السيرة الذاتية
عبداللطيف اللعبي
- ولد بمدينة فاس سنة 1942.
- حصل على الإجازة في الأدب الفرنسي سنة 1964 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
- عمل مدرسا في التعليم الثانوي بمدينة الرباط.
- اشرف على إدارة مجلة "أنفاس" التي أسسها سنة 1966 وكذلك منشورات اطلانط.
- سنة 1968 أسس برفقة أبراهام السرفاتي "جمعية البحث الثقافي ".
- اعتقل في مارس 1972 لمدة تزيد عن ثماني سنوات ولم يطلق سراحه إلا في يوليو 1980.
- عاد الى المغرب في محاولة لتجديد اقامته ولكن خيبته كانت كبيرة فرحل ثانية الى فرنسا.
- يجمع بين أجناس كتابية مختلفة ( شعر، رواية، مسرح، فكر سياسي و كذلك الكتابة للأطفال )
- له حضوره المتميز في المشهد الثقافي المغربي والعربي، الى جانب حضوره على المستوى الدولي.
- يكتب باللغة الفرنسية. وترجم إليها الكثير من الشعر العربي.
- حائز على العديد من الجوائز الأدبية. كما رأس بعضا من لجان التحكيم الأدبية
- قلده وزير الثقافة الفرنسي الأسبق جاك لانغ وسام الفنون والآداب سنة 1985
- انتخب عضوا في أكاديمية مالارميه سنة 1998.
- سلالة، 1974.
- أزهرت شجرة الحديد، 1974.
- عهد البربرية، 1980.
- قصة مصلوبي الأمل السبعة، 1980.
- خطاب فوق الهضبة العربية، 1985
- جميع التمزقات، 1990.
- الشمس تحتضر، 1992.
- احتضان العالم، 1993.
- شجون الدار البيضاء، 1996.
- مقاطع من تكوين منسي، 1998.
- وله مساهمات في الترجمة. ترجم إلى الفرنسية عدداً من الأعمال الشعرية المغربية والعربية إلى جانب إعداده لأنطولوجيات شعرية، منها (أنطولوجيا المقاومة الفلسطينية)
- كتب للأطفال كما كتب مقالات سياسية.
- نشر عدة مسرحيات وروايات.
دوغمائية ٌ إنها خيمة البدويِّ في الأزمنة الحديثةِ * * * رجلٌ من الجنوب تزعجه شمس الشمالِ * * * الليلُ يكشفُ المدينةَ يكشفُ عن ساقيها ثمّ عن فخْذيها وشيئاً فشيئاً عمّا تبَقّى * * * شبعنا من مقارنة المدن بالنساءِ * * * النظرة تميتُ وتحيي * * * الأرض رأتْ كثيراً من البلدان إنها تسافر فينا بلا جواز سفرٍ * * * كيف أقول للّغة الأخرى العصية المشتهاةِ تملّكينى كما لوكنتُ أعرفُكِ منذُ البدء ؟ حين تمطر في الصيف يتملّك الشجر شجنٌ كبير * * * أيُّ نصيحة يمكن أنْ يقدّمها الليلُ هو العاري من كلّ حكمةٍ ؟ * * * ضاع القطارُ كان يُقلّ شاعرا | تنام الكتبُ متكئةً بعضُها على بعضٍ تحلم بزمنِ الغاباتِ * * * تُكتبُ من اليمين إلى اليسارِ من اليسار إلى اليمين إنها تُسمّى اللغة المهاجرة * * * أجل قد نتعبُ أحياناً حتى من أهوائِنا * * * ترقّبُ ساعي البريد على عجلٍ يفضّ الرسائل لم يعد يخشى الخيبة * * * الناس جميعاً تهوى المفاجيءَ لكن المشكلة َ أنها تعملُ على تنظيمِه * * * الصمتُ ينحتُ الكلماتِ إنه ذو نزعةٍ انتحاريةٍ * * * حين تتكلم الأشياء لا نصدقـُها عندها تعلنُ المنفضةُ العصيان ينتحبُ القلمُ..@ |
ترجمة يعقوب المحرقي
(البحرين)
هذا الصوت على الهاتف لا يذكرني بشيء. نداء قادم من البعيد. محادثي يصر علي لأحزر، فاستسلم بلا جدوى للعبة. وعندما يسلمه تعب الإلحاح الى التعريف بنفسه، لا أستطيع وضع وجه على اسمه.
