(أيام التصوير الضوئي للعام السادس في دمشق)

للعام السادس علي التوالي يرعي المركز الثقافي في دمشق أيام التصوير الضوئي، التي تنوعت نشاطاتها وتوزعت في أكثر من اتجاه.
المعرض الأول للفنانة الإيرانية شادي غاديريان قاجار، وقد افتتح في بهو المركز الثقافي الفرنسي في دمشق بتاريخ 2 أيار (مايو) ويستمر حتي 26 منه.
ولدت الفنانة قاجار عام (1974) في طهران ودرست فن التصوير الضوئي في جامعة آزاد ، حيث عملت في متحف التصوير الضوئي في طهران آكسكانة شهر ودرّست التصوير الضوئي في العديد من المعاهد الإيرانية.
أقامت معرضها الأول في صالة آريا في طهران عام (1977)، كما شاركت في المعرض الجماعي للمصورين الضوئيين الشباب في باريس وإيران لصالح صالة بايخ في طهـــران عام (2000)، وعرضت في بيت ثقافات العالم في برلين من نفس العــام وكذلك في مهرجان باليمينا للفــنون في ايرلندا، وفي كوبنهاغن وفي مهرجان طريق الحرير في طهران أيضا، كما عرضت في بينالي الشارقة (2003).
ورغم أنّ الفنانة قاجار تتكئ علي ملامح تعود لعصر القاجار الذي امتد في إيران منذ نهاية القرن الثامن عشر حتي بداية القرن العشرين، إلا أنها تشتغل علي توليفة معقدة ما بين صورة المرأة من جهة والخلفية وما بين الثياب التقليدية والأشياء الموظفة ضمن اللوحة، مع احتفاء استثنائي بصورة المرأة التي تلبس العباءة التقليدية وهي تقف بجوار الدراجة الهوائية أو في وضعيات أخري تشير إلي الإعاقة أو نقد التقاليد التي تبدو الحداثة الغربية عاجزة حيالها.
مجموعة من اللوحات التي فرضت رؤية تقنية بالاندغام مع موقف سيسولوجي ناقد ارتقي بأعمال قاجار الضوئية إلي مستوي فني رفيع.
المعرض الثاني افتتح في 4 أيار (مايو) في خان أسعد باشا الأثري، وقد ضمّ صوراً مأخوذة من مجموعات مهمة من  الصندوق الوطني للفن المعاصرFNAC من وزارة الثقافة الفرنسية، ومن مركز المتوسط للتصوير الضوئي CMP في باستيا، وهذه الأعمال تعبر عن رؤي وتقنيات متباينة.
ففيما يلعب وائل خليفة علي الفاتح والداكن وعلي الضبابية أو الفلو الناتج عن الحركة أثناء التصوير، بحيث نشاهد شخصيات تنفصل عن خلفية الصورة وكـأنها تنجذب بفعل الضوء، فإنّ محمد حاج قاب يشتغل علي خيالات الجسد، أو الإحساس به عبر الفراغ من وجهة نظر الآخر، وهو يُركز علي مستويات في الإظهار والإيهام من خلال اللعب بالإضاءة للإيحاء بدلالات قد تبدو حسيّة أكثر من سواها، رغم أنّ الشغل يتم علي دمي.
أيضاً دولوريس مارا اشتغلت علي الظلال والأخيلة في عملها المدينة والليل بطريقة خاصة جداً، جعلت اليومي يبدو غريباً ومثيراً للفضول ضمن تشكيل سينمائي يُشبه السرد أو الحكاية في علاقتها بالمتلقي. كذلك جوان فونكو بيرتا يعمل علي الخيال في علاقته بالواقع، وأين هي الحقيقة من ذلك؟ حتي أنّ البعد السردي للصورة يبدو أشبه بالتوثيق في عمله مازيري المأخوذ عن أسطورة كورسيكية متوارثة تتحدث عن رسل الموت، أو العالم الوسط بين الحياة والموت من خلال خداع بصري يقوم علي اللعب بين مفهومي المرئي واللا مرئي، وتركيب عناصر الصورة وظلالها معاً.
في تجربة سلام حسن تقنية مُبتكرة تمزج بين المواضيع الإنسانية، وبين الأشكال البلاستيكية التي تضع المتفرج في حيرة بسبب اختيار الكادر وتراكم الوجوه المعروضة بشكل مُتسلسل، وتبدو أعماله قريبة من لوحات آلان فليشر، لكنّ هذا الأخير يلعب بالضوء إلي حدود النحت، كما يلعب بالازدواجية والانعكاس والظل، وهذا يؤدي إلي إيهامات بصرية قد تكشف هشاشة النظرة في علاقتها بالواقع، وتثير قدراً من الشك في مصداقية الصورة التي شاهدناها باسم كولومبا ـ المرأة الثابتة وهي مُنفذة عام (1998) بالاتكاء علي أساطير كورسيكا في بداية القرن التاسع عشر، لكنّ وجه المرأة يجيء علي خلفية توحي بالرسم وليس التصوير من حيث التلوين، كما توحي أكثر بتركيب مجموعة من العناصر تفتقد اليقين في علاقتها مع بعض.
