آن ماري بيريلوند
Anne Marie Berglund

ترجمة وتقديم: سلام صادق

Anne-Marie Berglundولدت في هلسنكي عام 1952 وغادرتها مع عائلتها ولها من العمر أربع سنوات إلى ستوكهولم، التي تقيم فيها منذ ذلك الوقت
صدرت مجموعتها الشعرية الأولى عام 1977 وكانت بعنوان ( سُكرة الهواء ) أعقبتها بخمسة عشر كتابا موزعا بين الشعر والنثر والدراما ووصف الرحلات، ومنها على سبيل المثال :

بين النشوة والأسر - 1978
العاب بنات -1983
مدينة على الحدود - 1987
ارقصي يافتاتي - 1989
سيدة سيئة السمعة في جولتها المعتادة -1991
هيجانات -1994
أريد ان أقف شجرة الآن -2000
اليوم الذي فرغت فيه من الرواية-2002
رسائل إلى أمي -الذي صدر هذا العام

قد يكون من الصعوبة الإحاطة بتجربة هذه الشاعرة بكل تفاصيلها، وتتبع مساراتها وامتداداتها زمانا ومكانا، لأنها مولعة بتطوير أشكالها الفنية ووسائلها التعبيرية على الدوام، وهذا نابع من أنها تغترف مادتها من مواضعات الحياة اليومية وتبدلاتها المستمرة، وكذلك من جراء تمردها المستديم على كل الأطر التقليدية، لاهوتية وسياسية ومجتمعية، ولذا فأنها تبحث دوما عن التجاوز والابتكار والجدّة، وقد يصعب حصر هذا كله بسهولة ودون عناء، لأنها تشكل بالضبط التوأم الشعري لروي باتورسون، الذي قمت بترجمته في ( عين الشمس ) وكأن لسان حاله يعبر عن هذه الشاعرة بشكل دقيق حين يقول: في السنوات الأخيرة بحثت عن وتوصلت إلى أساليب شعرية تعبيرية خاصة ولكنها ليست دائمة، وقبلها جربت أساليب أخرى متعددة المستويات في كتابة القصيدة، علاقات متوحشة، تماسات متناقضة، تواشجات خام، أساليب انتقاديه وتهكمية، وتخريجات أخرى عديدة، لكنني لم أجد بصراحة ولحد الآن أسلوبي الخاص في كتابة القصيدة، ولكي أواصل الكتابة يتحتم عليّ ان اقبض على جمرة جديدة في كل مرحلة، وأضعها موضع التجريب، منتظرا المخاض الذي تعقبه الولادة البكر، او احتراق أصابعي
ان هذا بحد ذاته هو احفزني على القيام بترجمة هذه الشاعرة، لأنني أرى في ترجمتها استكمالا لمشروع كنت بدأته منذ سنوات، لايخرج عن هذا الإطار، يستند عند الاختيار- وبشكل أساسي - إلى: الجانب التجريبي والتحريضي، للامساك بالقدرة على الاستمرار من خلال المعايشة والتواصل وإثارة الأسئلة ونبش الالتباسات وعرضها عارية أمام فضول المتلقي، او حتى أمام غرائزه إذا اقتضت فنية العمل ذلك من خلال التصدي وبلا وجل إلى الجوانب الايروتيكية التي تسهم وبدون شك في صياغة المصير الإنساني، يجب على الشاعر ان يفاجئ الآخرين بالضبط، مثل الطفل عندما يطرح أسئلته المثيرة وغير المتوقعة والعصية على الإجابة، وهكذا هو شأن الشاعرة آن ماري بيريلوند والتي ستصدر مجموعتها الشعرية الجديدة ( شظايا الفجر ) في غضون هذا العام، والتي خصتنا ببعض قصائدها التي لم تنشر من قبل

