شارون أولدز

ترجمة
ميلاد فايزة وكارن مكنيل

الأم البكْر

 شارون أولدز بعد ولادة طفلتنا بأسبوع
حاصرْتني في غرفة نوم الضيوف
وغرقنا في السرير
قبّلتني ثم قبّلتني، حتّى ساحَ من حلمتيَّ حليبي فاكّاً العقدة الحارقة
مبلّلاً قميصي. لأسبوع كانت تفوح منّي رائحة الحليب،
حليب طازج، حليب حامض. بدأت دماء الرغبة تسري بين فخذيَّ:
كان تاج رأسها قد فتَّق فرجي بسهولة مثل قطعة قماش،
كنتُ قد قُطِّعتُ بسكين ورُتِّقت،
الغرز تشدّ جلدي -
عندما تنكسر لأول مرّة، لن تعرف أن جراحك سوف تلتئم من جديد،
أحسن مما كان.
أتمدّد في الخوف والدم والحليب
وكنت تقبّلني وتقبّلني، شفاهك مشتعلة وممتلئة
مثل صبي مراهق، عضوك جاف وكبير
جسدك كله طريّ، حُمْتَ فوقي، فوق عش الغرز، فوق الجلد المفتّق
بصبر رجلٍ وجدَ حيواناً مجروحاً في الغابة
فبقيَ معه، لم يترك جانبَهُ
حتى يستجمعَ قواه، حتى يستطيعَ الجريَ من جديد.

فمُك الطويل

المرنُ مثل أقواس الرماة
لم يتقوّس. أمضينا لحظة طويلة نتأمّل حقيقة الموقف،
وكانت القصائد ثقيلة مثل طريدة ممنوعة تتدلّى من يدي.

المنزلة

قادمة من رصيف الميناء بعد الكتابة
اقتربتُ من البيت
ورأيت وجهَك الملكيّ الطويل كلون اللهب
في ضوء فانوس محاط بورق البرشمان
يد أنيقة على لحيتك
عيناك الدقيقتان لمحتاني في فناء البيت،
نظرت إليّ كما ينظر السيّد النبيل إلى أسفل من شبّاك ضيق،
يا سليل النبلاء.
بهدوء، دون ذرّة حياء حدَّقتَ فيَّ،
الزوجة التي تتسلل إلى رصيف الميناء للكتابة
ما إن يخلد أحد الطفلَين إلى النوم
تاركة الطفل الآخر لك.

النعيم اللانهاني

عندما رأيتُ الثلج يغطي الهواء لأول مرّة
بآثار حوافره الرقيقة، قلت: لن أعيش أبداً
في مكان لا تثلج السماء فيه وعندما
انقضّ عليَّ الرجلُ الأول ومزّق الممرَّ
وجاء إلى الغرفة الصغيرة
وأزاح الستار حتى أستطيع الدخول
أدركتُ أني لنْ أستطيع أبداً العيش بعيداً عنهم،
أبناء هذا الجنس الغريب بحوافرهم
الضخمة المضرّجة بالدماء. نتمدّد اليومَ في
غرفة نومنا الصغيرة، الذهبية الداكنة
بفعل انعكاس الثلج، وبينما تتسلّق ندفُ الثلج
برقّة أسفل السماء
ولجْتني مُزيحاً الستار
كاشفاً عن الغرفة الصغيرة
ذات اللون الذهبي الداكن بفعل انعكاس الثلج
حيث نتمدّد.

تشخيص

عندما كان عمري ستة أشهر، أدركتْ أمّي
أن هناك غلطاً فيَّ. كان ثمة تعبيرات غريبة على وجهي
لم ترها أبداً على وجه أي طفل
في العائلة، أو عند الأقارب
أو الجيران. أخذتني أمّي
إلى طبيب أطفال يده تغزل الحرير،
طبيب اسمه مثير للضحك: هاب لونغ
لم تخبره أنها
تعتقد بأني مسكونة بالشياطين.
كان ثمة فقط هذه النظرات الغريبة على وجهي.
أخذني بين ذراعَيه، تحدّث معي
كمن يدردش مع طفل. قالت أمّي:
إنها تفعلها الآن، انظر!
إنها تفعلها الآن!
قال لها الطبيب: حالة ابنتك تسمّى: دمها خفيف
قالت أمّي: أوووه
ثم أخذتني
إلى البيت حيث تم اختبار الدم الخفيف
وكانت النتيجة: غير قابل للشفاء.

