[ وكأننا في زمن النهايات

الفنانة ماجدة الرومي

سعيد عقلتتساقط من حولنا الكواكب وكأننا في زمن النهايات، وتتزعزع من شدة الأسى قلوبنا، وكأننا ضللنا منذ أمد كل طرق النور، فداهمت عمق أعماقنا الظلمات. رحم الله من كان للبنان بعلبكه الأدبية الأبدية، ومن سيبقى حتى انقضاء الدهور تابع إبداعاته الخالد. رحم الله المعلم. رحم الله الكبير السامي المقام سعيد عقل.

بكلام احترام، ماجدة الرومي.

[ المعلم العظيم

الفنان عبد الحليم كركلا

أيّها المعلّم الصديق....
ايّها المعلّم العظيم، سافرت من المكان إلى اللامكان... لتسكن الزمان
وتكون الفخر لأجيال لبنان، ألست أنت القائل:
المجدُ ما المجد لم أحتج إليه أنا عُلا الجبين إليه المجد يحتاج
ولست أنت من خاطب أمير الشعراء قائلاً:
على إسمك بينَ الحورِ أغْوى وأهدُر أنا النهرُ شوقي أيُّنا اليومُ أشعَرْ
سنفتقدك... سنشتاق إليك... سأبوح لك أنّ الأرز أدمع عليك
كنت من نسمع إليه ونتنوّر منه ونرتقي بضوء رؤيته، كنتَ تحبّ وتعطي من أحبّ لبنان
فتوّجت بقصائدك أعمال كركلا فأدهشت العالم.!!
طوّعتَ اللغة وخلقتَ لغتك فصارت كلماتك علماً للجمال والكمال معاً
كانت لديك القدرة على إذهال من حولك برعشةٍ من كلمة....
إنّك ذاك اللا ممكن أن يكون... إلا هو
شغلتَ الورى وملأت الدُنا
بشعرٍ نقدّسُهُ كالصلاةِ
أيّها المعلم العظيم، سيبقى نجمُكَ ساطعاً في السماء، نراه للأبد من على أعمدة بعلبك.
الخُلدُ والمجدُ لإسمك باقٍ ... تسابيحه من حنايا الأرز

[الشعر أبعد وأبعد وأبعد من السياسة

الشاعر محمد علي شمس الدين

عمّر سعيد عقل طويلاً تجاوز عمره المئة عام، وأهم ما في العمر الطويل، هو ماذا يفعل به صاحبه.
لم يبدد سعيد عقل عمره عبثاً. حفر في اللغة العربية حفراً ابداعياً قل مثيله وصنع من الكلمات تماثيل جمالية قائمة على المعادلة الفلسفية التي تقول «ان الجميل هو الجليل».
لم يكن سعيد عقل، يقبل في مفرداته الحداثة الشعرية وما بعد الحداثة، التي قال بها الغرب واخذها عنهم الشعراء المحدثون العرب.
بل كان واقفاً عند حدود الرمزية والرمزية لا تمت بصلة الى سعيد عقل وحده. كل شعر بشكل او بآخر ينطوي على رموزه.
من امرؤ القيس حتى صعاليك الشعر المعاصرين سعيد عقل ادار شؤون اللغة شعرياً ادارة تدل عليه. كما يدل تمثال موسى لمايكل انج عليه. اي ليس لديه من السريال شيء. ولكن لديه الكثير من الغرابة.
غرابة الموجود والمستور في وقت واحد، فاحتكاك حرف لحرف مثلاً، يولد كيمياء في الكلمة، وفيزياء الصوت كان الرجل مرهف النفس، حيالهما، كان يقول عاطفاً حرف السين على الحاء، وحر الشين على الحاء، بيته في القصيدة التي وجهها الى الاخطل الصغير:
«للموت قلنا استرح
للمستقبل اشِح
غداً على الرمل لا يبقى سوى الدمن
هذا الالتفاف الحروفي، وهذا التوشيح اللغوي، هو من صنائع سعيد عقل.
علمني ثلاث سنوات في دار المعلمين وانا ممن يجلونه كشاعر، ولا اخلط بين بعض سلوكه السياسي وابداعه الشعري. لان الشعر ابعد وابعد وابعد من السياسة.

