را هِيْدَك
(كوريا الجنوبية)

ترجمة: محمد زكريا

ولدت الشاعرة عام 1966 في مقاطعة نانسون في وسط كوريا. تخرجت من جامعة يونيسي، وحصلت على شهادة الدكتوراه في اللغة والأدب الكوريين. اختيرت مجموعتها في العام 1989 (نحو الجذور) كأفضل مجموعة شعرية من قبل جريدة جونغانغ اليومية. تعمل كأستاذة في قسم فن الإبداع الأدبي في جامعة تشوسون. صدر لها عدة مجموعات شعرية: الكلمة تصبغ الأوراق، المكان ليس بعيدا، ما هي العتمة؟، والكف الضائعة. كما صدر لها في النثر: من أين جاء لون البنفسج؟، ونصف وعاء من الماء.
في العام 1998 حصلت على جائزة كيمسويونغ، وفي العام 2001 على جائزة الفنانين الشباب الآن، وفي العام 2003 على جائزة هيونداي الأدبية، وأخيرا في العام 2005 على جائزة آسان الأدبية. وقد كان بعض كتبها من أفضل الكتب مبيعا في كوريا.
مجموعة القصائد التي نترجمها هنا للعربية مأخوذة عن ترجمة إنجليزية لمجموعة (ما هي العتمة؟)، عملها: كيو جونغيول. قصائد راهيدك تمتاز بالبساطة العميقة. والطبيعة هي استعارتها الكبرى. فأنت لا تدري أحيانا إن كانت الشاعرة تتحدث في قصائدها عن ذاتها أم تتحدث عن الشجرة أو الوردة. بل أنت لا تدري إن كانت تتحدث عن الربيع أم عن الحبيب. قصائدها لسان الوردة والغابة والريح والبشر. والإنسان فيها طفل الطبيعة، لكن من دون تهويم رومانسي.
وإذ نعيش في مناخ متخم بالترجمات عن اللغات الأوروبية، وبالتأثر بها، فهذه محاولة صغيرة أخرى للالتفات إلى الشرق الأبعد في آسيا. فهناك يوجد شعر جميل أيضا، يمكننا أن نحبه وأن نستفيد منه.

زرته متأخرة جدا

«تعالي إلى بيتي
ظل المانغوليا مدهش
تعالي لزيارتي قبل أن تسقط الأزهار»
لم أزره في الربيع
من ناداني بصوت خفيض
زرته
في مساء شتوي
هِيْ... لقد جئت
وحين فتحت الباب، لم يظهر
هِيْ... تعال فورا
لدينا أيام كثيرة بانتظار زهور المانغوليا
وحين قرعت، عامدة، بابه بصوت عالٍ
ناست شعلة مصباح جنائزي
كما لو أن زهرة سقطت!
وتحت ضوء المصباح
تجمع من أتوه متأخرين
ليشربوا كأسا معا
جئت متأخرة
وتحت ظلال المانغوليا
كان قد أزهر باكرا.
قرب شجرة الخوخ
لست أدري لِمَ
لمْ أرغب في الاقتراب من شجرة التفاح
التي تتردد بين أفكار كثيرة
ظننت أن الشجرة بنوارها الزهري والأبيض
ليس لها ظل لأجلس تحته
فمررت عنها متجنّبة
وحين أعماني بهاؤها
أدركت أن ثمة آلاف الألوان
بين الأبيض والزهري
الشجرة التي تريد أن تزهر بألف لون
شجرة وحيدة
رغم أنها لا تدرك وحدتها
لقد استغرقني الأمر زمنا كي أفهم قلوبا كثيرة
عند الوقت الذي تتساقط فيه الأزهار
تحت ظل شجرة الخوخ الضجرة قليلا
سمعت في الصمت
صوت المساء يقترب.

القمر الشمعي

لا بد أنها شعرت بعبء أن تكون بدرا٭
فهي تستريح على قمة الجبل في الفجر
وقد شوهدت آلهة تفعل هذا من قبل
متمشية عند قاعدة الجبل
رأيت الوحل على قدميها
وحين أحست أنني أتلصص عليها
اختبأت خجلة وراء الغيمة
ثم غابت
ولأن آثار خصرها يجب أن تكون ما زالت على الجبل
فإن الأشجار ستحمل جروحها المضيئة
مثل أشعيا الذي غسل بالفحم المتوقد شفتيه.

٭ القمر مؤنث بالكورية.

