غالباً ما تهدف الحركات السياسية، في كل مكان في العالم، إلى مديح زمن من زمنين. فإما هي تمدح الماضي في وصفه الزمن الجميل والمكتمل، وتهدف إلى استعادته. وإما تمدح المستقبل المشرق والواعد وتهدف إلى تحقيق طموحاتها في التقدم والتطور، في الحالين لا أحد يقيم وزناً للحاضر الذي هو يومنا، والذي لا تكفي الصور والكتابات ولا تنجح في وصف عذاباته بعد أن تنتهي الحروب. هنا محاولة في مديح الحاضر، حاضر العراق تحديداً من باب انه الزمن المنسي بامتياز.
لندن
تلاحق زمرة من الرجال الرجل الفيل، الذي يخفي وجهه خلف حجاب اسود، في أنفاق مدينة لندن. وحين يشعر الرجل الفيل أن طرق الهروب أصبحت مسدودة في وجهه، يستدير نحوهم ويكشف عن وجهه ثم يقول: "أنا إنسان مثلكم". بالتعبير يقيم الرجل الفيل الحد الفاصل بين خلقته الملتبسة وحقيقة كونه إنسانا. كأن الكلام يشكل حداً قاطعاً بين الكائن الحي وصيرورته إنسانا. على كل حال ليس ثمة جديد في الأمر، فالإنسان حيوان ناطق بحسب تعريف سقراط. لكن الحيلة التي يقوم بها الرجل الفيل لتخليص نفسه من الموت لا تتعلق بكونه حيواناً ناطقاً وحسب. فلو كان النطق وحده يحيله إنسانا كما يبدو من ظاهر عبارته، لكان وفر على نفسه عناء الخوف والركض في الأنفاق، ولكان استطاع أن يرد المعتدين على أعقابهم بمجرد نطقه وإدراكهم من ثم انه يجيد الكلام. العبارة التي ينطق بها الرجل الفيل ليست تقريراً لحال كما يبدو من ظاهرها، فثمة خصائص ثلاث تجعلها ابعد ما تكون عن تقرير واقع الحال.
يستند هذا التصريح في الدرجة الأولى إلى واقعة أن الرجل الفيل نفسه لم يكن قد حسم أمر إنسانيته من قبل. ذلك انه على خلاف الرجال الدميمين، لم يكشف عن وجهه بل فضل التحجب كي لا يثير اختلاف سحنته العميق ما يمكن أن يثيره من التباس يجعله دائماً في موقع الدفاع عن كونه إنسانا. لم يكشف عن وجهه، ذلك أن الكشف والسفور يفترضان ثقة بإنسانية الوجه وتطهره من أي اختلاط. هكذا يبدو الحجاب في هذا المقام تحجيباً للعيون، وتأجيلاً لامتحان الإنسانية المكبوتة والمكنونة في حناياه. لم يكن الحجاب عند الرجل الفيل إخفاء لدمامته، بل هو إشهار لاحتمال أن يكون فاتناً. يريدنا أن نحاول نزع الحجاب لنتأكد من كون الوجه المخبوء تحته ليس دميماً، لكنه لا يريدنا أن نتأكد أن الحجاب علامة قاطعة على بشاعة الوجه واختلافه. كأنه بهذا الركض المحموم، خوفاً من انكشاف وجهه، يؤجل اللحظة التي يضطر فيها إنسان إلى البوح الحميم أمام جمع غفير، مما يجعل البوح ضعفاً واعترافاً أكثر منه بوحاً في المعنى الذي يتخذه البوح كل مرة يلجأ المرء إليه. كان يريد للآخرين أن يتيقنوا من إنسانيته من دون اضطراره لكشف وجهه والبوح بإنسانيته.