[ ليصلِّ اللبنانيون للشاعر الكلّي الرحمة

الشاعر طلال حيدر

بس يرحل شاعر كبير مثل سعيد عقل، ويتخطى حدود وطنه.. شو ما انعمل بيكون اقل بكثير من غياب لا يعوض.
سعيد عقل كبير..
وقت مات فيلليني في ايطاليا وقف الشعب كلو، نزل الشارع، وقفت الناس في المستشفيات والجامعات وطلعت لبرا..
وقفت كل ايطاليا على رحيل فيلليني!
سعيد عقل ظاهرة تخطت لبنان وحدود الوطن العربي الى العالم، ظاهرة ما تكررت منذ ايام المتنبي..
ادعو اللبنانيين جميعاً الى ساعة صمت بلبنان وادعو الى ساعة صمت في العالم العربي، وادعو لتخرج الناس الى الهواء، الى الطرقات ساعة صمت حتى نسمع صدى صوت سعيد عقل.
معو حق جبل لبنان ما بيروح، شموخ الجبل ما بيروح..
بس كمان سهل البقاع واقف الكلي الرحمة ليصلي على سعيد عقل.
على الاقل زحلة تسكر شبابيكها وتطلع كلها على الطريق.
انا المسلم رح اطلع على طريق البلد واتمشى مع الهواء، وصلي لسعيد عقل.. صلاتي السرية..

[أحد أعظم شعراء لبنان

هبة القواس

(مغنية الأوبرا)

اقدم تعازي لكل لبنان بهذا الفقدان الكبير، ومن قبله فقدنا رموزاً وأعلاماً كباراً، بحيث بتنا نشعر وكأن بلدنا يفرغ منهم.

سعيد عل بعمره ومسيرته، يعتبر شاهداً على حقبة زمنية طويلة، قرن من التحولات، من هنا، ومن خلاله يمكننا ان نتعرف على هذه التحولات ومراحلها، كيف تحول شعره، وهو أحد أعظم شعراء لبنان، خاصة في مجال شعره الموزون الذي رفع راية جماليات هذا النمط، الذي وجد منذ أزمان بعيدة، ولكنه فيما مضى إما تلقائياً، او مصنوعاً، في حين بت مع سعيد عقل بجماليات اخرى مختلفة.

آخر شعراء التفعيلة العباقرة، الذي حمل الشعر الجمالي بلمعته هو، تلك اللمعة غير الموجودة كثيراً في العالم العربي. لسعيد عقل «خِتْم« ضمن هذا اللون الشعري، وضمن اللغة العربية و»اللبنانية» إن شئنا، حيث اسس مدرسته بلمعة لا تشبه إلا سعيد عقل.
بجنونه، بالبريق الذي يتطاير من شعره، من وجهه، تلك الطاقة المشعة من لونه.

هو الذي حمل لبنان الحلم، ونقله الينا نحن هذا الجيل، الذي لم ير من لبنان الا «لبنان الحلم» «لبنان سعيد عقل». لم يتجسد لبنان ولا لحظة بالنسبة لي الا لبنان الذي حكى عنه سعيد عقل.
لبنان لم أره الا بأحلامي، من خلال كلماته، وهو شيء جميل لانه خلق هذا الحلم كي يجعلنا نعشق لبنان، وربما يدفعنا الى الوصول لتحقيق هذا الحلم يوما ما.
لم اغنّ سعيد عقل، لكن مع الأيام والعمر ممكن أن تتسع مروحة التواصل مع كافة الانماط الشعرية ومنها شعر الراحل الكبير كي نبقى نحلم بلبنان الحلو، لبنان سعيد عقل.

[لينتفض الأمويون من قبورهم في وداعه!

الشاعر العماني سيف الرحبي

بغياب سعيد عقل تكون مرحلة من الشعر العربي قد طويت. شعر النشيد الغنائي الصاخب المتقن والمصاغ، بما يقترب من الصيغة «الرمزية» الحاذقة والغنية في الوقت نفسه. إن لم تكن في القلب منها، في نسختها العربية، التي جسدها سعيد عقل على نحو خلاق.
فالكثير من الشعراء العرب واللبنانيين خاصة، تأثروا بالشاعر الكبير فكانت تجربته فريدة ومؤثرة وشخصيته النرجسية التي تقترب من الغرابة في الموقف والرأي والسلوك والنظرة تجاه الآخر، اكثر إثارة ونقاشاً.
وربما بني امية لو أصغوا من أجداثهم الثاوية الى قول سعيد عقل: «أمويون وإن ضقت بهم ألحقوا الدنيا ببستان هشام. لانتفضوا من قبورهم في أرجاء بلاد الشام الجريحة، في البرهة الراهنة التي تضيق بهم الارض، تشريداً واقتلاعاً وإبادة.