رمانة

لم أرد أن أكسر رماناتي من قبل
كسرتها لاحقا
الرمان أضراس تضغط بعضها
مثل باب لن يفتح أبدا
الرمان مثل قلبك:
الصرخة تنفجر قبل الدم الأحمر
نازعة قشرة صلبة كهذه
أمضغ بفمي من أجلك أنت البعيد عن النظر
افتح فمك
سوف أمنحك كلمات من فمي
كلمات تأخذ شكل ألسنة طيور
افتح فمك
كي تبلّ صرختك الحمراء
لساني
متأخرا، لكن ليس كثيرا جدا.
أحد ما في الغابة
بعد أن ولدت الغيوم القمر
وبعد أن اختفى القمر وراء الغيوم
قذفت شجرة سنديان بذورها في الغابة
كما لو أنها تريد أن تقول فكرة
توك...تاك...تاداك
كم مرة جمّعت فمها
لتبصق البذور؟
أخيرا سمعتُ الكلمات في الغابة
عرفتُ أن البذور لا تُخلق للتكاثر
بل لأن الشجرة تريد أن تبوح بشيء:
توداداك... تتاك... توك... تارررر
الكلمات التي مثل طقطقات حريق
مثل ضحك، أو مثل تصفيق أيد
تناديني كالروائح
الشجرة تقذف بذورها في الليل
ورغم أنني لا أراها، فهذا لا يهمني
الكلمات المستديرة
تتساقط حول كاحلي وأنا أمشي
...تاك...
تخمة مسموح بها
أن تكون مترعا بنور الشمس اللذيذ
أن تُشبع جوعا قديما
أمر نادر هذه الأيام
ثَمّ أقدام عارية كثيرة
تستلقي تحت قدم الجبل في مساء ربيعي
وكما تفعل الأوراق الخضر
فإن الناس، مثل شحاذين جوعى،
يمتصون أشعة الشمس، يلعقونها ويعلكونها
وثَمَّ فوق هذا اثنتا عشرة سلة أخرى من ضوء الشمس، بعد.

قطيع اوز بري

قطيع اوز بري قد يبدو جميلا
غير أنني أدعو قطيعا كبيرا من الطيور كآبة
قطيع إوز يطير فوق الحقل في كيولون
مثل موجة تحمل قوارب متمايلة
تتدفق نحوي
أسمع، وأنا على الصخرة،
خفقات مجداف قديم:
فيكوكفيكوك فيكوكفيكوك
يبدو لي هذا مثل ضربات مسحاة لا معنى لها
فالنهر البارد في داخلي لا يدفأ
ومع أنني أترك القطيع يمر
فإن الطيور تعود من جديد
كما لو أن عيدانا طعام كثيرة جدا تتحرك على المائدة٭
خفقات أجنحتها: فيكوكفيكوك
مثل عيدان تضرب في الأطباق
عند المساء سحبت المائدة ذات الزاوية المكسورة
إلى أين تطير هذه العيدان الكئيبة؟
حين أسمي قطيعا كبيرا من الطيور كآبة
فإن الطيور الكثيرة التي تملأ سماء المساء تطير مبتعدة
الآن
لا أسمع صوت تجذيف.

٭ الكوريون يأكلون بالعيدان بدلا من الملاعق.

أصوات
في محطة سويبو
السماء ثلاثة بيونغات فقط٭
حقل الزهور أيضا ثلاثة بيونغات
أصوات غيوم تمر
صوت سطح يتمتم لسطح
صوت أم وابنتها تهبطان إلى المدينة يدا بيد
التراب يتهافت تحت قدمي
الماء يتدفق في النهر ويلمس الثلج على الضفة
أصوات اجترار عجول
تتوقف وتدير وجوهها محدقة بي
أصوات احتكاك سيقان الزهور الجافة
الأصوات وحدها تتكلم
لا أحد يقول شيئا في محطة سويبو في الشتاء
جويودو أيضا ثلاث بيونغات
لكنها تزدحم بالأصوات.

٭البيونغ: أقل من أربع ياردات مربعة بقليل.