«الغاوون»، العدد 27، 1 أيّار 2010

****

شارون أولدز تفوز بجائزة "بوليتزر" لعام 2013
"قفزة ذكر الإيل".. تحفة شعرية عن الحب والخسارة

ترجمة وتقديم
فوزي محيدلي

أخيراً تمكنت شارون أولدز من ضم جائزة "بوليتزر" (لعام 2013) أيضاً إلى قائمة جوائزها. حازت أولدز الجائزة عن ديوانها "قفزة ذكر الإيل" الذي وصفته لجنة الحكم بأنه "ديوان قصائد غير هيّابة بخصوص طلاق الشاعرة، وهي قصائد تتفحص الحب، الأسى، وحدود معرفة الذات". هذه المجموعة الشعرية هي الثانية عشرة لأولدز ورغم اتسام شعرها بأسلوب اعترافي شبه خام، وعاطفي، لكن من الملاحظ أن ديوان "قفزة ذكر الإيل هو على الأرجح الأكثر شخصية أو ذاتية".
إلى جانب نيله بوليتزر حاز هذا الديوان أخيراً أيضاً جائزة ت.س إليوت البريطانية المرموقة. يذكر أن مجموعتها الشعرية الأولى "يقول إبليس" (1980) نالت الجائزة الافتتاحية لمسابقة مركز سان فرانسيسكو للشعر. أما كتابها الشعري الثاني فنال جائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني. أما ديوان "الأب" فوصل إلى القائمة الأخيرة لجائزة ت.س إليوت، وديوان "الغرفة غير المكنوسة" فبلغ أيضاً التصفيات النهائية لجائزة الكتاب الوطني، وكذلك جائزة حلقة النقاد.

إخبار حميم إلى القارئ

لطالما انشغل شعر أولدز بالحب والعائلة، لذا ثمة ظهور متعاقب لزوجها في شعرها على مدار ثلاثين سنة. وقد تميز شعرها بخصوص زوجها بأنه من أكثر الكتابات رقة وأصالة بخصوص التزام الشريكين. أجل، على مدار ثلاثين سنة غدا زوجها أمراً مفروغاً منه في ثنايا شعرها وأكثر ما تتبدى شدة رقة اتحادهما في ديوانها "المعرفة".
ولذا فإن جسد ولحم ديوان "قفزة ذكر الإيل" (المقصود هنا خروج أو قفزة الزوج من العلاقة) الذي يحكي تداعي الزواج وسط يقظة اعتراف ذاك الزوج بأنه على علاقة حب مع امرأة ثانية، غدا مؤثراً ولاذعاً. إذاً، على الشاعرة الانتقال مما يبدو أنه زواج مثالي استمر لعقود، ومن ثم التساؤل حول صلافة ذاك الزواج حتى الانتهاء بضرورة تجاوز الشاعرة مأزقها.
ينطوي الديوان على إخبار حكيم وحميم للقارئ حيث أولدز تفتح قلبها له ليشاركها الشعور بالإنحجاب أو الاختفاء حين لا نعود نقف ضمن منظر الحب، ليشاركها الرابط الجسدي المفاجئ الذي لم يزل موجوداً بين الشريكين خلال عملية الفراق وخسارتها كل ما يتعلق بزوجها. تبدو أولدز أشبه بالعارية أمام القارئ، فضولية، جسورة وحتى كريمة تجاه الرجل الذي كان شريكها على مدار ثلاثين سنة والذي يحب الآن إمرأة أخرى. وكما تكتب في قصيدة "قفزة ذكر الإيل" التي أعطت اسمها عنواناً للمجموعة: "حين يهرب أي شخص، يقفز/ قلبي. حتى ولو كان أنا الذي يُهرَبُ منه/ إني غير متحيّزة ضد التارك (لي)".
بالعودة إلى ظروف كتابة هذه المجموعة الشعرية لا بد من الإشارة إلى استمرار أولدز بالكتابة، وبعد مرور 15 سنة من الطلاق صدر هذا الديوان "قفزة ذكر الإيل" مستحضراً قصة الأوقات المكدرة في حياة الشاعرة. ومن القصيدة الأولى "فيما أخبرني" (تسبر الشاعرة التفصيل الساحق للقلب في الليلة التي أخبرها فيها زوجها أنه يريد الطلاق، فيما عيناها تندفعان "بين شيء صغير/ إلى شيء آخر صغير، داخل غرفتنا، من وجه/ الساعة التي بجانب السرير، إلى البطاقة البريدية البنية/ لإمرأة تنحني فوق زنبقة") ووصولاً إلى القصيدة الأخيرة "ما تبقى" (حيث تسترجع باهتمام سنوات الفراق والسنوات التي سبقتها، بقوة ووضوح مدهشين) خالقة تحفة عن الحب والخسارة.
تبدي أولدز بلاغة منطقية حول ما تعلمته خلال مرحلة كتابة هذه القصائد فتقول: "مررنا بالعديد من السنوات الجيدة. من ثم بدأت حياتنا تتغير بالتدريج، شخصية كل منا تغيرت، ولم نعد نلائم واحدنا الآخر. أدرك هو ذلك قبلي بوقت طويل. أما أنا فصرت قادرة على رؤية بعض ما حدث (ليس الكل) من وجهة نظره... رغبته في التواجد مع شخص يشبهه، شخص ليس كاتباً مثلي. عندها لم أعد أشعر أشبه بالضحية بل أشبه بالند المساوي".

