ملهاة الكلام

(الغامض هو "عقلُ" الحقيقة وتفاسيرها.
الكتابة منفى طوعي، لأننا لا نحسن الإقامة
في المكان)
سليم بركات

من الشمال الى الشمال يصعدُ سيزيف الجديد نحو مهاباده، غيابٌ يخلفُ حضوراً، ومن نصِّ يؤلف مملكة المغيِّبينَ في هذا التيه العظيم إلى ذاهبٍ في مداه يؤالفُ بين أشجاره وأحزانه وأحلامه عن مشتهى مسكون بالمدِّ تارة، وبالجزر تارات.

سليم المنفيُّ في دلالاته، يستقوي على المكان بأشجاره، يعبُر الروحَ كسهم من نور، ويخلفُ وراءه جرحاً من نور. ساحرٌ يخرجُ من عباءته الضوء مأساة الظلمة، كسرتهُ ريشةٌ حينَ كان يصطاد بالشباك ذاتها ملهاة الكلام من بؤس الحاضر، والثعالب ما زالت تنصبُ فخاخها.

عرفتهُ حين عرفتني، ها هنا المأساة ذاتها، الرحيلُ المتواترُ في المكان الذاهلُ المتناسخُ أبداً، ها هنا عند "سوتيري". احتسينا معاً بعض\\ضع زجاجات، المكان ذاته الذي يتجمَّلُ للعابرين ويقذفهم بعيداً في عماء الكون، هو المكان ذاته، الشارع المقابلُ ذاته، والسّورُ ذاته، وكذلك الياسمين الغريبُ. أعودُ مثلك، وحيداً، بلا شئ ولا أحد، لعلي كنتُ ذاهلاً، وهو الذهولُ ذاته الذي يصيبُ الناس هنا، حيثُ يتلذّذُ الصّيفُ بالحرائق. لا فضاء في هذا المكان التائه بصفاته.

سليم، من سلالة الغريب، من اللامكان، طيفٌ من انكسارات الروح، ظلّه عال و "حين نعبرُ نحن المنساقين وراء وهم الحرية وغواياتها" يفيئنا.

ويضيء بالألق الكثيف من برزخه المنسيِّ، ومن معرفته بالقصيِّ الذي تأسس، أصلاً، من تزاحم الأضداد، تنبع معرفته؛

من غَرَفَ من الظلام وتماهي بفقهائه لينشئ عمارة الضوء العالية العالية؟

أحسّكَ في المكان الذاهب إلى عدمه، وأرى أشجاركَ عالياتٍ يلامسن وجه الله بأصابعهنَّ الخضراء.

وأتساءل: كيف لي أن أصوغ، مرّة أخرى، وجهي بعد أن تلاشتُ ملامحي بين أشلاء الآلهة التي طالما صاغت أقداراً تحت جبل الأولمب ذاك، وعرائس البحر المشتهاة، توارين، وبيعت آخرهن في سوق النخاسة العربيّة؛

والآلهة ذاتها، الآلهةُ تباع، ياسليم كتذكارات لسائح يعشقُ أن يرى مالا يُرى.
تساقطُ الذّكرياتُ تباعاً، والمغيُبون يزدادون غياباً، أيّها الحاضر في ذاكرة الريح، أبداً.

بالأمس قال واحدُ منا: "لستَ وحدكَ يا ابن أمي، لست وحدك" في المهبّ، هي الريحُ فحسبُ، آه، ياالآبق، استعيذُ بنيروزكَِ، في شمدين، من ترهات الهباء. من ذا سيروّض خيول الكلام في آيوس بافلوس، أهم القديسون سليلو الحكاية لماّ يتربّصون بنا وبالحكاية؟
فلتعد أنتَ السّردَ
أما كان أجدى بالحكاية أن تكون البيت؟
أو أن يكون الشعر، أو أن تكون اللوحة البيضاء مفتاح الحريق؟
ما السّر؟
تباً؛
"سأستعملُ جناحيَّ، يا أخي، سأستعملُ جناحيَّ!

عن (القصيدة) /1