ما هي العتمة؟

حين تتحرك الساعة من ٤٤ .٥ إلى٥٤,٥
وأنا مستلقية في الغرفة
وحين تنظر أشعة الشمس
التي تمر على جسدي
إلى البيت بحزن
ثم تجمع دفئها وتمضي
وحين تسقط شجرة حور في البعيد
وحين لا يصبح ظهر يدي مرئيا
وحين تتوقف الذاكرة عند 45,٥
ولا تتعمق العتمة أكثر من ذلك
ولا يحرك أحد الشجرة الساقطة
فإن جلدي وعظامي التي احتملت طويلا
يحسان بالألم أخيرا
هذا المساء، أحك أضلاعي المكسورة ببعضها
بطيئا، بطيئا، بطيئا.

المطر دواء مهدئ

أتشبث بحفنة من تراب
غير عارفة أنني قُلعت من جذوري
شاعرة بالعطش، تطلع مني باقة أزهار بهية
غير مدركة أنها أزهار جنازتي
أمطرت الليلة عقارا مهدئا
غسلت جلدي الجاف
أصوات كثيرة في كل قطرة تلمسني
لأنني ذرفت دمعي كله
ولأن الجروح الحمر في عيني سالت
وغارت في التراب
أستطيع أن أقف الآن ثلاثة أيام
من دون راحة
غاق يربض في المطر
خسر كلمات كثيرة
بسبب ثقل جناحه
حين يطير بريشه اللامع
ربما أسير في الطريق متمايلة
شكرا أيها المطر... شكرا... شكرا.

ملابس قطنية بيضاء

بينما أنتظر الحافلة
يقف شخصان تحت شجرة الزلكوفا على طرف القرية
ربما يكون شعرهما طويلا
الاثنان اللذان يقفان على حدة
يبدوان كزوجين إذا ما أخذنا بعين الاعتبار شاليهما المتشابهين
الرجل يتقدم خطوة واحدة، رافعا يده
زوجه تبسم خلفه
كمسافرة وحيدة
كنت سعيدة بوجودهما
غير أن السائق اجتازهما من دون تردد
كما لو أنه يعرف أنهما لم يصعدا حافلة أبدا
رغم وقوفهما الدائم في المحطة
آه، ربما كان هدفهما أبعد من المحطة التي تتوقف عندها الحافلة
أو لعلهما وصلا إلى هنا
عائدين من رحلة طويلة
وهما يستريحان تحت الشجرة
لكن، من لف الشال حولهما؟
في الحافلة، عندما استدرت لأرى إن كانا يمسحان بالشال عرقهما
اختفى ثنائي مياتريا مع غروب الشمس٭
نقطتان، وقماش قطني أبيض.

٭مياتريا: بوذا الرحيم.

يوم سومان٭

حين يبلغ ظل قلبي أقصى مدى له
وتلمع آخر موجة خضراء
بعد أن تلمس الخضرة الجافة
ثَمَّ لحظة
تحس فيها الخضرة
أنها تقدر أن تفرش العالم
شحّ ما
أو غمر فائض
بعد أن يمر يوم سومان
تبدو الخضرة كما لو أنها هي التي تفيض
وتزداد سماكة
الشجرة تتكلم بظلها وحده
وتحت الكلمة المعتمة
تتفتق زنبقة عن نوارها الزهري
الصوت الذي يسمع عقب سومان
هو صوت الخضرة المغمغمة التي تعطر الماء
غطي أيتها الخضرة أعالي قدمي
غطي أعالي قدمي المخجلة!

٭سومان: هو الحادي والعشرون من أيار (مايو)، حيث يكون الربيع الكوري في ذروته.

مشهد من تحت التراب

أنا آسف
جئت إلى أركاديا
ورأيت أوراق العشب التي اختفت
كما رأيت أطلال أركاديا
من زمن بعيد
أطلت عيون العشب من التراب وأبصرتني
أعمتني- لكن من دون ألم- أنصال العشب التي عبرت الشتاء
غير أنني آسف
فقد سرت خريفا في الطريق ذاتها التي عبرتها ربيعا
استطعت أن أرى ظل طريق
وأن أرى المشهد الذي لا يبدو واضحا من تحت التراب
تقول الأوراق الحبيسة في زمن بليد:
امش فوقي، دس عليّ
عيناي يقظتان تدوسان الأوراق الساقطة
وما من خفقة
فهي لم تعد تحس بالعبء بعد الآن
لا أتمنى أن أصاب بالعمى ثانية
عناقيد زهور الكوريدالس الغامضة سقطت منذ زمن بعيد
يمكن لي أن أرى السم في سيقانها الغريبة أنا لن أزرعها من جديد
آسف
لا تبعث إليّ برسائل أبدا
رغم أنك ذاهب إلى أركاديا*
هذه الأوراق اللامعة لم تعد تخصني بعد الآن.

