"العزيز جداً والنبيل جداً.. الأستاذ الصديق: تركي عبدالله السديري حتى بدون هذه العاصفة العابرة، وقد حرص العزيز عثمان أن يبلغني قلقك واهتمامك وحرصك، وكذلك اتصالاتك المستمرة التي كانت شقيقتي تستقبلها منك. بيننا من المحبة والخبز والمودة ما يكفي ونحن من فصيلة واحدة.. أبا عبدالله.. هذه المحبة وهذا الشعور الذي لاشك أنك جربته قبلي.. هو سياج ضد الألم. هو فسحة الأمل.. لقد اكتشفت للمرة الألف أن وطني ليس مجرد خريطة.. سوف أدخل إلى غرفة العمليات صباح الثلاثاء وهي العملية الثانية والأخيرة.. ستكون الرحلة قصيرة إن شاء الله هذه المرة.. سوف أهاتفك بمجرد العودة إلى الحياة مجدداً.. تحياتي إلى جميع الزملاء والعائلة الكريمة" محبكم صالح العزاز * لم أتعود إطلاقاً ـ مثل معظم الكُتاب ـ أن أشغل زاويتي بنص رسالة من زميل أو صديق أو قارئ لكنني هذه المرة أنشر رسالة أشعر أن كثيرين يتلهفون لاستقبالها ومثلما تلهفوا من قبل وطلبوا تليفونياً أخباراً عن الغائب الحاضر.. إنه يتحدث عن المحبة.. السياج القوي ضد الألم ولكم تعامل مع المحبة في أكثر ظروف حياته صعوبة.. وتعامل معها في التخاطب مع جسور رفضت أن تفتح أمامه وأخرى أرادت له ان ينزلق تائهاً في دروبها ورفض هذا وذاك فقد فضّل أن يمشي بخطى ثابتة ويفتح لغة واضحة مع الكل بإيمان محبة أن عائد مشاعر وأفكار الجميع هو احتواء وطن كبير للكل.. ثم إذا به بعد أن فتحت أمامه كل الجسور ودون متاهات بل بوضوح نجاح شامخ أراد له أن يكون خير هدية للأبناء والزوجة الرائعة الصبر والمتابعة.. حادثني من أمريكا فشعرت أنه لا يأتي إليّ من خلال التليفون ولكن كل فضاء المكان كان يأتي به إليّ متدفقاً مثلما هي انثيالات رمالنا الذهبية دون أن يكون له مكر تقلباتها فهو رجل صادق دون مكر وبوميض أخوي شفاف ملأ المكان مثلما هي أحلامنا حين تطارد خطو غيمة من بعيد يتوسلها الاقتراب ويتوسلها الندى.. وهل مثل المشاعر الإنسانية ندى كريماً قادراً على ترطيب النفوس؟.. هل مثل الأمل المتحفز طاقة نجاة للوثوب من ردهة المرض حيث عتمة الداء إلى إشراقة العافية التي تقودنا اليها أولاً وأخيراً إرادة الله ورأفته بنا وبمن نعول؟.. كانت محادثة بقدر ما اختصرت بها قدرة التليفون مساحة الاتساع مابين الرياض وتكساس فإنها قد نثرت بالمكان وفي مثل سخاء الأمطار ذلك الوله الذي يعانيه صالح حباً في أرضه وأصدقائه وكلمة الوطن التي باتت لازمة في كل ما يكتب أو يقول، وقبل كل ذلك سرب الأطفال والسيدة الصابرة.. سيعود إن شاء الله.. معافى قوياً.. لأن إرادة الله القوي الرحيم التي جعلته يكتشف المرض إنما كانت تقوده نحو مهمة العلاج التي ستكون ناجحة إن شاء الله.. نحن في هذه البلاد وقد أتينا من جبال جرداء ورمال عارية وسهوب أشواك وأحجار وشمس تطارد فتوة أي اخضرار يحاول أن ينمو وترسب غدير يأمل أن يروي غلة ظمأ فتجفف الاخضرار والغدير وتجعلنا نذرع الصحارى خلف سراب وجود الموقع الأفضل.. لكن الله الكريم، الله السخي عوضنا ربيعاً في النفوس دائم الاخضرار وإشراق نجوم في داخلنا ننسج منها دائماً قصائد حب في دروب حياتنا وتفيض عيوننا مثلما هو حال مسام بشرتنا نداوة عاطفة تهطل بنا دائماً على مواقع النبل والحب.. نحن البدو.. نعم.. في مظاهر أرضنا.. لكننا سخاء الخير والأمل والتراحم والحب داخل تكويننا.. وسنفرح إن شاء الله بالصديق الغائب يعود إلينا معافى كحصان بري ونقي كحبة مطر..
جريدة الرياض - التاريخ: 9/8/2001