(مشهد من فيلم (البوم) للعُماني خالد بن عبد الرحيم الزدجالي) |
افتُتحت، مساء أمس، الدورة الخامسة ل(مسابقة أفلام من الإمارات)، التي يُنظّمها سنوياً السينمائي الإماراتي مسعود أمر الله آل علي بإشراف (المجمّع الثقافي) في أبو ظبي، وذلك بعرض الفيلم الوثائقي الإسباني (شتاء في بغداد) (2005، 78 دقيقة) لخافيير كوركويرا، في الصالة الكبرى في المجمّع نفسه.
يُذكر أن الدورة الخامسة هذه تنتهي في السادس من الشهر الجاري، بإعلان النتائج الرسمية للمسابقات الثلاث: الأفلام الإماراتية والأفلام الخليجية والتصوير الفوتوغرافي، وبعرض أول فيلم روائي طويل يُنتج في سلطنة عمان، بعنوان (ألبوم) (2006، 105 دقائق) لخالد بن عبد الرحيم الزدجالي.
عاماً إثر آخر، تخطو (مسابقة أفلام من الإمارات) خطوة جديدة على طريق التطوّر الثقافي والفني الذي أرادته منذ انطلاقتها في العام 2001 باسم (تظاهرة أفلام من الإمارات)، قبل أن تتّخذ لنفسها اسماً جديداً هو (مسابقة أفلام من الإمارات) في الدورة الأولى لها في العام 2002. وعلى الرغم من المصاعب المتنوّعة التي عرفتها منذ ولادتها (خصوصاً على مستوى الجودة الفنية والتقنية والدرامية للفيلم الإماراتي)، حافظت هذه (المسابقة) على نمط متواضع في التعاطي مع النتاج البصري في دولة الإمارات العربية المتحدّة: تقديم فسحة ثقافية للنتاج البصري الشبابي الإماراتي (فيديو وتقنيات تلفزيونية)، إتاحة الفرصة للشباب الإماراتيين للاطّلاع على تنويعات سينمائية عربية وغربية لا تُعرض في الصالات التجارية، تأسيس جسر تواصل ثقافي حقيقي بين النتاجين البصري والنقدي العربي والغربي والشباب الإماراتيين، دعم بعض أنجح التجارب البصرية الإماراتية بتقديمها للمهرجانات السينمائية العربية والغربية، حثّ الشباب الإماراتيين على مزيد من الوعي المعرفي بالجماليات البصرية والسينمائية والثقافية الخاصّة بها، إلخ. ذلك أن إدارة (المسابقة) لا تكتفي بعرض الأفلام الإماراتية والعربية والغربية، بل تُنظّم لقاءً نقدياً بين ناقد سينمائي عربي ومخرجين إماراتيين لقراءة الأفلام المعروضة في كل دورة، وتمتين العلاقات بين الشباب الإماراتيين والسينمائيين المدعوين من العالمين العربي والغربي، وإصدار كتب مؤلّفة ومترجمة في سلسلة (كرّاسات السينما)، في محاولة لإضفاء بُعد نظري على الحركة الإنتاجية (وإن احتاجت هذه السلسلة إلى رقابة نقدية صارمة، كي لا تقع في الاستسهال والتسطيح والتسرّع).