٭ أركاديا: مدينة يونانية قديمة كانت قاعدة لعدة ممالك شهيرة.

عندما زارني الربيع

كلماتي لا تصل إليك
ما أن تنطلق الكلمة من فمي حتى تجمد
كما تجمد خيوط العنكبوت لحظة ملامسة الهواء
إشاعة الصمت وحدها تنتشر
الكلمات شظايا متناثرة
عندما يزورني الربيع
أستطيع أن أسمع الكلمات تضيء بنور جديد
بعد أن ذابت في مياه دافئة
ومثل موجات دافئة تصعد من قلب الأرض
فإن الكلمات المتخمة بنسغها
تنادي أخواتها
رجاء،
اغفر لها صراخها.
طفلة في السابعة تقرأ
النجوم تسد ثقوب السماء
بثقلها وضوئها
أخذت السماء تدلف
ما أسهل أن تنفتق
إنها تمطر كلما سقط نيزك
يفيض الماء إلى البحر بعد أن يبل مهادنا
وفي ليل الصيف، عندما ينزف قلب برج العقرب الأحمر
ويومض بضوئه في بئره العميقة
فإننا ننام في بيت بلا سقف أو مصطبة عند البحر
على الرمل الناعم، حيث تحجب الحجارة الصغيرة عنا الريح،
نضحك، نتدافع، نشد الأغطية
غير شاعرين بالخوف
رمل وسماء
يا لهما من سقف ومصطبة يحفان بنومنا!
أنهض وأقرأ الكتاب العظيم مرارا
خوف أن تهرب السماء
أقرأ خلل السماء والموج في ذلك الليل
ولا أحد يعلم أنني نزعت ورقة منه
وخبأتها في دفتري.

حياة على طرّاحة٭

حين آكل أو أشرب
حول المائدة ذاتها
مع من يهتمون بقرب أي طرّاحة أضع طرّاحتي:
طراحة تدفع طراحة، طراحة تشد طراحة، طراحة تبسم لطراحة،
طراحة تصرخ على طراحة، طراحة تهجر طراحة، طراحة تلد طراحة،
وهكذا وهكذا...
كل واحد يتطفل على طراحة غيره
وحين أسير وحدي في الأزقة
هاربة من حفل الشراب:
نجمة تلد أخرى، نجمة تلد أخرى
وحين يجمد نفسي في الهواء من البرد
أبصر قطعتي فحم هجرتا، لكنهما ما زالتا تتوهجان
أربض عندهما طويلا
هذه الطراحات المستديرة التي تحوي اثنين وعشرين ثقبا!

٭ الكوريون يجلسون على الأرض حول موائد واطئة ويضعون طراحات، أي وسائد خفيفة، تحتهم.

قبضة هواء

سمعت هذه القصة: عندما كانت أم تأخذ غفوة، صعد طفلها إلى درابزين الشرفة ليلعب فوقه. كان الفراغ وراءه. حين صحت المرأة ورأت طفلها، حاولت أن تفتح فمها وتناديه: طفلي، انتظر، انتظر لحظة. حبست أنفاسها ومشت نحوه، ثم أمسكت به بقوة. لكن، كان هناك حفنة هواء فقط بين يديها اللتين امتدتا إليه. لحظتها انقطع نفسها. غير أن الطفل، لحسن الحظ، سقط في الشرفة. وحين بكى، حملته المرأة الميتة، وركضت نحو المشفى، كما لو أنها صحت من حلم. لم تفكر إلا في إنعاش طفلها. بعد وقت قصير هدأ الطفل ونام. عادت الأم الميتة بطفلها. وضعته فوق أدفأ مكان على المصطبة. ربتت عليه نائمة قربه، ولم تصح أبدا. أخيرا تستطيع أن تموت مرتاحة.
ربما تكون هذه قصة هادفة. حين كنت عائدة في الحافلة إلى البيت نظرت إلى كفي الفارغة. مع أنها فارغة الآن، فقد امتلأت يوما. بفتح يدي وإغلاقها، تركت أشياء كثيرة تفلت منها تلك الليلة. كما لو أنني كنت راغبة حتى في أن أفلت قبضة الهواء بداخلها، وأن أرسلها مع الريح.