وهي تبدو بعكس ميمو جو ديس الباحث عن الإمكانيات التعبيرية في اللقيطة القريبة جداً، وبشكل خاص فيما يتعلق بالآثار الكورسيكية، فيما اهتمت فاليري بيلان بعصر الباروك في كورسيكا، وهي تعمل علي مظهر وسطح الأشياء في العمارة والديكور وبشكل خاص في الكنائس التي تحفل بالعديد من الزخارف، حيث تسعي الفنانة لعزل أجزاء منها كي تبرز الطابع ثنائي البعد باستخدام الأبيض والأسود في التصوير الضوئي، وهو ما يوحي بالعمق البصري للوحة/ الصورة.
كما حفل المعرض بنمط آخر من الصور، فتيبو كويسية يشتغل علي المنظر الطبيعي اعتماداً علي ثلاثة عناصر أساسية هي الضوء وزاوية النظر وتحديد المسافة بحيث ينفي المبالغة أو اللامبالاة علي حد سواء، وهو يستبعد الرؤية السياحية في خياراته للصورة التي تحفل بالتناقضات والحركة معاً. كذلك أندريه مبريان الذي يهتم باللقطة الواسعة لمحيط المدينة أو التجمعات السكنية علي الأطراف والتي تظهر التوازن الهش والمؤقت لهذه الأماكن، والتصحر المديني مقابل غزو المجتمع الاستهلاكي وتوسع مواقف السيارات والإنشاءات قيد الإكمال، بحيث نلاحظ انحلال الجسد أو الأفراد في هذه الفضاءات.
فيما يقدم ماسيو فيتالي من خلال الصورة باحة المدرسة اهتماماً مغايراً بالأفراد ضمن المكان، الذي يشكل قياسات كبيرة أيضاً، لكن مع الاهتمام بالبشر في علاقات جديدة كأوقات الفراغ علي الشواطيء أو صالات الديسكو، وهنا ينحل الجسد أو الفرد في المجموع وليس في الفضاء ذاته.
الأعمال الأخيرة التي استوقفتنا بعنوان الجدار 2005 وهي تشي بالهوية والهم الفلسطيني للمصور طارق الغصين الذي يسعي في اعماله لمعالجة وضع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وطرح علامات استفهام حول النظرة الغربية لقضاياهم الإنسانية والكفاحية معاً من خلال اللعب علي موضوعة الجدار العازل في علاقته بالبشر.
المعرض الأخير افتتح في مكتبة الأسد بتاريخ 7 أيار (مايو) باسم بعد وقرب بالتعاون مع معهد سرفانتس الألماني، يُقدم أعمال مجموعة من خريجي مدرسة بيرند وهيلا بيشر، والتي اهتمت بالتصوير الضوئي كأداة للتوثيق واهتمت أيضا بمبدأ التصنيف والمقارنة، كما اهتمت بالصرامة المعمارية والاقتصادية للأمكنة المصورة. ويشكل هذا المعرض رؤية استعادية لـ76 صورة ضوئية لكبار الفنانين الضوئيين في العالم والتي يرعاها معهد غوته منذ عام 1850 وحتي الآن.
كما حفلت أيام التصوير الضوئي هذا العام بعروض سينمائية متميزة، وبمحاضرتين هامتين في كلية الفنون الجميلة، الأولي لجوزيف كودلكا بمناسبة الإقامة الإبداعية له في دمشق والتي انتهت بعرض لأعماله مع لقاء حواري مع الجمهور وطلبة الفنون الجميلة بشكل خاص، ويعتبر كودلكا من أهم القامات الإبداعية في حقل التصوير الضوئي وقد لقبه بروتون ب العين الوحشية في فرنسا.
أما اللقاء الآخر مع داميان سوسية فقد اعتمد علي وثائق فيديو وصور لتحليل أعمال فنانين فرنسيين من جيل الشباب في فرنسا، وهو ما يتصل باهتمامه بموضوع الواقع في الفن الفرنسي أو الغربي المعاصر، الذي تسيطر عليه الصورة المتلفزة والشعارات الدعائية واقتصاد السوق.

القدس العربي
2006/06/07