صعوبة أن يكون ملهماً

برقة وحميمية ونفس غير هيابة، تسبر أولدز أراضي بل بطاح عالمها الجديد الذي تجد نفسها مذهولة نوعاً ما حين تجد أنها متروكة وحيدة بداخله. الكثير من الديوان متجذر في الحاضر: السلوكيات الجديدة التي عليها تطويرها، الطرق الجديدة لرؤية نفسها وزوجها، الطريقة التي لا يقبل بها جسدها ما يعرفه عقلها (طوال كل السنوات كانا (نهداها) يندهان زوجي المفارق/ مغنيان له أشبه بامرأتين مغويتين فوق صخرة عالية). قصائد أخرى بدت مسكونة بالماضي من مثل الإشارات التي لم تنتبه لها، آخر مرة تحابّا جسدياً وحتى التعاطف الذي حاولت مده باتجاه الضغط الذي ربما شعر به لكونه يشكل ملهماً لها طوال تلك السنين، ومن هنا نراها تسأل "هل شعرَ/ أن عليه التجول في الأنحاء/ حاملاً دواويني على رأسه وكأنها مجموعة/ مجلدات لتصاوير وضعيات العرض أو الوقوف...؟".
ثمة صوت إنذار "طازج" دائماً يتردد صداه عبر الصفحات. السنوات الخمس عشرة التي استلزمت هذه القصائد لتأخذ دربها إلى متن هذا الديوان لم تُنقِص من إلحاحيتها أو من صوت خفقات القلب. هذه السنوات سمحت لأولدز الحرية لاستكشاف الرحلة الكاملة لما مرّت به: تكتب في الأدبيات الأخيرة للقصيدة الأخيرة: "لم أتركه، لم يتركني، حررته أنا، وهو حررني".
رغم التغير الحاد الذي طرأ على زواج أولدز والطريقة التي انتهى بها إلا أنها تبدي امتناناً للدرب الذي أجبرت على سلوكه وترى إلى مثالبه وليس مساوئه فقط. ومن هنا كان القسم الأخير يتهادى في تقديره لما يصمد ويستمر وما يفشل ويفسح المجال لنمو جديد.
تتميز المجموعة ببيتها الشعري المندفع وكذلك سحر تصويرها الحي أبداً، هذا فضلاً عن موسيقى تبدو أحياناً منطلقة مرة وأحياناً تأملية الغور عميقته. ويرى البعض أن سخاء أولدز في التعامل مع كل من مسألتي الألم والحب يجعلان هذه المجموعة واحدة من أقوى دواوينها. رغم خسارتها، لا تبدو هذه الشاعرة في موقع طعن زوجها شعراً بالظهر وإنما هي تحاول التصالح مع الوضع الناشئ، تحاول استكشاف كيف أخطأ كل منهما، ودورها كشريك في هذا الخطأ.
خلال منح أولدز جائزة ت.س إليوت للشعر في بريطانيا عام 2013 قالت أميرة شعراء بريطانيا ورئيسة لجنة الحكم للجائزة الشاعرة كارول آن دافي في ديوان أولدز "قفزة ذكر الإيل": "ثمة رقة وفروسية في حزنها ما يجعلها شاعرة ذات مرتبة عالمية. لطالما قلت من جهتي أن الشعر هو الموسيقى في أن تكون إنسانياً، وفي هذا الديوان تقوم أولدز حقاً بالغناء. ولا شك بأن رحلتها من الأسى الغامر حتى الشفاء قد نُسجت بجمال أخّاذ".

