دلور ميقري"تلك الكلمات التي تستطيع قولها ستكون مبصرةً"
أوديب في كولونا: سوفوكليس

1

صيّاد اللامرئي هُوَ
قوسهُ أبنوسٌ مزخرفٌ. مسحوراً يتنكَّبهُ بحذاقة تليقُ سليل "دينوكا" الساحرة.
وعرةٌ وغامضةٌ مسالكه. اعتدناها، منذُ أخدوده الأول في "موسيسانا" .. منذ سهامه العصّة، المحلّقة، المُرَيّشَة نحو قمم حالقةٍ حيثُ، كلُّ حرف مقَدَّس وكلُّ كلمة عَماء.
أنا العَراء، يقولها مختالاً في دعوته إيّانا "إلى طعنة هادئة" .. إلى وليمة اختلط فيها الكائنُ فارساً وفريسةً. وإذ نُبعثُ ثانيةً، بحلة "الشباك ذاتها" رُبّما، فلكي نُعابث ثانيةً، حبائلَهُ ومكائدَهُ وأنقاضَ أزله الثاني، كما لو أنَّ سحرَهُ ارتَدَّ علَيه أو تقمَّصنا:
"هذا هو أنتَ
أيّها المنتفضُ تحتَ بروق الحبر، هذا هو أنتّ،
وقُربكَ ظلٌّ سكرانٌ،
ظلٌّ مما تلقيه الأرضُ، في غروبها، على رغيف الكائن".

2

هُو دليلُنا أيضاً - دليلُ التَيتَل ذي القرنين الخرافيين، هذا.
تائهاً يقودُنا إمامُ "الفودكا" كَحجَّاج ضالِّين، صوب هضبةٍ مستحيلةٍ: هي ذي قُبلَتي. نحثُّ خطوَنا بإثرٍ خطوهِ - خطو النّهبِ المتوَّج بالغارِ والغاردينيا، وغرانيقة وكراكيه وغيرها من كائناته الأثيرة التي لا ندري من أي أرضينَ لمَّ شتاتها إلى دفَّتَيْ كِناشٍ بحجمِ حديقةِ "سافاري" مترامية .. يُترجمُ لنا، كحكيم لقمانيٍّ، عن ألسنتها، ليقودها ويقودنا إلى الفَلكِ الرابضِ، دهراً، فوق جبل القيامة، هاتفاً بلسان نبيٍّ يائس:
"أيُّ دليلٍ يقتادُ خليقةَ يأسي وجنادبه؟
لا صوت ولا موت
لا أسماء ولا شجر
بعضُ خريرٍ ومساكبُ واطئةٌ ووجوه في خطواتي لا يجمعهنَّ قرانٌ".

3

أنا فخٌ، يقول متماجناً.
هو يدري - أو على الأرجح - غير آبه بدراية رحلتنا الشّائكة عبر دهاليزه الملتوية، الغاسقة إلا من بصيص "كواكب مهرولة صوب الجبل".. نستنفضُها عبثاً من باب "الألف" الفاتحِ  إلى باب "الياء" سوى لباب "السين" المجهولِ، المُلْغِز، المُلْتَبِسِ، من اسمه الأوّل:
"كُنتَ تُتَمتمُ، كنتُ أُتمتمُ، واسمي مازال سليم بركات".

4

لكننا ندري أنَّها غِوايَةُ الخَلْقِ، لا الكَشف وحده، تلك الما فتئت تكون غوايتكَ ومراودتكَ عذريّة الكلمةِ، وهُزءكَ من فصيل "المدنفُ بلا وصْلٍ" ومتقاعدي الأدب المستبدلين بهاء اللغة بلافتات عقيمة، صدئة.
ثلاثةُ عقود من الكتابة والمنفى، هي خروجك القسري من المكان وتداخلك الحميم، الملحمي، بالذاكرة والحلم .. ثلاثة عقود من الداخل والخارج تهتفُ، إذاً، لأجلكَ وبصوتكَ:
"حينَ تحنُّ إليًّ، طويلاًن اقتلني".

عن (القصيدة) /1