غاليري حسين المحروس
هل الصورة مرآتنا.. مرآة الواقع.. الباطن والظاهر
أم الصورة مرآة الآخر عبرها يمكننا الدخول عوالمه (المدفونة والبارزة ( أو تتبع خيوط أهوائه
بمجمل ارتباطاتها، النفسية والاجتماعية و..و..الخ
أم الصورة هي ذاك الخط أو الواقع الهلامي الذي لا نراه ويستعصي علينا تتبع خطوه أو لمس خيوط بداياته ولو من باب الفضول البحت
أم أنه هذا الواقع (الغائب فينا والمغيب عنا) الذي نحياه خارج مساحة التجلي، داخل مفاصل غفلتنا التي نصدق دوما وجودها ونؤمن باستمرار دون علم ودراية منا - خارج منطقة الوعي والتبصر - ثباتها، وإن ورد الظن بتواجدها فإنه لا يتعدى كونه الوهم البهي الحاذق بتوافر أجسادنا فيزيائيا على رقعة أرض ما فتيء أصحابها غير قادرين على مغادرة مساكن الفتنة والوشي وتجاوز مسارات ممارسة (دعارة الكذب) بكل أشكالها وبأبشع حالاتها.
الصورة فضح.. فضح مستور اختبأ وراء مكشوف لا يراد له الظهور، وإن بزغ فهو مترنح يبحث فقط عن شوارد الصعقة ويقتفي الساقط من الصراط، هذا الصراط اللعنة، كسماء لا تمطر في الشتاء وبرازخها تقتات حليب ألوانها من صحار مقفرة أضحت هي الأخرى جسد امرأة اهترأ فلم تعد تمعن إلا في المتبقي من ذاك القوام النضر.
الصورة بيان.. تبليغ للجمال وعن رحيق الحب التجسد في الماء والنار والنهار والظلام مخترق بومضة فجر مسترخية على جناح فراشة، أو كسهم يمرق رقيقا كبلورة ماء سقطت على حافة زجاجة فاستحالت فسحة ضوء.
الصورة بيان صورتنا، تحديد وجهتنا، تاريخ حضورنا، كتابة ماضينا، فسحة للملاحقة والتأمل في الحاضر، تقليب في الغائب والموجود.
إنها بيان صورتنا المتوارية، الواقفة خلفنا.
هكذا يخبرنا حسين المحروس في بيانه البصري (صوره الفوتوغرافية)
يلكزنا على حين غفلة كمن يمرر شفيف النهار في دكنة اللون، هي الخيط الهاجس بالشكل، بالصورة الطفل الذي يخيط فعله مجسدا لنا عالما لا راحة لنا فيه إلاّ بقراءته ولا استقرار إلا به شريطة اعتمال اليقين بالرؤية، رؤية المكابدة والهزيمة المغروسة فينا سلفا ولاحقا، علامة الاستفهام الجاثمة دوما علينا، علاقة السؤال بالباهي من الأفعال وبالجميل من الإبداع هذا الذي ينشده الشكل وتحاول تمريره الصورة لنا، صورة عالمنا ولربما أحلامنا.
صور أنموذج للسؤال:
1- صلاة السيف
أوّل قراءات السيف هي علامة القوة والشجاعة والإقدام والدفاع عن النفس والوطن ولربما أول تأويل أيضا هو العداوة والبشاعة والقتل أيضا، وهذا لا ينفي بالطبع صفة الجمال عنه سيما إذا ما صادفنا سيفاً قد تفنن صانعه وأبدع في صياغة شكله وزخرفته، وعادة ما يحدد الفرسان (الكبار والمحترفون وذو الشأن) شكل السيف ووزنه وطريقة صنع الغمد والنصل، وليس ببعيد عن هذه الأجواء النفسية الحميمة التي تربط الفارس بسيفه يبين المحروس في هذه الصورة تلك الحالة المشحونة بالبشاعة والخوف ولربما بالفاسد من الممارسات التي تخذل هذا أو ذاك من الفرسان البواسل وترمي بهذا السلاح الذي كان في يوم ما هو الأهم والأفضل إلى حضيض قيمته التاريخية والاجتماعية والنفسية مستواه، في هذا الاصطياد (اللقطة) يحاول المحروس إظهار الجانب النفسي متمثلا في طريقة مسك السيف المتصفة بالرقة، المشحونة بالحنان، أما الحد الفاصل الذي قسم الثوب إلى شطرين، فما هو إلا اجتهاد للوقوف من حدين، حد الماضي وقراءته ضمن زمانه ومكانه التاريخي وحد الحاضر الذي نعيش عبر تلك الوقفة الاستفهامية وطريقة المسك التي تجعل السيف حاضرا في غير مكانه فاقدا رونقه السابق الذي وجد من أجله، إنها الصورة الأبعد، صورة العمق الذي أراد المحروس إبرازه عبر هذه اللقطة الرمز متلبسة بثبات الوقفة وركازة التكوين.
2-البقاء للماء:
آه من الماء ومن الورق ومن تلك العلاقة الجدلية التي بينهما، في هذه الصورة للماء قوة السيطرة والحضور وللورق فتنة الغور داخله والاستلقاء على سطحه الرقراق.