طرحت عليها سؤالين محددين وتقليديين يدوران في محيط اهتمامها بالقصيدة، دون سائر أنواع الكتابة الأخرى التي تشغف بها، وطلبت منها ان تكون الإجابة عليهما غير تقليدية او متواترة، لان الإجابة على هكذا أسئلة تكاد تتشابه نسبيا لدى معظم من يمارسون كتابة الشعر وإن اختلفت تجاربهم ومشاربهم
فقد سألتها أولا: أنت تمارسين أنواع شتى من الكتابة الإبداعية، فما هي القصيدة حسب فهمك الشخصي، منفردةً، من بين كل هذه الاهتمامات الكتابية والإبداعية المتعددة التي تمارسينها ؟
ثم اردفتها بالسؤال الثاني: وما تعنيه القصيدة بالنسبة لك، أي كيفية فهمك الخاص لكينونتها، وانعكاس هذا على تجربتك حياتيا وإبداعيا ؟
فجاءت إجابتها على السؤالين موحدة وبنسيج محبوك ومتشابك، يصعب فرزه، لان السؤالين من طبيعة واحدة كما ترى، لذلك ارتأيت عرض إجابتها كما هي دون تدخل مني
قالت: من الصعوبة بمكان ان اجزم بما تعنيه القصيدة بالنسبة لي، قد افهم ماتعنيه بالنسبة لي كمتلقية حين اقرأ لآخرين، لكن تحجيم ماهيتها من قبلي بشكل تعسفي أو محاولة تبرير سر ولوعي بها، فهذا ما لا افهم دافعه إطلاقا، فكيف سأجيبك على تساؤلك، لكن دعني أحاول ذلك، وهذا يقتضي ان أقول لك جملة أشياء غير جازمة او قاطعة، وستقوم أنت بقطف ما تراه منها مناسبا وناضجا لاغناء مشروعك وتسليط المزيد من الضوء عليه
فالقصيدة، ربما هي الصلة او الواسطة او الرابطة الروحية، او هي واسطة العِقد التي تربط بين عالمي الداخلي والخارجي، بين المرئي والمعاش والمتخفي او المضبب والموغل في سريته، بين الإنسان والآخر والأشياء، والشاعر هنا هو عضو الشرف في هذه ( الرابطة ) وليس من صلاحياته ان يُقدم على الاستقالة من عصبة مسلحة بالجمال، قعقعتها الكلمة والقصيدة وميدان نزالها ساحة الأدب
تجيء القصائد بملامح وهيئات وأشكال متباينة، تتباين بالضبط كما أحلام الليالي الأرقة، قصيرة او طويلة، شفافة او تقود إلى كوابيس، ويبقى الشاعر يدور في هذه الدوامة من ( الأحلام/ الأوهام ) منتظرا يوما ما سيصبح فيه الناطق الرسمي باسم القصيدة ( العظيمة ) وهذا يتطلب ان يكون الشاعر في حالة إنذار كلية واستعداد تام، فلا يمكن أرجاء موعد زيارة السيدة القصيدة لحظة واحدة، السجادة الحمراء لمسيرة الأوجاع يجب ان تكون جاهزة، والقصيدة تهبط في مطار الروح دون استئذان وتريد من الشاعر ان يكون هناك متحفزا، ومستقبلا إياها بحفاوة بالضبط وفي نفس اللحظة التي تنهي فيها اعتمال سفرها الطويل في مملكة الوجدان
كذلك أرى ان باستطاعتي ان أشبه القصيدة بالنيزك حين يهوي، في نوره الوهاج، الوامض السريع، او حريقه الذي يخلفه في أحراش الروح، ان لم تكن فرقة إطفاء المشاعر المتأججة جاهزة وعلى أهبة الاستعداد، فان لم امسك بتلابيبها عنوة وفي اللحظة المناسبة لإنقاذها، سأخسرها إلى الأبد، اذ تكون قد استحالت إلى رماد
القصيدة مستقلة بذاتها، انها تعرف نفسها بنفسها، إما إرادتي انا فما عليها سوى الإذعان والخضوع، فبعض القصائد لها طبيعة الاستبداد، تحاول ان تفرض نفسها في الحال، لكن هنالك قصائد من طبيعة أخرى تأتي متهادية على شكل ( سلسلة) طويلة، وهكذا تباعا تزيح بعضها للخلف وتشغل مكان بعضها، وهنالك بعض آخر منها يحب الألعاب اللغوية، الأمثال القديمة، القافية والجرس، او الاستعارات والمجازات والدلالات، وهذا مايطبع فنية قصيدتي في الفترة الأخيرة
للقصيدة ذاكرة عجيبة تمتد حتى الأبد زمانا ومكانا ( ولهذا استطيع استخدام مفردة بالعربية مثلا واحملها بمعانٍ ودلالات، يعجز الشاعر العربي وبلغته الأم عن الإتيان بها وتوظيفها في قصيدته بنفس تلك الأبعاد والمجازات ) ذلك لان القصيدة أم حبلى بالتجارب الحياتية المتلاقحة مع بعضها، وما علينا سوى ان نكون القابلة التي على يديها تتم الولادة العسيرة البكر (المكرورة ) لكن لأجنة بسحنات مختلفة