من جهة ثانية، يبدو هذا التأجيل المتمادي للإعلان المنطوق عن إنسانيته، كأنه يضع الرجل الفيل في مصاف من لم يكن واثقاً من إنسانيته من قبل. رغم معرفته العميقة انه يجيد النطق بل ويبرع في الكلام والمحادثة. كان عليه أن يختبر الخوف المشل ليعبّر عن إنسانيته. الخوف وليس الغضب أو الذل. أن يظن لحياته معنى ما فيصر على حمايتها، وان يخاف على ما هو عليه، صفتان تجعلان المرء أوثق معرفة بإنسانيته وأكثر قدرة على الإعلان عنها. في هذا الإعلان ما يشبه الحرص على متع الحياة والرغبة العارمة في تكرارها، وأيضا ثمة الثقة بأن هذه الحياة يمكنها أن تجعل البوح مجدياً وذا معنى. كأن اختبار الخوف جعل الرجل الفيل اشد ثقة بإنسانيته مما كان عليه من قبل، في هذا المعنى لم تقع العبارة تقريراً لواقع حال، أي إنها تحصيل متأت من الماضي البعيد، منذ الولادة على اقل تقدير. بل هي اكتشاف في التو واللحظة، وإعلان مفاجىء للجميع بمن فيهم الرجل الفيل نفسه. فالكلام، أي كلام، يصدر من الماضي، أكان الكلام اعترافاً بالأخطاء أم تقديراً للنفس أم إعلانا لموقف. لكن إعلان الرجل الفيل يقع في الحاضر: في اللحظة والتو، وصفته الأعمق انه لا يملك ماضياً.
الملاحظة الثالثة في هذا الإعلان تتعلق بالحيرة. بلحظة الإعلان من دون أن يستطيع المرء تقدير نتائج إعلان ضعفه. في هزا الحال يترك المرء للآخرين تقرير ما يبدو لهم مناسباً، لكنه في كل حال يستدعي الرقة أكثر مما يستدعي شيئاً آخر. يعلن الرجل الفيل، بهذا التعبير البليغ، "أنا إنسان مثلكم"، حبه للآخرين، وينتظر إن يبادله احد ما الحب. الحب وليس العطف، لأنه في أي حال يمكنه أن يتنعم برعاية البشر في وصفه حيواناً أليفاً ذكياً، لكنه يريد الحب، ويريد أن يرى ويلمس ويشم رائحة ضعفهم وحيرتهم كمثل حاله، لتكون لمسة الرقة حاجة ملحة لدى كلا الطرفين. لأنها لو أتت من جهة واحدة لبدت أشبه بالعطف وإعلان الرعاية أكثر منها إعلانا عن الحب. في هذه الحال لا شيء يثبت أن المعطوف عليه هو إنسان حقاً. في هذا المعنى يولد البوح كطلقة، لكنه قد يطيش عن هدفه فيقع في الفراغ. انه حصن أخير، مقامرة بالمستقبل والغد، وتسليم قياد النفس للمباح له كي يقرر فيها ما يشاء. لحظة البوح هذه لا ماضي لها، لكنها أيضا تقع في المجهول. لا يبعث عليها التوقع الذي هو من أساسيات تحديد المستقبل، ولا يؤدي إلى إعلانها وولادتها، توافر الظروف الملائمة لتحقق أماني البائح الذي يعرض رقته ويتطلبها من الآخرين.