الغصن الأول

أن تضع غصنا جافا بين الأغصان الحية
بعد أن تكسره:
أهذه هي لحظة كل بداية؟
كما لو أن الغاق يعلم بهذه الحقيقة
طار إلى شجرة السنديان، بعد أن تفحصها- وكان ثمة عشان-
حاملا الغصن الأول في منقاره
كذا فعل أبي الذي تمتم على الجسر الصغير:
أين سأضع هذا الغصن؟
عندما جاء إلى سيئول بحفنة من نقود كي يستأجر بيتا
لم شيّد أبي بيته وسط الريح
بأعواد جافة،
وخبأنا وراء الأوراق الكثة؟
بيت يستدير قليلا قليلا
بيت عندما يوخزني عود منه في ظهري أطير فوقه
بيت تأتيه الشمس واليوم التالي، ويمكثان، لكنهما يمران
بيت يسمع فيه صوت غصن يابس ينكسر.

طارة خياطة قديمة

بينما يوخزني الألم، أحد ما مضى قبل أن يكمل
لم يشطأ الزرع
لم تذبل الزهور
لم تَفِض الأمواج رغم دفعاتها
الغيوم لم تبرق، ولم يقل وزنها
في وقت الشدّ
حين يُجمع القماش القطني المحاط بالحرير
خذ إبرة صدئة
واغرزها في الطارة وخِط
فأنا ما زلت مشدودة بعد بثلاثة وثلاثين دبوسا
رأس الإبرة الذي وخز لأول مرة؛
البذور، الأزهار، الأمواج والغيوم
كلها تتذكر الألم، وتنتظره
رجاء، أكملني بالكلمات
التي لا تعود ثانية
بعد أن تمر فوق هذا الجانب أو ذاك من القماش
أنت، يا من اختفيت وأنت تدرزني منذ وقت بعيد.

النافذة المضيئة

مثل من يسرق الضوء
نظرت من النافذة لا من الباب
زوجي وابني الأكبر يلعبان الجانغي
الثمار ما زالت مبتلة في الطبق
الماء يغلي في الإبريق
ابني الأصغر نائم في ما يبدو
ملتصقة بالنافذة كفراشة عثّ
فكرت بغرابة الأشياء البيتية الأليفة
ببعد هذه المسافة القريبة التي قد يسمعان ندائي عبرها
بسلام ودفء غياب وجودي
الابن الأكبر نظر إلى الساعة
وأنا، كما لو أنني فراشة عثّ،
نظرت في العتمة التي خلف النافذة
طويلا طويلا
أنا في النافذة
التي تبدو كما لو أنها حافلة تشرع في الانطلاق الآن!

خسوف القمر

أناس كثيرون يذهبون إلى الغابة
لكي يروا خسوف القمر
في صالة العمل التي بلا نافذة
ثَم دزينة أقمار هذه الليلة
على طاولة العمل
يشحب القمر تدريجيا
القمر الأبعد عن الشمس
يصير الأقرب إليها
الشمس التي في القمر تلتقي بالقمر الذي في الشمس
إنها مضيئة هناك، لكنها عتمة هنا
وجهك يعتم رويدا رويدا
بسبب ظلي
أنا آسفة، لم أتنح عنك جانبا
الكلب اليائس أمسك بالقمر وقضمه
وخلل زجاج صالة العمل الذي لا يفتح:
هَوْ... هَوْ...هَوْ

شجرة المظلة الصينية٭

فكرت في مشهد الأمس
المشهد من الطابق السادس ليس عاليا أو واطئا
أستطيع أن أرى شجرة المظلة الصينية تنمو على السفح المقابل
قبل أيام قليلة
كان النحل يغدو إليها ويروح
الآن هي بلا زهر تقريبا
ومع أنني لا أدري إن كانت الأزهار هي من هجرت الشجرة
أم أن الشجرة تخلت عن أزهارها
فإنه اكتشاف بالنسبة لي
أن أنظر إليها بعد أن فقدت أزهارها
أخذت الشجرة تطلع ثمارا مثل حلمات طفلة في السابعة
من المكان الذي سقطت منه الأزهار بالضبط
أستعيد المشهد كل يوم
مفكرا فيها
ومن الطابق السادس، وأنا أرقب شجرة المظلة الصينية،
وصلت إلى أن كل واحد يصير عنيدا حين يفقد أزهاره
وحقيقة أن ثمرة صلبة
نتجت عن هذا الذهب اللامع٭
أمر لا يثير استغرابي
الدبابير قد تأتي منجذبة إلى الذهب
إلى الثمرة المقفلة
لكنها في عماها ربما لا تدري
أن الأحلام، محبوسة في هذه الثمرة- المبيض، ستتقسّى
وأن بذورها السوداء، ستكون عنيدة تحت ضرسي.

