ترجمة: عبدالهادي سعدون
(العراق/مدريد)
الشاعر الإسباني المعروف بيدما (برشلونة 1929 - 1990)، من عائلة برجوازية، ما أن ورث عنها الأموال حتى تفرغ للأدب والتأمل والسفر. درس القانون، وانتقل إلى أكسفورد عام 1953، ليتأثر من وقتها بالشعر الأنجلوساكسوني إضافة إلى تأثير أبناء لغته من الشعراء مثل ثيرنودا، فاييخو وماتشادو.
غلب على شعره التجريب والإهتمام بالمظاهر الإجتماعية والهموم الفردية المتأزمة، وبذلك يكون ممثل واعيا لإشكالية الفرد الإسباني لما بعد الحرب الأهلية، وهي التي طبعت أبناء جيله (منتصف الخمسينات)، حتى أطلق على شعرهم مجازاً بالشعر الاجتماعي. اهتم بالمظاهر الشعبية وادراج التعابير العامية المستخدمة، كما أنه كان من أكثر الشعراء تمثيلاً لمظاهر الحب والعلاقات الإنسانية ومنها بالطبع العلاقات المثلية (إذ كان مثلياً) ولكنه لم يتخذ منها وسيلة اباحية أو شكلية لتمرير تمرينه الشعري، فحتى في هذا كان واعياً ومجرباً ضمن الوسائل الشعرية.
يعتبر بيّدما أهم ممثلي مدرسة برشلونة الشعرية ومن أكثرهم تأثيراً على أجيال الشعراء الإسبان اللاحقين. نشر أربعة أعمال شعرية هي: تبعاً لحكم الوقت1953، رفاق الرحلة 1959، أخلاقيات أو فضائل 1966، قصائد أخيرة 1968. توقف الشاعر بعدها عن النشر، وكان أن اختار من بين كتبه مجموعة من القصائد وصدرها تحت عنوان موحد هو: أشخاص الفعل 1957، واعتبره كتابه الوحيد ولم يعترف بما تبقى من أشعاره. وهي المجموعة نفسها التي ننتقي من بين قصائدها لترجمته إلى العربية.
لقد كان الشاعر بيّدما مقتنعاً تماماً بأن الجهد الشعري يجب أن لا يكرر نفسه بعدة تجارب، لأن مصيره رسم المنظر ذاته بأكثر من لون. ومن هنا جاءت فكرة توقفه عن الكتابة، لأنه حسب كلماته قد أكمل رؤيته عن الحياة والفكرة الإنسانية بهذه النماذج وليس هناك من طائل وراء التأكيد عليها بكتب وقصائد أخرى.
نشر بيدما في بداية حياته كتاب مذكرات : يوميات فنان متأزم، لم ينشره حتى عام 1974.له كذلك كتاب نقدي هو: بالحرف الواحد 1980. نقل أهم أعمال أليوت و إيشوورد إلى الإسبانية. كما شارك في كتابة سيناريو الفيلم الإسباني: العزف على البيانو يقتل، بالإشتراك مع المخرج خايمه كامينو في عام 1972.
لقد كان الشاعر بيّدما ظاهرة ثقافية، لا تزال كتب النقد، تصنفها بالأهم في العقدين الأخيرين من الشعرية الإسبانية، وترى في إنزوائه وآرائه الجديدة، قد أدخل روحاً مغايرة ونموذجا غير مألوف في الأدب الإسباني المعاصر. قصائد بيّدما تمثل النموذج الصارم في رؤية الحياة أو التفاعل مع أشيائها الدقيقة، رؤية قد نختلف ونتوافق معها ولكنها نظرة ممثلة لقطاع كبير وغلب على نموذج أدب ما بعد الحرب الأهلية. أدب يبحث عن الذات بين خرائب الروح. الروح الساكنة في مواجهة كل شيء قد تم تسطيره وبناؤه منذ وقت، ولا مجال للتدخل الآن. تسجيل الوقائع بمنظار آخر، غير رغبة التدوين أو الخلود كما في حالة بيدما، إنها لحظة إستحضار لمشاركة بناء منجز مسبقاً، وبوسائل أكثر قدرة من الجهد البشري .