كثيرا ما تبدو قصائدي الخاصة غريبة عني بمنظاري الخاص، وكثيرا ما يحدث ان انفجر بالبكاء، لما تسببه لي من ألآلام تشبه أوجاع الطلق، لكن القصيدة نفسها تكتنز شحنة عالية من العزاء والمواساة، تنير لي طريقي إلى طمأنينة الروح، فأكفكف دموعي وأعاود الكتابة على نفس المنديل / الورقة
في قصائدي المبكرة، كان المضمون شرسا او قل شبقِا، مشحونا بالتصورات والدلالات القاسية، وبألوان شتى تتماوج صاخبة او صارخة باثةً تذمرها، أي انها كانت قصائد رفض وعصيان او تمرد على كل ما هو تافه وتقليدي او بائد، انها في الحقيقة قصائد كنت أروم من وراءها تحقيق صدمة ما عند القارئ ليشاركني هوس أحاسيسي وينفس عني بعضا من ثقل وطأتها، ولهذا فإنني اليوم استطيع ان انعتها بأنها كانت مجرد قصائد ( كرافيتي) للإبهار وجلب الأنظار، إذا أتيح لي هذا الاستخدام
أما الآن فان عالمي الشعري يتسم بليونة وانسيابية اكبر، أصبح كما لو انه مذاب في ضباب منبعث من معبد مقدس، فصراخي تحول إلى همس، أناي في القصيدة راحت تضمحل وتتلاشى تدريجيا، والآخر بدأ يبلور ملامحه ويفرضها على قصيدتي
والآن أعود إلى جزء من سؤالك قافزة على التسلسل أيضا، لأنني مشوشة جدا فأقول، عمليا قادتني القصيدة على المستوى الشخصي إلى بناء عالمي الخاص بقوانينه الأليفة، والتي انا من يسنها، وأنا من يفرضها ويطبقها على نفسه، وهذا وضعني خارج حدود (العالم) المتعارف عليه، الذي يبدو غريبا عني، وأبدو غريبة عنه، ولهذا اغزوه واقتض لاحيادية أسواره الشائكة بالقصيدة كأداة فقد تم توظيفي من قبل القصيدة بدلا من رب العمل وبدلا من المجتمع والدولة بتعاليمها وقوانينها، والقصيدة لاتدفع أجرا ولا مرتبا تقاعديا ورغم هذا فإنني استطيع القول بأنني اشعر الآن بأنني أكثر عرضة للإصابة بالهلع او الاعتداء، لكن القصيدة استطاعت ان تجعل من هذا التضاد تضادا غير جارح او قتالي عنيف، لان الأحزان والأحداث المؤسفة منذ غياب حبيبي ورحيل أمي وإصابة أبي بالعجز وبالخرف المبكر، هذه الأحداث التي مازالت تتلبد بها سمائي كالبخار الثقيل ، تتكاثف دوما وتتنزل مطرا من القصائد على أرصفة غريبة، وهذا يجعل من القصيدة كلقاح لمناعة خاصة حتى إزاء الموت، لان القصيدة نوع من التمرين على التأمل والمطاولة على تحقيق الوجود
رغم إنني بشكل او آخر كنت وعلى طول الخط أحس كما لو إنني أسبح في العدم فأنا الشعرية ألقت بنفسها بعيدا عن حفافي هذه الحياة الزاخرة باللاعدالة
لا استطيع ان أتصور شكل حياتي وتفاصيلها، ان لم تكن لدي ( صداقة او صحبة ) حميمة مع القصيدة، فاني في زمن القصيدة ومن ترجيع صوتها خلقت لي عالما خاصا، أحس فيه بألفة أرجو ان لاتكون خادعة او مؤقتة، فالقصيدة ربما تكون الدواء الناجع ضد الجنون، لكنها وفي نفس الوقت قد تدفع مدمنها إلى اجتياز الحدود المتعقلة والمتطامنة باتجاه عالم الجنون نفسه، وهكذا طاقة مدمرة وساكنة لا يمتلكها شيء آخر كما لغة القصيدة، وقد يصعب على الشاعر ترويضها والسيطرة عليها، لأنها تجيء منفلتة أحيانا، وأحيانا أخرى يصعب على المرء القيام بتنظيمها وتوجيهها، فيحل زمن الفوضى السوداء، الذي يمارس فيه الشعراء نشاطهم الانتحاري بكثافة
إنني أخشى سلطة القصيدة، ولا شيء عداها، وفي أيامي الأخيرة حدث ان أحجمت عن كتابة قصائد معينة كانت تلح علي، فخسرتها للأبد، ربما لأعلم نفسي التمرد والمروق عليها ، لأنني بوعيي ارفض ان تتحول هي ذاتها إلى احد المسلمات في حياتي فتبرد وتخبو نيرانها، وربما لأنني أحسست بأنها تتمادى في تعذيبي أكثر مما ينبغي، وأكثر مما احتمل، او ربما لأنني وبكل بساطة وبلا مفاقمة الذرائع أصبحت ضعيفة ومتهاوية إزاءها وإزاء العالم لكثرة الخسارات التي قادتني إلى الاقتراب من منطق الاستسلام ومعاينة مايحتويه من ايجابيات تركنني إلى الهدوء والقناعة ان كان فيه شيء منها