هذا الصوت لا يذكرني بشيء، يسافر منذ ثلاثين عاما، اقترن بامرأة، فقدها. تزوج ثانية، كبر أبناءه، يشقون طريقهم. محادثي يتكلم بطمأنينة الفائزين، ذوي السلطة . ولكن، وفي بعض النبرات، في كلمات غير مألوفة من فم الفائزين، اعتقد أنني لمحت ضعفا مخفيا بطريقة سيئة. هكذا صار شريكا، في حين كنت مترددا بين الدماثة وحرارة الصداقة. التمرين حساس
أستطيع وبيسر، وببرودتي الانحراف صوب خيانة الذكرى الجميلة. كما أستطيع وبسهولة وبحماستي معارضة احد مبادئي: لا تحالف مع أولئك الذين غطوا وجهم خلال حياة كاملة أمام آلام الآخرين، بما فيهم أهلي.
هذا الصوت لا يذكرني بشيء. يأتي من الماضي، بريء ومذنب، منذ ثلاثين عاما يسافر في الصمت، بريء ومذنب. ربما يبرز ذات يوم وجه محدثي. سنتحدث بصوت حي وسأكتشف كالعادة بأنه لم يقرأ حتى كتبي.
أهاجر عبثا
في كل مدينة أرى ذات المقهى
استسلم للوجه العابس للنادل
لضحكات جيراني على الطاولة
بلولب موسيقى المساء
امرأة تمر للمرة الأخيرة
عبثا أهاجر
وأتأكد من ابتعادي
في كل سماء أجد بدرا
والصمت العنيد للنجوم
أتكلم في نومي
مزيجا من اللغات
وصراخا للحيوانات
الغرفة حيث ولدت
أهاجر عبثا
يهرب مني سر العصافير
كسر هذه الجاذبية
التي في كل محطة
ترعب حقيبتي
في ساعتين بالقطار
استعرض فيلم حياتي
بمعدل دقيقتين في السنة
نصف ساعة للطفولة
وأخرى للسجن،
الحب، الكتب، والتسكع
تتقاسم الباقي
يد صاحبتي
تذوب شيئا فشيئا في يدي
ورأسها على كتفي
بخفة حمامة
عند وصولنا
سأبلغ الخمسين
وسيبقى لي من الحياة
ساعة تقريبا
مائدتي صفت وضيوفي تأخروا
هل نسوا دعوتي، أضاعوا عنواني على الطريق ؟ أي سوء الم بهم ؟
منتظر منذ ساعات " أذني معلقة بالباب " لا اعلم كم سيكونون، سيرتدون لباسا شتويا أم صيفيا
بأي لغة سيحيوني عند دخولهم ؟
مائدتي صفت. سأنتظر الوقت اللازم والغير لازم. وإن كنت ضحية وهم، سأعاند. سأبتكر صداقات نادرة، وجوها شفافة، سهلة القراءة ككتب الأطفال، اصواتا بلكنة لذيذة وبأفواه صغيرة تتقاسم حتى حبة الكوسكوس.
مائدتي صفت، بسطت عليها كل الطيبات، بالحب. تعينني الموسيقى على تحمل الانتظار.
تطري يخنتي، تلمع زيتوناتي، وتحرر عطر بهاراتي.
أخيرا اسمع ضجيج خطوات، انهض لفتح الباب، ولكنه يتطاير شظايا.
أهؤلاء ضيوفي ؟ رجال بلا وجوه، سلاحهم في أيديهم، يقتحمون، لا يعيروني انتباها.
يطلقون النار على المائدة، حتى تصبح فتاتا، ينسحبون صامتين. تتوقف الموسيقى.
حسنا.. لم يبق لي سوى التنظيف وإعداد مائدة جديدة.