ما نريد أن نذكره ختاماً بأننا حاولنا قدر الإمكان التقيد بالتشكيل العروضي للقصيدة من تقطيع و تفريغ أو غموض تنسيقي أو ما يدخل في بناء المعنى والتجربة.
القصائد
الضوء
يفاجىءُ في الضوء، نمو
الضوء. أو أن تسمع الحوريات
يُنشدن أكاليل غار متعاقبة،
أن يُرى ربما الجماع الفظ
لدلفينين... إلا أن قطعٌ
قد صدعَ الهواء، وصراخ بالكاد
لو يستطاع: الغيوم السمر،كالخبز ،
اختطفته بهبوطها .
عندما لم يكن، كان السيل.
برجُ استغاثة ينهار.
يتحطم الصوت أفضل في الحلق.
عندما تتعلم الأسنان حرفة الخشب
عندما يعود المضجع إلى اللحد
عندما يعيدنا الجسد إلى مجراه.
فن شعري
» إلى بيثنته آلكساندره «
حنينُ شمس على السطوح،
على جدار بلون حمامة الإسمنت
- دون شك أكثر حياة - والبرد
المفاجئ أرعبنا تقريباً.
الحلاوة،حرارة الشفاه لوحدنا
منتصف شارع العائلة
كما لو كنا في صالة واسعة،
حيث يتواجد حشود غرباء،
ويتعارفون كأحبة.
و فضلاً عن دوار الوقت،
فالثلمة الكبيرة تتفتح داخل الروح
بينما إلى الأعلى تفاجئنا الوعود
التي يغمى عليها،كما لو كانت رغوة.
هذه دون شك لحظة التفكير
بأن تعيش مجبراً على شيء،
مصادفة بطولية - أو يكفي أن تكون ببساطة
حاجة مشتركة،ومتواضعة
قشرتها من أديم الأرض
تحاول ما بين الأصابع،بقليل من الثقة؟
كلمات ،مثلاً
كلمات عائلة مستهلكة وفاترة.
غرام في مقهى
الآن أتساءلُ
إذا ما كنا طوال حياتنا هنا. الآن أمررُ
اليد أمام العينين - يا لنبض الدم في الجفنين -
و زغب بدنٍ فسيح ومخادع، صامتاً،
إزاء النظرة. الرموش تتثاقل.
لا أعرف جيداً عن ماذا أتحدث؟ من هم،
وجوه مبهمة كما لو تسبحُ في مياه شاحبة،
هؤلاء الجالسون هنا،معنا نحن الأحياء.
المساءُ يدفع بنا إلى بارات محددة
أو بين رجال متعبين، يرتدون بيجاماتهم.
تعال. لنمضي خارجاً.هذه الليلة.بقيت مساحة
فارغة، في الأعلى، أبعد أكثر من الضياء
الذي ينير بومضات،عينيك الواسعتين.
يبقى الصمت بيننا كذلك،
الصمت
وهذه القبلة الشبيهة بنفق طويل .
ذكرى
الحياة الجميلة مضت،ويبدو
أنها لن تمضي...
منذ هذه اللحظة
وأنا أعمق أحلامي في الذاكرة: فتختلج
أبدية الوقت هناك في العمق.
وعلى غفلة،ينمو دوار
يدمرني برشفة واحدة حتى الهاوية،
حيث يمضي،مسرعاً
وإلى الأبد يجمعُ ماضيه.
حتى الختام
تُرى للمرة الأولى، لا تزال
غامضة وفي الذاكرة تقريباً.
أيكون ذاك في باريس،حين ضعت
في مفترق ما،
وسرعان ما اعترفت بعد حين:
إذا ما كنت قد رأيته ألف مرة ..لن يكون
أكثر من، دورة يوم آخر،
أن تراك وصلت منتصف موتك.
السقف
الواحد منا يعيش بين ناس وجهاء.
بينهم مَنْ يتحدث
عن السقف، ومعضلاته
الشيء نفسه وكأنه إبن عمه
- و قريب جداً، أيضاً.