القاهرة
معظم الذين زاروا مصر تحدثوا عن رائحتها الحادة. هي رائحة تبعث بعض المتنعمين في هذه الدنيا على الغثيان. مصر الموصوفة أيضا في أذهان الذين زاروها، صلفة بعض الشيء وتبالغ في الاعتداء على الخصوصيات وتذكير الغريب بغربته. فكثيراً ما يُنصح المسافر إلى مصر بإبلاء انتباهه لسائقي سيارات الأجرة الذين ما إن يكتشفوا غربته عن المدينة حتى يعمدوا إلى الدوران فيه من غير هدى وتضييع وقته وماله. على النحو نفسه ثمة في بعض الأحياء عملة نقدية تخص أهل الحي من دون غيرهم. وامتلاك هذه العملة يوفر على المتسوق الكثير، لكن السائح الغريب لا يستطيع الحصول على مثل هذه العملات. عليه أن يدفع ثمن مشترياته بالجنيه المصري، وفي هذا الأجراء الأهلي ما يقيم حاجزاً صلباً بين المصريين وغير المصريين. على كل حال يمكن المرء أن يلاحظ مثل هذه الحواجز في مجالي الثقافة والإعلام، فليس ثمة من يفوق المثقفين المصريين اعتداداً بالثقافة المصرية، إلى حد قد يبدو معه هذا الأمر عائقاً أمام تطور الأسئلة الثقافية في بعض المناحي. وحديثاً حصل لغط كبير في الصحافة الفنية المصرية حول تصريحات المخرج اللبناني سيمون اسمر، حيث أن هذا الأخير دُعي إلى مصر ليعد برنامجاً فنياً على غرار برنامج "ستوديو الفن" الشهير الذي كان يعده في لبنان منذ أكثر من ثلاثين عاماً. في هذا اللغط ثمة من يتهم اسمر بأنه أهان الفن المصري وأدلى بتصريحات تدل على استخفافه بحال الفن المصري اليوم، لكن المخرج اللبناني يوضح انه لم يقل ذلك قط وانه لا يملك الحق أو الجرأة على مثل هذه التصريحات، فمصر أم الفنون والأصالة في الفن تكون في مصر أو لا تكون. قد يكون سيمون اسمر قد صرح تصريحات لم تعجب أهل الفن في مصر، لكن ذلك لم يكن يستحق كل هذا الضجيج المصم. عيّنات على مثل هذا الفصل الحاد يمكن ملاحظتها في كل مكان في مصر، مع ذلك لا يمل الذين زاروا مصر من التصريح عن حبهم الشديد لهذا البلد.
كيف يكون البلد محبوباً وصلفاً وذا رائحة حريفة في الوقت نفسه؟ انه أمر لا يمكن إثباته على الشاشات أو في الإعلانات السياحية. فأهل مصر كأهل لبنان، كأهل كل بلاد العالم، حين يريدون التدليل على جمال بلدهم، يلجأون إلى المستقبل والتاريخ، وينسون الحاضر. ثمة الأهرام، وثمة شرم الشيخ، خان الخليلي والشيراتون، لكنك لن تجد في الإعلان المصري ما حاولت تقديمه فرقة الورشة المسرحية المصرية طوال السنوات الأخيرة. فقراء مصر ورائحة أحيائها الشعبية، وموسيقيوها الشعبيون وعاداتها وتقاليدها التي يمكن أياً كان ردها إلى التخلف أو القسوة أو الانغلاق، لكن الورشة لم تحاول تبرير ذلك كله، قدمته بقدر من الحب اللازم الذي يمكنه أن يفيض على المشاهدين فيخلّفون كل قيمهم الحضارية جانباً ويؤخذون بهذا الحب.
قبل الورشة المصرية ثمة فنانان آخران لم يغنيا الأهرام ولم يمجدا أم كلثوم ولا بالغا في حب عبد الحليم حافظ. ولم يتغنيا بالفنادق الفخمة على غرار ما يفعل مطربو هذه الأيام، ولا تضمنت اغانيهما مديحاً للسيارات الفارهة والنساء الجميلات غير الحوامل اللواتي يرقصن في كليبات أغنيات اليوم. احمد فؤاد نجم والشيخ إمام سخرا من الزمالك والطرب المصري، من القصور والسيارات الفارهة، لكنهما أيضا كانا يعلنان حبهما العميق لمصر. الحب الذي لا يُفسر لكنه يشع كنور بين ثنايا الكلمات. مصر المحبوبة بفلاحيها ذوي الأيدي المعروقة، وبجنودها من الصعايدة، وبحارتها ونوتييها