من المجموعة الشعرية " احتضان العالم " باريس ـ صادر عن لاديفرانس 1993
ترجمة يعقوب المحرقي
ماذا أتيت تفعل هنا ايها القارىء ؟
فتحت دون حذر
هذا الكتاب
مقلبا بانفعال رمل الصفحات
بحثا عن ـ لا اعرف ـ أي كنز مدفون
هل أنت هنا لتبكي
أم لتضحك
أليس لديك من آخر
تكلمه
أحياتك فارغة الى هذا الحد ؟
إذا أغلق سريعا هذا الكتاب
اطرحه بعيدا عن منبه الصباح
وعلبة الدواء
دعه ينضج
تحت شمس الرغبة
على غصن الصمت الجميل
* * * *
في ضجيج مدينة بلا روح
أتعلم الحرفة القاسية للعودة
في جيبي الممزق
ليس سوى يدك
لدفيء يدي
طالما امتزج الصيف بالشتاء
قل لي: أين ذهبت
بلاد شبابنا ؟
******
* الدار البيضاء- أحمد نجيم:
عبد اللطيف اللعبي الشاعر والكاتب والمناضل المغربي الذي اختار الهجرة والعيش في الغربة بعد ان ذاق السجن والتعذيب والتضييق بالمغرب، بعد أن أراد أن يكون "مواطنا" بدل "رعية".
شاعر تتميز لغته الشعرية بالقوة، بالتمرد على القوالب اللغوية الجاهزة كتمرده على قيم المجتمع التقليدية. شاعر ثائر ضد التقليد والمحاكاة والرداءة كما يقول الناقد المغربي طنكول.
مسرحيته-ملحمته "الشمس تحتضر" التي شخصتها ثريا جبران رفقة اللعبي نفسه وفنان مجموعة جيل جيلالة قبابو تقدم صورة لرؤية اللعبي المثقف لمجتمعه ومحيطه. حيث الكتابة-الفن رديف للحرية ومدح للهزيمة:
هذا الصباح الأكثر هدوءا-تغامر بنفسها البراعم-لا الكلمات-جريحة لا تزال-ملوثة-ذبابة بمفردها-تصنع الربيع-تعب الموت.
شاعر راهن على الموت بكونه مصدرا للحياة، وعلى الحياة باعتبارها أساس ما تقوم عليه جدلية الحياة والموت.
يتحدث الشاعر في حواره هذا عن مسرحة ديوانه الشعري "الشمس تحتضر" وعن تمثيله في المسرحية، كما يتحدث عن مفهومه للكتابة:
* لماذا اختيار مسرحية تعتمد على ديوان "الشمس تحتضر" بكل حمولتها وقسوتها وعنفها ونعرف أن الشاعر المحتفى به هو من يختار النص الذي يرغب في تقديمه؟
لأسباب بديهية، نحن فعلا في وضع عالمي مشابه للوضع الذي كتبت فيه المسرحية. وهذه الأخيرة كتبت منذ عشر سنوات، لها صدى في واقعنا المعاش حاليا. من جهة أخرى، فضلت عوض تقديم قراءات شعرية، أن يكون هذا العمل، وأظنه يمثل منهجي الأدبي، ربطا ما بين أجناس أدبية مختلفة وفنانين آخرين، من رجال المسرح أو الموسيقيين...إن هاجسي باستمرار، هو مد الجسور ما بين فناني مختلفي الاهتمامات وما بين أجناس أدبية مختلفة. اخترت المسرحية، إذن، لأسباب استيتيقية ولأسباب ترتبط براهنية الوضع الحالي، فالمسرحية كتبت إبان حرب لخليج، وللأسف، بعد عشر سنوات نجد أنفسنا نعيش نفس الكابوس.
* في المسرحية اكتشفنا عبد اللطيف اللعبي الممثل؟
لست ممثلا، طلب مني الصديق عبد الواحد عوزري-مخرج المسرحية- أن أكون حاضرا فوق الخشبة وأن أقرأ النص، وتدريجيا انخرطت في هذا الجو. وخلال إنجاز العمل المسرحي، اكتشفت شخصيا بعمق إنساني جميل جدا، كانت شروط العمل ممتازة، فانصهرت في الدور.
* بم أحسست فوق الخشبة وأنت الذي كتبت الكثير من المسرحيات؟
أنا مثلا لا أشعر بالخوف الشهير الذي يحسه الممثل، لسبب بسيط هو أنني لا أعتبر نفسي ممثلا فوق الخشبة، أبقى دائما الكاتب. لا أقوم بحركات استثنائية أو استعراضية، أكتفي بالدفاع عن النص باللغة الفرنسية، بينما ثريا جبران، التي تمتهن التمثيل، فإنها استطاعت أن تعطي أبعاد أخرى للنص باللغة العربية.