حسناً، وعلى ما يبدو فالسقف
بخطر حقيقي. لا أحد يعلم تماماً
لماذا يحصل له هذا،ولكنهم يتحدثون فيه.
أحدهم يحكي عنه منذ عشرين عاماً.
وهناك من يتحدث أيضاً، عن العدو:
كائنات مفرطة بخوفها،
تتجول في كل الأمكنة، ويُلمِحونَ
لغبار الحجرات،بالشيء ذاته.
وهناك من يقيم دعائم
كي لا يسقط: هم ناس حذرون.
(شيء غريب، ففي الإنجليزية كلمة scffold تعني
في الوقت عينه ، دعامة و عمود مشنقة)
أحدهم يخرج إلى الشارع
و يقبل فتاةً أو يشتري كتاباً،
يتجول، سعيداً. ولكنهم يصعقونه:
كيف تجرؤ ؟
و السقف ... !
السبت
سماء هذا اليوم،رائعة كنهر
و واشية مثله،
تمضي برفق فوق مياه
تعظم الوقت،
وبطيئة كما السماء وهي تنعكس.
هذه هي المدينة. وأنت و أنا
من شارع إلى آخر نمضي حتى السماء.
إلمسْ - لتنمو - حجارة
الحاجز ،الوديعة، الصبور.
الأحد
لا أكثر من هذا الجهد البسيط كي تعيش
أن تتنفس كما يتنفس
أولئك الذين هناك.يتركون
معلقين تحت أشجار الصنوبر الرقيقة،
ويبدون كمن يطمسون الهواء
صامتين كدخان المدينة،وفي العمق،
بين لحظة وأخرى تسير متضوعة
ناحية الطريق السفلي،
الباصات المسرعة.
الإثنين
ولكن بعد كل شيء، لا نعرف
إذا كانت الأشياء أفضل هكذا،
نادرة بشكل مناسب... ربما،
ربما لها الحق أيام العمل.
أنت وأنا في هذا المكان، هذا الحيز
المعتم، بين المكتب
و الليل الذي يزحف، لا نعلم.
أو ربما، ببساطة، نشعرُ بالضجر.
الخوف يفاجئ
الخوف يفاجئ بموجات
ساكنة. على غفلة،هنا،
يُلمِّح:
البناءات المعروفة،العواقب المدركة
المحتملة (التي لا تقصي
ما هو سيئ )
كل السيطرة البطيئة للفطنة،
قراراتها المتناوبة، كلها
تحجب بلحظة .
ما يبقى الجذر وحسب،
شيء كما هوائيٌ محزن
يسقط، خافقاً، ولا يعلم .
أغنية لهذا اليوم
إذ ذاك يبتدئ الزمن بإطلاق حماماته
وسط ساحات بتماثيلها.
سيأتين على إعلان ساعتنا. ومن لحظة
إلى أخرى، ستدق النواقيس.
انظروا إلى أعشاش الأشجار الحميمة
تتضوعُ مرئية في الضوء
كأنها قد افتتحت تواً. أحزمة خفيفة
تتعلق من غيمة إلى أخرى. وأكاليل غار
على صدر سماء تختلج،
كأنها هواء الصوت. كلمات
ستقال الآن. أنصتوا. يُسمعُ
وقع أقدام و رفيف أجنحة.
صباح الأمس، صباح اليوم
المطر فوق البحر.
من النافذة المفتوحة،
تتأمله، رتيباً
و الصدغ ملتصقاً بالكريستال.
مشهد ثوان معدودات،
صامتاً في العتمة
جسدك المختلف،
حتى الآن في ليله المكشوف.
بينما تعود لي،
مبتسماً. أفكر
كيف مر الوقت،
وما أزال أتذكرك هكذا.
عَودة
ذكرياتي محض خيال
في لحظتها، وعنك:
هذا التعبير، وصبغة
العينين، شيء ناعم
في نبرة صوتك،
و تثاؤباتك المختلسة
ككلب سلوقي نام بصورة سيئة
ذات ليلة في حجرتي.