ثمة علاقة فنية صاغها المحروس هنا ببراعة رسام أداته الكاميرا قائمة على حالة التقارب والتنافر القائم بين الثلاث الوريقات وما بينهما من علاقات لونية تنتمي لهارمونية الراحة والهدوء المتحصل من اصفرار الأخضر يحاكي البرتقالي والبني المشع بفعل غسل الماء، الماء هنا فعل فعلته في إبراز الكنه المتوهج والشفافية التي حسبنا القاع عبرها سطحا علويا غنيا بالضربات اللونية الرمادية، إنها العين القادرة على الصيد وعلي بناء التكوين وكتابة الحوار لعناصر الصورة اللوحة فنيا وجماليا.
3- حوار القدمين
هذه الصورة التي إن جاز لنا القول أنها تنتمي للرمزية، فإنها بالمقابل أيضا تطرح مجموع من الأسئلة والتي باتت أكثر إلحاحا في هذا الزمن بالتحديد بعد هذه الثورة الحاصلة في عالم تكنولوجيا الكاميرا سريع التطور، عن كيفية التعامل مع الكاميرا ومن أية منطلقات وما المراد من حملها والتعاطي معها فنيا فرضا، نرمي من ذلك هو الكيفية التي تخلق شكلك.. تكوينك محتو على كل العناصر الفنية المؤهلة لنجاح الصورة وهذا لا يتأتى إلا من خلال موهبة مدعمة بثقافة بصرية يعوّل عليها في خلق وصياغة الموضوع مثل صورة القدمين والورقة للمحروس الذي اعتمد فيها البساطة مرتكزة على الترميز (الحوارية القائمة بين أصابع قدمي الطفل والورقة التي ربما خيل إليه أنها دودة بحر أو حشرة) تاركا الفراغ متمثلا في مساحة لونية قوامها الرمل الطري تضفي الهدوء رغم حسها الجرافيكي الخشن، إنه لعبة توزيع العناصر لا غير.
ملحق - رؤى
الأحد 18 يوليو 2004 م
***
مواليد المنامة - النعيم 21/05/1964م تعلّم في مدارس البحرين الحكومية (القسم العلمي) حصل على شهادة البكاليوس في اللغة العربية وآدابها في جامعة البحرين في يناير 1992 م ، وتعيّن مدرسا بوزارة التربية والتعليم . نال شهادة الماجستير في اللغة العربية (لغات) في جامعة البحرين بـتاريخ 27 فبراير 2000م في تحقيق المخطوطات (نحو) أصدر مجموعته القصصية الأولى (ضريح الماء) في ديسمبر 2001م. يمارس التصوير الفوتوغرافي يومياً، ويكتب مقالات نقدية فيه، منها: (إشكالية إطار الصورة) و ( اللوحة الفوتوغرافية) و (للكاميرا ملامح بشرية) و ( التصوير الفوتوغرافي المباغت) و ( ولان بارت من لذة النص إلى لذة الصورة الفوتوغرافية)،وغيرها. يكتب في مشروع معجمي للسير الذاتية للمصورين الفوتوغرافيين البحرينيين منذ مطلع القرن العشرين حتى الآن . وقد بدأه بنشر السيرة الذاتية للفوتوغرافي البحريني (أحمد عبد الله الماضي 1903-1976 م) في مجلة البحرين الثقافية - يناير 2001م، العدد (27) والفوتوغرافي البحريني (يوسف قاسم 1928- …… ) في العدد (32). ويعد لنشر سيرة الفوتوغرافي البحريني (عزيز علي زباري 1936م-....) للنشر. أوشك على الانتهاء من كتاب سيري عنوانه: (العلامة الموسوي: نسيج العمامة السوداء) يتناول فيه سيرة الشاعر، وعالم الدين الخطيب العلامة السيد محمد صالح السيد عدنان الموسوي (1918م -.....) تناولاً سيرياً حديثاً، يتنقل بين أحداث ومجريات سيرته الذاتية منذ عام 1918م حتى الآن، مروراً بدراسته الحوزوية في الهند بدلاً من النجف وقم وأثر ذلك عليه، واهتمامه بالجمال، وبالتصوير الفوتوغرافي، وخروجه على عالم الدين النمطي التقليدي. من عناوين الكتاب: (صورة أمي.. صورة القرية) و ( ان اسمها خاتون..) و ( محنة اسمها كتاب: حصائل الفكر) و ( مجنون القضاء) و ( من أيّ ماء أنا؟) وفصل (باريس.. الراوي العليم) وفصل(سيرة المرايا) الذي نرى فيه الموسوي بعيون كثيرة من حوله. عضو مؤسس لجمعية (النقد الثقافي). مدير تحرير كتاب (إشراقات) السنوي، الصادر في مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث. العنوان الدائم : **** وَجْهُكَ سرُّ الماء عَيناكَ سيرةُ ضوء وأنتَ المرئيُّ من سيرتي تَتحدثُ فيبدو لي وهْمُ التعاريف هل أنتَ طعمُ الماء؟ كلّما اقتربتََ تماهتْ لي المعرفة وأنتَ كما أنت لا تغفوُ في الحبّ لا تصمتُ في الكرب تنعسُ في المُلامات تضحكُ ولم تعد تسأل عن مريم مِنْ أيِّ ماءٍ أنتَ؟ |
إقرأ أيضاً: