"اسماعيلتَيْن" اسمٌ لا يستقيم على نحتٍ لغويٍّ، أو تصريفٍ، أو تثنية. ولا يرقى، في القياس، إلى "حسنَيْن"، أو "محمديْن". هو، في الأرجح، شغبٌ من هفوات الخيال البسيط حين يمزجُ علومَ دينه البسيطة بمخرج الحروف على لسانه البسيط.
منذ تسلَّم اسماعيل بن ابراهيم  الرافل في نعيم الحقائق الأولى طازجةً عن يد الوحي في أُوْر  جسامةَ نقل العرب العاربة، من رحم زوجه جُرْهُم، إلى سدَّة النَّسب الإلهيِّ، لم يخطر بباله أن شخصاً أحمرَ البشرة، وأحمر الشاربين، سيعيد ترتيبَ اسمه على نَسَقِ التوسُّل إلى الله توسُّلَ المَدَدِ بكرامة الأسماء، فيُضاعِفَ المُمْكنات اللامحسوبةَ، لتستتبَّ لروحه الخالدة، وخيال جسده الفاني، شفاعةُ المعنى وشفاعة الحروف: سمَّى نَفْسَه "اسماعيلتين"; سمَّاهُ أبوه الهواءُ اسماعيلتين.
ليس غريباً التمثُّل بجلال الكثرة، على نحو "كمالات" و"سعادات"; والتمثُّل بجلال المثنّى كمقامٍ يجاورُ الكَثْرَةَ، مثل "حسنين". لكن، كيف اتفق للأحمر الشاربين أن ينصب لمثنى المذكَّر فخَّ انقلابه إلى تأنيثٍ صاخب؟ لن يجزم أحد، عالم بأحوال الرَّفْرَفِ فوق ضفاف فروع جغجغ البائد  نهر اللاتعيين، أن "اسماعيلتين" جازف بعظامه كي يصحِّح دورةَ العِلْم الكليِّ الناهض على سَنَديْن: خيالِ التذكير وخيال التأنيث. "اسماعيل" بقي على حالِ الأصل والمرجع، ذَكَرَاً مشمولاً بوعد النبوَّة في كل إرث. وقد لحقته التثنيةُ على صِفة البناء (اسماعيلان)، ثم جُرِّدَ من صفةِ البناءِ (في مصطلح الإعراب) فَأُجيزَ منصوباً أو مخفوضاً أبديَّاً، ثم أُكْمِلَت الدورةُ بتاء التأنيث، فحصل الإعجاز: "اسماعيلتين"، متحرِّراً من الإعراب العربي، لأن الأحمر الشاربين لم يعرف من العربية إلاَّ السَّماع، في أسواق الماشية، التي دأب على حضورها ببقرته الوحيدة، يستعرضُ علومَ فقهاء الشِّرَى. لكنه لا يبيع بقرتَه، ولا يشتري أخرى: كان يدرِّبها على لهجات المتكلِّمين في أحوال الحيوان، وبراعاتِ الصخب في منطق الدَّلاليْن، كي تكون لها حظوةُ المخلوق العالِمِ في أسواق السماءِ، حيث يشرفُ الحيوانُ، وقد صار من أهل الشِّرَى، على أسراب البشر في مقاودهم يُسَاقون  بعونِ قواعد الإعراب، أو من دونه  إلى زرائب خلودهم: مسالخِ الأبدية.