شظايا الفجر

إلى شظايا
يتناثر الصحن المكسور
يتهاوى البيت
مهتزا يتحطم
جدراني
التي للحماية تداعت
المرتجفة
المتلعثمة هي انا
انا التي تفتقد الجميع
ولاشيء

الشمس تفتش عني
هذا الشعاع اللذيذ
آخر ما في الخريف
الأوراق تتوقد
مغادرة ً الحياة
وسنلوّح بأيدينا
ماكثين في الظلمات

عالجيني يا أمي
هناك تحت التراب
احضني ابنتك
بحنان إلى ان تبترد
يا أمي

الاندلاع تنقصها المنافذ
تحطم غرف القلب السرية
وكل شيء اختبأ هناك
يتسرب للخارج
بقعاً مبتلة ممزقة فوق الإسفلت

مطرودة من قبل نفسي
من إنسان من نوع آخر
الذي أيضا وبكل تأكيد
سكن هناك حتى الأبد

نعم، إنني خائفة الآن تماما
من صراخي الأخير
الآتي من حيزٍ في الغرفة
ما عرفت بأنه موجود

من العقاب أُصبح متخمة بالعذاب
من الوعيد أُصبح خائفة ساهمة
الموضوع يدور حول النجاة كالعادة
بان المرء لايستطيع التنفس
حينما لايكون نابضا

تلد نفسها بنفسها
في خطوط لامتناهية
هذه الكائنات
التي تشبه بعضها الآخر
والناس تأخذها من منبع واحد
لكن كل واحد منها
يشذ ّ عن الآخر

في المابين

هنالك فسحة
وربما ليس من منفذ هناك
ليس في ان تتلاشى نهائيا
لكن قليلا ولبعض الوقت

هنالك منفذ سائب
وادٍ
صرخة ورجاء
نسيان وفقدان
هنالك أماكن أُلغيت الآن
لقاءات لم تتم على الاطلاق
وأخرى تمت بشكل مبالغ فيه
هنالك هنا والآن
ما وجد آنذاك
وهنالك البحر
الذي يغرق المرء فيه
نحن المتسكعون على الساحل
نذهب تحت الماء
ونحن السابحون في الماء
يهلكنا العطش

هنالك ارتجافات
وغسقْ
فجرٌ
وجلودٌ
وارتعاشاتْ
الدمُ
الليلُ
النهار
الألوان تتضبب

تغضنات وجهك تشحب
تتسخ
من شدة الأرق

أصيح فوق مستنقع
كما حقل صلبٍ منجمد
كدمعةِ امرأة عجوز
كما يداي في هذه اللحظة
عندما تسدلان أجفان
أحد ما

في المابين
هذا الذي حصل
والذي رغب بالحصول
لو كان الأبد
كما لحظة قصيرة
ربما كانت

كلا، فإننا لانعرف
من نحن
قيل الكثير عنا
لكن كيف نحس
فقط لنخلع سراويلنا
الأزرار تزرر دائما بالخطأ
نرى بان البرج يميل
لكن عندما نرفع نظراتنا
نحس بأننا نحن
الذين على وشك السقوط

بيننا نحن الذين مازلنا نعيش
وبين الذين مازالوا أموات
للاتي وللماضي
نوع من السكون
منذ سنوات عدة
على الرغم من ان الفاصل رقيق
كأوراق الرز

نموت لأننا ولدنا
ولدنا لأجل ان نموت، نحن ما انوجدنا إطلاقا
لأننا نسافر دائما في المابين

والستائر لها حفيف
والمرأة تحمّر خجلا
والرجل يلحس صخرة
لها شكل قدم
والصخرة تنام مع وجهه
على وسادته، ويسميها زوجته
وهمس من المطلق
يُسمع من النافذة المشرعة

شاطئ الحزن

حين يكللك الحزن
على الجميع مغادرة الصالة
فالحزن هو الممر المشجّر
وهي تحمل داخلها أثقال الموتى
فستانها حرير أحمر
تجلس في قلب الصالة
كملكة متعالية
ترسل نظرها للخارج وترى
مايراه الحزن
يبعث على الألم عند التعرف إليه
فكل واحد مازال لا يجرؤ على الموت
للحزن قصره على الحدود
وحراسها أنصافهم حيوان
وأنصافهم الأخرى ملائكة

حينما يكلكل الحزن
ربما يحدث في يوم ما
من شعاع الشمس، في منتصف الصيف
لا احد يحق له العبث بجرحها

نندفع نحو الخارج. ندع كل شيء يصير ضبابا
أيادينا لأتحسن التشبث ولا إحساس تبقى فيها
وفي لحاظنا ليس من نقطة التقاء

نندفع بعيدا كما لو ان خوفا بعثرنا
أرى نفسي في الحشد من الغرقى
والوقت فات
لأُحمَلَ على مَحملِ الجدّ كانسان