[اللي «ضيعانو يخلص».. خلص

الشاعر موريس عوّاد

اليوم عبكرا الساعة تسعا كنت عم اكتب آخر ورقة من آخر فصل من كتاب اسمو «In mémorium» عن سعيد عقل، عم اكتبو من سنة 2012. بآخر فصل عنوانو «ضيعانو يخلص» كنت عم اكتب النهاية بمشهد مسرحي تخيلتو في وكأنو على مسرح عم يعيط لكل يللي عاش معن ايامو الاخيرة او حبّن من زمان. كان عم يعيط «لسعاد» و»فيكي» و»مولا»، عم يعيط ويقلن: «تعوا لعندي، حركولي رماد عبقريتي حتى تضل تشرقط»، بيقلو الشاعر الملعون يللي هو انا بالمسرحية: «رمادك صقع ونخلط بالتراب والتراب ناطرك...».

وبتفوت عن اوضتو ملهمتو موليملي (وهي الملهمة السابعة من الملهمات السبعة يللي بيّن زوس وأمّن ميموزين).

وبتقول: «صقّع»... ومنسمع موسيقى لموزار ومنفوت لجوا منشوفو كان عم يكتب، منحملو ومنيمو ع التخت. موليملي بتغمض عينيه وبتشيل الطرحا يللي عراسا وبتغطي فيا. أنا بشيل الطرحا عن وجو وبغطي بالبيرق، بركع وبقول: «ضيعانو يخلص، قولكن رح يكون في سعيد؟؟» بالآخر بركع وبقول: «باركيني لاني استرجيت اكتب هالكتاب...».

انا هلق بأوضتي بضيعتي «كفرغربي» وبغربتي سمعت انو راح سعيد عقل، طويت الصفحات وقلت: يللي ضيعانو يخلص.. خلص».

[جمالية الشعر دنيويته

شربل داغر

عن أي سعيد عقل أتحدث في كلمات سريعة ومقتضبة؟ كيف أودعه، وهو لا يتواني عن استقبالنا، غيري وأنا، في رحاب كونه الشعري؟ كيف أتحدث عن غيابه، وهو المقيم الراسخ والأكيد؟ كيف لعمره المديد أن يجمع، أن يوزع، أصواته العديدة، وخطابه المتنوع؟

ذلك أن هناك أكثر من وجه وإسهام لعمره الشعري والكتابي الممتد على مدى أكثر من سبعين سنة. قد يبدو غيابه غريباً للبعض، طالما أنه لم يبقَ أحد من جيله، عدا أنه قفز فوق أكثر من جيل شعري في لبنان وخارجه.

هو أكثر من شاعر بكثير، مهما غالى أو كابر معاندوه أو ناقدوه. هو مُكوِّن في التجربة الثقافية والشعرية، بل هو كيان، طالما أنه يعد مع قلة قليلة «طبعت» الاستقلال اللبناني منذ التطلع إليه. وإذا كان البعض يجد في شارل القرم، أو يوسف السودا، أو أنطون سعادة، علامات أكيدة في انطلاقته، فإن الدارس سيجد أجيالاً وأجيالاً بدأت منه، في غير ميدان كتابي وإبداعي: من أدونيس حتى توفيق صايغ مروراً بعشرات الشعراء اللبنانيين. وإذا كان شعراء القصيدة بالنثر وجدوا في شعره الصافي والجمالي ما يبتعدون عنه، فإن بعضاً مما آلت إليه تجارب بعضهم تستقي منه جذرها الحيوي البعيد هذا الجذر الذي جعل الشعر «لغة»، وبناءً، وتركيباً، قبل أن يكون فكرة وموضوعاً ووزناً وغيرها.

ومما يستوقف في تجربته الشعرية المتنوعة هو إقباله على عهد الكتاب الشعري، منذ شعره الأول، منذ مجموعاته الأولى: «بنت يفتاح» (1935) و»المجدلية» (1937)، إذ بدأ معهما عهد القصيدة التي تتخذ شكل كتاب، لأول مرة في الشعر العربي. وقد يجد الدارس تبايناً بين تجربته الأولى، التي حفلت بأكثر من شأن تجديدي، وتجاربه الشعرية التالية التي جنحت صوب اجتماعيةٍ و»وطنيةٍ» تعبيريتين، عنوانها: مكانة الشاعر نفسه. أشبه باستعادة لما كان عليه مسار خليل مطران، بين بدايته وتكريسه...

