مختارات

(عن راهن الشعر)

سليم بركات

(أتابع الشعر العربي، بعامة، يفوتني بعضه بسبب العزلة، لكنني أستطيع الركون إلى محصلة ذوقية.
أولاً، وثانياً، وثالثاً، لن أحتكم إلى ما يتردد حول "انهيار" شعري، ففي كل عصر كانت كثرة من الطامعين في "سلطة" شعرية ينتهي بها المطاف إلى الخروج من الفهرست. عندنا كثرة الآن أيضاً، أسوق بالحقب الماضية. شعراء معدودون سيثبون للامتحان، كما حصل لأسلافهم. لكن المشكلة تبدو أكثر ثقلاً بسبب الوسائل التي تتيح للرديء أن يكون حاضراً، بدوره بإزاء الجيد، وكذلك "التساهل" العرم للنقد الصحافي، وضعف الآلة النقدية للقائمين على النقد، ما يبعث على فوضى في استيلاد الذائقة، وسهولة في الأحكام، وتجاهل النص الثري، والقوي، خوف انكشاف القصور في الأداة.

ربما تتحمل قصيدة النثر (بتحفظ عن التسمية) جرائر المتهافتين عليها، بسبب ما أثارته من سوء فهم. هي صنف في صلب الشعر أسيء تقدير آلات صوغه، فظنه كسالي اللغة، وقواعد الربط والضبط، نحواً وبياناً وبلاغة، سهل المرتقى، طيعاً، قريب المنال، بتواطؤ من النقد المستقر في غير أهله.

النقاد المحترفون، الذين انسحبوا من الحياة الأدبية، يتحملون، بدورهم، شيئاً من التبعة، لكنهم قد يجدون لأنفسهم الأعذار أمام الفساد، الذي حملته "الوظيفة" الصحافة إلى "الأدبي" برمته. لقد حملت "الوظيفة" المهنية قيمة "الاختصاص" في شأن ليست له: أعمدة مفتوحة الأفواه تنتظر حبر المجبرين. كما أن "الوظيفة" الصحافية لإدارة "الأدبي" لم توضع موضع محاسبة من قبل المجتمع أمر يدعى "سوء استخدام السلطة" في اللغة السياسية، "الموظف" الأدبي بات يستعير من الصحيفة سلطة لنفسه يتدبر بها أمر علاقاته خارج الاختصاص، وخارج حكم القيمة. لن أعمم المسألة، لكنها حاصل متحصل.

يعاني الشعر فوضى في التقويم، وفوضى في اللغة لا تثريه ولا تعمقه).

من حواره في مجلة (القصيدة) /1