كيف مازلت أحرف نفسي عن سكاكيني القاطعة
واخدش ترهلي بكراهيتي
وهكذا أقاد أكثر نحو اللاشيء
برغبتي في اخذ الأكثر مما استطيع إعطاءه

يكلم نفسه آخر الليل
كل شاعر محكوم عليه بهكذا صحبة
لايطيق سماع عصيان الروح خارجه
ولهذا لايطيق حتى الكلمات الجميلة
الآتية بعد ضبط النفس

ينادي احد ما من موضع مختلف
انتظرتك أكثر منك
ينادي احد ما بصوت مختلف
استمعت أكثر منك
أنت تتلمس طريقك بالأصابع فوق الهاوية
هنالك من القعر يأتي النداء
ربما يكون من طفل
تقرا وجه الطفل كلمة كلمة
والذي تقرأه لايمكنك قوله أبدا
لايمكنك ان تفشي وجعك
سيسبب لك ألما كبيرا ان تكون مفضوحا

سكوت

عصفت رماديا
سكوت،الأرض
صرخت السماء
لكن كل شيء كان صامت تماما
سكوت، سكوت
تحت طيات من الصمت
وأكثر من هذا صخور
وبعدها ثلوج
وأخيرا شيء يشبه السُلّم
رايته في حلمي
الظلمة
عميقا في قصبة التنفس
كما الخرساء كانت
حينما تأزف الكلمات
قبل ان تتبلل الخدوش بالماء الدافق
لن نتمكن من سماع الرشح
من الماء الدافق أبدا
انطلقت إلى الحقول
غربان،قاطعة
غربان، نسور في صفوف
تحرس الجثة
أنشب الألم مخالبه
بلا سابق إنذار
في الكتف

نيتشناعم،ممر في إيزه

إنسان طيع
حصى ناعم، رمل، حجر
شتلات الصنوبر
تتسلق الصخور عاليا
إنسان ليّن

حاد، بارد، مقرف
يحطٌ،صيصا ما دوما
إنسان طيب

دم ٌ، غضروف، كابوس
شاعر ما يجلس الآن بالضبط
ويهدهد الكلمات المولودة ميتة
إنسان حانق
يجب ان يكون نسرا في الليل
ويهجر العش

اثنان

يجب ان يكونا اثنين
ينوجدان سوية
هناك وراء الطاولة
وبنفس الوقت يكسران الرغيف
ويدعان الضوء يدخل
لان واحدا غير كافٍ
الأمر متعلق بالكف
لا كف
تستطيع ان تواسي الكفَّ الأخرى
حينما توضعان في نفس الجسد

دعني أطوقك بشدة، أنت نديف الثلج
دعني أهدهدك على ذراعيّ، أنت الجليد
والسماء الكبيرة بيضاء وباردة
تعال إلى حضني واعد اليّ حمرتي

من مجموعتها الشعرية الأخيرة: أُريدُ ان أقف شجرةً الآنَ

****

شجرة

أريد ان أكون شجرة الآن
سأنكسر ان لم أقف شجرة
لا تكلمني كما العاديين في الشارع
لا تلمسني كلحم ودم
الريح يجب ان تتهامس بين الأوراق
أنفاسك يجب ان تتسلل فيّ
وتتنفس الربيع
كنا رجلا وامرأة بملابس زاهية
والان أريد ان أكون شجرة
الطريق.

قفاز ملقى ميتا على قارعة الطريق. كنت ظننته حمامة مدهوسة للوهلة الأولى
بعدها تأكد لي بأنه قفاز ميت، انه القفاز الميت
ما الذي استطيع ان افعله، لاترفعني ! ولا حتى بواسطة الملقط
اقتني قفازات من البلاستيك
مقزز،أصابعك، آه، آه هل القفاز ميت حقا ؟ هل هو نفسه، هل هو آخر يشبهه ؟
لكنه ملقى هناك
مقزز، رطب.. مقزز، رطب
قفاز، ملوث
قفاز، قفاز، قفاز.. كف

اخضر، فكرتْ انه اخضر حتى أوشكت على الإغماء
عضّت على أسنانها وفكرت اخضر اخضر اخضر
ما الذي يريدونه منها
اخضر نعم. اخضر كلا
اخضر ماذا تقصدون
اخضر لا اعرف
اخضر إلى الجحيم
هل لكِ ان تقولي شيئا آخر عدا اخضر ؟
اخضر قالت
الاخضر جذاب قالت
وحين كانت على وشك الرحيل
ازرق قالت
كما الرحيل

لماذا هنالك أشجار صنوبر كثيرة في الغابة، ياماما ؟
ـ لكي تتمكني من الاختباء بشكل أفضل
لماذا يجب ان اختبئ ياماما ؟
ـ ان هذا من مصلحتك
لأننا نفكر بك كثيرا انا وبابا
هلمي اركضي. اركضي بحياتك
ياصغيرتي