العودة، سنين ماضية،
نحو السعادة
- لكي أراك، وأتذكر
بأنني كذلك تغيرت .
نهاية سعيدة
على الرغم من أن الليلة معي،
لم تنمها بعد،
فالصدفة وحسب تُذكرنا
إذا ما كانت حاسمة.
وعلى الرغم من أن المزاج
لا يعود ليكون هو ذاته،
ففي الحياة،
لم يعتد النسيان أن يعمر .
أستورياس،1962
مثلما بعد دوي انفجار
يتغير الصمت،هكذا هي الحرب
تتركنا بلا سمع لوقت طويل.
وكل حياة منفردة صارمة،
هي صراخ ضد جدار
لصمت خشن من ورق الجرائد.
أعوام رمادية مستهلكة
تتعلم بعناد أن لا تشعركم بصممكم
ولا بوحدتكم كذلك،أكثر مما يكون عليه الإنسان..
ولكن الصمت هذا اليوم مختلف،
طافح لا ينوي زيارة الطمأنينة.
بينما نتخيل منظر
القاطرات في مداخل الأنفاق
وكذلك الرافعات المعطلة،
كما لو تمر في لحظة عاجلة.
ضد خايمه خل بيدما
بماذا ينفع،أريد أن أعرف،تغيير البيت
أن تترك بعدك سرداباً أكثر سواداً
من شهرتي - وكذا ما يمكن أن تقوله -
أن تضع ستائر بيض،
وأن تقتني خادماً
أو ترفض الحياة البوهيمية
أن تأتي أنت بعد حين (ثقيل الظل
أيها الضيف المربك،مُدلل يرتدي ملابسي
يعسوب خلية،بلا نفع، وحثالة،
وبيديك المغسولتين
لتأكل من طبقي،و تلوث البيت؟
ترافقك موائدُ البارات
وآخر من يمضي الليل،من قوادين،بائعات زهور،
الشوارع الميتة في الفجر
و مصاعد الضوء الأصفر
عندما تصلُ،متطوحاً،تتوقف لترى هيئتك في المرآة
وجهٌ محطم
بعينين مازالتا قاسيتين
ولا تريد أن تغلقهما.وإذا ما انتهرتك
تقهقهُ،تذكرني بالماضي
و تقول إنني كبرت.
أستطيع أن أذكرك بأنك لم تعد ظريفاً
طريقتك الطارئة،و لا أباليتك
أضحيا قاسيين
عندما أعلمُ أن لهما أكثر من ثلاثين عاماً
وأن ابتسامتك الرائعة
ابتسامة صبيٍ تعسة
- لابد أن ذلك من الإعجاب -، ببقية عسيرة
تحاول أن تثير الشجون
بينما تنظر لي بعيني
يتيم حقيقي، وتَبكيني
تعدني أن لا تفعلها بعدْ.
لو لم تكن أكثر من فاجرة! (1)
لو لم أعلم،منذ زمن،
أنك أكثر قوة عندما أكون ضعيفاً
وأنك ضعيف عندما أكون قوياً..
أحتفظ من عودتك، بتعبير هلع غامض،
من الألم و الضجر،
وأن الضياع
الملل،والحقد
من العودة للمعاناة،مرة أخرى،
البؤس غير المُسامِح
للألفة المفرطة.
بأحكام قاسية أحملك إلى الفراش
كما لو أحدٌ يمضي إلى الجحيم
لينام معك.
الموت من الوهن بكل خطوة
متعثراً بالأثاث،أتلمسُ الطريق،
اجتزنا البيت،متعانقين بضراوة،
مُفرَغَين من الكحول،ومن النشيج الرادع.
آه أيها الخادم الوضيع بحبه للبشر
وأكثر وضاعة
أن لا يحب إلا نفسه.
لن أعود لأكون شاباً
يبدو أن الحياة تمضي بجدية
لا أحد يفهم ذاك حتى وقت متأخر
- وأنا كأي شاب،جئت
أحمل الحياة أمامي.
أن أترك أثراً،ذلك ما أردت
أن أرحل مودعاً بالتصفيق
- تشيخ، تموت، كانا وحسب
أبعاداً مسرحية.
