد الحمَّى، حيرانَ، مرتجفاً، أبكمَ، ينتحبُ خلف حجابك نحِيْبَ الزيزِ، أيها الشر.
كيف صنعت هذا كلَّه؟ كيف صنعتَ الشجرةَ النحاسَ تحكُّ النمورُ خواصرها على لحائِها الخشنِ؛ الشجرةَ الخيرَ بثمراتِها النحاسِ؟ كيف صنعتَ الخيرَ جَسُوراً هكذا الخيرَ الندمَ ثديَيْنِ كخيالِ المعلومِ؛ الخيرَ الندمَ، الذبائحَ، الفَتْكَ العالِمَ، الغوثَ قادِماً بسكاكين اليقينِ؛ الخيرَ المتردِّدَ في اعترافه أنه لهاثُ الكمال في نكاحه؟ مروَّضاً كالعصيانِ يسردُ عليك الخيرُ اعترافَه، أيها الشرُّ، لأنك ما يمتلكه الخيرُ من امتنانه للقيامة. بكَ، وحدكَ، تنجو القيامةُ من مُشْكِلها مُشْكِلِ الخير يعضُّ على عضلة الحكاية ذاتها؛ الحكايةِ المُخْتَلَقَةِ، بإيجازٍ ركيكٍ، وسطَ ثرثرات الأزل وشقيقاته، أيها الشر.
أسمالٌ من نسيج الأبد تتهرَّأُ في عبوركَ الغاضب إلى الملهاة، حيث الأقدارُ البهلواناتُ مختنقةٌ في أزياءِ الأكيد المختنق. وترى ما يراه الدَّهاءُ: الشَّغَبَ الوطيدَ في مجاهل الخلائق. أحْصِهِم؛ أَحْصِ السَّدَنَةَ العطَّاريْنَ في حوانيتِ الغيب. أحْصِ المُمزَّقيْنَ. كلُّهم ممزَّقون: أكبادٌ ذائبةٌ تتقطَّر من فم الخير. كلُّهم مذهولون، وَشَتْ بهم الحقائقُ الباكيةُ بدلالها الماجن. كلُّهم حطامٌ في جُرْن الخير. تَقَرَّهُم؛ هُمْ نُخالةٌ سطورٌ يكنِّسُهم الخير من حظائره بمكانس الغفران، ويرمي الأرغفةَ إلى المحظوظيْنَ في الجهةِ الأخرى جهةِ الكَسَادِ، التي تنزفُ منها وعودُ الكمال المُمَزَّقِ حِبْرَ الرُّسُل الموعوديْن.
مُذْ تَبَنَّيْتَ الخيرَ مرشداً إليك، أيها الشر، وائتمنتَهُ على الغيبِ الثرثارِ سَهْلِكَ المزدحم بالكرَّاث نراهُ يقلِّبُ الفراديسَ بالمحراثِ، أسفلَ أعلى كَفَرْجٍ: أثلامٌ في أرض المغاليق، والبذورُ نَدَمٌ.
أهذا شقاءٌ سُكَّرٌ على لسان الخلود، أيها الشر، أم ثِقَلُ الخير ببَّغائِكَ ترميه بفستق الكمالِ المُرِّ، وتدرِّبه، كفعل القِرداتيِّ، أن يرقص على صاجك المُحمَّى؟ ضاحكاً، بهلوناً، يجمع الخيرُ، في قبَّعته، دراهمَ العَدْلِ من المحسنين إلى الفكاهة بدراهم المأساة. كلبٌ واحدٌ، أيها الشر؛ كلبٌ واحد يجرُّ زُحافةَ الجليد من العقل إلى العقل. والمتسَوِّقون في ردهات الكليِّ وحوانيته يدوسون على أذيالِ الأقدارِ: عويلٌ قَنْصٌ في فراسخ الخير التسعة. وحوذيُّوكَ يلتقطون خزائنَ الكمال الملآى بدسائس الملائكة الأغرارِ.