جهد فردي ملحوظ
لا يُمكن التغاضي عن الجهد الفردي الذي قام به مسعود أمر الله آل علي في هذا المجال، إذ إنه لعب دوراً كبيراً في تحويل (المجمّع الثقافي) في أبو ظبي إلى حيّز للنشاط السينمائي، جاعلاً من (المسابقة) منبراً حياً للتعبير الفني عن الذات والعلاقات والمجتمع والتفاصيل الإنسانية الأخرى. فبفضل هذا الجهد، استطاعت (المسابقة) أن تفرض حضورها في المشهد الإبداعي في منطقة الخليج العربي، بثبات وهدوء، استمدّ خطابه البصري من واقع الحال الإماراتي الذي يلتقط نبضه المتنوّع شبابٌ إماراتيون يسعون إلى ترجمة أفكارهم وهواجسهم ومشاعرهم في أعمال فنية تستخدم الصورة أداة قول، وتصنع من التعبير البصري أسلوب عيش. وفي خلال أربع دورات متتالية، شكّلت (المسابقة) منبراً لتجارب متواضعة جداً، قدّم نماذج مختلفة من التعبير الإماراتيّ الشبابيّ المتنوّع في شؤون الحياة والمجتمع والفرد والعلاقات، وساهم في تفعيل التواصل مع نتاج سينمائي عربي وأجنبي تشعّبت عناوينه وأشكاله وهواجس صانعيه وأفكارهم وثقافاتهم وتطلّعاتهم، مما أدّى إلى تأسيس حيّز ثقافي سرعان ما تحوّل إلى لقاء سنوي منتظر بين إماراتيين ثابروا على حضوره وضيوف عرب وأجانب حاولوا تنظيم العلاقة بالحوار والنقاش وعرض الأفلام وطرح الأسئلة والبحث، معاً، عن أجوبة ما.
(مشهد من فيلم الافتتاح (شتاء في بغداد) للإسباني خافيير كوركويرا) |
في إطار التحضيرات التي قامت بها لتنظيم الدورة الخامسة، ارتأت إدارة (مسابقة أفلام من الإمارات) تطوير آلية عملها الفني في اتجاهات عدّة، فإذا بها تُنشئ مسابقتين جديدتين بدءاً من الدورة الخامسة هذه: أولى خاصّة بالنتاج البصري الخليجي، بإشراك أفلام أنجزها مخرجون منتمون إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وثانية معنية بالتصوير الفوتوغرافي (تهدف إلى تنشيط المواهب الإماراتية (في هذا المجال) وتطويرها ونشر أعمال (أصحابها) في كتيّب (مسابقة أفلام من الإمارات) والمعارض الفنية الخاصّة) (كما جاء في تقديم هذه المسابقة). لا شكّ في أن هذه الخطوة مهمة، تُحسب ل(مسابقة أفلام من الإمارات)، إذ إنها تنفتح على تجارب خليجية ونمط فني مختلف، على أمل أن تحمل هذه التجارب مضامين غنيّة بالأسئلة، وأشكالاً فنية وتقنية جادّة، يُمكن، عندها، أن تُضاف إلى النتاج الإماراتيّ، الذي يتضمّن عناوين جديرة بالمتابعة والرعاية والاهتمام النقدي، وإن كان عددها قليلاً.
إسبانيا وسلطنة عُمان
اختارت إدارة (المسابقة) فيلماً وثائقياً إسبانياً بعنوان (شتاء في بغداد) لخافيير كوركويرا، في إطار تنظيم تظاهرة خاصّة بأفلام وثائقية إسبانية، تضمّ خمسة أفلام أنجزت في الأعوام الخمسة الفائتة، وهي: (ظهر العالم) (2000) لكوركويرا أيضاً، (طور الإنشاء) (2001) لخوسيه لويس غورين، (عوارض خشبية) (2002) لكارلس بوتش وجوزيف م. دومينيش، (بغداد راب) (2004) لأرتورو سيسنيروس سامبر و(مدينة الانتظار) (2004) لخوان لويس دي نو. في هذا الإطار، قدّم الملحق الثقافي في سفارة إسبانيا في أبو ظبي سيزار إسبادا هذه التظاهرة بما يلي: (في خلال السنوات القليلة الماضية، أنتجت السينما الإسبانية حصاداً كاملاً من الأفلام الوثائقية الجيّدة، من النوع الذي لا يصل عادة إلى الجمهور العريض، لكنه يساعد على إظهار عافية الصناعة السينمائية، التي تقدّم بوتيرة واحدة وطريقة أغزر من الأفلام الروائية العلاقة المعقّدة بين الواقع والسينما). أضاف أنه (بعيداً عن كونها فقط تمشي على طول الشارع، كما قال بلزاك عن الروايات، فإن الكاميرا التي تلتقط الواقع لتضعه في فيلم وثائقي هي أيضاً مدعومة بوجهة نظر، وبواقعية إيديولوجية). ورأى إسبادا أن ما يُميّز الأفلام الوثائقية الإسبانية المعروضة في (المسابقة) هو (الحقيقة)، إذ اختارت، في معظم الحالات، (واقعة حقيقية تتخطّى الحدود الإسبانية): الولايات المتحدّة الأميركية (ظهر العالم)، كوبا (عوارض خشبية) والعراق ((بغداد راب) و(شتاء في بغداد)). وأشار إلى وجود ملامح مشتركة أخرى، تكمن في أن الشخصيات الرئيسة في هذه الوقائع هي (المسلوبون المجرّدون)، كالمهاجرين غير الشرعيين وضحايا الحروب والسجناء السياسيين واللاجئين والأطفال والعمّال والمحكومين بعقوبة الموت.