وأشد ما يستوقف في شعره كما في نثره وهو ما انشغل به كثيرون هو لغته، أو فنه التركيبي في لغته، التي بدت في نظر البعض مأثرة أسلوبية، كما لو أنها فعل تقني، مهني، يتأتى من الاجتهاد الخالص، من العمل الدؤوب، من المران، فيما تصدر من معين مختلف يحتاج إلى كثير من الدرس. هذا المعين هو «دنيوية العربية»، باختصار، أي هذه العربية التي يقاربها الكاتب من دون تهيب، ما يجعلها خاصته إلى حدود بعيدة في التجريب بها. هذه العربية «وصلت» إلى سعيد عقل بقدر ما انطلق بها. كانت، في بعضها، «مُسْتدخَلة» في مخزونه الاكتسابي، قبل أن يحولها إلى لعبة معمارية، فيها هوس البنائين وتطلعهم، وفيها توقيعات النَّفَس وترجيعاته.

يندرج عقل في هذه الثقافة الكتابية، البعيدة عن الديوانية والمجلسية في آن، والتي تعني في أعلى معانيها التاريخية والاجتماعية، قبل الكتابية، الدخول الحاسم لكتاب وكتاب مسيحيين في ثقافة العربية وفنونها. فكيف إن تحول هذا الشاغل (بمعان مختلفة) إلى علامة التنافس والتميز. وهو ما يغفل عنه كثيرون، إذ يُسقطون هذا التاريخ، ولا يتلمسون هذا الانهمام، بوصفه دلالة تجذر في عالم العربية. وما لا يعرفه ربما كثيرون أن انشغال عقل بدعوى كتابة العربية بحروف أخرى، لا يعدو كونه رجعاً بعيداً لدعوى، بل مشروع أتاتورك، ثم المصري عبد العزيز فهمي وغيره...

ظُلم سعيد عقل في عهد سيطرة الخطاب «القومي» كما «اليساري»، حتى بدا محلَّ تندر عند بعضهم، فيما يأتي من زمن آخر، هو عهد الخيارات التاريخية الاستقلالية الأولى. ثم ظُلم ثانية في عهد «التمذهب» الذي يهدد «وطنية» الكيان الذي عمل من أجل قيامه، حتى حدود «الأسطرة». وهو ما قد يفسر عودة البعض المتأخرة إليه، إلى تقديره المستجد، إذ باتوا يفتقدون في تغييبه بعضاً من الثقافة التي ظنوا أنه كانوا في صدد تطويرها، فيما كانوا - من حيث لا يدرون - يُدخلونها في عهد «الرثاثة» المقيم.

[علامتُه في الغياب نتاجُه في الحضور

الشاعر هنري زغيب

مع غيابه اليوم، يبقى حضوره في النتاج.

في مطلع حياتي الأَدبية، كنتُ أُتابع الأَدبَ اللبناني بأَبرز أَعلامه شعراً ونثراً. لم أَطالع نصوصَهم أُفقياً، بل توغّلتُ في نسيج النص، أَتبيّن ارتداءَ الفكرةِ أُسلوباً، أَو الصورةِ تعبيراً، أَو المعنى تركيباً، كي أَبحَثَ لدى كلّ أَديب أَو شاعر عن هُويّتِه الأَدبية، واشتغالِه على النص لا باعتماد اللغةِ وسيلةً لنقلِ المضمون، بل غايةً في ذاتها تَجعل المضمون أَنقى وأَبقى، فيبتعدُ الناثر عن السرد البارد ويباعدُ الشاعر عن النظم المقنَّع بالوزن والتفاعيل.

نادراً ما وجدتُ لدى أُدبائنا وشُعرائنا اهتماماً بالتركيب اهتمامَهم بالصورة والمعنى والمضمون.
ونادراً ما وجدتُ لدى سعيد عقل نصاً ذا صورةٍ ومعنى ومضمونٍ دون العناية بالتركيب.