* تقدم في شهادات أصدقائك عدة تعاريف للكتابة عند اللعبي، فربطوها بالدراما، بالشك، بالالتزام. بالنسبة للعبد اللطيف اللعبي كيف تعرف الكتابة؟
بالنسبة لي الكتابة أشياء متعددة، ولكن يمكن أن أعتبرها كغريزة البقاء، كغريزة الحياة في. وغريزة الأمل كذلك.
أحد الإخوان تحدث عن ذلك، إن السؤال الذي أطرحه على نفسي وأطرحه على الجميع هو ما جدوى الحياة إذا لم نعطيها بعدا إذا لم ننخرط في معركة الحياة، ٌعطائها معنى.
* تحدثتم عن الأمل في أن يصبح اللعبي مواطنا؟
لربما كنت متشائلا-وليست متفائلا أو متشائما-والإنسان المالك للوعي بالوضع البشري ووضعنا بالمغرب، لا يستطع أن يكون متفائلا هكذا. لكنني أمارس تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، هذا لربما يلخص فلسفتي في الحياة وفي النضال.
**
احتضان العالم
قصيدة "الانهيارات
إلى أندري شديد
إلى محمد ديب
أنظر
* * *
عبد اللطيف اللعبي شاعر وناقد مغربي بارز، ولد في عام ،1942 حسبما قررت تاريخ ميلاده سلطات الحماية الفرنسية لما عممت الحالة المدنية في المغرب . حاز مؤخراً جائزة غونكور للشعر .
إذاً، كان العام ،1942 وكانت فاس البداية: “الشوارع والمقابر”، المدينة المتاهة حيث يبدأ الأطفال في تحدي الحياة، المقابر للعب كرة القدم حفاة لئلا يمزقوا أحذيتهم فيما الشوارع مجال العمل الحرفي المتواضع الصبور، لوالده إدريس، صانع السروج .
“الفنان البسيط
في الدكان المظلم
في البلد المعتم
بيكاسو الصمت” .
و”غيته” أمه ذات العينين الخضراوين، الثائرة دوما ضد وضعيتها، ذات النزعة النسوية قبل ساعة ظهورها ومن دون أن تعرفها جعلها بطلة روايته “قاع الجرة”.
في المدرسة الفرنكوعربية، اكتشف بلا نظام القراءة باللغة الفرنسية: هو ذا وضع المسَتعْمَر “بفتح الميم” الصغير، ولدى خروجه من المدرسة، في الساحات الصغيرة حيث يفتح الحكائون أرضية المخيلة، يتأمل الوجوه الحضرية والإنسانية، ويطرق حساسيتها .
عند الاستقلال في عام ،1956 لم يتعد عمره الرابعة عشرة .
آنذاك كتب، ما الذي أوحى إليه “بمرض الكتابة”؟ “صدمتي تمثلت في اكتشافي أعمال دوستويفسكي، اكتشفت معه أن الحياة نداء داخلي ونظرة شفقة نحو عالم الإنسان” . وفي الجامعة، في الرباط، حلم بدراسة السينما عوضا عن الفلسفة . ولكنه اتجه إلى الآداب الفرنسية، وفي عام ،1963 انضم إلى تأسيس المسرح الجامعي المغربي، هنا، بين بريشت وآرابال، قابل جوسلين، طالبة مكناس، التي تهوى المسرح أيضاً، بعد عام من تعارفهما، تزوجا . وبعدها حملته الزوبعة السياسية في إعصار حلزوني مكتسح: مذبحة الأطفال الذين تظاهروا سلمياً في الدار البيضاء، في مارس 1965 .
“لأجل ألف طفل وطفل
انمحوا
بخط حقد
في الفجر الصامت
لشعوب الكلام المجنونة . .” .
آنذاك كان يدرس الفرنسية في ليسيه الرباط، كان الاتصال بالطلبة مشجعاً غير أنه غير كاف لطموحاته، ولذا بدأ في عام 1966 “مغامرته النبيلة”، وهي إصدار مجلة “أنفاس” Souffles .
إذا كانت المجلة أعلنت عن نفسها كمجلة شعرية في عددها الأول، فإنه لم يكن من قبيل المصادفة، “الشعر هو المعمل الحقيقي للآداب” .