أمُنا تموت على الصليب
أمُنا ماتت كل يوم
أُمُنا تموت أمام عيوننا القاسية
أُمُنا لاتستسلم، انها تموت فقط
انها تموت، بينما نصرخ دون جدوى
نحن صغار جدا
لانصل إلى الأعلى
لا إلى السرير ولا إلى الطاولة
هناك حيث أُمنا ترقد وتحتضر
إلى هناك لايمكننا البلوغ
حتى وان استخدمنا الكرسي
لا كراسٍ مرتفعة هكذا
لا احد منكود مثل أمنا
لكننا مازلنا صغاراً
هل لنا ان نكبر يوماً ؟
ليس بإمكاننا ان نبلغ هذا الارتفاع
أمنا تموت في السرخستانة
او ربما في حضيرة
نستمع لكل المُهُرات تصهل
لهذا نركض بعيداً
نركض بكل ما باستطاعتنا
لكي لانضطر لسماع الأجفان
وهي تنطبق

البنت التي على القنطرة

انا في ارض غريبة
وأنت تطبق على قدمي
الوطن الشعر الأسود
الوطن الليل قصير
سافرتُ ليلا ونهارا
وقد وصلت

انا في ارض غريبة
وأنت تطبق على قدمي
الوطن الشعر اسود
الوطن الحياة قاسية
انا عروسك الممزقة
مرتعشة في البعيد
وذراعاك يطوقان جسدها

انا في ارض غريبة
وأنت تطبق على قدمي
في الوطن الشعر اسود
في الوطن الحياة قصيرة
وأنا عروسك الممزقة
مرتعشة في البعيد
وذراعاك الشاحبان
يطوقان جسد الغريقة
انا البنت
التي كانت على القنطرة

أنت لم تعد تداعب وجهي

حينما يأتي الليل، لا يأتي أحد
هذا المتسللُ اغفي
ليس لي ان اصرخ، يا الهي، أافعل هذا
انا لا اصرخ
لأنني ان صرخت سأحطم نفسي
وجهي ينشرح
المتسللُ أغفى
دعه ينام، يا الهي، لاتدعني
افسد عليه نومته

السَيَبان

انتظر ولا تتوقع الكثير من الصحون
مُزقت قِطعا بين الشدقين
بين الأحمر
والأسود
وأنت الذي على وشك الوصول
استحوذت على اسمي ثانية
قبل ان احكم قبضتي عليه
في اللامكان موجود جسدك
هنا في السَيبان
وكان هذا الذي كان باستطاعته فقط

سأشتري طِلاءَ أظافر
لكنني لااستطيع الخروج
عشر قطرات تنظر اليّ بقلق
عُدّهم لي، يا حبيبي
عُدّهم لي كل يوم طالما نعيش
لأجلك سأصبغهم اشدّ حمرةً
من الحمرة
لكنني اجهل الطريق إلى الصالون
لااعرف ما يقوله المرء
للسيدة وراء طاولة التجميل
( صباح الخير، حبيبي هجر أظافري
عشر قطرات حمراء
دون جدوى
ما اسم الصبغة ؟
كارموزين او ربما كارمينا بورانا
لم اعد أطيق الحديث مع العاملات طويلا
انفجر بالبكاء بمجرد ان انظر إلى المقصات
قصي أظافري لي، آنستي ذات الشعر الجذاب
وأنا ابسط الكاحل
أم انها كانت الذراع ؟
بينما أوردتي تنبض بتثاقل

المرأة الخائفة

هل أصبحت هذه المرأة الخائفة
هل انا هي التي تُخفي نفسها الآن ؟
أتسلل وراء جدران البيوت
استخدمُ الشعر المستعار
لي رقم تلفونٍ سرّي
أتلفّت في أي مكان اذهب إليه
لن اذهبَ خارجاً
ازدرد أقراصا لكي أجرأ ان
أقول آه
وان لا أقول آه
ازدردُ أقراصا لكي لا أقول آه
او احتسي كحولاً كثيراً
فهذا يناسب الطبع الشمالي بشكل أفضل
قدح أكثر او قدح اقل، لااهمية لذلك
اعني بالمقاييس العالمية، والان حيث
جنون البقر ونقص المناعة
على اية حال، فانني لست من هكذا صنف
اقوم بعملي على وجه حسن
ليس أكثر من مترين للانتقال بين السرير
ومنضدة الكتابة
والشعراء يجب ان لاينشروا أنفسهم
( على الأغلب
والخلاصة فقد قلت ما لديّ
ورغم هذا فان التقاعد لايناسبني