جروحٌ
ثلوجٌ،
ورضوضٌ في العظام من سَقْطَةِ الكمال ثقيلاً على دروع أحفاده.

جروحٌ ثلوجٌ أيها الشر.
جروحٌ هدايةٌ.
سموات تابلٌ في الحِساءِ المسموم. ملاعقُ من عظام المغدوريْنَ على مائدة الخير. والأزلُ المغنِّي يُنْشِدُ لَحْنَهُ المُنْتَحَلَ على رمالك، أيها الشر، يا الذي كَمأّتُكَ كَمَأَةُ السماء مطهوَّةً في قِدْرِ المعلوم الذَّاهل، وسريرُك سريرُ السماء. اعْترِفْ أنك عقدتَ على الخير مصاهراتِ الأقدار، وحفظْتَ لله سطورَ النهاية في ذاكرتِكَ ذاكرةِ الندم.
جروو
وو
حٌ
هدايةٌ أنت، أيها الشر، يا صلاحَ الظلامِ العالِمِ وزَيْغَ النُّور البهلولِ. ها
نهارٌ
غريقٌ
في
إِشْكالِ النُّور،
مطحونٌ قِرْفةً
في الثريد الذي
يأكله العَدَمُ بملعقة الله.
ها الليلُ الطاهي يحرِّكُ العوالمَ في قِدْرِه قِدْرِ النهار المرفوع على أثداءِ اللهب. والخيرُ، أَجيرُكَ المُقلِّدُ، يدهنُ بزيت الحُمْحُمِ شواءَ الغيب، الذي يُؤكل في الفراديس كالكمأِ، ويَقلي السديمَ الداجنَ في أقفاصِك، أيها الشر.
شَغَبُ الليل شَغَبُ الفاكهة في بستان النهار؛ وشَغَبُ النهار شَغَبُ التوابل في الحِساءِ الليل. قَلِّبْ، أيها الشر، بالمغرفة الأبدية، حطامَ الخير القديدِ في الآبار الأبدية، وتنشَّقِ الفراغَ الناضجَ الفراغَ الكَمُّوْنَ في عَدَس المجهول؛ الفراغَ العُصْفُر متناثراً من حُقِّ المتاهة على أرُزِّ الخير.

محظوظٌ هذا الذي يتخيَّل ما لا يتخيَّلُ الخيرُ. وأبْعَدَ، بعافية السرِّ والسِّحْرِ، يرمي شَبِكةَ الكمال الثقيلة كَوَبَر الماموث. لا
قنائصَ
في متاهةِ
القِدَم، أيها الشر.
لا ثعالبَ.
لا ديكةٌ.
لا حجلَ.
لا سُمانى.
لا بطَّ.
لا.
معقولٌ ينزفُ كسلوقيٍّ أصابَه القنَّاصون إذْ أخطأوا الطريدةَ.
محظو
و
و
ظٌ هذا الذي لا يُقاسمُ الخيرَ رغيفَ النسيان و زبدتَهُ الذائبةَ في مقلاةِ المتاهة. محظوظٌ يعتصر لكَ الخمائرَ المُبْتَكَرةَ من خيرِ النسيان. أرهِ حذاءَ الخير؛ حزامَهُ المحلولَ؛ سراويلَهُ؛ أسنانَهُ؛ صَفَنَهُ المًمَلَّحَ. أرِهِ خزانةَ الخير الملآى حروباً كنكاح البابون. أرِهِ الخيرَ قروشاً في طاسة الكمال الشحاذ. ربيبُ حنينٍ أنتَ. لَصَعْبٌ أن تكذب مًذْ كنتَ صادقاً في خيارك الطاحنِ خيارِ الله أن يَزِنَ بك المقاديرَ، أيها الشر.