وبعدما فتَّحْتُ عُرَى أُسلوبه دُربةً دُربةً بُلوغاً إِلى أَدواته اللغوية، كما نفتّح الوردةَ بتلةً بتلةً وصولاً إِلى ينبوع العَبَق، رحتُ أُعيد قراءةَ نثره («كتاب الورد«، لبنان إِن حكى«، «كأْس لخمر«، ...) وقراءةَ شِعره («بنت يفتاح«، «قدموس«، المجدلية«، «رندلى«، أَجمل منك؟ لا«، ...) فأَستسيغُ نصَّه أَكثر، لأَنني بِتُّ أَجيءُ النص وأَنا عالمٌ بمفاتيح تراكيبه، مدركٌ ثناياها ونسْجَها، متبيّناً كيف شاعريتُه تَلِدُ القصائدَ وتجترحُ النثر.

منذئذٍ رحتُ، بمعرفةٍ أَعمق، أُتابع مُحاضراتِه وأُمسياتِه، مراقباً تفكيرَه ومنطِقَه وآراءَه في أُمورٍ إِبداعيةٍ وشُؤُونٍ وطنيةٍ وإِضاءاتٍ لبنانية.

إِلى هذا الحدّ كنتُ بلغتُ من معرفتي أَسرارَ فنّه الأَدبي حين قضيتُ معه ساعاتِ عمَلٍ بَلَغَتِ المِئَة: خمسين في بيته (سنة 1993) قطَفْتُ منه ما كشَفَهُ لأَول مرة في حياته عن مراحلَ رئيسةٍ في حياته، نشرتُها لاحقاً في كتابي «سعيد عقل إِن حكى«، وقضيتُ الخمسين الأُخرى (سنة 2006) أَمام كاميرا «تلـزيون لبنان« حادَثْتُهُ في برنامجِي «سعيد عقل إِن حكى« سحابةَ خمسينَ حلقةً تلـزيونيةً نشرَ منها على المُشاهدين في لبنان والعالم أَفكارَه في مسائلَ فكريةٍ وعلْميةٍ وأَدبيةٍ ووطنيةٍ وحضاريةٍ وتاريخية، وشرَحَ في بعضِها قصائدَ له أَوصلَت مفاصلَ شاعريته إِلى قُرّائها أَمتعَ استساغاً.

مئةُ ساعةٍ قضيتُها مع سعيد عقل تدويناً خطياً أَو تصويراً تلزيونياً، لعلّها بين أَمتَع الساعات في مسيرتي الأَدبية.

أَن أَكونَ صديقَ سعيد عقل منذ 1972 وأُتابعَ بعض جلساته الأَدبية والشعرية وأَقرأَ نتاجه، أَمرٌ قد يكون عادياً، لكنّ غير العاديّ أَن تكون لي فرصةُ محاورتِه أَدبياً طيلة 100 ساعة استخلصتُ خلالها للقرّاء فالمشاهدين مسيرةً وأَفكاراً لهذا الشاعر الذي يملأُ عصْرَنا شِعراً ولُبناناً.

«سعيد عقل إِن حكى«...

وهو حكى ما سيبقى لجيلِنا وأَجيالِنا المقبلة ذُخراً أَدبياً وفكْرياً وحضارياً عن لبنان من شاعرٍ نَذَرَ نتاجَ فكرِه وقلمِه من أَجل لبنان.

[سكن بيت الشعر ولم يكن له بيت

الشاعر عصام العبدالله

كنت انتظر هذا الخبر وكنت اخاف منه، ليس سهلاً ان يغيب سعيد عقل عن زمن نحن ما زلنا فيه. احس انني كنت استند الى جبل من الكلام الجميل. الآن انا في العراء المطلق ولكن ثمة ابيات وثمة قصائد وثمة مواقف لسعيد عقل ستظل تمتن الذاكرة وتحاول ان تعيده الينا مصفى شاباً واباً جميلا. سعيد عقل معلمي واستاذي وصديقي الكبير وانا بريت قلمي على سنديانته وعلى قامته وتعلمت الثلج من شعره وتعلمت البحر من عينيه. قامة رائعة من القيم ومن المواقف التي لم يكن يتنازل عليها ابداً مهما نازعه عليها المنازعون. سكن سعيد عقل في بيت الشعر ولم يكن له بيت. حتى الآن ليس لسعيد عقل بيت. وكان متأكداً بأن بيوت الناس هي بيته وان قلوب الناس هي قلبه ولكنه كان يختلف معهم حول الهواء الذي كان يتنشقه والهواء الذي كان هو يتنشقه. احبه جداً. في هذه العجالة، يحلو لي ان يعيدني سعيد عقل ربما الى الكتابة. من سنوات لم اكتب. هل يكون هذا الرحيل وهذا الاحتفال حافزاً لي لأعود الى الشعر؟

انها قصيدته التي سأكتبها هي التي ستعيدني الى فضائي الشعري وعذابه.