مدينةٌ انا

مدينة انا بلا سلالم
مستوية
كانها غرقت
رمادي ضياء الفجر
لكنه ليس الفجر
وإنما ساعة واحدة
في البلاد الغريبة
ساعة أخرى أطول مما ينبغي
كان يجب ان تربط نفسك
لوقت الإنسان
اليوم المٌرهَق قال كفى
قبل الجسر
انا بيت بلا أرضية
لكن حَسناً بجدران وسقف
وبدون باب
انا الشوارع
هناك حيث الناس تختفي
وراء المظلات
لكنهم يمشون مباشرة وباستقامة
حتى يدخلون في بعضهم
إنني اعرف إلى أين يذهبون
في هذه المدينة التي على الساحل

لاضير في ذلك، فباستطاعتك الاستحواذ على ماتبقى أيضا
وما هو موجود في الثلاجة
انا لست متبقية
وهكذا ابتدأ كل شيء
هي ليست موجودة
الآن سأستدرجها إلى الخديعة
بعدها ستعاد إلى الهلاك ثانية
أنت صنعت امرأة بأياديك الخاصة
وقمت بتهديمها في نفس الليلة
كان عليك ان تنظف ما وراءك
اكنس المكان
واغرس شيئا آخر هناك
شيئا آخر

ليسَ

أنت ما انوجدتِ
حقا
قبلاتنا
أتذكرها كإوزات في الماء
وكيف سبحت اثنتين اثنتين
حتى الشاطئ
كل مرة تعتقد بأنها ترى يداً
اليد تعني الخبز
للإوزات
فان القبلات تعني يد....
وهذا لايفرق
فطيلة الشتاء لايستطيع احد البقاء
في هذه الأماكن المتجمدة
لا ولا حتى أنت
أنفاسك تبخرت طويلا بعدك
وكنتُحامض، تشرنوبيل

انها نكهة القصيدة هذا اليوم
تراب في الفم، طعم دم
عميقا في البلعوم
نماء مُنحّل،صارات الجنس السرية
ماء مُنحّل، غرفة متعفنة
متنزهات مريضة
بول قط
هو وهو وهو
منذ الصباح الباكر عرفت
بأنه لايُكتب شيء هذا اليوم
عدا نيءٌ مزدرد
الذي هو القصيدة

لكل حب غابتهُ
وحبنا كذلك
يهيم بحرية ويتجول طويلا
هو جميع الحيوان، انه الطحالب على الصخور
والخنافس تحتها
لنا زغبُ طائرٍ من الإحساس
بان كل شيء على مايرام
والذي رأيناه من الأسفل، الغروب على البحيرة
كان غزال الرنّة يحني قامته
ويشرب وجهه الخاص
وكنا جائعين
رأس له جلالة
وعيون كالنجوم
تاج من الذهب
وكنا جائعين
ركضا للجهة المعاكسة
إلى الشرود والمدينة
وبقيت الغابة قائمة
ونحن من قام بالاختلاس

حياتي أصبحت قصيرة جدا
يوم أمس كانت طويلة
سميناها اللانهاية
وللأفق قلنا
بأنه في يوم ما
لست متأكدة
إذا ما استيقظتُ
أم استغرقت في النوم
لم يكن صوتا ما سمعته
فالملائكة ليست هنا
لمسة خفيفة للاشيء كانت
تقريبا كما لو ان الأشجار فقط
تستطيع ان تمسح على ذراعك العارية
وسحلية تدغدغ باطن القدم

نستطيع الليلة ان نجلس
في البيتونة
والأغصان المقطوعة
تصرّ على النافذة
نستطيع الليلة ان نغفو
في الظلمة
العاصفة ستخاف
حينما ترهف السمع إلى صمتنا

إذا أردت ممارسة الحب معي
فتعالَ
إذا أردت المكوث في المكان المقدس
الذي عتمنا عليه ذات مرة
تعال سنذهب إلى هناك
حالا وبدون تأخير
ففيما بعد نكون متأخرين
عيوني متعبة
ياصديقي الكبير
أيها الحيوان في إنساني
سنذهب بذلك الاتجاه نفسه
ها إنني اعرف

في التقويم

لو أردت القولَ
انا هي التي تنتظر
التي هنا على الدوام
انا هي الحاضرة
هل كنت أنت الغائب
إذا توجّب عليك
انعدام الثقة
قلة الراحة
السفر
انا على أحسن مايكون
مع تقويمي وفي كل صفحة منه
مؤشرٌ ربما ستاتي هذا اليوم

واجب الإصبع

ساعة اثر ساعة سيرتفع الإصبع باتجاهي
وسأتذكر المحطات، هكذا ظننا حبنا
تقول بان أسناني تصر حينما أنام
وتضيف بان صنفا من النساء
متطرفات

تنهداتك، لطخاتك

جنب سرتك أستريح
ليس ابعد من هنا
ليس ابعد من هنا
وعلى أريكتك أغفو
كما على نقالة إنقاذ