منذ العدد الثاني، اتسعت الآفاق: سؤال الثقافة، أيا كان شكل التعبير، ثم تدريجيا سؤال المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي كوّنت حصة المجتمع المغربي تحت الظلم والفساد اللذين استشريا فيه، وهكذا طرحت “أنفاس”، في أعدادها الاثنين والعشرين فيما الثمانية الأخيرة منها مزدوجة اللغة “عربية فرنسية” كافة المسائل التي حرّكت الحقل الثقافي في العقود التالية على إصدارها أيضا: “هذه التجربة المؤسسة سمحت بإحداث انقلاب في الحقل الأدبي المغربي” . وبالتوازي، شارك في العمل السياسي: “الخطوة التي قمت بها تنبع من تمردي ومتطلبات كوني كاتبا كلمات تمردي لا يمكن أن تكون مجانية، من اللازم أن آخذها، آخذها بمعنى الكلمة”، كما قال . انضم إلى صفوف حزب الحرية والاشتراكية، ثم غادره في عام ،1970 ليكون أحد مؤسسي حركة يسارية متطرفة “إلى الأمام” .
حل عام ،1972 بداية الأعوام السوداء التي مدت غطاء الصمت والخوف على البلاد .
توقيف . تعذيب . اعتقال . مثلما جرى مع العشرات من الشباب المثالي والمتمرد .
في عام ،1973 حكم عليه بالسجن لعشر سنوات . . باروديا العدالة: الدليل على كونه يعمل ضد النظام: أعداد مجلة “أنفاس” . وهكذا أودع “قلعة المنفى “في القنيطرة، حيث حمل الرقم 18611: “وضعوا رقما على ظهر غيابي” . سجنوه . ولكن هل كف عن الكتابة؟ لم يكف عن الكتابة، عن الاحتراق من طرح الأسئلة، عن إعادة طرح الأسئلة عن نفسه وحوله، عن الحب، عن الحياة . لم يكف عن أن يكون حرا .
“لن أتجه إلى أن أشكر سجّاني، غير أنني أصرخ بأنه لولاه كانت الحرية التي ربحتها ظلت بالنسبة لي، مفهوماً مجرداً . هكذا، في هذا الشأن ورغم كافة المظاهر، التي حازت الكلمة الأخيرة، كلمته أو كلمتي” .
بعد ثمانية أعوام ونصف العام، انفتحت أبواب المعتقل عليه وعلى عدد من رفاقه بفعل حملة عالمية . لم يفقد شيئا من ضروراته، من مقدرته النضالية، من حماسته للإنسانية . “علمني المعتقل كثيرا عن نفسي وجسدي وذاكرتي وأهوائي ومتاهة جذوري الغريبة وقوتي وضعفي ومقدرتي وحدودي، وبالتالي المعتقل مدرسة قاسية للشفافية” . مكث خمس سنوات في المغرب ما لبث بعدها أن غادره متجها نحو فرنسا . غادر؟ منفي؟ إلى أي ضرب من المنفيين كان؟
“المسافة التي أخذت عن البلاد قربتني إليه أكثر من ذي قبل . مكنتني من الاندماج في مشية العالمي، البعد هو الثمن الجديد اللازم دفعه، والكتابة ربحت حريتها الحقيقية، وحقيقتها بشكل من الأشكال . لا تمتثل إلى أي ضرورات، لا تشير إلى أي تخريب . أنها تخريب” .
منذ ذاك، أصبح ممرر الكلمات، عاملا على ترجمة العديد من الأعمال العربية الفرنسية، للعديد من الشعراء على وجه الخصوص، ومن كتاب إلى آخر، نما نتاج لمس كافة الأجناس الأدبية (رواية، مسرح، دراسات، كتب للأطفال) تحت جوهر إنساني عميق .
“لم أكف أبدا عن المشي
نحو جذور الإنسان” .
وكان مجاله الخاص المميز، الشعر: “الشعر هو كل ما يبقى للإنسان كي يؤكد على كرامته” . ومن كتاب إلى آخر، أخذ يحفر آثاره، بقلم متجدد دوما ونظرة المندهش إزاء الحياة، الحدود المفروضة وصعوبات القول: “أنا بالكاد ولدت في الحياة” .