٭ شجرة المظلة الصينية بزهور بنفسجية وثمرة ذهبية.

المرور عند كرم التفاح

بطيئا تطير الفراشة في الخريف
جسدها ثقيل جدا
كأنها تحمل حملا تريد إسقاطه
شجرة التفاح المثقلة بحملها
تحني أغصانها
ثم لا تعود مستقيمة بعد أن تسقط ثمارها
كما لو أنها ما زالت تحمل حملها
بالنسبة للشجرة ربما بدا الهواء أثقل من حملها
تحط فراشة على الغصن
ثم تطير
الكون يشع مثل بَرَكة
أنت، آه أنت، أسقطني في مكان ما
إن لم يكن ممكنا، ألا أستطيع أن ألمع تحت ظل شجرة تفاح؟
بملابسي البيضاء التي لا أثر فيها لدرزة
سأكون اليوم أخف من جناح الفراشة.
تِك...
تفاحة تسقط متأخرة
لقد استغرق الأمر سنوات خمسا
لإسقاط تفاحة!
شجرة برتقال مثلثة الأوراق
مع الخريف
تتعفن حفنة من ثمار البرتقال ذي الورقة المثلثة
بمفاجأة بقيت فيهن فقط
يمكن لعصيرهن أن يتحول إلى عطر
عندما تؤخذ الحصاة من الماء يتبدل لونها
مخبأة في سلة بلاستيكية سوداء
بدأت الثمار بالذبول
ثم أخذت تسيل
أظن أنني حملت كآبة معي إلى البيت
حين مررت على شجرة البرتقال
ظللت أسمع أصواتا في السلة لأيام
لا بد أن أحدا قد حبس بداخلها
الأشواك تحاول أن تمزق الجلد الأسود هاربة
أزهار شجرة البرتقال المثلثة الأوراق عميت بشوكها ذاته
تفتحي يا زهور، تفتحي يا زهور
في الفاكهة العطنة لشجرة البرتقال.

أصيص رمل

أصيص فارغ ملقى على قارعة الطريق
خذ قلبي الذي ينعف باليرقات
بدلا من حفنة التراب
وفي جسدك سوف تبرعم الديدان.
هوس خيوط العنكبوت
قائلا: انتظري لحظة
مزّقَ خيوط العنكبوت على وجهي
حين بدلت ملابسي مساء
وجدت حفنة خيوط على معطفي
منذ اليوم الذي شَبّكتِ فيه الخيوط على وجهي
فإن صرخاتي صارت تجمد مثل خيوط العنكبوت حين تمس الهواء
ورغم أنني هتكت الخيوط
فقد ظلت تنمو أمام وجهي
وإذ أكبر
وألتقط الزهور البيضاء
أجد جناح فراشة أو رجل بعوضة
عالقة بالخيوط المشدودة بالصرخات
أتأخذ صرخاتي بالصمت صائرة عجوزا هي الأخرى؟
لقد عرفت أن الصرخات لا تسمع من كل أحد
يجلس الناس تحت الضوء ويصيحون:
ابتعد...خيط عنكبوت
يتحدثون إليّ
كما لو أنني صرت عنكبوتا.

عين الثلج

عندما يقترب الربيع
يصعد الثلج إلى الأعلى، باتجاه القمة
بعماه المر البارد تحت الشمس
هاربا من الشمس التي تتبع زهرته وتفتتها
يخبئ الثلج نفسه بعيدا في الأماكن المعتمة الظليلة
حيث لا يستطيع أحد أن يتعرفه
فوق القمة
لا يستطيع الثلج أن يصعد أكثر من دون أن ينقطع نفسه
بعد أن تقلص ببطء
وتجمعت عينه وكتلته بصعوبة تحت الصخور
اختفى فجأة
لأنه لم يجد رشفة ماء طوال الشتاء٭
وحين يفيض الماء البارد في كل ربيع
لم أكن أدرك، لعماي،
أن هذا هو دم الناسك.

٭ الشتاء ثلجي في الغالب في كوريا، والصيف ماطر.