أرضٌ نَقَاءُ ذاتها؛
سماءٌ فَسَادٌ؛
والفَنَاءُ المنيُّ ينجبُ الفَنَاءَ إذْ يهدأُ الجِدالُ الذي أَنْهَكَ المياهَ: "قُلْ لي أنا المُتَصَرِّفُ باعتذار الموتِ إلى الموتى أيها الخيرُ، أأقسمْتَ قَسَم الرماد أن تكون البهلولَ العاكفَ على تلفيق الأقدار؟ نِقْيُ عظامك الإثمُ؛ شَرْعُكَ الإثمُ المُعْتَنِقُ ما تعتنقُ أنت؛ الإثمُ الذي كوفئ بك مُذْ تدبَّر اللسانُ لخياله مجادلاتِ الملائِكِ المنتظريْنَ تكليفَ الله للقِدَمِ بترويض نمورهم. قُلْ لي يا عَتَلَةَ الغيهب المُرْشِدِ إلى الغيهب، بأيِّ نداءٍ نوديتَ فحزمتَ البقاءَ المُشْكلَ بين متاعك؟ أدِرْ ظهركَ إليَّ. صُكَّ معدناً نَقْدَاً برَسْمٍ آخرَ غيرِ رَسْمِك تمويهاً. انْهضْ لي إذا دخلتُ، ولا تقعد بعد ذلك".
سماءٌ فسادٌ،
وأنتَ،
أيها الشر،
استغاثةُ اليقين، في جلاءِ الأحوال عن السيفِ الحجرِ يقطعُ الأبديَّ منديلَكَ الحريرَ قَطْعاً رقيقاً.
سماءٌ فسادٌ:
هاتِها السماءَ الفسادَ في سلاسل المغاليق يتبعها المذعورون، وهُم يستدلون بالخير على فراسخ الخيبة العشرة بعد الأبدية، مُصغيْنَ إلى العوالم ترتدُّ عن حَجَرِك العريق. هاتِ الخيرَ جاريتَكَ المُنْجِبَةُ أُمَمَ النجوم السبعةَ. خيرٌ أثداءٌ تُرْضِعُ جِرَاءَ الكيد. خيرٌ أتانٌ تُذِيقُها سِفادَ أفراسك فتلِدُ البغلَ الأقدمَ بغلَ المشيئاتِ السُحُبِ في مضائق الفردوس.
يا للفردوس المقامر بالأكباد في حاناتِ الله، يستلفُ من الخير طواويسَهُ، و أفعواناتِهِ الكروبيَّةَِ أفعواناتِ اللون:
هاتِها المضائقَ بلامياهٍ، أيها الشر:
سُفُنُكَ القِدَمُ وشقيقاته ملآى، في عبورها التيهَ، بجلود الآلهةِ مجفَّفَةً دوَّنَ الندمُ عليها أَشْعارَ القيَّافيْن.

آمنٌ أنت في سريري، وغدُك أمامي غدُ الخير ماجناً يصف بكناياته غرمولَ الهباءِ العادل. آمنٌ في سريريَ الغَمْرُ، الذي رفعَ الكمالَ من خنادق الغيب إلى الهذيان، مُذْ برَّأْتَ الخيرَ من العصيان القًدُّوس، أيها الشر، كي تُعيدَهُ داعِراً إلى العصيان.
بحقِّ
السأم
الذي
أعارَكَ
الخيرَ الَّلقِيْطَ
كي تَسْهَر سهَرَك على بكائه؛
بحقِّ
الخيال
الذي
يدرِّبُ الأكيدَ على ردَّته في كل حالٍ من شقاءِ الكليِّ؛
بحقِّ الخيبة تدوِّن للمغدوريْنَ، بأقلامها الغبار، زفيرَ المغدوريْنَ: رمِّم النُّظُمَ الخمسةََ، نُظُمَ الموتِ المؤيَّدِ بحقائق الخيرِ. أعِدِ الموتَ طريفاً يكلِّمُ بلسانِ البساتين فيه بذورَ الضلال الخالد.