كان اسماعيلتين يصرُّ، إصراراً غيرَ معهود، أنه كردي. يتكلم الكرديةَ مع مِلَّةِ الشارع، لكنه يحادث مِلَّةَ بيته بالعربية على لهجة "المحلَّمِيِّيْنَ" المنقادة لشرارات غامضة من أنفاس اللغة الآرامية (وهو زعمُ التخمين، لا التاريخ). أما الأكراد فردُّوا اسماعيلتين إلى بلاغةٍ هجينةٍ في أصول الأعراق: قطراتٌ من دم تركي، في إنبيق عربي، على نار كردية (وتلك إضافةُ الحسنى إلى الجار). والأمر ليس كذلك، في الأرجح. لكن العلوم تزلُّ "عن صهواتِ" مثاقيلها في الشمال السوري  شمال الجفافِ العاقلِ، مدبِّرِ منهج الدولة في اختفاء الأنهار. مِلَّةُ "المحلَّميِّيْنَ" تتشرَّف بانحدارها من السطر الثالث في "تغريبة بني هلال". هم بقيَّةُ بني هلال المنظومةُ شِعراً يتشاجر العَرُوض فيه شجاراً لا تنجو منه أبْحُرُ الشِّعر، ولا سواقيه، ولا جداوله الطينية. المخطوط المتآكل في "دير زعفران"، بنواحي مارديْن، يردُّهم إلى فرعٍ سريانيٍّ. وتصنِّفُهم وثائق بريطانية تصنيفاً عليه توابلُ الكرد وملحُهم. أما أن يكون اسماعيلتين نظْماً في سلالة الهلاليين، مبنيَّاً على شطرين متقابلين من نحوٍ عربيٍّ، وصَرْفٍ كرديٍّ، فالأمر يحوجه "تعديل" جغرافيٌّ في ميزان الجهات: بنو هلال من أهل نجد. هاجروا إلى صعيد مصر فلم يبارحوه. ويشهد لهم المعجم بالفصاحة. فكيف حلَّت أرواحهم، بعد ذلك، في أرض "الأومَرْيَان" الممتدة تحت ظل طوروس، وباتوا "محلَّميين"، بنَسَبٍ إلى "محلِّ المائة"؟ أما فصاحة "اسماعيلتين" العربية فهي تجريدٌ من مناسك النَّحتِ، والمزج، والتركيب، و"حصحصةِ" الحروف: "قَيْ مُوْ قَيْ (لماذا ليس لماذا؟). قَيْ مُوْ تاكِلْ (لماذا لا تأكل؟). أَشُوْمْ إِنْتْ (كيف أنت؟). أَنْكِزْ تَاتْرُوْحْ (أين تذهب؟). قُمْتُوُ جِبْتُوْ راسْ زَبَشْ وشَقَّيْتُو (قمتُ فجئتُ برأس بطيخة حمراء وشققتُه)... الخ".
سكن اسماعيلتين، بمصادفةٍ متناسبةِ الأجزاء كالقوس، في البرزخ الضيق بين الحيِّ الغربي وقرية "هليليكي" الرهيفة الليل كشفرة تقطع أوردةَ الظلام، كل يوم، فيسيلُ دويُّ طلقاتِ البنادق في الشمال المقسوم بأسلاكٍ يتبادل خَلْعَها الدركُ التركيُّ ومهربو التبغ، على الجهتين. حدودٌ تختلط في الفراغ، الذي تطفو على هبائه مدينة اسمها "قامشلي". حدودٌ تغدو شمالاً مرة، وجنوباً مرة أخرى، في التدوين الشفهي على ألسنة القرابات البشرية، التي فصلها الهواءُ المغلولُ بأسلاكٍ هي حدودُ العقل القوميِّ في ابتكار خصائصَ فريدة للحقِّ في امتلاكِ الهواء.
هل "هليليكي"، المجاورة لدغل الصفصاف المفقود، بعضٌ من أنفاس بني هلال، في مخارج الحروف ومداخلها، لتؤكد للمحلَّميِّ اسماعيلتين أنه شديدُ السهو عن التاريخ الأرضيِّ؟ بعشبِ هليليكي يترعرعُ خيالُ بقرته، فلماذا انتسابه إلى الكرد؟. إنه يملك "التغريبة" كلَّها. يملك الرَّاويةَ القابض بقراءته على مداخل التاريخ، إرثاً بعد إرثٍ. هذا ما قد تؤكِّده روحُ "دلشاد" له، بعد دورة خفيفة على معارج السماء، من "كوماجينا" إلى "سَرِي كانْيِي"، ثم الهبوط في بساتين السريان، جنوب السرايا القديمة.