من شعر اللعبي
”صنوي العزيز”
صنوي
معرفة قديمة
أتردد عليه باعتدال
إنه بلا جينات
يلهو بخجلي
ويعرف أن يستفيد
من شرودي
إنه الظل
الذي يتبعني أو يسبقني
مقلدا مشيتي
يقتحم حتى أحلامي
ويتكلم بسرعة
لغة شياطيني
رغما عن حميميتنا العظيمة
يبقى غريبا
لا أحبه ولا أكرهه
إذ، مهما حدث،
إنه صنوي
إثبات، عيبا،
وجودي .
* * *
معه
أفقد روح الفكاهة
من
يمتع رفاقي
يسوط الحماقة
ومن ضمنها حماقتي
وكافة أيام الشيطان غير معطاة
إلا لقبضة مختارة
ومع ذلك
هنا يقبع كبريائي
أفكر في أن ترشيحي
غير مغتصب
اكتشفت هذا الميل
في سن متأخرة
وحزنت لما رأيته مصغرا
في حصة ملائمة
بسبب ظل
استيهامي إذا وجد
إذاً ما العمل؟
كما قال الرفيق لينين .
* * *
تقوية فرادتي؟
هذا لا يشبهني .
تستوضح؟
تقنص أشباهي
وتغلق بئرا عليها؟
لا أملك هذه العجرفة
تكتب قصائد قصيرة
عن الورود والفراشات
أو عن بيضاوات وسمينات أخريات
لكي تحتفي بسرة اللغة؟
قليل بالنسبة لي
حينما تطعن قرون الثور
يدي
وأنفاس الحيوان
تلفح وجهي
أصيح في صنوي
محركا المرهفة أمامه:
أيها الثور
تعال
“إلى ابني ياسين”
ابني الحبيب
تلقيت رسالتك
تكلمني كرجل
تؤكد على مجهوداتك الدراسية
وأشعر بهواك في فهم
صيد العتمة، الدمامة
اختراق أسرار كتاب الحياة الكبير
أنت واثق من نفسك
ومن دون قصد
تحصي مواردك
تطمئنني على قواك
كأنك تقول: “لا تهتم بشؤوني
انظر الي أمشي
انظر أين تتجه خطواتي
الأفق، الأفق الرحب هناك
لا أسرار عني” .
وأتخيلك
جبينك الجميل عال
ومستقيم
أتخيل فخرك .
* * *
ابني الحبيب
تلقيت رسالتك
تقول لي:
“أفكر فيك
وأهبك حياتي”
من دون الارتياب
فيما تفعله لما تقول لي هذا
قلبي المجنون
رأسي تدور
وبهذه الكلمة
لا أعتقد بالكاد
أن العيد الكبير سيأتي
حيثما سيصبح الأطفال مثلك
رجالا
يمشون بخطوات عملاقة
بعيدا عن بؤس مدن الصفيح
بعيدا عن الجوع، عن الجهل وعن الحزن .
* * *
ابني الحبيب
تلقيت رسالتك
كتبت بنفسك العنوان
كتبته بثقة
قلت لنفسك، إذا وضعته
سيتلقى أبي رسالتي
وربما أتحصل على جواب
بدأت تتخيل السجن
منزل كبير يحبس فيه الناس
كم من وقت . . ولماذا؟
ولكن هكذا لا يستطيعون رؤية البحر
الغابة
لا يستطيعون العمل
لكي يستطيع أطفالهم أن يأكلوا
تتخيل شيئا سيئا
ليس بجميل
تتخيل شيئا بلا معنى
يجعلنا تعساء
أو في قمة الغضب
من سجنوا
بالتأكيد مجانين
وأشياء أخرى كثيرة
نعم ابني الحبيب
هكذا نبدأ في التفكير
في فهم الناس
في حب الحياة
في كراهية الطغاة
ولذا
أحبك
أحب أن أفكر فيك
من قاع سجني .
“موجز الأبدية”
على الطوف، أشعلت شمعة عسلية
وقمت بصلواتي
تركت للموج الملهم
الاهتمام بإقامة مقبرته
أغطي بصاري
السمكة الأولى
التي اقتربت تحتك بمجذافي
هكذا أتجه عبر الليل والبحر
من دون قوت ومن دون نوارس
فقط طرف شمعة
وقليل من الصلاة
أتجه هكذا
بوجهي المنور
وأقول في نفسي
تمتع
ستحيا إذا لم تعش
موجز الأبدية .
الخليج- 19 -12-2009