[لبنان يودّع من لا بدائل منهم

الأستاذ السينوغرافي غازي قهوجي

بعد الاجتياحات الاسرائيلية والحرب الداخلية اللبنانية وعدم قدرة اللبنانيين على ارساء قواعد ثابتة لكيان الوطن على إثر ذلك لبنان في موقف وداع لكبار برزوا فيه، من دون ان يستقبل بدائل عنهم، وكأنه رصيف لمحطة كثر فيها التلويح بمناديل الوداع.
رحيل الشاعر سعيد عقل، يعني سقوط إحدى قلاع الشعر العربي.

سعيد عقل المستفرد بشعريته، والغنائي بخصوصية تكاد تكون نادرة، سعيد عقل ينضم الى قافلة الراحلين الكبار.
ويضاعف من خسائر لبنان على الصعيد الابداعي الى جانب خسائره على الصعيد السياسي والاقتصادي والبيئي والغذائي.

ورثني قصيدة رشا والمجد!

الناشرة والروائية رشا الأمير:

ما بعرف في فوضى لمجد ما
ما عاد عنا وقت لنودع..
وديع الصافي وصباح ونهوند
والشاعر الكبير سعيد عقل..
شو القصة..
موسم تنزيلات فوق عند الرب!
انا اشعر ان سعيد عقل ورثني قصيدة.
ماذا اقول
سعيد عقل الشاعر الكبير
ورثني قصيدة ومجد..
«الى رشا المجد»
ورث لبنان المجد..
وغيابه كما المبدعين يزيد فوضى
بالمحل على الفوضى القائمة..
ماذا نقول.

[أفق شعري وإنساني

نجيب فريجي (تونس)

رحم الله سعيد عقل الذي قال في ضمن التثمين:
«من انحنى امام امرأة ارتقى».
يخسر لبنان كما تخسر تونس والعالم العربي افقاً شعرياً وانسانياً كبيراً.

[هكذا عاش سعيد عقل

الأب جورج كرباج

ابن الخلود، سعيد عقل، رحل طفلاً عن مائة وسنتين... لا يمكننا ان نحده أو أن نطبّق عليه ما يطبق على الناس، كل الأوصاف التي نتداولها قاصرة هي، إزاء هذا الذي لا أعرف أن أضع له ما ينعت به، هذا الزاهد بالألقاب، بالأوسمة بالتكريم، به يكرم النبوغ، به تكتمل الشجاعة، به تستأنس الانسانية، به استعاد لبنان تاريخاً، ومجداً، منه الكرم استقى كيف يفتح الكف حتى تفرغ الجيوب وتصفر الأهراء التي ما عرفت أبوابها يوماً أن تكون مقفلة أو نصف مقفلة، لقد بقيت مشرعة وكانت الخيرات منها دافقة.

طلب مني مرة أخي لويس أن يتكفل لمدة سنة بجائزته وكان قد نال أول جائزة لأمه المرحومة أدال، فما كان من سعيد عقل إلا أن يقول: له له له له كيف بدي قدم جايزة باسمي ومش مني»، هكذا عاش سعيد عقل كل شيء منه.

وعندما قصدته ليكتب لي مقدمة لمسرحيتي في السبعينات طلب الي أن اقرأ له بعض المقاطع منها ففعلت واذا به يصفق فذهلت، سعيد عقل ما تعرفت الى أحد بطيبتك، لم يسعك هذا العالم وما شعرت يوماً أنه استهواك، لقد أردته أفضل بكثير وبقيت الى آخر رمق تحاول أن تحصن العلم والفكر والإيمان فيه، أن تحضن الوطن كما لم يحتضنه أحد مثلك، لي موعد معك كلما التقيت بالرب في قداسي الصباحي، وأنت ردد على مسامع الكون كله:

«وطني الحب وليس في الحب حقد».

إعداد القسم الثقافي كوليت مرشليان سحر طه يقظان التقي
المستقبل- 5 ديسمبر 2014