الفوتغرافي يحيى بني حمد، يرصد البهاء في لوحة الأردن

سميرة عوض
(الأردن)

الفوتغرافي يحيى بني حمدأضحت الصورة منذ اختراعها ولغاية يومنا هذا تشكل موازياً جوهرياً وموضوعياً للثقافة بكافة أشكالها... وأصبح "للصورة" قدرة على خلق الوعي، والإحساس بالجمال.. فضلاً عن صنع الموقف والرأي إزاء العالم والأشياء.

* * * *

كما ان للصورة كما الموسيقى لغتها العالمية التي تصل لكل الناس - بغض النظر عن لغاتهم - بل تصل وتخلق فيهم الغربة في اكتشاف صنع الصورة ومصدرها، من هنا يتجسد اهتمام الفنان الفوتغرافي يحيى بني حمد الذي يجوب الأردن شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً حاملاً "الكاميرا" يرصد اللحظة ويوثق لجمال وعبقرية المكان الأردني، وفرح الطبيعة الأردنية المتنوعة.

* * * *

والى ذلك يهتم عضو الجمعية الأردنية يحيى بني حمد بالرصد الفلكي مؤكداً ان الأردن يتفرد بموقع متميز يتيح لهواة الرصد الفلكي مشاهد حية وعلى درجة شفيفة من المشاهد التي لا تتكرر، فهو عضو الجمعية الفلكية الأردني، وهو عضو شرف في بيت الفوتغرافيين السعوديين في جدة.

* * * *

ويسجل للفوتغرافي يحيى بني حمد انه أول وضع منطقة الكورة - وهو ابنها المحب - على الخارطة السياحية للأردن، وعلى جدول زيارات الجمعية الأردنية للتصوير خصوصاً وان ربيع الكورة يتخذ لوحات بهية بين الارتفاعات الجبلية، والوديان العميقة ويخلق هذا التباين جمالاً أخاذا لا تقاومه عين فنان.

* * * *

كما ويسجل للفوتغرافي بني حمد انه أول من اهتدى إلى حضارة برقيش بعيد اكتشافها من "راعي" بمحض الصدفة فاصطحب أعضاء جمعية التصوير الأردنية حاملين كاميراتهم على شوق... لتسجيل لحظات تشبه العودة إلى رحم أمنا الأولى الأرض، اذ تشكل الصواعد والهوابط الجيرية التي تشكلت على مدى آلاف السنين لوحات ولا أبهى تتماوج ألوانها مذكرة بألوان البتراء الوردية وتشكيلات صخورها اللانهائية.

* * * *

وفي مخيم الإبداع السادس الذي إقامته وزارة الثقافة لقافلة من المبدعين بإشراف الفنان عبدالكريم الجراح في الفترة من 21-26 نيسان الماضي حمل بني حمد "عدة التصوير" ورصد أحداث المخيم وزياراته مشكلاً البوماً يرصد يوميات العودة إلى الطبيعة والعناق معها ففي اليوم الأول الذي شهد زخة من التصوير الفوتوغرافي المباغت للمكان المدهش في البتراء والذي زاره أعضاء المخيم نهاراً، ليكرروا الزيارة ليلاً على ضوء شرع البتراء وموسيقى الحجر... فكانت لحظات سجل فيها الفوتغرافي حديث البتراء وألوان ضخورها. خصوصاً وهو الذي صعد نهاراً إلى قمة جبلية تحاذي "الخزنة" لالتقاط صور من مكان مغاير للبتراء، وكانت لقطاع من أرصدت اللوحة البتراوية عبر حشد مختلف يظل في ذاكرة اللوحة الفوتغرافية زاداً لا ينضب.

* * * *

وتهب الطبيعة كافية لحظاتها المغايرة لعدسة الفنان الفوتغرافي يحيى بني حمد في صحراء رم الأنيقة بلونها... وتاريخها والبهية، بجبالها الشامخة وطقوس السحر فيسجل لوحات فوتغرافية ترصد مساءات الصخر الساكن على رمل رم يحرسه ويونس فيرصد جبال اتخذت هيئة إنسان، وأخرى تتخذ هيئة جمل... وأخرى وأخرى... ولا تكف كاميرا "يحيى" عن التقاط الضوء والجمال في كل حنايا رم... فتأتي لوحات مأخوذة من الشمس... شمس رم.

* * * *

وكان القدر يكافئ "يحيى" على عشقه لرمل الأردن ومحبته لكل مدنه، قراه، بواديه... فما ان وصل إلى "الديسي" وهي لوحة تستكمل جمال جبال رم... إلا ويصعد إلى احد جبال "الديسي" التي اتخذت من قلب الصحراء مكاناً قصياً ترصد المشهد في كل الاتجاهات ويحمل عدسته التي تعشق - كصاحبها - رمال الأردن... ويأخذ زهاء "500" لوحة ترصد جمال المكان... وتهبط إلى المخيم يخبرنا عن التجربة القرصية التي أضعناها.. ويعدنا بأن يصطحب أعضاء المخيم إلى ذات المكان بعد "الغداء".

* * * *

أثناء "الغداء" يبدأ شتاء نيسان الناعم بالهطول... غاسلاً الصخر.. ومانحاً للجبال ألوانا لم نر مثلها من قبل... الأمر الذي دفع يحيى بني حمد للذهاب تحت المطر وكل أعضاء المخيم صعدنا إلى قمة الجبل لنشهد جميعاً تحولات الصخر وتشكلات اللون تحت المطر مغسولة وشفيفة ... تدهشنا الصخور بتشكلاتها وحكاياها... ويلوذ يحيى بعدسة تفهم رغبته فترصد ذات اللقطات التي رصدتها قبل المطر... فيضحي لديه البوم رم خاص... (قبل المطر... بعد المطر).. في لحظة لا تتكرر اذ أكد يحيى انها المرة الأولى التي يحدث بها - ما حدث - عبر زياراته الكثيرة ل"رم" فهي أما صيفاً أو شتاءً... أما ان تلتقي الفصول الأربعة في نهار واحد فهو لم يحدث من قبل!

* * * *

وفي العقبة عروس الجنوب يرصد البحر.. وأسماكه... ويلتقط بني حمد لقطات لراية الثورة العربية الكبرى خفاقة يرصدها بعدسته من البحر فتأتي وكأنها حورية حملت للسماء راية تظل خفاقة ابداً... ما دام هناك من يعشق تراب وماء وسماء الأردن... ويرصدها بقلبه وكلمته وعدسته.

* * * *

يبقى لا بد من القول ان يحيى بني حمد في جولاته الكثيرة يرصد الورد في لحظاته المعطاءة... فيرصد السوسن، وقرن الغزال، والدحنون... وكل ذلك ما كان ليتأتى لولا قيام بني حمد بشراء "كاميرا" للاستخدام الشخصي في إحدى الدورات التدريبية له في فرنسا إبان عمله في سلاح الجو الملكي... والذي تقاعد منه بعد 16 عاماً... إلا انه تفرغ لرصد جماليات الأردن شماله وجنوبه... حجارته وأزهاره.

الرأي
الجمعة 3 حزيران 2005م