لم تهب الريح من خلفي؟

لا أقدر أن أحدق في وجهها
لأنني أعتقد أنه سيسبب لي العمى
عندما أدير وجهي نحو الريح
أقعي، ثم أخفض وجهي للأسفل
كما لو أنني جذر قبل أن تجرفه المياه
منتظرا عبورها
لكن الريح تجلد ظهري
سوف أكنسك
سوف أكنسك من الأثام
لا أقدر أن أحدق في وجهها الصارخ
هذه الريح التي تحاصرني بألف فم ويد وعين
لم تهب الريح من ورائي؟
فجأة ينقطع حبلي السُّريّ
وفي تيار النهر الذي غمر حياتي
بعد أن دمر ضفتيه
أمسكت بربلة ساق نحيلة لأحدهم
أفتح عيني للحظة
لقد كان ما أمسكته طوفا
لا، لقد كنت أنا الطوق العائم ذاته.

تاريخ فونوغراف

الصوت القديم
لا بد أن يكون قد أحس بالألم
إبرة الفونوغراف تمر بطيئا، فوق الذاكرة التي خلفها الصوت
على الطريق التي لم تطرق
مهما سِير عليها
فإن طريق الألم
لا تبدي أخاديد عميقة
وما يبلى فقط هو رأس الإبرة
بذلك الصوت
ذلك الصوت الذي لا يتحول إلى عتمة
ومنذ الوقت الذي ظن فيه الفونوغراف أن يستطيع أن يسجل الصوت
وأن يستعيد الألم
لم يعد قادرا على العودة إلى الصمت
الصمت الذي يلد الصوت.

أيدٍ مغمورة بالثلج

تضع العجوز يديها المغمورتين بالثلج
على سلة الخيزران من دون توقف
نصف من الثلج ونصف من الفاصولياء
في السلة الصغيرة الزرقاء
مهما حاولت أن تغطي السلة
فلن تستطيع سوى أن تبيع الفاصولياء مع الثلج
لأن السماء أعرض من يديها
لم تمر الحافلة منذ زمن
الثلج يسقط على سؤالي عن السعر
وعلى جوابها: ألفا وون
بينما تضع قطع الثلج الزغباء مخلوطة بالفاصوليا في السلة البلاستيكية
يسقط الثلج على النقود الورقية في يد العجوز
الحافلة المغطاة بالثلج تأتي من مكان بعيد
الثلج، السلة البلاستيكية وأنا ركضنا معا نخفق في الثلج
هل غفوت لحظة؟
الثلج توقف خارج النافذة
الطريق الذي يتبعني أبيض
لكن، أين راح الثلج
الذي كان يغمر ظهر يدي؟
في يدي ثم حبات فاصولياء مبتلة فقط.

جئت منتعلة فراشة

أهذا بيت عرس أم بيت عزاء؟
الناس الذين يجلسون حولي يبدون غرباء، فجأة
قررت أن أعود إلى البيت
بحثت عن حذائي
في فوضى الأحذية٭
وبينما أبحث عن الفردة الضائعة
طارت نحوي من النافذة فراشة
بجناحها المجروح
آه،
لقد جئتُ منتعلة فراشة!
والآن، أعرج في طريق الربيع ماشية- طائرة:
قدم تخبط على الأرض
والأخرى تنتعل جناحا
فراشة يا فراشة
انزلي ثانية إلى الأرض السوداء
فأنا أريد أن أنتعلك
سأنتعلك
لأن الأحذية مصنوعة للبلى.

٭ يخلع الكوريون أحذيتهم عند دخول البيوت أو المطاعم التقليدية، فتتجمع على المداخل كما يحصل في المساجد عندنا.

جبــــل

الجبل يهبط نازلا
عندما تنحدر قطة عجوز
ينحدر الجبل معها
وحين تطير الفراشة
التي كانت على التربة الجافة
تطير معها قبضة من تراب وتتبعها
وبينما تُسقط شجرة البورسيثيا حملها أسفل الجبل
فإن الجبل يهبط إلى الأسفل أيضا
أشجار الصنوبر على السفح بالكاد تكبحه
وإذ يهبط الجبل
فإن الإنسان لا يدرك، ربما،
أن الجبل ينزل معه خطوة خطوة
في صباح ما
سيقول الناس:
أين ذهب الجبل بحق الجحيم؟
أين ذهبت الأشجار، الأزهار، القطط والفراشات؟
أين ذهبت، رغم أنه لم تكن من ريح تهب هنا؟«

نزوى- 47