لكن الوقت مضى
و الحقيقة الفظة تطل:
أن تشيخ، تموت
هما خلاصة النص، الوحيدة.
قرار
الحل في أن تكون سعيداً
رغماً عن كل شيء، ضد كل شيء
و رغماً عني،
ومن جديد
- رغماً عن كل شيء، كي تكون سعيداً -
أعود لاتخاذ هذا القرار.
ولكن ذلك أبعد من هدف التعديل،
فألمُ القلب يطول.
جرح مغلق بطريقة سيئة
وعي أوضح من ذلك الذي أضعت،
هذا الذي يسليه.
ينهضُ كل صباح ليستقبل الموت،
يطوفُ في فضاءات زمن يؤلم بصمم،
ويعتقل
الجرح المغلق بطريقة سيئة.
العالم الآخر يمضي في مكان ما،
ويعود ليلاً عند محطات الحلم الشاق...
مملكته الذهبية،
بينما يسأل عنها منتصف اليوم مرات عديدة
خشية أن ينسى شيئاً!
الساعات، رحلة إزعاج طويلة.
الحكاية إذن،لحظة مختارة،
كنزٌ على هيئة مشاهد،
يحتفظ به
لمعاينة الموت الضرورية.
ونهاية الحكاية هي
في الوقفة هذه.
بعد موت خايمه خل بيدما
أقرأ في الحديقة،
و ظلُ البيتِ يُعتمُ على الصفحات،
البردُ المفاجئ لنهاية آب
يجعلني أفكرُ بك.
الحديقة،والبيت القريب
حيث تغرد العصافير فوق المتسلقات
مساء آب،والليل يخيمُ
والكتاب ما يزال بين يديك،
كانت،حسب ما أتذكر، رمز موتك.
أدعو ليمنح جحيم أيامك الأخيرة
القليل من الحلاوة لهذه الرؤية.حتى لو لم أعتقد بذلك.
الطمأنينة أخيراً بجواري
وأستطيع أن أتذكرك
ليس في الساعات العصيبة، بل هنا
في صيف العام الماضي.
عندما تعود متراكمة
الأطياف السعيدة
- أشهر عديدة مُحيت -
مجلوبة بهيئة موتك...
آب في الحديقة، اليومُ بتمامه.
أقداحُ نبيذٍ أبيض
تُركتْ على العشب، قريباً من المسبح.
الحرُ أسفل الأشجار.و أصواتٌ
تنادي بأسماء .
أنخل،
خوان. ماريا روسا. مارثلينو.خواكينا
خواكينا ذات النهدين التفاحيين.
تعود أنت ضاحكاً، بعد الهاتف،
معلناً أن بشراً أكثر قادمين:
أتذكرك تجري،
انفجارُ جسدك المُتقِد في الماء .
والليالي كذلك،حرية تامة
في البيت الفسيح،كل شيء كان لنا
كما لو كان شبيهاً بديرٍ مهجور،
أو حنين أبوابْ مقفلة،
ذلك الجري بين الغرف،
البحثُ في الدواليب
والتمتع بمبادرة
التعري والتنكر. صبغُ
الجزمات. جزمات طويلة وسراويل،
مشاهد إعتباطية،
أحلامٌ إيروتيكية عتيقة من مراهقتنا،
فتى وحيد
أتتذكر كارمينا،
كارمينا السمينة تصعدُ السلم
بعجيزة متبخترة،
وتحمل باليد شمعدان ؟
كان صيفاً سعيداً
...الصيفُ الأخير
لشبابنا. قلتَ لـ خوان
في برشلونة حال عودتك
: » هو الحنين «،
وكنت على حق. بعد ذلك عاد الشتاء،
جحيمُ من أشهر،
و أشهرَ من الاحتضار
ليلةُ الأدوية والكحول الأخيرة
و القيء على البساط .
بينما أنقذتُ نفسي وأنا أكتب
بعد موت خايمه خِّل بيّدما.