الذين لا يفكون الحرف. لكن الرجلين لم يمجدا كل هذا الخليط ليصدرا في أثره خطاباً حول دور الاستعمار في تخلف الفلاحين المصريين وحول ضرورة الثورة من اجل الارتفاع بهؤلاء في المقام والمكانة. كان الرجلان على علاقة وثيقة بيسار السبعينات في مصر والعالم العربي، لكنهما بخلاف اليساريين المتعلمين، والذين ينظرون إلى الفقراء في وصفهم بشراً قيد الدرس، ويحمّلون مسؤولية عدم استوائهم بشراً للاستعمار والإمبريالية والحكومات المتخلفة والرجعية، بخلاف هؤلاء كان الفنانان يحبان مصر كما هي عليه وكما ستكون عليه في المستقبل. ولم تكن ثمة رائحة أو ملمح تخلف أو أمية أو فقر مدقع يثنيانهما عن إعلان الحب لهؤلاء. مثلما لم يكونا يمجدان التخلف كقيمة في حد ذاتها على ما غنّى عبد الوهاب حاسداً الفلاح على عيشته الهنية. كانا يحبان المصريين ولا يؤثر تعب الفلاحين في حبهما لهم، مثلما لا يؤثر مرض الزوج المحب في حب زوجته. مصر نجم وإمام يمكن الموت من اجلها، ليس لأنها متخلفة ويريدان تقديم التضحيات من اجل تطورها، فهذا يشكل جزءاً صغيراً من مجمل عملهما، بل لأنهما مصريان كمثل كل المصريين، ولأنهما استطاعا حل لغز المعادلة السحرية التي تجعل المحبوب محبوباً بغض النظر عن صفته ورائحته ومدى ذكائه ودرجة تعليمه. مصر الشيخ إمام هي مصر المحبوبة وهي مصر التي يمكن الدفاع عنها إذا ما تعرضت لسوء. عمل الشيخ إمام ونجم يتحلى بالصفات نفسها التي يتحلى بها إعلان الرجل الفيل، إعلان الحب من دون اشتراطات مسبقة; وقوع الإعلان في الحاضر وليس تمجيداً للتاريخ أو رهاناً على المستقبل; وأيضا إعلان الحيرة التي قد تتفجر غضباً في الشوارع لكنها لن تكون أبدا ثورة منظمة. انه البوح مرة أخرى الذي يثير فينا نحن البعيدين الحماسة وبعض الشجن، لكنه أيضا يعمق الحب في القريبين منها. مصر المحبوبة ليست شرم الشيخ ولا معبد الأقصر ولا مقابر الفراعنة، وهي ليست النيل أيضا إلا بمقدار ما يكون النيل عصباً من أعصاب عيش أهلها.
بغداد
يقع الشعب العراقي بين حدين أخلاقيين. الحد الأول يمثله اليسار في العالم ومجمل الحركات السياسية الحاشدة والجماهيرية في المنطقة، وهو يدعو إلى الاعتراض والنضال ضد الهجوم الاميركي على العراق. والحد الثاني يمثله اليمين الحاشد في العالم وبعض الذين يتحزبون للتقدم والديموقراطية في المنطقة تحزباً يقرب في بعض الأحيان من التدين. أمام هذا الموت الذي يُبشر الشعب العراقي به ليس ثمة من مجال لشيوع حد ثالث، لكنه حد ثالث مطلوب ومرتجى.
لا يجد أهل الحد الأول ومناصروه حلاً لما يبدو عنصرية مقلوبة، في مواقفهم. فهم يدعون الولايات المتحدة إلى عدم التدخل في الشأن العراقي، ويعتبرون أن تغيير النظام العراقي شأن من شؤون الشعب العراقي المخصوصة. وهم في هذا الموقع يقيمون وزناً ساحقاً للضحايا العراقيين الذين يسقطون من جزاء الحصار المفجع على الشعب العراقي وأولئك المرشحين للسقوط في الحرب الاميركية عليه، لكنهم لا يقيمون وزناً مماثلاً للضحايا التي تسقط بسبب عسف النظام العراقي ووحشيته وهمجيته في حق شعبه أولا قبل أن يكون في حق جيرانه. في وسع الشعب العراقي وفق هذه النظرية أن يتحمل عسف النظام، لكنه لا يستطيع أن يتحمل عسف الحرب الاميركية عليه. الضحايا يمكن البكاء عليهم والتفجع على حيواتهم حين يكون القاتل من خارج الحدود، لكن القتل الذي يحصل بين أهل البيت الواحد ليس مفجعاً على النحو نفسه.