أما بالنسبة إلى فيلم الختام، فهو الروائي الطويل الأول الذي يُنتج في سلطنة عُمان، بعنوان (البوم) لخالد بن عبد الرحيم الزدجالي: تقع أحداثه في قرية ساحلية عُرف عن أهلها العمل في الصيد وصناعة السفن. لكن هاتين المهنتين اندثرتا تدريجاً، مما دفع بشباب القرية إلى هجرتها صوب العاصمة، بحثاً عن مورد رزق، وذلك بتشجيع من الشيخ إبراهيم، أحد وجهاء القرية وأثريائهم، بسبب مشاريعه الضخمة التي تحدّث عنها الجميع من دون أن يعرف أحدٌ شيئاً عنها، وراح يعرض على الجميع شراء سفنهم وقوارب الصيد وبيوتهم القريبة من الساحل. لم يقف في وجهه إلاّ سالم، المرتبط بالبحر بعلاقة وطيدة منذ نعومة أظافره: قيل إن ابنه زاهر خرج في رحلة صيد ولم يعد، وها هو ينتظر عودته. صراع مرير بين الرجلين، من جهة أولى، وصراع بين سالم وذاته وروحه، من جهة ثانية، وصراع بين أنماط عدّة من الحياة اليومية، من جهة ثالثة.
أفلام وتظاهرات
يُشارك في المسابقة الإماراتية أربعة وعشرون فيلماً في فئة (عام) وسبعة وثلاثون في فئة (طلبة)، وفي المسابقة الخليجية واحد وعشرون فيلماً في (عام) وسبعة في (طلبة). وقد تشكّلت لجنة التحكيم الخاصّة بهما من المخرج التونسي الطيب الوحيشي والكاتب البحريني أمين صالح والمخرج المصري سعد هنداوي والإماراتيين عادل خزام وإبراهيم الأميري. أما لجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة التصوير الفوتوغرافي، فتألّفت من الإماراتيّ جاسم ربيع العوضي والبريطاني مارك بلينغتون والسوري طلال معلا. وقد بلغت قيمة الجوائز المالية في المسابقات الثلاث هذه 240 ألف درهم إماراتي، قدّمت وزارة الإعلام والثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدّة جزءاً أساسياً منها (210 آلاف درهم)، في حين أن (مهرجان دبي السينمائي الدولي) خصّص مبلغ خمسة عشر آلاف درهم بفيلم فائز في فئة (أفضل موهبة سينمائية إماراتية)، وعائلة المصوّر الفوتوغرافي الإماراتي الراحل علي الظاهري تمنح خمسة عشر آلاف درهم لأربع صور فوتوغرافية فائزة. من ناحية أخرى، تُقام عروض جانبية متنوّعة في خلال الأيام الخمسة: عرض خاص (23 فيلماً)، بانوراما عربية (7 أفلام)، بانوراما دولية (17 فيلماً)، وثائقية إسبانية (5 أفلام) و(هايكو سينما) تضمّ عدداً كبيراً من العناوين والأفلام.
السفير
2006/03/02