من بين الإثنين،كنتُ الأفضل بالكتابة
أعلمُ الآن إلى أية نقطة كانت
رغبة الحلم والتهكم عنك،
رومانسيتك المخففة وهي تنبض في القصائد
قصائدي التي أفضلُ
و أحياناً أتساءل
كيف ستكون قصائدي دونك.
على الرغم من أنني ،تقريباً،مَنْ علمك،
منْ علمك أن تنتقم من أحلامي،
بهذا الجُبن، وأن تُفسدها .
محاورة
أيها الموتى
أحياناً تحققون القليل من الحرية،
ولكن الليلة
التي تعودون هي لكم،
لكم بأكملها.
يا عِشقي، يا ندمي
الليلة لك (2)
عندما أكون وحيداً
و تعود أنت،
تبتدئ بتصوراتك أن تتعرف علي.
أي ألم تذكرني به ابتسامتك؟
أية قسوة بدت لي في عينيك؟
تهدئني لأنني كنت بقربك
في لحظة ما؟
جزءاً من موتك الذي تمنحيني،
جزءاً من موتك الذي وصفتُ
من قطافي،كيف أرده إليك..
ولا حتى جزءاً من حياتنا معاً.
كيف أعلم بأنك سامحتني،
وأنك تحضرين معي موقع الجريمة؟
كيف أنام،بينما ترتعشين
في زاوية الغرفة الحزينة .
شارع باندروسو
أطيافٌ حبيبة عن أثينا.
في حي بلاكا
جوار دير موناستريكي،
شارعٌ بازاري بدكاكين عديدة.
لو يحبني أحدكم
ومضى يوماً إلى أثينا
ومرَ من هناك، خاصة في الصيف
ليبعث للشارع تحياتي.
كان يوم إثنين من آب
بعد عامٍ فظيع،وواصل لتوي
أتذكرُ إنني أحببتُ الحياة فجأة،
لأن الشارع كان يعبقُ
برائحة الطبخ و دهان الأحذية.
أشهر أخيرة
لقد عشتُ في بلدٍ مسور
بساحل قريب من الموت،
وحديقة طفولة،لم تستطع نسيانها.
عالمٌ آخر أكثر نقاء،كان عالمك.
غامض و بسيط
كساعة رمل.
موعظة العائلة
كم أنت ممتن لي يا أبي،
ترافقني بكل هذه الثقة
التي صنعها موتك بيننا نحن الاثنين؟
أنت لا تستطيع أن تمنحني شيئاً
وأنا لا أستطيع أن أمنحك شيئاً
ولهذا تفهمني تماماً.
عن الحياة الرائعة
في بلدٍ عتيق لا يوصف
شيء مثل إسبانيا بين حربين
أهليتين،في بلدة قرب البحر،
تملك بيتاً، ما يكفي من المال
و ذاكرة معدمة. لا تقرأ
لا تعاني، لا تكتب، لا تدفع الفواتير
و تعيش كنبيل محطم
بين خرائب فطنته.
انشغالاتي
» لا شيء أخشاه أكثر من إنشغالاتي «
غونغورا
ليس لي،هذا الوقت.
و إن كان لي نبض العصافير
خارجاً، في الحديقة،
فيضهُ في الأوراق الصغيرة،يحركني
مثل الألفة.
ولا يقول الشيء نفسه الآن.
أستيقظُ
كمن يسمع شهيقاً فاحشاً.
و لأنها قد أشرقت.
تشرقُ يوماً آخر
لا أكون فيه مدعواً
ولا للحظة سعيدة.
ولا أيضاً للحظة ندم،
و حتى لا أكون عتيقاً
» إيه يا ربي، إمنحني
قوة وشجاعة «(3)
تدعوني في الحقيقة لأندم
بما تبقى من الصراحة.
الآن لا شيء أخشاه أكثر من انشغالاتي.
شيء ما أتذكره عن الحياة،
ولكن أين تكون .
أغنية ختامية
الأزهار الورقية ليست حقيقية
و تحرق
مثل جبهة متأملة
أو لمس طبقة جليد.
الأزهار الورقية ، في الحقيقة
تشتعل أكثر قرب الصدر .
نزوى- 44