جروحٌ ثلوجٌ، أيها الشر.
جروحٌ هدايةٌ، يا لَكَ:
نُوديْتَ بصوت الفاني أن تتكتَّم على سَأَم الخير؛ أن ترضيه، في اختلائه بك، بشهوات الريح بهلولِكَ، المُلقِّنِ مُنْشِدَ الشهوات عزيفَ العَدَم، إذْ يكنِّسُ العَدَمُ عن أزقَّة الله غنائمَ المجهول وطيشَ المعلوم.
نوديْتَ بهمسِ الخطأِ وصخبِ الصواب:
خطأٌ خَلٌّ؛
صوابٌ خَلٌّ،
يحفظان كِيْبَرَ الأكيد، ولِفْتَهُ، وجزَرَهُ، وقثَّاءه، في قوارير الموت، هناك، حيث تتبادل كاهناتُ الحظوظ القويةِ شتائمَ الحياة للموتى، وشتائمَ الموتى للحياة.

هُراءٌ صوابٌ.
عبثٌ صوابٌ:
أَقِمْ معي، أيها الشر، في الهدير الماجن للرئات تتشقَّقُ من خيانة الخير، وغَدْر نبوءاتِهِ. فصِّلِ الخيرَ، ثانيةً، بمقصِّك مقصِّ الخيَّاط الفلكيِّ، وإبرتهِ وكشتبانه. أعِدْهُ ناقصاً كخياله قبلَ تستُّرِك عليه. لَهِيَ أيها الشر المُعذَّبُ فتنةٌ من حولنا تَنْتَعِظُ كقضيب الظَّليْمِ، فينحَلُّ إزارُ الكون وتتفتَّق سراويلُ الفراديس:
فُروجٌ تُعيدُ الخُصى إلى صوابها؛
خُصَىً تعيد الفروجَ إلى صوابها.

هُراءٌ صوابٌ:
لأُفتِّقَنَّ الصوابَ بك في هُمْرُجانِ الممكنات المُرْتَجَلةِ على باب الفَنَاءِ. ونازعي، أيها الشر، نازعُ الموعود بمآدبَ تتقاذفُ فيها مغاليقُ الوجود بصحون الوجود الملآى هباءاً نيئاً ككبد الثور. بصلُكَ أخضرُ بَعْدُ، عليه شكيمةُ التراب وأنفاسُ المُجَاهَرةِ الذهبية لأَعيان الأعماق. طَبْعُكَ كتْمانُ المغيب شُكْرَ المغيب لليل. سَهْوُكَ عقْلٌ. قيامُك شَبَعٌ. قعودك شَبَعٌ. كُرَّاثُكَ ما اجْتَهَدتِ الحقولُ في تعديله حتى النهاية التائهة في أَمَلِها أمَلِ النبات. عبورُكَ غَدٌ يُسَرِّي عن غَدِه بكنايات العارف. بَقْلُكَ النهارُ مُغْتَذِياً بسماد الليل. قَسَمٌ أنت قَسَمُ الضرورة بالنار، بالقِدَمِ الجاهلِ، بالأخبار متدحرجةً عن لسان الذُّعْرِ إلى لسان الذهولِ. لا تَعِدْ أحداً إلاَّ بالذي فيه. و لَكَ الطَّوِيَّةُ تلك:
         "غِيْرَةُ البَظْرِ من الرعد.
         وغِيْرَةُ الكَمَرةِ من البرق".

أًخْلِ البروقَ من كمآت الرمادِ.
كَمِّمِ الذهبَ كي لا يعترفَ الذهبُ.
شُقَّ قميصَ الخالد وجِرابَه المُنتفخَ بالأمشاطِ.
دوِّخِ الكرومَ بالعناقيدِ تَردِّدُ نَدَمَ الثُّور على أحفادِهِ.
نَكِّلْ بالشَّفقِِ والغَسَقِ معاً؛ بالقِدَم؛ ببراهينِ الخير على أن الخيرَ يقينُكَ إذا حُوْصِرْتَ.
نَكِّلْ بالرقَمِ العقلِ؛
بالمغاليق؛
بالسُّحُبِ الدُّفوفِ؛
بالأرضِ نافذةِ السماءِ أَرَقِ السماءِ؛
بالبواباتِ؛
بالأعمدةِ؛
بالأقلامِ؛
بالأملِ مُعْتَصَراً في قبضةِ الخيرِ تُرْجمانِهِ الركيكِ.