في لذتك أعاني
تلك التي ما خلقت أبدا
ولا تمكنت ان تموت
في مكان آخر
آنسة اعتاد المرء القول

من لطخاتك أتسلل نقية
ورقة اثر ورقة

عميقا في الظلام تحملها
فرس شقراء، في النهاية

تأخذها بعيدا

بتنهداتك تمزق الذئاب
قطعة فقطعة

الآن استطيع ان اكتب البحر
الشاطئ هناك، نَصّبّ الرمل في سطل
لباس سباحتك الأزرق
شفاهك في الريح مرفرفة حمراء
الآن استطيع ان اكتب القبلات
هذا القارب الواهي الذي صنعتهُ
ورميتَ به مرعوباً
اعرف ان بإمكاني هذا
لقد تمرست طوال حياتي قبل مجيئك
الآن سأستطيع جمع الحصى
وأعطي اسما جديدا لكل حصاة
عيناك ستشرعان بي إلى أمريكا
نعم.. ياقبطان
الآن سيحل وقت القلوع
وعندها لن يكون الوقت متأخرا

شجرة عيد الميلاد وراء نافذتك
أصبحت اشد عتمة من العام الماضي
تقف غير مزينة
مفتعلة الخضرة
كما لو ان الاخضر والأسود
شيء واحد
كما لو ان الضوء والظلمة
ليس من شأن الجيران
إنما يقفون على جهة الممر
على جانب الجبل
على حافة السهل
ليس بمحض الصدفة
إنهم اختيروا لشجرة الميلاد
فمهمتهم دوما في الظلام
تبقى واقفة

شيء ٌ مِنّا

نجلس نتقابل كاثنين هذه الأيام
نستيقظ كاثنين
وننام براسين على وسادة واحدة
نأكل كاثنين
نتكلم مع بعضنا كاثنين
ونعرض مشهد الحب بفصلين
نكتب رسائلَ لبعضنا
نسأل بعضنا متى وأين ولماذا
ولم نحضَ بجواب مطلقا
نحن اثنين، لكن دون ان نتواصل
ندحرج السرور مابيننا
وهذا مانقدر عليه وهو الوحيد
الذي يمتعنا لحظة
فإننا نحن الاثنين ضجرين
احدنا تماما كالآخر
نقلي قطعتي لحم ونشرب قنينتي نبيذ
ونشتري زوجين من الأحذية دفعة واحدة
على الرغم من انها أحذية لاتتشابه
ونأمل ان يأتي احدها للآخر ذات يوم
نعم، في يوم ما سنكشف عن ان اختلافها
هو تشابهنا الخاص
انا التي تتشابه
وأنت الذي كما الأخرى
وذات يوم فان الطارئ الذي بيننا
سيذهب
والذي حميميا فيما بيننا
سيبقى وينتصر

أنا وأم

نقود دراجاتنا حول البحيرة
كان كلانا على شفا الشيخوخة
الأب زيّت السلاسل
وضخ هواءا في العجلات
حبيبي تسلم رسالة أخرى
قلت فيها
بأنني سأعود حالا
نقود دراجاتنا حول بحر
ونرى كل الفقمات تموت
بعدها نترك دراجاتنا هناك
ونمشي فوق جسر
وحبيبي لم ينس زوجته
جنب الماء

إقامة

بطاقة البريد
تبددها الريح
فضاء الرحلات الصامتة
يتكور على نفسه كبرج
كما لو أمام عاصفة
الشراشف البيضاء
والجسد العاري
كانا لي ذات مرّة

كل مدينة رجل
وكل رجل غرفة
ولكل غرفة سرير
ونافذة
ومن خلال كل نافذة
تبين قطعة من الشارع

رنين الليل يخترق الثلوج
وأنت مازلت ترتجف
لكن حالا يحل الدفء
كما في الشمس

أطفو اليوم بعيدا
أنت
الواقف على الساحل
تتابعني بلحظك
طويلا جدا

وفي دمك يغلي
حلم صبية
أعتقها، بلى، بلى
دعها تعبر

انا مخلوقة لهذه التي هنا
الأرض !
هل تسمع هذا
لاتزعجني
دعني أتشبث
بالممر الترابي
بين تلال الحصاد
هناك حيث تحتشد
الكلمات

لقد اقتربنا من وقت الإقلاع
لقد اقتربنا من وجع
فظٍ جدا

الخيول تحمحم في نسيم الصباح
والطيور مازالت مضببة

لاتبعث بهدايا أخرى
دع الليل ينام

النصوص مترجمة بإذن خاص من الشاعرة
لايجوز تداولها او نشرها او الاقتباس منها إلا بإذن خاص منها او من المترجم
الصورة: بعدسة المصور الياباني هيديو ماتسوماتو