[الذين لم ننجبهم
أكاد أحياناً أرمق، حول رأسينا،
متجمعين كالناموس حول مصباح الشارع في الصيف،
الأولاد الذين كان بإمكاننا إنجابهم،
بلى، نلمح بصيص نورهم.

أحس بهم أحياناً منتظرين، ناعسين
داخل غرفة توصل إلى أخرى أشبه بخدام
نصف مصغين إلى قرع الجرس.

أراهم أحيانأً مستلقين كما رسائل الحب
في مكتب الرسائل الميتة.

وأحياناً، كما الليلة، أشاهد بنظرة
ثانية متفحصة وسط الظلام واحداً منهم
واقفاً في الظلام فوق حافة جرف صخري
عند البحر، ماداً يده برجاء لي.

[ضحكة والد إبني
في نومي، قال لي إبننا وهو بعد طفل،
شاهدت والدي، ابتسم لي وكأنه يبتسم
إلى الوجود، إلى العائلة المشادة حول
حيوات الصغار المتأتية من الباقات
العامرة ورداً، من الواحات المكتظة. تلك الابتسامة،
تلك السنون، ياه، ما الذي يستطيع المرء قوله
لقد كنت في حضرة الحاضر المطلق لعبير
الجهل. ولأن تعيشي في تلك الغرف
حيث قد تظهر أحلى ابتساماته، أشبه
بشيء صادر تقريباً من مكان آخر،
زمان آخر، من مجموعة أخرى
من المخلوقات، كان معناه شعورك بأنكِ مباركة
وأنك في كنف الغموض من جهة
وفي أسر النواح من جهة أخرى. نحافة شفتيه
منحتهما قدراً من البساطة، كما في رسمة
طفل لابتسامة، جسر مشاة، قلب على قفاه،
أو تقوّض منظره واقعاً داخل الماء وقوس
رامي السهام أمده. بتساوق مقوّس
لا هنّة فيه، إصابة في الصميم. أنظر من جديد
إلى ذلك الوجه غير الضبابي
لكن المصنوع من الضباب،
وإلى ذاك الهلال المتضائل، إلى نظرة
الاقتناع العميقة الأقرب إلى الحزن، وأدرك
أني محظوظة، وأنني حظيت خارجاً
بالليل الكامل لحوالي نصف العمر فوق تلك
الأرجوحة الشبكية القديمة،
تحت سماء ظلمتها في حالة انقشاع
وأنني خرجت من ذاك الحلم الأول الذي أصحو منه الآن.

