عرفتُ سليم بركات في بيروت أول الثمانينات، وفي قبرص سنة 1984. كانت السنوات عصيبةً، لذا كانت مثالاً للسنوات التي تُظهرُ معدنَ الرجال: هل هو أصيلٌ حرٌ، أم سطحيٌّ وزائف؟ وكان معدن سليم بركات من النّوع الأول، أَصيلاً حرّاً ولا يزال.
سليم بركات قدّم، ويقدّم في العربية كتابة شعرية وروائية شديدة الخصوصية والتّميّز، وبالغة الأهمية في حاضر الكتابة العربية، ومستقبلها.
قد يجزع بعض القراء والنقّاد، خصوصاً أصحاب الذائقة السهلة، المرتاحة، مما في كتابته شعراً ونثراً من خشونة غريبة، واعتمال مقلق، وتعدّيات مشهدية صعبة تتنافى مع ما درجوا عليه من ليونة وطراوة.
وقد يجفل بعض القراء والنقاد مما في كتابته من "مثاقفة" زائدة وعزل للعاطفية المنداحة المباشرة، وهو ما يتعارض مع فهمهم للكتابة بوصفها نقيضاً للمعرفة، وبوصفها مجلى للوجدان المشتعل.
لكن قليلاً من التأمل الأمين في عمارة سليم بركات الأدبية، يجعل الكثيرون - وأنا منهم - يقدّرون تقديراً عالياً ثلاثة ملامح أساسية في كتابته:
الأول: سعيه الدائب للانحراف على حساب الاستقامة، والنشاز على جثّة الهرموني، والغريب على أنقاض الأليف.
الثاني: حرصه المتواصل على كتابة نفسه، ما عاشه، ما خبره، ما عاناه، حتى لو كان الثمن أن يتضاءل القاسم المشترك بينه وبين القارئ العموميّ؛ طفولته، بيئته، ثقافته، شعبة، وسيرة روح هذا الشّعب الكردي. هؤلاء هم أبطال مخيّلته، وأبطال قلمه.
الثالث: تأكيده على الطابع الكردي في كلّ نصٍّ، وهو الفعل الذي لم يجرؤ عليه كثيرون من أمثاله الأكراد في العربية. الانحياز إلى ثقافة الأقلية، الاصطفافُ إلى جانب الفئة المقهورة، الانتماءُ إلى المهمَّش. هذه هي قضاياه الأبرز.
إن هذه الملامح الثلاثة تجعل من كتابة سليم بركات تبرئة للإبداع العربي من الانحياز للأغلبية، والقاهر، والمتن. وهي تجعل من كتابته، بالتالي، "ضرورة"، من حيث هي نفيٌ ل"الضرورة".
ياسليم بركات: هات النّقير عالياً، هاته على آخره.
عن (القصيدة) /1