نَكِّلْ بالأقدار الخفيضةِ الصوتِ إذا خُوطِبَتْ.
نَكِّلْ بالمواثيق؛
بالعتباتِ؛
بالخمائر؛
بالفروق تقفِلُ الصباحَ عليكَ بقُفْلِ المساءِ.
نَكِّلْ بالطبيعةِ الشِّجار بين الآلهةِ ورُعاةِ نمورها؛
بالجِدالِ المُستهتر بترفِ الآدميِّ؛
بالحقائقِ الشَّغَبِ؛
بالقيامةِ؛
بالكُلْبَتَأنِ والمطرقةِ مَعْدَنَيِّ الغيبِ الأولِ؛
بالأفاوْيهِ؛
بالعِقَاب الجريحِ يتوسَّلُ العِقابَ الجريحَ؛
بالميزان؛
بالهندسةِ كلِّها تورياتِ المغلوبيْنَ على شَكِّهم؛
بالبسيطِ المُشْكِلِ؛
بالبهاءِ المُعْتَلِّ طريحِ فِراشِ الأَشكال.

نَدَمُ الحدائق بين يديك وهي تنحرُ الحدائقَ على جسورِ الغيبِ، أيها الشر:
أغْلِقِ الممرَّاتِ.
أغْلِقِ الجسورَ.
أَعِدِ الأنهارَ تتعرَّقُ من جَرَيانِها. أعِدْ إليها رطانةَ المياهِ،
وفصاحةَ الطينِ العالِمِ.
أَعِدِ الفكرةَ الطينَ إلى سطور الفَنَاءِ المتعرِّجةِ في الكِنَاشِ الذَّهبِ.
ارْفَع الخيرَ على فخذيك حتى يسمع اللهُ صلصلةَ رَهْزِكَ فيه كَصَلْصلةِ الزَّرّدِ.
مازِجِ الخيرَ بالنَّوْرةِ تُعِدْ به الفُروجَ حليقةً يكلِّمُ البظرُ الواضحُ البظرَ الواضحَ بلسانِ الغامض.
نَحِّ الجَمْرَ جانباً في عبور الرمادِ النبيِّ.
كُلِ التينَ الذي يتخلَّقُ من أَرَقِ الملوكِ. كُلِ البُنْدُقَةَ تلك بُنْدُقَةَ الجرحِ الأوَّل؛
         الخيبةِ الأولى؛
                 الكَسادِ الأوَّلِ؛
                 الحياءِ الأولِ؛
                القُبَلَ الأولى مُمرَّغةً في ذهولِ الخالدِ.