إن كانت اللغة السريانية تحفظ في خزائن مُهْملةٍ من علومها عظاماً من الآرامية، مثلها مثل الكلدانية، فلا منجى من التأكيد أن "اسماعيلتين" قد ضلَّ الطريق، في عودته من أسواق الماشية، ليدخل سهواً إلى الفرسخ الأول من "فراسخ الخلود المهجورة"، التي تولى تدوينها، كسيرةٍ غامضة، كرديٌّ من قامشلي، مؤرِّخاً لترجمة الأرض إلى لغة السماء. لكنه عهد إلى أحد الأسلاف بانتحال ذلك، عبر ترجمة لمخطوط سرياني صغير الجِرْم والحجم لم يُعْثَر على أصلٍ له إلا مانقله المترجم دلشاد إلى الكردية، في اثنين وخمسين مجلَّداً (!!!). "إقْفِيْسُوْبْ حَسْبُوْتُو دِلِيْتَو" كان اسم المخطوط، بحسب ماترجمه أبٌ يسوعي إلى أصله السرياني عن خُطاطةٍ بالعربية معناها "المُخْتَصَرُ في حساب المجهول"، منقولةٍ عن العنوان بالكردية الكرمانجية على المجلدات المفقودة اليوم: kurtkiriy di hejmartina nepeniy de.  أمرٌ مَّا أشبه بدورة اسم اسماعيليتين، من الخفض الدائم (الكَسْرِ)  مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً  إلى التثنية، إلى التأنيث اللامعهود. لربما كان دلشاد، وحده، قادراً على تصحيح اسم اسماعيلتين بترجمته إلى "سَمْعُو" المنطوقة بالكردية عن أصلها "اشماييل"، وصوغه، من ثَمَّ، كاملاً: "دُوْ سَمعو بجار بيسيرا". (الإسماعيلان ذوا النهود الأربعة). لكن اسماعيلتين لم يلتق دلشادَ، الذي جاوره على مبعدة فرسخ واحد (بحسب "فراسخ الخلود المهجورة") إلى الشرق من "هليليكي". ولو جاهد بروحه، وعقله، وخياله، معاً، لَمَا التقاه. دلشادُ انحدر، أعمقَ، مع ترجمة "المُخْتَصَرِ في حساب المجهول" إلى تأريخ الروح كتجلٍّ مُطْلَقٍ للذُّعر، وكخصومةٍ نهائية بين الحياةِ  مربِّيَةِ الإهانةِ الحنونِ، وبين المعنى المُتْعَب من تحميل الموت ما لا يعرفه الموتُ، فيما تولَّى العنصرُ الأصلُ في حقائق وجود اسماعيلتين توجيه خياله إلى تأريخ العبث الخالد ناصعاً، نقيَّاً، في "التغريبة"  حكايةِ أسلافه النازحين، بهزائم العقل كلِّها، إلى كهوف الهواء في الشمال الأفريقي وغربه، عبر المسارب ذاتها التي ستسلكها مِلَلُ الدِّين، ومِلَلُ الإعراب، إلى الأندلس  مبكى مَنْ لم تكن الأندلسُ لهم مُلْكاً قطُّ.
لا يهمُّ ماذا جرى لدلشاد. لكن ماذا عن اسماعيلتين، المتردِّد، قليلاً بين زَعْم الكرديَّة فيه، وحقيقةِ الهلالَّيةِ (بني هلال) فيه؟ قامشلي ستحلُّ المعضلةَ الصغيرة على طريقتها القوية في التساهل، مذ لحق بها "أل" التعريف، بتبنِّي "النسيان" كقانون يخصُّ الأسماءَ، والدمَ، والهواءَ، والعقل. وهو نسيانٌ فريدٌ، على أية حال، يخرج ماشياً، بين حين وآخر، إلى السرايا، بورقةِ "عَرْضْحال" تخصُّه، مدَّعياً أنه لا يفهم الأَعراض التي يمرُّ بها، فيشرحون له، بحاشية مقتضبة على الورقة: النسيانُ انتماءٌ.
لم يتأخر اسماعيلتين مرة واحدة، بتعاقب عيد نوروز الربيعيِّ على عمره، في تقديم ولائه للنسيان بتذكيره، عن لسان نارِ نوروز، أنه نسيانٌ أبٌ; نسيانٌ عائلةٌ; نسيانٌ حزبٌ; نسيانٌ دولةٌ; نسيانٌ شعبٌ. بقرتُه، أيضاً، تولَّت ذلك، بلسان الحيوان الأعجم، للتأكيد أن النسيان انتماءٌ لا يخصُّ الآدميَّ وحده، بل كائنات المراتب المخفوضة بكسرةِ الإعراب الأبدية، أيضاً. الوجودُ  في أصلِ أصله، وأرومته، وجذوره، وخليَّته الحمضية الأولى  نسيانٌ. قامشلي تتدبر، بالولاء لهذا الوجود، تعيينَ خصائص جديدة لإسماعيلتين، ولبقرته، وللدساكر، والبلدات، والقُرى، والكُوَرِ، والمدنِ المفقودة، والبساتين، والأنهار، وللوافدين في شاحنات الدولة من البادية، ولأغنامهم، وللأسماء العربية المغذاة بسمادٍ سخيٍّ، ووفرةٍ من الماءِ; وللأسماء الكردية المنحوتةِ، من جديد، على حجر المعنى القادم من صحراء جُرْهُم.
القامشلي، ب "ال" التعريف، في عناية الدولة. قامشلو، في النطق الخاص بالمتدرِّبين على هواءِ الجزيرة السورية. أما فصيحها الأعجميُّ فهو: قامشلوكَيْ، التي لن تغادرها روحُ اسماعيلتين، لا مغرِّبةً، ولا مُجَنِّبةً. وستُسمَعُ ثرثراتُها بشفاعةِ الحروف المسكونةِ بقلقِها الآراميِّ.