مناصرو الرأي الآخر والذين يرون في التدخل الاميركي جراحة ضرورية لا بد منها، ينساقون إلى تبرير تفاؤلهم بالنية الاميركية في نشر القيم الديموقراطية. وفي حسبانهم أنهم لو اثبتوا صفاء النية هذه، رغم التاريخ الأميركي الأسود في هذا المجال، لاستطاعوا إخراس كل المعترضين. أيضا هؤلاء يقيمون وزناً ساحقاً لضحايا العسف البعثي في العراق، لكنهم لا ينظرون إلى الضحايا الذين سقطوا وسيسقطون من جزاء الحرب الاميركية على العراق إلا في وصفها قرابين ضرورية ليتقدم العراق وشعبه نحو مصاف العصر الديموقراطي.
بعد المنازلة الأخيرة بين أهل السلطة في لبنان والمعارضة المسيحية، حول إقفال محطة تلفزيون "أم.تي.في" والطعن المقدم لإبطال نيابة غبريال المر، خرج المجلس الدستوري الذي نظر في القضية بحكم غير قضائي. حيث شرح في حيثيات حكمه الغريب الحال السياسية التي آلت إليها البلاد، وبدا من حيثيات حكمه أن البلاد على شفير اصطفاف أهلي حاد، ينذر بتصدع السلم الأهلي وانتقاله من حاله التي هي عليه إلى حال حرب أهلية باردة ومعلنة. بناء على هذه الحيثيات أصدر المجلس حكمه ضد المتقاضيين معاً، وفاز بالمقعد النيابي المرشح الذي نال العدد الأقل من الأصوات. كأن المجلس الدستوري في حكمه المعلل هذا كان يقول أن السلم الأهلي كقيمة هو أهم وأعلى واشد ضرورة من نزاهة القضاء والحرية على حد سواء. رفض المجلس الدستوري، في حكمه هذا، الانتصار للمعارضة على السلطة ورفض في الوقت نفسه السماح للسلطة بضرب المعارضة ضربة قاضية، لكنه أعلن أن المعركة بين الطرفين أسفرت عن خسارة فادحة في مجالي الحرية والقضاء: إقفال محطة تلفزيونية بحكم قضائي، وصدور حكم آخر يعلن بوضوح أن الحيثيات السياسية جردت القضاء من قدرته على الحكم بنزاهة. لم يكن حكم المجلس الدستوري مقبولاً من الكثيرين. كان حكماً غير جماهيري لأنه يقع في الحد الفاصل بين حدين أخلاقيين، بكل ما تعنيه كلمة الأخلاق من فصل عن السياسة.
ربما يمكننا تشبيه الحد الثالث في الشأن العراقي بقرار المجلس الدستوري الأخير. حيث لا يمكننا تبرير تحول ديموقراطي يكون ثمنه مئات الألوف من القتلى في العراق وجواره على حد سواء، مثلما لا يمكننا تبرير بقاء النظام العراقي سالماً بحجة رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية العراقية. إن نفي نظام صدام حسين لعدد هائل من العراقيين خارج بلدهم هو في حد ذاته استدعاء للتدخل الخارجي، مثلما يكون قتل الناس وتشريدهم وهدم قراهم اعتماداً على هوياتهم وقومياتهم دافعاً للتدخل الخارجي أيضا وطلب الحماية. فحين تستهدف السلطة بالقتل أبناء شعبها بناء على قومياتهم المغايرة تخسر السلطة كل شرعيتها في التسلط على هؤلاء.
في الحالين ليس ثمة من يقيم وزناً للشعب العراقي على ما هو عليه اليوم، الشعب العراقي هو شعب ميسور ومتعلم ويعيش عيشة رفاه واكتفاء من دون حصار اميركي وحروب عليه. والشعب العراقي هو شعب يتمتع بنظام ديموقراطي وعدل بين الرعايا من دون نظام صدام حسين.
وعلينا بحسب هذين المفهومين أن نسقطه من حسابنا في اللحظة الراهنة. أن نرده إلى الماضي أو نقفز به إلى المستقبل. في الحالين ليس ثمة من يعتني بحاضر الشعب العراقي، وإذا وجد من يعتني بحاضره على غرار المؤسسات الإنسانية والجمعيات غير الحكومية، فسبب هذه العناية والدافع إليها هو الرعاية وليس الحب الذي يفتقده الشعب العراقي كثيراً هذه الأيام.
ملحق النهار
الأحد 9 شياط 2003