[بعد أسبوع واحد
بعد أسبوع، قلت لإحدى الصديقات:
لا أعتقد أن بمقدوري الكتابة عن الأمر.
ربما في غضون سنة يمكنني كتابة شيء.
ثمة شيء ما في داخلي لكتابته
ربما ذات يوم، هو الآن مطوي، ومطوي،
ومطوي، كما مذكرة مدرسية. وداخل حلمي
شخص ما كان يؤدي لعبة رمي القضبان الحديد في الهواء
وفي الهواء كان ثمة قضيب
ضخم، ينزل مائلاً
فوق النار. وحين استيقظتُ، وجدت نفسي
أعدّ الأيام التي شاهدتُ فيها زوجي للمرة
الأخيرة مجرد سنتين وبعض الأسابيع،
والساعات. كنا قد وقّعنا الأوراق ونزلنا
إلى الطابق الأرضي لمبنى كرايزلار،
جمال الردهة الكبرى الذي لا يبلى
أشبه بضريح ملك، فيما على السقف
الطائرة الصغيرة المرسومة، على الجدارية، محلقة.
وتسلل إلى فؤادي المصاب بالضيق، هذا الصباح،
شيئاً فشيئاً، بخجل، وربما حذر،
لكن دون دوزنة، إحساس، أكبر لحلاوة
وغنى حياته المستمرة،
المجهولة من قبلي، غير المرئية لي،
غير المسموعة، غير الملموسة لكن المعروفة،
المرئية، المسموعة والملموسة. وخطر في بالي
للحظات، ولحظة إثر لحظة،
أنا أشعر بالسعادة له لأنه مع المرأة
التي يشعر أنها خُلقت لتكون له. وكان أن فكرتُ
بوالدتي، بعد دقائق من موتها، بعد 85 سنة
من ولادتها، فكرت في عظام كتفها
التي تكاد تشدو تحت يدي، بالجمجمة
الأشبة بقشرة البيضة فيما هي مستلقية بشيء
من السلام وسط الملاءات النظيفة، وكيف بمقدوري
إخبارها بحبّي المسكين، بولعي، وأن بمقدوري
أن أشدو لها بوهجه، وأرى الحظ
وأشعر بحلاوة تلك الساعة.

[سنة واحدة
حين بلغت ضريحه، جلست عليه،
كما الجلوس على حافة سرير أحدهم
وقمت بفرك بلاطة الغرانيت المبقّعة.
تناولتُ بعض الدموع من على فكي ورقبتي
ورحت أغسل زاوية من بلاطته.
ما لبثتْ نملة كهرمانية اللون أن هرعت
فوق البلاطة، ثم انسحبت،
وقامت نملة ثانية بسحب نملة ميتة
فوق البلاطة، تاركة إياها، ودون أن ترجع.
تجري النملات إلى داخل أثلام حروف اسمه
وداخل التواريخ المسجلة، وصولاً حتى المسار
البيضاوي، و"أو" المتوسطة اسم العائلة
حتى تبلغ علامة الوصل "-" الواقعة بين
تاريخي ميلاده ووفاته عابرة مسافة قصيرة من حياته.
ظهرت نملات صغيرة فوق حذائي،
أشبه بحبات اللقاح، سمحت لها أن تحبو فوقي،
أبعدت نثرة حجر،
وبدأت تظهر داخل الأحرف
المنقوشة البقع الأولى للأشنة
كما النجوم في بواكير المساء.
على الأرض وقع بصري على زهرة الحواشي بقرونها،
شاهدت السرخس، أزاهير الزان،
كل بتلة فيها أشبه بذاك القرص المتمايل،
في اليوم الأخير، فوق لسانه.
شجرة الطمراق، الشوكران،
التفاحية، البتولا
بلحائها المخدوش،
قمتُ بحضن جذع بذراعيّ، وضغطتُ،
من ثم استلقيتُ فوق قبر والدي.
سطعت الشمس منهمرة الأشعة عليّ، والنمل
القوي حبا فوقي. حين استيقظتُ،
بدت وجنتي هشة، مائلة إلى الإصفرار
وفوقها ما يشبه لصقة خردل ترابية. عند
الدقيقة الأخيرة فقط فكرت بجثمانه
تحتي، بعلبة العظام،
ناعمة كوسادة من ريش الأوز تنفجر في الفراش
من تحرك العاشقين.
حين لثمت بلاطته لم يكن ذلك كافياً،
حين لعقتها غدا لساني جافاً للحظة،
بلعت رماده، تذوّقت مضيفي القابع تحت التراب
خضوع بلا عنوان.

المستقبل- المستقبل - الأحد 19 أيار 2013