كلُّ فَرْجٍ يتنفَّس الصُّعداءَ في خيالك.
كلُّ شهوةٍ يتهدَّجُ صوتُها امتناناً أنك تتنفَّسُ الصعداءَ، أبداً، إذْ تتنفَّسُ الشهواتُ الصُّعداءَ في خيالك، أيها الشر.
قُدُوْرَكَ تَغلي. الطهاةُ يفرمون، تحت أبخرةِ الثوم والمُصْطكى، عروقَ الخير الرقيقة كالكزبرة، قارعيْنَ بمغارف الهباءِ الصغيرة على حوافِ مواقد الآجُرِّ كي يُبعدوا الأملَ الشحاذَ ذبابةَ الوجودِ متناثراً قطراتٍ من شحمٍ على صَدَفَةِ العبثِ العريق.
عريقٌ، أيها الشر، جَهْرُكَ بمراتبِ الخير منقولةً عن النَّدمِ الطير. عريقٌ تبكيتُكَ الخيرَ مطبوعاً على النَّقْمةِ، يحمل فاكهةَ السِّفاحِ من بساتين الآلهةِ إلى ندامى الموت. عريقٌ عفوك عن الخير في نفاقِهِ؛ في غَدْرِه؛ في تحصيله مشافهاتِ العابريْنَ من إثم الكمالِ المُعْتلِّ إلى إثمِ الطاهر. عريقٌ دوامُك في تذييْلِ السِّجِلِّ الصلصاليِّ بمواثيقِ الأكيدِ الفاجرِ. لا أكيدَ إلاَّ ما اسْتوثَقْتَهُ بشفاعة الضلال، وعفوِ الضلالِ عن دَنَسٍ استجارَ بالخير فَأُجيرَ. لَتَذْهبنَّ، أيها العريقُ، بآلَةِ التيه، إلى البسيط كَفَنَاءٍ؛ إلى المُعْضِلِ النبيِّ؛ إلى المدائحِ غاضبةً تهشِّمُ خزائنَ الشَّكْلِ وتُطلقُ سراحَ الظلالِ.
لَتَذْهبنَّ عنايةً يتأوَّلُها الريحُ للريحِ؛ ماكراً كَمَكْرِ النُّقصان؛ أليفاً لم يُجْهِدِ الحقائقَ في حَرْثِ غَمرِهِ البازلتيِّ.
وقربي هنا، في سريري سريرِ الفروق، سيضع الموفَدون إليك من قضاءِ النسيانِ عظامَ خليلاتهم المذبوحاتِ هِبَةً للرجاءِ العاشق. ياللْرجاءِ الذي في سريري سريرِ الطِّباعِ كلِّها. خُذْهُ الرجاءَ الأجاصةَ، أيها الشرُّ. خُذْهُ الرجاءَ العجلةَ الحديدَ؛ الرجاءَ الضربةَ براحةِ يدك على فَخِذِ المكنون؛ الرجاءَ الميزابَ؛ الببغاءَ المُرَدِّدَ شَهْقَةَ الثَّورِ مُعتَلياً بَقَرَةَ الهيولى.
حُمُرٌ زُرْقٌ في الريح حول سريري سريرِ الطِّباع كلِّها. فهودٌ رمالٌ. فَنَكٌ يجرُّ الكَونَ إلى وكْرِهِ، أيها الشرُّ. اَلا أَقْسَمْتَ لي قَسَمَ اللون أن شرودَ الخير، في سريري، لا يُرضيك. حظٌّ عاثرٌ يرمِّمُ النقوشَ، والهولُ يروي للحظوظ شقاءَ القَيْد الذي قَيَّد به الخيرُ الأوثانَ النبيلةَ إلى عتباتِ المذابحِ. أَقْسِمْ لي القَسَمَ البَيْدَقَ أنكَ في سريري، هنا قربَ النقوشِ النيرانِ على لوح الماء تتبع، مثلي، آثارَ قلبك في الأليفِ المفقودِ، والمعلوم المفقود:
قَسَمٌ لونٌ.
قَسَمٌ خِتانٌ.
قَسَمٌ نخاريبُ نَحْلٍ.
قَسَمٌ نِزَاعٌ.
قَسَمٌ معقولاتٌ جنادبُ تلتهم الفجرَ كورقة الجرجير.
بأيٍّ لا خًذِلْتَ ، أيٍّ قَسَمٍ أتولَّى إخمادَ الشَّغَبِ في القُبَلِ، إذ تتولَّى القُبَلُ إِبرامَ اللَّوثةِ للخير برجاحَةِ يقينك؟ اطْمئنَّ. سآويك كما آويتَ الكرزَ في حدائق المفقود. سآويك مُعْتَنِقاً ما تعتنقهُ من مذاهبِ الطينِ المُبَشِّر بالآلهةِ القصَّاريْنَ.
لا تَخَفْ: آمنانِ
نحنُ
ببركةِ
الموحشِ،
وشفاعةِ
العزلات. كيفما تمرَّغَ الرجاءُ من حولنا تمرَّغ في النَّقاءِ المستوحِدِ، الذي يتضرَّعُ بلسانِ الصِّورِ إلى المَحْوِ العالِمِ.
لا. لا خُذِلْتَ:
خلاصٌ مُنْهَكٌ يقرعُ بعكَّازِهِ الرَّواقَ إلى الآلهة المُنْهَكةِ، تحت الفَلَك المتدلِّي عناقيْلَ شاحبةً. والألمُ الرَّاويةُ، وحدهُ، يوبِّخُ البطولةَ بلسانِ الكاهنِ.
لا. لا خُذِلْتُ:
هَمَجِيَ الملولون هنا، قرب سريري سريرِ المرئيِّ، في قيود الأفلاكِ، يتقصَّون النهاياتِ المرتعشةَ لذَّةً: عناقُ أعمدةٍ تتهاوى. عناقُ أبراجٍ وتماثيلَ. شروخٌ. وَجَعٌ حريرٌ. جهاتٌ تَتَدَكْدَكُ. ما مِنْ متاعٍ يُرْفَعُ. ما مِنْ أدراجٍ إلاَّ الهولُ. اسْتَرِقْني، أيها الشرُّ، إسِتراقَكَ السَّمَعَ على العريقِ العريقِ. ولننصِتْ، معاً، إلى خطأِ الخيرِ في تقديرِ صوابك إذْ كلَّمتَ الأنقاضَ بكلامِ الجَمَأدِ الرسولِ، والهباءِ العرَّافِ. خُمَارٌ يعتريني كما يعتريكَ في الفجر الذاهلِ، آن يعبر الأَحياءُ مُسْنِدِيْنَ، بأكتافهم الأزليةِ، هيكلَ الموتِ المهزولَ معتصِراً رأسَه من خُمَار الأعراسِ. أحياءٌ ظلالٌ في ميزان الظلالِ. قبورٌ ظلالٌ في ميزانِ الظلالِ. لنطوِّقنَّ الظلالَ، أيها الشر، بنجوى الأجنحة للأجنحة، مُنَقِّبيْنِ بمعاول المرئيِّ عن السماءِ العِرْناسِ في حقول المتاهِ الدفينةِ. وأنقى لنعيدَنَّ الغيبَ، ناضجاً يدَّخِرُ للآلهةِ مُؤَنَهُ: غمامَ البحيرات المفقودةِ، ومِلْحَ الصياديْنَ المفقوديْنَ في الأرخبيلات الستةِ، وفُطْرَ أقبية الأبراجِ، وباقلاَّءَ المضائقِ، وأرغفةَ اللهبِ المُنْعِشِ كأنفاسِ التُّوتِ.
ظلا
ا
ا
ا
لٌ في الميزان تَتَنَسَّمُ الأفاويحَ القادمةَ من هناك؛ من العَراءِ المترامي خلف أدغالِ القيْقَبِ الرهيف كقلبِ السنجابِ. اعْبُرْ بيَ أدغالَ القيْقَبِ، وأحراشَ الزيزفون الأحمرِ. اعْبُرْ بيَ مصائدَ العلوم الشفيفة بين أوراق المُرَّانِ، أعلى؛ أكثرَ علوَّاً من سخرية الكنوزِ، أيها الشرُّ. ها أسفلَ؛ ترى أسفلَ أيها الشرُّ: سَرْقيْنَ الأزليِّ والأبديِّ تنمو بخمائرهِ بساتينُ الأعالي، وتكتنزُ بكَيْموسِهِ الطاهرِ ثمارُ المجرَّاتِ حول الجحيم.

بورتريت سليم بركات، من عمل عمر حمدي (مالفا)
2004.